على العود والشبابة عزفت الجوقة الموسيقية، التي رافقتامرأة جميلة، جاءت لترقص في بلاط إمبراطورية(بركاشا) أمام أميرها وحاشيته، تنوعتبرقصاتها بين رقصة(اللهب) و(السيوف والرماح) و(النجوم والفضاء)، واختتمت برقصةناعمة(الأزهار في الرياح)، لتنتحي بجسدها اللين الصنصالي أمام العرش، فأمرهاالأمير أن تقترب منه، وسألها بإعجاب شديد عن مصدر فنها "من أين أتيت بفنك؟وكيف أتيح لكِ أن تقودي عناصر الطبيعة وتصرفيها على إيقاعاتك وقوافيك؟"، انحنتمرة أخرى، وأجابت بلقافة لغوية عميقة عن الفيلسوف اللبناني/جبران خليل جبران "يا صاحب السمو والنعمة، أنا لاأعرف جواب أسئلتك، كل ما أعرفه هو أن روح الراقصة تقطن في جسدها كله". بأدائه البسيط وحركاته العصبية الغريبة المصاحبةلغنائه المؤثر والمقنع يقترب الشاعر بخطواته الحذرة الذي قام بدوره ملك الغناء بمصر/محمد منير في فيلم(المصير) للمخرج العالمي/يوسف شاهين من الشابة الجميلة/سلمى التي قامت بدورها الممثلة/روجينا، كانت تجلس بهدوء بين جذعي شجرة، يسرح الحزن بها بعيدًاعن المكان، الذي بدأ يمتلئ بصوت الشاعر الأسمر "علي صوتك بالغنى.. لسهالأغاني ممكنة.. ممكنة.."، يدنو الشاعر ويقرفص على ساقيه أمامها، يحاول إقناعهاباستمرار الحياة ناظرًا مباشرةً لوجهها المكتئب "ولسه يا ما.. يا ما ويا ما..من عمرنا.."، تبدأ الآلات الموسيقية بالعزف، والممثلة/ليلى علوي بدور(الغجرية) كانت ترقب مشي الشاعر نحو سلمىوحركاته، وفجأة تقف من على مائدة الطعام التي كانت تجهزها، تنفض الطحين من يديها،وتنضم إلى الشاعر، ليأخذا بيدي سلمى إلى وسط المشهد بين الناس، ويباشر الجميع بالرقصفي المكان، بينما الشاعر يغني والعزف متواصل، تناول إحداهن الغجرية دفًا، ليزدادجمال الغناء، وتضيف سحرًا للعزف بطريقة تحريكها للدف وضربها عليه، كلها ثقة بأنالغناء والرقص هما الحلان الوحيدان لإسعاد سلمى. بقصد يقتربوا من الكوخ الذي قُيد بداخله بحبالغليظة على كرسي خشبي الشاب/عبدالله الذي قام بدوره الممثل/هاني سلامة، يعلو صوت الغناء جملة بعد جملة تخرج من فمالشاعر، والرقص المتفاعل من الجميع على شكل أزواج يزيد الحماسة، بعد أن ذهب الشاعرإلى هناك بالغناء، يعود ويلتفت لسلمى، ويشير بيده متشنجًا إلى وجهها، وينظر إلىالغجرية، وكأنه يحرضهما على تصعيد الرقص، ويغني بحماسة "ترقص.. أرقص.. غصبعني أرقص.. ينشبك حلمك بحلمي.. غصب عني أرقص.."، من خلف جدار الكوخ تأتي الأصواتبالرقص والعزف والضحك إلى مسمع عبدالله المقيد، تستفز مشاعره، فيحرر نفسه منالحبال، ويقف من على الكرسي، ويصرخ مع جمل الشاعر "ولا انكسار.. ولا انهزام..ولا خوف.."، للفكر أجنحة بغناء محمد منير من كلمات كوثر مصطفى وألحان كمالالطويل وتمثيل ورقص ليلى علوي. كانت تحتاج المحامية/سلوى التي قامت بدورها الممثلة/يسرا في فيلم(ما تيجي نرقص) للمخرجة المتمردة/إيناس الدغيدي بنسخته العربية من الفيلم الأجنبي(Shall we dance?)