هو أحد أبناء حافة حسين (الذائعة الصيت) من مدينة كريتر عدن البركان والثورة .. ومن الذين يرفعون القامات والهامات ويسطرون تاريخاً للعدل والاستقامة في أسفار هي مفخرة المدينة .. نشأ طفلاً في أسرةٍ وبيئة صالحة .. رأيته يافعاً مع أقرانه في الحافة ينمو بجسده النحيل .. ويأخذ وضعه أسوة برفقته .. وفي حياة الغلام الناشئ في طاعة الله، والمحب لعمل الخير والمتميز في سلوكه عن أقرانه وكأنه أكبرهم سناً .. فهو هادئ الطبع يتحدث بوقار رغم صغر سنه .. آنذاك .. رأيته في المدرسة الثانوية يتقدم في دروسه، وكان يعظِّم مدرِّسيه ومربيَّه ، يحترم ويحب جيرانه.. توقعت له النجاح في حياته مبكراً، وكنت أرى في اجتهاده وسلوكه وهدوء طبعه مستقبل القاضي الناجح.. ودعوت له في نفسي سراً بالتوفيق .. خصوصاً وأن والده رحمه الله كان يستشيرني في كثير من الأمور التربوية والمتعلقة بتعليم أولاده .. حيثُ كان يرى أنَّ من هو معنا اليوم (ولده الأكبر) يمثل مستقبل أسرته.. بدأت رؤيتي تتحقق، عندما أعلمني والده أنه .. في كلية الحقوق، ثم عرفت أنه قد نجح في معهد القضاء العالي، وهكذا سارت به الأيام في التنقل القضائي بين محافظات عدة .. حتى رسي به المطاف بالجلوس على كرسي رئاسة محكمة صيرة فازدانت به عدن التاريخية .. وتكللَّت شوكة الميزان بالشرف الرفيع، هو القاضي/صادق عبدربه محمد محسن شاهدته وعرفته على مقاعد الدراسة وعلى كرسي القضاء وفي الشارع وعند سكنه .. هو كما عهدته من قبل.. ذلك المتواضع الخلوق البسيط .. فرح به الناس، وتعلق به الكثير لعدله وتواضعه مع المواطنين وتقدير حالاتهم خاصة كبار السن منهم .. ولكنه لا يساوم في أن تختل عنده شوكة الميزان. وقبل كتابة هذا الموضوع أخبرني أحد المحامين الكبار .. أنه وجمع من رفاقه مزمعين على جمع توقيعات تهدف إلى رد اعتبار القاضي (هو من نوثق صفاته وعمله في صمت) وعودته إلى رئاسة المحكمة .. وكنت قد أثرت هذا الموضوع، مع أحد القضاة الكبار الدرجة في مناسبة احتفالية الشهر الماضي، يومها أثنى عليه كثيراً .. إلى درجة التفضيل على كثير ممن يقودون عربة العدل والقضاء في البلاد وأشار إلى سابق عمل كان بمعيته .. فتبين لي وعبر إحساسي الذي خبرته كثيراً ووجدته لا يخيب من باب الفراسة المشهورة عند العرب وهي المعتمدة عند القضاء في الدول المجاورة أن ظروفاً موضوعية ليست لها علاقة بذات القاضي/صادق .. هي التي كانت السبب في إبعاده من رئاسة محكمة صيرة .. وقد كان ذلك فيما وصلتْ إليه قناعتي الموغلة في الاعتقاد أن ذلك فعل ظلم على القاضي .. جرح مشاعر الكثيرين .. ومع ذلك فهو ابتلاء الصالحين وامتحاناً لصبرهم. ولما كنت أكتب في صحيفة (خليج عدن) في عمود مع العاملين بصمت تحركت في نفسي دعوة داخلية ألحّت إلى نصرته باعتباره (مظلوم وكان يعمل بصمت) وهو الذي يعاني في نفسه أيضاً بصمت من الظلم والسكن الضيق الذي تعيش فيه أسرته الكبيرة العدد ورغم ذلك فهو يحترم نفسه بشدة .. ويطبق العدل على ذاته وإخوته وبقية أفراد أسرته لذلك كان اسماً على مسمى صادقاً وأميناً وصبوراً؛ بينما دون أمثاله من الغير .. يسكنون الفلل وما لحق بها أكثر تمثيل وأبلغ صورة .. وعلى ذلك: كان لزاماً علينا نصرته ولو بكلمة حق؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : 119]. لقد كان القاضي/صادق .. ضحية ظرف سياسي، ولدت ثورة شعب وعمادها الشباب ومنهم القضاة وغيرهم، وأصبح ذلك الظرف.. خلف ظهورنا، واليوم أنا وكثيرون ممن أعرف من الفئات النوعية في المجتمع نعلم أن هذا القاضي، كان يعمل بصمت بعيداً عن الأضواء والإعلام وبعيداً عن التزلف والتقرب من أصحاب الحضوة والشأن في السلطة التنفيذية وكذلك القضائية .. كان يتحرى العدل وينشده إلى أبعد صورة من حدوده اجتهاداً، ولما ظهر له شرعاً وقانوناً وهو بشر بالإضافة لما سبق من صفاته ونجابته وحسن خلقه، وتقوى الله .. فهو يضع في اعتباره كرامة المواطن فوق كل اعتبار ولو هيبة القضاء .. وهذا أهم ما يميِّزه عن الآخرين وقد ظُلم .. فهل من اعتذار ورد اعتبار .. واتساقاً مع ما تقدم نورد خبراً. أوردته بعض القنوات الفضائية يوم 11/مايو 2012م كان مفاده رد اعتبار واعتذار لمراسل وكالة (اليوشونايتد برس) الذي فُصل من عمله في 7 مايو 1945م لأنه أورد خبراً ونشره في لندن حول إعلان استسلام ألمانيا للحلفاء؛ وكان الحلفاء يرغبون في تأخيره ساعات لغرض في نفس يعقوب .. إلاّ أن انتشار الخبر .. وضعهم أمام حقيقة كانوا يرغبون ألاّ تظهر للناس مبكراً فكان عقاب المراسل فصله من عمله كمراسل وكذلك تسريحه من القوات المسلحة الأمريكية .. واليوم وبعد مراجعة لذلك الظلم المجحف .. وبعد تحقيق تم تقديم الاعتذار ورد الاعتبار للمراسل.. فكان تعليق ابنته: جميلاً أن يأتي هذا الاعتذار ورد الاعتبار ولو متأخر قرابة (70) عاماً ولكنني كنت أحبذه أن يأتي ووالدي حي!! فهل وصلت الرسالة؟؟