كلما شاهدت ياسر اليماني، الذي فوضه علي عبد الله صالح بالحديث باسمه، تذكرت الصحاف وتذكرت غير طيب الذكر موسى إبراهيم الذي كان يتحدث باسم القذافي في مواجهة ثورة الليبيين الشجاعة. كان يضايقني ياسر اليماني بترديده الببغائي الممل البليد لعبارة "فخامة الاخ الرئيس " ولا اعتراض عندي على فكرة الصفات أو النعوت التي يريد أن يسبغها ياسر اليماني على "أصنامه" فهذا هو رأيه، وهذه هي مشاعره غير المسؤؤلة، ولكن الاعتراض هو على مسألة المبالغة أو الإكثار الشنيع في الترديد للعبارات الجوفاء الباهتة المتملقة إلى درجة أن موضوع مداخلته يضيع في خضم أنثيال التملق الذي لا يجد له مكانا في الحوار أو المناقشة التي من المفترض أن تتوخى الصدقية والتأثير في الجمهور، وهذا التأثير في الجمهور لايحصل عندما يحس الناس أن المتحدث كذاب أو أنه أسير لمشاعر مزيفة، وكثيرا ما تتحول مثل هذه العبارات الى عبء كبير على دفاع المتحدث أو مرافعاته، فهي تحولها من مرافعات هدفها إظهار الحقائق الى كلام ممجوج بارد يثير الغثيان والاشمئزاز ، أي كلام ينعكس سلبا على قائله وعلى القضية التي يدافع عنها أو على الموضوع الذي يتحدث عنه، فدائما ما يصبح الإسراف في التملق مثل الإسراف في الذم والشتم من حيث آثارهما السلبية القاتلة.
آخر صرعات ياسر الصحاف.. آسف أقصد ياسر اليماني.. أنه خرج علينا أمس في قناة " العربية " يقول بأن الجرحى والقتلى الكثيرين الذين تساقطوا في مظاهرات صنعاء يوم أمس إنما قضوا وإنما سالت دماؤهم بفعل رجال من المعارضة نفسها، فالمعارضة ، حسب قوله ، جندت قناصة محسوبين عليها لإطلاق الرصاص على المتظاهرين ، فقتلت وجرحت ، وذلك بهدف إحراج "فخامة الاخ الرئيس!! ".. عيب عليك يا رجل !! هل تتوقع أن يصدقك أحد في مثل هذا الهراء الغبي المريض؟! وهل علي عبدالله صالح نفسه مقتنع بما كنت تقول ؟! أنا أظن أنه مقتنع بما كنت تقول وإلا لما فوضك للحديث باسمه ، تماماً كما كان صدام حسين مقتنعا بما كان يقوله الصحاف عنه وعن وجاهة تصرفاته، وتماما كما كان القذافي مقتنعا بما يقول المعتوه موسى إبراهيم. ناطقه الرسمي ، بل إننا نعتقد بأنهم كلهم كانوا يوافقون سلفا على ما تقولون ، بل ربما أنهم يملون عليكم ما تقولون ، وهذا هو ما وضع عالمنا العربي المسكين فيما هو فيه اليوم من المآسي والتخلف والانحطاط والانحدار ، وماذا ننتظر لأمة يقودها الى مصيرها المحتوم مثل هؤلاء ؟! حروب وقتل وإبادة وسرق ونهب وفساد ، بلا هواده ولا حياء ، تبررها كلها أكاذيب و أباطيل لا يستحي ولا يخجل أصحابها من ترديدها على رؤؤس الإشهاد .
هل تحرك في لحظة واحدة ضمير أي من هؤلاء الحكام تجاه أعداد القتلى الذين يتساقطون يوميا من شعوبهم ؟ مالذي يضير علي عبدالله صالح في أن يرحل قبل أن يسفك المزيد من دماء اليمنيين ( شعبه العظيم ) ولا سيما أنه يعرف أنه سيرحل لا محالة و إلى غير رجعة في يوم أقرب إليه من بنانه ؟!
إن العيب الأكبر في المبادرة الخليجية أنها تضمن لعلي عبدالله صالح عدم الملاحقة القانونية ، أو عدم المحاكمة ، فلقد مات بسبب هذا الرجل أعداد كبيرة من اليمنيين، فضلا عن الفساد الذي أودى باليمن غير السعيد إلى الأوضاع التي ستنهكه لسنوات .. نعم سنوات لا يعلم عددها الا رب العالمين .