على مر التاريخ الحديث لم تشهد اليمن مرحلة شديدة التعقيد كما هو الحال الآن حيث أجتمعت وفي نفس التوقيت العديد من الأزمات لتتزاحم مهددة الكيان المجتمعي بالإنقسام والتشظي والإنفجار في أي لحظة ولعل تراكمات الفعل السلبي في الخارطة السياسية والتي ألقت بظلالها على مجمع تفاصيل الواقع كانت من أهم أسباب حالة الإحتقان والتي ساهمت الثورة الشعبية السلمية في إخراجه بطريقة سلمية وكادت تنجح في الجراحة وبالتالي الإستشفاء الكامل لولا تدخلات القوى الداخلية في تقييدها وتسييرها وفق المصلحة الذاتية لبعض مراكز النفوذ في وقت كانت فيها الثورة تقود نفسها بمخالب ناعمة دون ان تمتلك الادوات القادرة على التعامل مع قوى رجعية متخلفة تبدع في الصراع والإقصاء والتهميش وتعمل وفق عقلية ماضوية لتظل في الماضي دون ان تغادره وبالتالي أصبح من الصعوبة بمكان عليها التعاطي مع المشهد الثوري الذي قادته الطليعة الثورية ليهز أركان النظام لولا المكر والخديعة والتحايل والإلتواء ومحاولات الهدنة والتهدئة والسيطرة على الساحات ومصادرة القرار الثوري تحت مبررات إنتهازية لم تنكشف إلا في وقت لاحق من ايام الثورة ومع كل محاولات السيطرة على الثورة من قبل القوى الفاسدة التي سارعت الى إعادة إ‘نتاج نفسها بأدوات جديدة إلا أن تفاعلات المشهد الثوري أسهمت الى حد بعيد وهذا كان تحصيل حاصل في إخراج ما كان تحت الطاولة والإفراج عن حالة الكبت والظلم لتبرز على السطح مجموعة من العوامل والأسباب التي تطورت الى كيانات تحمل العديد من المشاريع والتي قد تتناقض مع مشروع بناء الدولة مستغلة حالة الثورة الشعبية في ترتيب صفوفها والإعلان عن نفسها .وبينما كانت تلك المشاريع تعمل من اجل هدفها أنحسر نفوذ الدولة وتدهور الوضع الإقتصادي وفتح الباب واسعاً امام التدخلات الأجنبية وشهدنا مرحلة جديدة من الإرتهان والتعبية على كان رأس ذلك الأحزاب والقيادات التاريخية التي أدمنت التسكع في العواصم ومد يدها للخارج مقابل القيام بدور قذر داخل الوطن وما ساعد في ذلك هو إلتفاف معظم القوى السياسية حول الخارج والإتفاق على مبادرة الخليج والسعي الدؤوب نحو كسب رضا القوى الأقليمية والدولية لأهداف تتعلق بالسلطة التي تستوجب حسب عقلية تلك الأطراف الحصول على تاشيرة او ضوء أخضر امريكي بدلاً من العودة الى الشعب صاحب السلطة ومصدرها كما تقول أدبيات الدستور الذي صاغه قانونيون من كل أطراف الصراع السياسي .الرئيس هادي ومقدمات الحوار الوطني :يواجه الرئيس هادي العديد من المعوقات والعراقيل التي تحول دون إحداث تغيير حقيقي أو تحقيق تطور مأمول في مجمل تفاعلات المشهد العام وتتزاحم الكثير من الازمات والتعقيدات على صدارة تلك المعوقات فمن وضع امني معقد وجماعات مسلحة ما تلبث ان تعلن عن نفسها وتسيطر على مناطق ودولة ينحسر نفوذها يوما بعد آخر ووضع إقتصادي هش وفقر يتسع وينتشر ومعه تنتشر الجريمة وتصبح إحتمالات التدهور والإنهيار متوقعه بإعتبار الفقر منبع او سبب هام للإرهاب والتذمر والتمرد على حالة الإنتظام وبالتالي فإن بناء الدولة سيصبح مجرد حلم يراود مجالس الساسة والسياسيين ومجرد عبارات تذروها الرياح وشعارات تردد في الفعاليات المختلفة .