span style=\"font-size: medium;\"عندما يصبح العبث بقضايا الشعوب مهنة يحترفها العاجزين عن تحقيق اي هدف في حياتهم يتحول هذا العبث إلى حالة مرضية يسخرها هولاء العاجزين في تقزيم أعمال الآخرين الذين يعملون بعيدا عن رفع الأصوات وبهدوء جريان الأنهار الكبيرة في مسيرة شعوبهم. اليوم تشهد الساحة الجنوبية مالا يمكن تسميته حوارا للأسف بل حوار طرشان بعد غياب روح الحوار الحقيقي الهادف الذي من خلاله يمكن الوصول إلى نقاط مشتركة يتم التوافق عليها وترك ما لا يتفق عليه خاضعا لمزيد من النقاش بخصوص موضوع الرؤى التي يمكن ان تكون طريقا سالكا وآمنا لحل القضية الجنوبية ففي الوقت الذي يتفق الجميع على ان مصير ومستقبل الجنوب هو رهن خيار الشعب والذي لا يستطيع أيا من الطرفين ان يدعي انه قد منح تفويضا قانونيا للحديث باسمه. بين خيار الفيدرالية التي تنتهي باستفتاء الشعب الجنوبي على البقاء في هذه الفيدرالية أو تطويرها إلى كونفيدرالية أو فك الارتباط وبين فك الارتباط الفوري نشهد جدلا عقيما لا يمكن ان يفضي إلى تحقيق آمال شعبنا على المدى القريب وان كنت أؤمن ان شعبنا قادرا على السير وان مر بصعوبات على الوصول إلى تحقيق هدفه النهائي في استعادة هويته ووطنه. ولأن شعبنا لا يحتاج إلى المزيد من الكوارث التي عاش منها الكثير خلال الأربعة العقود الماضية نتيجة مغامرات أنصاف المتعلمين وشطحات الأفكار المتهورة الغير مسئولة فان الأمر يحتاج إلى مراجعة واقعية وموضوعية للخيارات المطروحة اليوم أمام قوى الحراك السلمي الجنوبي في الداخل والخارج. خيار فك الارتباط الفوري أمر قد يكون هو الأكثر رغبة لدى الغالبية الساكتة من شعب الجنوب وهذا أمر لا ينكرها الا جاهل بحقائق الأمور ولكن عند النظر إلى مسألة انجازه في ظل كل الظروف المحيطة بالقضية الجنوبية لابد من التفكير مرات قبل وضعه خيارا آنيا لما يواجه هذا الخيار من مخاطر كبيرة قد لا يكون اقلها الوصول إلى حالة من الانفلات الوطني وظهور انقسامات لا تخدم الهدف الكبير في استعادة الهوية والدولة الجنوبية في ظل غياب حامل سياسي منظم ومعترف به من قبل الجماهير قبل الآخرين, كما ان استنهاض القوى المعادية لهذا الخيار يكون أسرع وأقوى في ظل خوفها على المصالح السياسية والاقتصادية الني جنتها من إخراج الجنوب من المعادلة السياسية والشراكة في الوحدة وهي قادرة على أحداث الفوضى على طريق علي وعلى أعدائي. إضافة إلى ذلك ان فك الارتباط هو كذلك يحتاج إلى فترة انتقالية قد تطول وتقصر وتخضع لموازين القوى الفاعلة على الساحة وتظل هذه الفترة عرضة للصراعات التي لا يعرف نهايتها احد. وهنا يظل خيار الفيدرالية المشروطة باستفتاء الجنوبيين على مستقبلهم في نهاية الأمر أمر أكثر واقعية وأكثر آمنا كون هذا سيأتي في إطار اتفاقات دولية يرعاها المجتمع الدولي وتلزم كل الأطراف باحترامها وفيها يتم إعادة بناء المؤسسات الأمنية والسياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع الجنوبي المدني في وضع أكثر هدوء وتسمح للجميع للتأطير في أحزاب سياسية و اختيار أسلوب الحكم وشكل النظام السياسي الذي يراه الجنوبيون مناسبا لهم. قد يقول قائل ان الشمال قد لا يقبل فيدرالية على أساس إقليمين جنوبي وشمالي وبالتالي كيف سيتم التعامل مع الوضع في اعتقادي أنها لن تغير شيء فالهدف لشعب الجنوب لم يتغير وسيكون طريق فك الارتباط الفوري أمرا واقعا بعد ان يكون العالم قد أيقن أو اقتنع ان الأمر لن يستمر بغير إعطاء الجنوبيين حق اختيار مستقبلهم .