، لأن تمر من أمام معهد لتعليمالرقص، والقليل من الشجاعة لتشترك فيه، وتتعلم الرقص، لتكسر الروتين اليومي فيحياتها العادية، ولتشعر بعاطفة مختلفة جديدة عليها تجاه زوجها وابنها، وتتجددأحاسيسها مع شعورها بعدم أهميتها وقلة إنجازاتها الأسرية والمهنية، بعد أن أصيبتحياتها بالجفاف مع زوجها المتذمر دومًا منها، وتصادمها مع أفكار وتحرر ابنها، وإزعاجعملاءها المملين في المكتب، المحامية الجادة التي لا تعرف غير خط الميترو، الذييربط بين منزلها ومكتبها، وصلت إلى مرحلة لم تستطع أن تتوازن مع محيطها الاجتماعي،مما أدخلها في أزمة نفسية معقدة، أصابتها باكتئاب ورتابة وعدم تفاهم مع أقرب الناسلها، حتى عملائها المجبرة على التعامل معهم للحظات في مكتب عملها، مما سبب فجوةكبيرة في حياتها، فكانت النصيحة من أصدقائها المقربين بشغل أوقات فراغها بالرقص، وفيمعهد تعليم الرقص قابلت نفسها التائهة، ووجدت طريق الرقص للتصالح مع الجميع. الصدفة جعلت سلوى تسترق النظر بخجل من بابالمعهد، لتشاهد شباب وشابات يرقصون مع بعضهم بسعادة متناهية، وآخرون يتدربون علىأداء حركات الرقص الابتدائية، تتابعًا اقتنعت الالتحاق بالمعهد، وبدأت سلوىباختلاس أوقات من عالتها وعملها لتحضر حصص الرقص، راحت تتذكر أيام شبابها الجميلة،يغضب زوجها الذي قام بدوره الممثل/عزت أبو عوف عندما علمه بالأمر صدفةً، وخصوصًا أنها أخفتعنه ذلك، ويصل الحال بينهما إلى الطلاق، ويتراجعا عنه لاحقًا، في البداية يرفض فكرةتعلمها الرقص، ولكن مدرب الرقص الوسيم/أحمد الذي قام بدوره الممثل/تامر هجرس يقنعه بأهمية الرقص وتأثيره على النفس، فيقررالالتحاق بصفوف الرقص خفية عن الجميع، في الوقت الذي كانت فيه تتدرب سلوى على يديذات المدرب، الذي رشحها لتشارك بمسابقة رقص كبيرة، تتفاجئ بأن الذي سيشاركهاالرقصة في المسابقة هو زوجها، وعلى وقع أغنية(تمايل معيSway with me/) للمغنيDean Martine/، يرقص الزوجان أمام الجمهوربانسجام وتناغم كبيرين وبتفاهم افتقداه طويلًا، بالفعل نجح الرقص بإعادة زوجين إلىحياتهما الأسرية السعيدة، في حين فشلت كل المحاولات الأخرى، في الفيلم شرائح مختلفةمن المجتمع ترقص، وشرائح أخرى تحاول تعلم الرقص. تقول الأسطورة أنه بمجرد مرور كوكب نيبيرو(Nibiru) بين الأرض والشمس في نهاية شهرديسمبر من العام الجاري 2012م بقوته المغناطيسية الكبيرة سيسبب زلازل رهيبةوفيضانات هائلة وتغيرات مفزعة على وجه الأرض، ستقضي على أغلبية سكان الكرةالأرضية، هو ذاته الكوكب الغامض الذي اكتشفه تليسكوب تابع لوكالة ناسا(NASA) الفضائية في عام 1983م، وأسمتهبالكوكب المجهول(X)وقتها، وقبلًا اكتشف السومريون الكوكب بمشاهداتهم وحساباتهم واهتمامهم بالفلك،ودونوا عنه المعلومات، حصل كاتب الخيال العلمي/زيشاريا زيستيشن على بعض الوثائق السومرية عن الكوكب،قام بترجمتها ونشرها في كتابه(الكوكب الثاني عشر) في عام 1976م، وبدأت القصة تأخذحيزًا من الاهتمام في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، بعد انتشار شائعاتعن ذلك الكوكب الغامض في المجموعة الشمسية، الذي سينهي أشكال الحياة