لا شك في أنّ الحوثيّين تمكّنوا من فرض شروطهم على الرئيس عبد ربه منصور هادي في الاتفاق الذي حصل برعاية أمميّة، وذلك بعدما حقّقوا انتصاراً في الميدان من خلال السيطرة على أهمّ المرافق الرسمية في العاصمة صنعاء، بدءاً من المطار مروراً ببعض الوزارات وصولاً الى مراكز القيادات العسكرية. إضافة الى أنّ الاتفاق ينصّ على تأليف حكومة وحدة تُحدّد معالمها الاساسية جماعة «انصار الله» الحوثية، ويقضي بتعيين المستشارين السياسيين للرئيس هادي من الحراك الجنوبي والحوثيين، ما يعني تقييد صلاحياته الرئاسية، إذ إنّه سيصبح عاجزاً عن اتخاذ قرارات مهمة، زد على ذلك رفض الحوثيين توقيعَ البند الامني ضمن الاتفاق لأنّ ذلك يُبقي الباب مفتوحاً امامهم للعودة الى خيار الشارع، ويمكّنهم من تصفية الحسابات مع الذين خاضوا الحروب الست ضدّهم في صعدة، خصوصاً اللواء علي محسن الاحمر.
كان الرئيس هادي يُدرك أنّ مسيرة الحوثيين التي بدأت من السيطرة الكاملة على محافظة صعدة وعلى محافظتَي عمران والجوف خلال زحفهم الى صنعاء، هي بداية للإمساك بالقرار السياسي في البلاد، لكنّ تحوّل قيادات عسكرية وقبلية فاعلة من احضان السلطة الى جانب الحراك الحوثي جعله مكبّلاً، وحدَّ من فاعلية الدعم الاقليمي الذي أوصلَه الى سدة الرئاسة وفق المبادرة الخليجية، التي اعتُبرت حينها الهدف الاول للرياض ضد طهران، في اعتبار أنه جاء في مرمى التمرّد الحوثي في الشمال وحراك الانفصال في الجنوب. بالطبع الهدف السعودي لم يرق لإيران، ودفعها لحشد طاقاتها ليس لتحقيق التعادل مع السعودية بل للفوز بالجولة اليمنية.
مصادر ديبلوماسية يمنية سابقة تعتبر أنّ ما يشهده اليمن هو انقلاب على السلطة بكلّ المعايير، وترى أنّ توقيع الرئيس هادي الاتفاق مع الحوثيين هو تشريع للانقلاب.
وتؤكد المصادر أنّ حلفاء هادي الخليجيّين قد وقفوا في موقع المتفرج في الوقت الذي كان فيه واضحاً أنّ الحوثيين يسعون للاستيلاء على زمام الامور، مشيرة إلى أنّ الرئيس اليمني كشف في لقاء مع هيئة الاصطفاف الشعبي أنّ ايران تضغط عليه للافراج عن سفينتي الاسلحة «جيهان» 1 و2، وعن بعض عناصر الحرس الثوري الذين كانوا على متنهما.
وتنقل المصادر أنّ هادي وقف في وجه الضغوط الايرانية، فحاولت طهران حينها تقديم حوافز له وذلك من خلال عرضها وضع ملياري دولار في البنك المركزي اليمني لدعم الاقتصاد في البلاد، مقابل إنهاء ازمة «جيهان»، لكنّ إصراره على الرفض دفع بالايرانيين الى اللعب بورقة الحوثيين والانفصاليين في الجنوب.
وترى المصادر أنّ الحوثيين ما كانوا ليتمكنوا من دخول صنعاء والسيطرة على المرافق الحكومية بلا مساعدة الرئيس اليمني السابق علي عبد لله صالح، خصوصاً أنّ صالح يسعى أيضاً لتصفية حساباته مع الاحمر الذي اعلن تأييده للثورة اليمنية في آذار 2011، ما اعتُبر حينها المسمار الاخير في نعش نظام صالح.
إذاً لم تُحقّق الجمهورية التعادل مع المملكة فحسب بل إنها انتصرت في الجولة اليمنية هذه، ولعلَّ هذا ما دفعها الى محاولة امتصاص النقمة السعودية التي تحاول بدورها الايحاء بأنّ التعادل لا يزال سيّد الموقف بين طهران والرياض، وهذا ما تجلّى في لقاء وزيرَي خارجية البلدين في نيويورك عقب توقيع الاتفاق في صنعاء، وإعلانهما فتحَ صفحة جديدة في العلاقات بين بلديهما، من دون أن يُحدّدا متى وأين وعلى أيّ ملعب ستكون الجولة المقبلة بينهما. * (صحافي وكاتب لبناني يعمل لدى قناة روسيا اليوم)