لقد حركت ثورات الربيع العربي الحياة الراكدة منذ نصف قرن تقريباً هذه الثورات التي جاءت استجابة لنداء الحرية والتغيير من رواد الحرية كالكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصراع الاستعباد) وكالشابي والزبيري وغيرهم لقد انتفضت الشعوب العربية بشرارة البوعزيزي من تونس وتجاوب معها الشعب التونسي ولحقه شعب مصر وانتفض الشعب اليمني يوم سقوط فرعون مصر في 11 فبراير ثم انتفض الشعب الليبي في 17 فبراير وتبعه الشعب السوري المجاهد، ونجحت ثورة تونس بوقوف المؤسسة العسكرية معها وكذلك ثورة الشعب المصري وتأخرت ثورة اليمن وليبيا لطبيعة تركيبة المؤسسة العسكرية التي تحولت إلى مؤسسة خاصة للأسرة الحاكمة. ففي ليبيا ألغى القذافي الجيش وأسس كتائب القذافي للأسرة الحاكمة، وفي اليمن همش الجيش الوطني وأسس الحرس العائلي، ولذلك فثورة ليبيا انتصرت شعبياً بالانتفاضة ولكن القذافي أعلن الحرب عليها حتى أُسقط في عقر داره في باب العزيزية في أواخر رمضان. والثورة الشعبية في اليمن انتصرت شعبياً ولكن النظام الفاشل الساقط المستبد حاول ويحاول أن يجرها إلى مربع العنف ولن يستطيع فالثورة سلمية وستظل سلمية، وهذا النظام سقطت شرعيته بقيام شرعية الثورة الشعبية الشاملة، فالشعب مصدر السلطات وقد أخذ الشعب حقه من مغتصبيه وسقط النظام بجميع أجهزته وأركانه ولم يبق إلا عصابة يقودها النجل الأكبر ليسيطر على البلاد وليعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن هيهات هيهات فالثورة منتصرة بإذن الله تعالى. ولقد أظهرت هذه الثورات حقيقة الأنظمة العربية وطبيعتها المتوحشة واستماتتها على الكرسي هذه الأنظمة تعتبر نفسها قد ملكت كل شيء الإنسان والأرض والفضاء ولا صوت يعلو فوق صوت الحاكم وأسرته، ولذلك شعارهم تباد الشعوب ويبقى الحاكم "إما أحكمك أو أقتلك". ولذلك لو لم يكن من الثورات العربية إلا أنها أظهرت حقيقة الحكام وطبيعتهم ومعاملتهم لشعوبهم، وفضحت فسادهم واستبدادهم وعبثهم بالثروات والمقدرات وعمالتهم، وفضحت ممارستهم بإلغاء الجمهورية وتوريث الحكم لو لم يكن إلا ذلك لكفى. وكذلك أظهرت طبيعة الطغيان فكلهم ملة واحدة (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) .. فكلهم يدّعون أن الشعب معهم وأن شرعيتهم من الشعب وعندما ينتفض الشعب يتحول كله إلى خونة وجرذان ومخربين وثعابين وإلى أصوات نشاز .. فيستخفون بشعوبهم ويتحولون إلى القوة والبطش (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون). فيحولون الجيش الوطني إلى جيش العائلة لقتل الشعب ويبقى الحاكم وعائلته، فهذا القذافي ينادي ويقول: أليس لي ملك ليبيا .. فمن أنتم؟ وهذا صالح ينادي ويقول من يرحل؟ وسبقهما بن علي ومبارك لابد من أن يدرك حكام العرب أن شعوبهم قد تحررت من الاستخفاف والخوف وأصبح شعارها الحرية أو الموت، وهذا الشعب السوري يرفع شعار "الموت ولا المذلة" وسينتصر بإذن الله. وتحركت الشعوب العربية بصدور عارية أمام آلية القمع الأمنية والعسكرية للأنظمة الهالكة والكرتونية، واستطاعت هذه الثورات أن تقضي على مبدأ التوريث وجددت مبدأ الجمهورية بالطريقة الشعبية الحرة ورفعت شعار الحرية ضد الظلم والاستبداد والطغيان وجاء فجر الثورة الليبية في نهاية رمضان بعد خمسين ألف شهيد، وسيأتي فجر الثورة اليمنية قريباً بإذن الله، وليعلم بقايا النظام العاشقين للحكم والإمامة أن الشعب الذي ثار وانتفض واستمر هذه الفترة الطويلة لن يعود ليحكم بأسرة أعادته إلى الخلف عشرات السنين هذا الحكم المستبد الظالم الفاشل سيسقطه الشعب بثورته وصبره وسلميته واستمراره فثورة ثورة حتى النصر (متى نصر الله إلا أن نصر الله قريب) .. وسيرد سلاحهم وعنفهم ومكرهم إلى نحورهم، وسينتصر الشعب السوري رغم المجازر الدموية التي يمارسها النظام. إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).