المتنوعة على وجهالأرض، يظن بعضهم أنه كان السبب وراء طوفان نبي الله نوح – عليه السلام. إن أغلب الأحداث الكبرى التي وقعت على الأرض،وشوهدت في الفضاء تيمن بها شعب المايا، احتضنتها وذكرتها حضارتهم، وذلك لتفوقهموبراعتهم في علمي الفلك والرياضيات، وقد توقع شعب المايا بأن انقلابًا شتويًاسيحصل وسينتهي العالم، وحددوا الحادي والعشرين من ديسمبر من عام 2012م تاريخًا لحدوثكارثة كبيرة ستزيل الأرض، كما جاء في تقويمهم المسمى(Long Count)، الموضوع في 3114 قبل الميلاد،والذي سينتهي في تاريخ 21 ديسمبر 2012م. أخذ فيلم الخيال العلمي(2012)للمخرج/رولانإيميريش عامًا كاملًا للتصوير 2008-2009، وصدر قبل 3 أعوام، فيه يكافحالبشر والحيوانات من أجل النجاة من الموت وإنقاذ حياتهم من أحداث وكوارث يشهدهاالعالم، والتي من شأنها أن تؤدي إلى نهايته، استوحى الفيلم قصته من عدة فرضيات، تتنبأبيوم الهلاك، المعتقد بأنه نهاية دورة التاريخ حسب تقويم شعب المايا، التي سكنتالمكسيك في أمريكا الوسطى، وسوف يحل في وقت ما في نهاية شهر ديسمبر من عام 2012م. في اليوم المنتظر والمرتقب لانتهاء العالم، كلشيء يبدأ بالانهيار، تتساقط ناطحات السحاب، وتتهدم المباني، تظهر بقع سوداء علىنجم الشمس، تكبر تدريجيًا حتى تحجبها تمامًا، فلا تصل أشعتها إلى الأرض، تنقلب الكرةالأرضية رأسًا على عقب، القطب الشمالي يصير جنوبي والجنوبي شمالي، يشاهد البشرأجرام سماوية ملتهبة تتجه بسرعة شديدة في السماء صوب الأرض، تشب حرائق كبيرة، وتنتهيالحياة في ذلك اليوم، وما يعود أمامهم إلا اللجوء إلى تحت الأرض، هروبًا منالكوارث الفظيعة التي تحدث على وجهها، كل تلك المشاهد مقدمة فيديو كليب لأغنية(/Tillthe world endsحتىينتهي العالم) للمخرج/راي كاي من الألبوم الأخير(Femme Fatale) الذي صدر بداية العام الجاري للمغنيةالاستعراضية/بريتني سبيرز، تلك الأغنية خصوصًا من ألبومها كانت لا بد أن يضاف لها بُعدمرئي وتصور بطريقة الفيديو كليب. في مشاهد من الفيديو كليب، يركض مجموعة منالشباب والشابات في الأزقة الضيقة، يقوم شاب يحمل عصا حديدية بفتح منهل(حفرةمجاري)، ليساعد شابتين للنزول إلى تحت الأرض، يواصل الشباب والشابات الذين ظهروابملابس سوداء ممزقة الركض في قنوات المجاري وأنفاق الميترو السفلية، للهروب ممايحدث من كوارث على وجه الأرض، وينضموا لحفلة الغناء والرقص التي جهزتها بريتنيمرتدية جوارب سوداء شفافة ممزقة على امتداد ساقيها، ليبدءوا فعلًا بالرقص علىموسيقى الPopوالRock & Roll،بفعل الحرارة الشديدة يتصبب العرق من أجسادهم الملتصقة ببعضها، ومع ذلك مستمرونبالرقص، يستمتعون بآخر لحظات حياتهم مع انتهاء العالم، جاءت اللوحات الراقصة التيصممها مدرب الرقص العالمي/بريان فريدمان حيوية ومتقنة ومناسبة لكلمات أغنية شديدةالحركة تحتاج للخفة، يظهر واضحًا في المشهد الراقص الذي يتحرك فيه الراقصون علىإيقاع تصفيق بريتني مع الموسيقى المرافقة لهم، تترابط مشاهد الفيديو كليب سريعةالعرض مع إيقاعات الأغنية