إن تعقيدات الوضع السياسي يجعل من الرئيس هادي أمام إختبار صعب ومعقد فهل يحسن الرئيس هادي ترتيب أولوياته والخروج باليمن من ازمة صعبة إحتمالات الخروج منها تتضائل كلما اصبحت السلطة محل صراع مختلف الأطراف وكلما أصبح الحوار الوطني والإلئتام حول الخطوط العريضة لما بعد المرحلة القادمة أمراً صعباً وبالتالي سيصبح على هادي حتى يبدو منتصراً امام الجميع ووفق معايير تاريخية ترتبط بحقيقة الوضع الحالي إبقاء اليمن على ماهي عليه على مدى العامين القادمين إذا ما افترضنا إقامة الإنتخابات الرئاسية في حينها وقد يكون ذلك مستبعداً في الوقت الحالي مالم تتجه مختلف الأطراف السياسية نحو الحوار والإتفاق حول معالم الدولة المدنية القادمة وقبل ذلك التوقيع على وثيقة عهد تلتزم بموجبها جميع الاطراف على القبول بالشراكة وإلقاء السلاح والتنافس الخلاق بالأدوات السلمية وإحترام هيبة الدولة وإعلاء الدستور والقانون وعدم وضع العراقيل امام المرحلة الإنتقالية بل ومساندة الدولة على بسط نفوذها في كل الأرجاء والبدء في عملية إصلاحية شاملة إن لم تكن تغييريه تستهدف مراكز القوى والنفوذ تبدأ بإيقافها عن حالة الفساد والتسلط التي كانت سائدة في العهد السابق وأن تقبل بالعهد الجديد بكف يدها عن النهب والسيطرة والإستحواذ ومن ثم فتح المجال امام المنظومة المجتمعية المدنية في نشر افكارها وتهيئة السبل امامها في إحداث نقلة نوعية في الحالة المعرفية والوعي الجمعي لمختلف شرائح المجتمع حتى يصبح الجميع مهيئ فكراً وسلوكاً للمدنية وخوض المرحلة القادمة بتنافس قيمي أخلاقي ووفق مبادئ ومعايير يتفق عليها الجميع وهذا ينبع من إتفاق مبدأي بضرورة التغيير وأن المرحلة القادمة هي مرحلة التغيير من اجل النهوض والبناء .من يقف في طريق الخروج من الازمة :الدولة المدنية حلم يراود شباب الثورة ويزعج كثيراً القوى التقليدية من عسكر ومشائخ ممن سيفقدون مصالحهم بالتأكيد في حالة إحداث تغيير شامل وكامل إضافة الى القوى الإنتهازية ممن لا تزال حول الرئيس هادي أو لديها العديد من المصالح في السلطة مع إحتفاظها بنفوذها الكامل التجاري والسياسي والعسكري أيضاً وهنا نقول أن عدم إيمان كافة القوى بضرورة التغيير سيؤدي بنا الى حالة تقاسم او توافق على السلطة وفق المصلحة وبالتالي سنشهد حالة تفشي حقيقي للفساد ولكن هذه المرة من قبل شركاء السلطة ولعل هذا بدأ من خلال إخفاقات وزراء المشترك العديدة والتي أصطادها إعلام المؤتمر مؤخراً وهذا ما يؤكد لنا أن التغيير لم يتحول بعد الى ثقافة عامه أو أن جميع الأطراف لم تؤمن أو غير قادرة على إستيعاب الثورة والقبول حتى ببعض اهدافها وهنا سنصبح امام إعادة إنتاج نفس النظام ولكن مع توسيع اطرافه فقط .هادي الصمت ...