أصبحت مخيمات الاعتصام في ساحة التغيير وسط صنعاء شبه خالية من المعتصمين، وفي الهواء ترفرف اليافطات بهدؤ. عامين على اندلاع الثورة، أصبح لليمن رئيسا جديدا وتخوض-أي اليمن- مرحلة انتقالية هشة باركتها إدارة الرئيس أوباما كنموذجا يمكن تطبيقه لإنهاء الحرب الأهلية الدموية في سوريا.. وبطريقة أو بأخرى، فقد حققت العملية الانتقالية في اليمن هدؤا نسبيا، في الحين الذي تغرق فيه مصر وسوريا وسط اضطرابات عنيفة. واليمن، التي تم إنقاذها من على شفا حرب أهلية في 2011، تُحَضِر -حاليا- وببطء لمرحلة حوار وطني يهدف إلى تحقيق المصالحة بين الأطراف السياسية المتناحرة، تحت مراقبة مكثفة من دول عربية وغربية..
ومع أن اليمنيون لا يلمحون شيئا كبيرا قد تغير، ويخشون أن "النموذج اليمني" الذي يُمتدح كثيرا، يؤدي إلى استقرارا هشا في الوقت الذي يتطلب قرارات حاسمة..
وباستثناء العاصمة، فالبلد خارج سيطرة الدولة أكثر من أي وقت مضى.. فالجنوب في قبضة الحراك الجنوبي الذي يطالب باستقلال الجنوب، وفي الشمال، يعلو التوتر الطائفي ويتنامى بشكل خطير.والاقتصاد يواصل تعثره. وكل اللاعبين السياسيين الذي يُعقدون المشهد كعلي عبدالله صالح، الرئيس السابق الذي لازال يتمتع بنفوذ قوي، باقون في المشهد، والرئيس الجديد، هادي يحول جاهدا فرض شخصه عليهم..
وعن ذلك، يقول سامي غالب، وهو محلل سياسي ورئيس تحرير سابق لأحدى الصحف:" لم اشعر بقلق كالذي أشعر به الآن. دوما كان هناك صراعا مناطقيا، لكنه أصبح عقائديا، في الوقت الحالي. عمليات الاغتيال تحدث في كل مكان، وعلى سدة الحكم قائدا يتصرف مثل سلفه صالح لكنه لا يتمتع حتى بنفس قدراته السياسية.."
وعلى عكس صالح، فالرئيس هادي شخص منعزل، قليل التحدث في العلن وأخفق في تقديم رؤية واضحة لمعالجة أي من الأزمات التي تلف البلد. وقد أدى تأييده الشديد لهجمات الطائرات الأمريكية دون طيار –والتي تُنتقد في اليمن- إلى تآكل شعبيته الضئيلة أصلا. ويقول عنه الكثير، أنه يخشى على حياته وعيَّن العديد من أفراد عائلته وحلفاؤه السابقين في المناصب الأمنية.
حصل بعض التقدم، ففي العام الماضي تمكنت حملة عسكرية من استعادة العديد من المناطق الجنوبية التي كانت تحت سيطرة الجهاديين لأكثر من عام. لكن معظم المقاتلين انخرطوا في المجتمع مرة أخرى، وبعد انسحاب الجيش، تظل معظم المناطق الجنوبية مسرحا تجوبها جماعات مسلحة مجهولة في ظل غياب الدولة.
وفي نفس الوقت، فقد انتهج تنظيم القاعدة، فرع اليمن، تكتيكا جديدا وهو عبارة عن جملة من عمليات الاغتيالات الوحشية التي خلفت 74 قتيلا من الجيش والمخابرات منذ مطلع العام الماضي، وفقا لمسئولون في وزارة الداخلية.. ومعظم عمليات الاغتيال ينفذها مسلحون مقنعون يستلقون درجات نارية وغالبا ما يستخدمون مسدسات كاتمة للصوت، ولم يتم القبض إلا على القليل منهم.
ويقول مؤيدو هادي أنه ورث تركة تحديات مهولة. ووصل هادي إلى الحكم قبل عام بموجب بنود المبادرة الخليجية المزمنة والتي قادتها دول الخليج وبدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية وقوى غربية أخرى. وكان هادي مرشحا توافقيا بإجماع واسع. ولأنه يفتقد لقاعدة قوة مستقلة ، أصبح مسالما للقادة القبليين والعسكريين الذين يتمتعون بالتأثير الفعلي. وتمثلت مهمته الأساسية بإضعاف هؤلاء القادة والذين يمثلون أهم عوائق التغيير الحقيقي لما يملكونه من أنظمة محسوبية فاسدة.
ويمتدح بعض المحللون جهود هادي البطيئة والمستمرة في استرضاء خصومه. وعن ذلك قال دبلوماسي أوربي طلب عدم الكشف عن اسمه، وفقا لبروتوكول دبلوماسي:" عَرف (هادي )أن الوسيلة الوحيدة لإضعاف صالح تتمثل بتحالفه مع اللواء علي محسن" الجنرال القوي الذي انشق عن نظام صالح وانظم إلى معارضيه خلال احتجاجات العام 2011.
وأزاح هادي عددا من قادة الجيش الموالين للرئيس السابق. وأعلن في ديسمبر الماضي عن هيكلة واسعة للجيش بموجبها تم تعديل مهام كل من أحمد علي، نجل الرئيس السابق وعلي محسن الأحمر، وهما أقوى شخصيتين عسكريتين في البلاد. وبالرغم من ذلك لازال الرجلان يتمتعان بنفوذ وبالتحديد من خلال شبكات المحسوبية والتأثير القبلي. وستنبئ الأيام عن مدى قدرة هادي-الذي يفتقد لارتباطات مشابهة- على الاستمرار في محاولة إضعافهما.