بشكل يخدم قوة الفكرة، وترابطها مع الكلمات التي تحث علىالرقص، كآخر شيء يمكن عمله قبل نهاية الحياة، في نهاية الأغنية تكرر بريتني هذهالجملة(/keep on dancing till the world endاستمر بالرقص حتى ينتهي العالم)، وكأنها تقول أن الرقصلا بد أن يكون بقوة حدث انتهاء العالم، وفي نهاية الفيديو كليب الذي بدأ بعرضتاريخ 21 ديسمبر 2012م بخلفية صورة للأرض اُلتقطت من قمر صناعي، ينتهون من الرقص، فتصعدبريتني من تحت الأرض، وتخرج من فتحة المجاري، لتكتشف بأن العالم لم ينتهي، وأن الشمسمشرقة في وسط السماء، والحياة مستمرة. مصير العالم مسألة لا تزال مفتوحة قابلة للتداولوالأخذ والعطاء فيها، ويبقى مفهوم نهايته الوشيكة بظاهرة 2012 بين معتقدات ومقترحاتوتأويلات وإدعاءات وتنبؤات وتفسيرات وتكهنات وحجج وتنجيم، تُرجمت بخيال علمي إلىأعمال سينمائية وأغاني وفيديو كليبات وبرامج وثائقية تلفزيونية وروايات وقصص، ونُشرتفي مواقع إلكترونية وكتب ومجلات بعيدًا عن مفهوم يوم القيامة(قيام الساعة) الذي جاءذكره صراحة في كتب الديانات السماوية، ويختص بعلمه خالق الكون وحده دون غيره، ومن جهةأخرى تكذيب ونفي هيئات وصروح علمية عالمية ووكالات فضاء كبيرة ومعروفة، يُؤخذ بآراءالعلماء والفلكيين والأكاديميين فيها من خلال أحدث الأجهزة الكاشفة كالتليسكوباتالدقيقة في مثل هذه الأحداث المصيرية للعالم، ومشاهدتها من أي مكان في العالم عبرموقع Google Earth، مهما كان التعتيمالذي تمارسه الحكومات على الشعوب بإخفاء الحقيقة عنهم كالحكومة الأمريكية، وكماأشارت دراسات علمية حديثة بأن انقراض جزء كبير من البشر على وجه الأرض سيكون بسبب أنشطةبشرية كالحروب النووية وغيرها..، وأن الجنس البشري هو آخر تطور لجنس الهومو، وهذايدل على وصول التطور الخلقي إلى طريق مسدود، مع عدم تطور بقية المخلوقات خلال مئاتالسنين الفائتة، مما يؤكد قرب نهاية العالم، ربما في نهاية هذه السنة أو في السنةالقادمة أو بعد عشرات أو مئات أو ألوف السنين. الرقص.. تفتعلهكافة المخلوقات بنفسيات وأمزجة في حالات متعددة، الرقص بأنواعه المختلفة والمصحوببالموسيقى أو بالغناء من الفنون التي أهتمت بها الشعوب منذ قديم الزمن، هو بحدذاته علم يبحث عن كيفية صدور الحركات الموزونة أو العفوية من الجسد، يخلق نوعًا منالسرور في روحي الراقص والمشاهد، أُعتبر نشاط بأشكاله الفردية أو الثنائية أوالجماعية، أرتبط بطقوس دينية كالتعبير عن الشكر للإله، ولطلب التوفيق بالصيد أوالزراعة، ولجلب المطر، ولإثارة الرعب في نفس العدو، ولطرد الأرواح الشريرة، ولتمثيلحدث حصل في تاريخ الشعوب أو القبائل أو العشائر، ولطلب المساعدة في الحفاظ علىالمكان الذي يتواجد عليه الكائن الحي، وغيرها من مآرب بالرقص، ومع اقتراب موعد انتهاءالعالم كما سبق ذكره، سيجد البشر أنفسهم مضطرين لممارسة الرقص كنوع من التسلية ونسيانللحدث الختامي القادم إليهم، والذي سيقضي نهائيًا على حياتهم، أو ربما كتعويذةللحفاظ على الأرض التي يعتلونها كما فعل القدامى برقصهم.