لعل المفاجئة في شخصية الرئيس هادي هو حالة صمته وغيابه الشبه الدائم عن الظهور الإعلامي حتى في الخطابات الرسمية رغم شدة الظروف والاحداث التي تمر بها البلاد والتي تستوجب منه الظهور الدائم والمستمر على وسائل الإعلام وصنع كاريزما خاص به إلا ان الرئيس هادي وكما يبدو يتخذ إتجاهاً آخر لم يتخذه زعيم من قبل ولعل تعقيدات المشهد وظهور مفاجئات القاعدة الدموية وتمرد بعض القادة العسكريين وتعنت بعض القوى التقليدية جعلت الرئيس هادي يتراجع بعض الشيء عما كان قد قدم عليه من عملية تغييرات طالت بعض مراكز الفساد بينما هو في الطريق لإجتثثاث بقايا الفساد في كل مكان .إن ما شهدته البلاد خلال الأسابيع الماضية من إنفلات أمني جعلت الرئيس هادي يعيد ترتيب أولوياتة إبتداءً من الحرب على القاعدة مع حالة التنظيم الإداري للدولة ومحاولة إيقاف تدهور هامش الإقتصاد الوطني وتوفير أدنى الخدمات على الأقل كهرباء عاصمة البلاد ناهيك عن حالة الإحتقان السياسي رغم دعوات الحوار إلا ان حروباً أعلامية تديرها نفس تلك القوى وكل ذلك وأكثر يجعل من الرئيس هادي أمام الإختبار الصعب والذي يحتم عليه البدء بترتيب ما حوله من خلال الفرق العاملة وإعادة النظر في مسألة أمنه الشخصي والإستعانة بخبراء من حكماء اليمن من مختلف التيارات السياسية والإجتماعية والبدء في إعداد خطة عمل للعامين المقبلين وما بعدهما .الأجهزة الأمنية .لقد صار من الواجب على الرئيس هادي إعادة هيكلة الأجهزة الامنية ودمجها في جهاز واحد ولعل شباب الثورة حين جعلوا مسألة دمج الأمن السياسي والأمن القومي في جهاز واحد مع تحديد دورهما في إطار القانون والدستور والأخلاق والأعراف والتقاليد يعمل على مواجهة مخاطر إختراق الجهاز الامني من قبل الجماعات الأخرى بل سيؤدي الى تجدد الصراع بين تلك الأجهزة أو تصبح جزءاً من صراع قوى النفوذالجيش الواحد ..الحديث عن الجيش تردد كثيراً وهنا يجب أن أشير الى ضرورة إتخاذ قرارات شجاعة لإزاحة كبار قادة الجيش وليس نقلهم من مكان لآخر بل إبعادهم تماماً عن المؤسسة العسكرية وبإمكان الرئيس هادي إقالة تلك القيادات مهما كان نفوذها فمنها من وصل به العمر الى أرذله وأصبح في سن التقاعد وهناك الكثير من المبررات الواقعية التي تجعل الرئيس هادي يتخذ مثل تلك القرارات مع تهيئة الرأي العام لقبول تلك القرارات إن لم يكن الشعب مؤيد لها مسبقاً .العلاقة مع الخارجلن نزايد أبداً في مسألة العلاقات مع الخارج ولن نطالب الرئيس هادي بإيقاف التدخلات الخارجية لكن بإمكانه العمل على إيقاف مستوى التدخل الخارجي حتى يضع لبنات الدولة الحديثة وإعادة بناء المؤسسات العامة القادرة على قيام دولة تستطيع أن تحقق السيادة الوطنية وهنا يجب ان تؤمن كل الأطراف على ضرورة الوصول الى مرحلة تصبح فيها اليمن بلا تدخلات خارجية وأن تتوقف تلك الأيادي الممتده للخارج وأن يتم جدولة ذلك زمنياً بحيث نصل خلال أعوام وقد أنهت اللجنة الخاصة أعمالها وتم تجريم بالقول والفعل كل عمالة وإرتهان وتبعية سيما من السياسيين وتطبيق نصوص القانون والدستور في ذلك .بإمكان الرئيس هادي ووفق ظروف الواقع الداخلي ان يعمل على إيقاف حجم التدخلات الخارجية وحصرة في مستويات معينة وفي نفس الوقت يعمل على بناء قدرات الدولة بعد تحقيق مستوى إستقرار نسبي في الإقتصاد والامن العام وحتى يتم إستعادة الاوضاع الطبيعية لليمن ومن تلك اللحظة نبدا في مرحلة أخرى من البناء والتغيير.