كما سيكون عليه مواجهة تحدي الحراك الجنوبي الذي توسع بشكل كبير على مدى العام الماضي الأمر الذي جعل بعض المسئولين اليمنيين يخشون من أنه قد يؤدي إلى حرب، إذا لم يتم النظر إليها. وقد جذب مهرجانا أقامه الحراك في 13 يناير الماضي عشرات الآلاف من المحتجين الغاضبين. وبالرغم من أن قادة الحراك منقسمون على بعضهم، لكنهم مجمعون على رفض المبادرة الخليجية بوصفها وثيقة تخص الشمال، وقد رفض معظمهم –تقريبا- المشاركة في الحوار الوطني.
ولا يبدو انفصال الجنوب(الذي كان دولة مستقلة حتى 1990) ممكنا في ظل غياب قيادة قوية وغياب الدعم الأجنبي. لكن الحراك أصبح اليوم أكثر تشددا ومُعقِدا لجهود استعادة نفوذ الدولة المركزية.
وعلى العكس، فهادي ينتمي إلى الجنوب وتم اختياره –أساسا- على أمل أن ذلك سيساعد في تهدئة الحراك الانفصالي. ولكن، وعلى عكس التوقعات، فهادي مكروه على نطاق واسع في الجنوب، وقد يعزا ذلك إلى اعتباره احد أعمدة النظام السياسي الشمالي بعد أن عمل تحت إمرة صالح لمد 18 عاما.
ويقول عبدالغني الارياني، وهو خبير في الشئون السياسية اليمنية " قد يستطيع هادي استعادة ولاء الجنوب أو تهدئة الوضع هناك على أقل تقدير، في حال قام بالخطوات المناسبة. لكنه ليس لاعبا سياسيا جريئا"..
وهناك خطر آخر صاعد يتمثل ببروز الموجهات العنيفة والطائفية بين اكبر جماعتين سياسيتين في اليمن. واحدة من هذه الجماعات هي الحركة الحوثية التي يقودها مؤيدون متشددون شيعة ويتهمون بتلقي دعما من إيران. وقد تصادم مؤيدوها بشكل متكرر مع شباب يتبعون حزب الإصلاح. الحزب السني الأبرز في اليمن والتسمية المحلية للإخوان المسلمين.
وقد أخذ الصراع طابع حرب الوكالة بين السعودية –التي تدعم الإصلاح- وإيران، بنغمات سنية شيعية مزعجة.
وقد أصبح صوت الحوثيين عاليا ويقيمون حشودا جماهيرية كبيرة على طريقة مهرجانات حزب الله الشيعي في لبنان. ويتبادل كلا الفيصيلين قذف بعضهما بعبارات طائفية باستمرار.، كظاهرة جديدة في اليمن، وفي مناسبات متعددة تقاذف الجانبين بالحجارة، بل وصل الأمر حد المواجهات مسلحة.
ويقول نجيب غالب، رئيس مركز الجزيرة للدراسات في صنعاء :" الكل قلقا مما يحدث، يتوجب على هادي تهدئة الأمور، لكنه لم يفعل"..
وبدلا من ذلك، فإن هادي يضع كل طاقته ويعلق كل آماله على مؤتمر الحوار كما تقتضي المبادرة الخليجية.
وسيَجمَع مؤتمر الحوار-الذي تأجل لأكثر من مرة- 565 ممثلا من كل الأطياف السياسية اليمنية المختلفة في لجان فرعية متعددة وجلسات مشتركة لكل المشاركين على مدى ستة أشهر. وتهدف الفكرة، كما يقول دبلوماسيون، إلى المشاركة الجماعية والتي ستكون حلا لأزمات اليمن، حتى لو خرج الحوار بقرارات توافقية قليلة حول المستقبل السياسي لليمن.
ويزداد المشككون، ولعل مبعث شكهم هو رفض الحركات السياسية الأكثر تشددا كالحراك الجنوبي والحوثيين.
وهادي، كسلفه صالح، يبدو أن لا ينتبه كثيرا للأمور الاقتصادية بالرغم من بعض المؤشرات المرعبة. فيقدر عجز الموازنة للسنة القادمة بحوالي 3.17 مليار دولار من إجمالي الموازنة التي تقدر ب 12.6مليار دولار، كما أن نصف ذلك العجز لم يتم تأمين مصادر تمويله، ودفعت الحكومة 2.8 مليار دولار كإعانات فقط في 2012، وبالتحديد لمعادلة تكاليف الوقود لشعب مدقع الفقر. ويقول مسئول رفيع في وزارة المالية، طلب عدم الكشف عن اسمه : دفعت السعودية ما قيمته 2 مليار دولار على شكل منتجات نفطية وهذا الذي "أنقذنا"، ولكن، "هل نستطيع الاعتماد على ذلك مستقبلا"؟.
مؤخرا، وفي ظهيرة إحدى الأيام، قالت رضية المتوكل وهي ناشطة سياسية يمنية:" أحسد المصريين"، قالت ذلك وهي تتابع على شاشة التلفزيون صورا لمشاهد الاحتجاجات العنيفة في مصر، وأضافت:"هناك، للناشطين المستقلين صوتهم، على الأقل. هنا، لا صوت لنا. هناك لديهم جيش موحد. هنا، كل شيء مقسم، ولا شيء تغير."