مع بزوغ شمس بداية العام الجاري أعلنت الشعوب العربية عن تغيير مجرى التاريخ وكتابة تاريخ جديد بديلا لذلك التاريخ الذي جعل حياتهم لعدة عقود من الزمن مليئة بالذل والهوان، حياة كبت وقهر والضرب بآمالهم عرض الحائط. عاشت الشعوب كل تلك الفترة تحت الظلم والاستبداد لأنظمة قمعية ديكتاتورية ارتأت لحكمهم على أن شعوبهم وأوطانهم تعمل على خدمتهم وتنفيذ أوامرهم متناسية أن لكل بداية نهاية وأن الضغط يولد الانفجار، فانفجرت الشعوب وصرخت في وجه تلك الأنظمة بان الحل لم يكون إلا بإسقاطهم وتغيير أنظمتهم. انطقلت شرارة الثورة التونسية بفضل ذلك الرجل الذي أحرق نفسه قهرا من حاله ومن كبت نظامه فمات البوعزيزي ولكن بموته أحيا قلوب كل أبناء الوطن العربي، خرج بن علي الرئيس الهارب بوعود الإصلاحات وتغيير سياسته في حكمه للبلاد وأنه فهم مطالب شعبه إلا أن إفاقته جاءت بعد فوات الآوان وأبى الثوار أن يعودوا أدراجهم إلا برحيله فما كان منه إلا الهرب من بلاده بعد أن كان الآمر والناهي فيها، وما انتهت الثورة إلا بتحقيق مئاربها وتحقيق نجاحها، وها هي تونس تعيش حياة كريمة بانتخابات نزيهة. وتلتها بعد ذلك ثورة مصر وبنفس الاستراتيجية التي اتبعها التونسيون لم تعد الثورة إلا بتحقيق مرادها وها هو مبارك يحبس وتجري تحقيقات معه، وما قام به بن علي قام به مبارك المحبوس وراء قضبان السجن، خرج لإلقاء تصريح وتغيير الحكومة ووضع نائب له إلا أن ذلك لم يغير شيء وأنه وعى ما يريده شعبه ولكن توعيه لمطالب الشعب جاء كذلك متأخرا بعد أن قرر الشعب المصري إسقاطه ولم يهدأ ولم يستكين إلا بسقوط النظام. وجاءت بعدها إفاقة الشعب الليبي وصحوته من نومه ليقرر هو كذلك إسقاط النظام الأكثر ديكتاتورية والأكثر هيمنة على شعبة، إلا أن في ليبيا لم يكن بذات السياناريو الذي حدث في تونس ومصر ولم يكن القذافي المقتول كمبارك وبن علي فهاجم شعبه وشتمهم بالجرذان والمهلوسين وأبدى تساؤلا غريبا يدل على أنه هو من يتعاطى حبوب الهلوسة حيث قال من أنتم؟ وكأنه لا يعلم من هؤلاء اللذين يحكمهم لأربعة عقود فكانت نهايته وخاتمته في أنبوب الصرف الصحي لا يتواجد به إلا الجرذان والحشرات القذرة. وانتفض الشعب اليمني الشعب الأرق قلبا والألين أفئدة، شعبا تواجه ثورته بالأسلحة والدبابات وهو يواجهها بالسلمية والصدور العارية، كم أنت عظيم يا شعب اليمن، طيلة شهور عديدة ولم تهزه جبروت طاغية ولن تحيده عن ثورته مزاعم رجل الكذب في قوله والنفاق في صفاته، هو كذلك كسابقيه من إخوته الطغاة خرج ليصرح ويتوعد ويهدد وكسابقيه وعد بإصلاحات ووضع حلول جذرية وشاملة إلا أن أبناء هذا الوطن العظيم فهموا هذا الشخص الذي لا يفي بوعوده البتة، وعلموا أن الذي لا يصدق أبدا كيف له أن يصدق هذه المرة، وكالقذافي في تساؤله الغبي الذي ينم عن عقله المحدود وفكره الناقص حين تسائل من يرحل يعني بتساؤله العجيب والغريب أن الذي يرحل هو شعب بأكمله ليبقى هو وعائلته وأذنابه من لا زالوا مناصريه ومؤيديه، إذا رحلنا كلنا أريد أن أضع لك سؤالا يا فخامة الأخ الراحل من ستحكم؟! وأقول لك شيء تعلمته من الثورات التي أطاحت بأنظمة مشابهة لنظامك، أن نهايتك ستكون كمن سبقك من زعماء انتهوا وعليك أن تختار النهاية التي تريدها إما الهرب وإما السجن، وإما القتل.. ثلاثة سيناريوهات وما عليك سوى اختيار أحدهم. وأود القول أيضا إنما العبرة بالخواتيم وأن النصر للثورة والخلود للشهداء والبقاء لليمن حفظها الله ورعاها.