في مطلع الستينات من القرن الماضي ، مر بدمشق السيد مهاتير محمد ( رئيس وزراء ماليزيا السابق ) ؛ وكانت دمشق .. قد ابهرته آنذاك ؛ لما رآه فيها من تحضًّر ورقي ، عندها قال المهاتير ( كلمة غبطه ) :"سأجعل من بلدي .. يوماً ، مثل دمشق هذه .. " واليوم يذكِّرنا الأستاذ محمد سالم باسندوه ( رئيس وزراء حكومة الوفاق .. ) بذلك العملاق الذي بنى بلده كما حلم وأراد ، وأجتهد .. ثم أخلص لتلك الفكرة ، فغدت ماليزيا عاشر دولة صناعية في العالم . ذكر لنا الأستاذ محمد سالم ( الزعيم المخضرم ) في خطابه بمناسبة الذكرى ال 45 لإستقلال ( جنوب اليمن ) الثلاثين من نوفمبر ، في قاعة فلسطين يوم الأثنين 3 ديسمبر 2012م أن الدكتور مهاتير محمد .. كان قد أشار إليه مناصحاً – عند لقاءه به بعد توليه رئاسة الحكومة – قائلاً له : مشاكلكم في اليمن كلها لها حل واحد ( وممكن ) ؛ هو تحديث وتطوير ( التعليم ، والميناء ) – ويقصد هنا ميناء عدن الذي كان يعرفه كثاني ميناء في العالم في الأعوام (1961 – 1964) - . وهذا هو مربط فرسنا .. الذي أنعقد من لسان المهاتير .. إلى لسان .. الباسندوه ثم إلى قلمي هذا الذي لا يزال يسيح املاً ورغبتة في تنفيذ هذا الفكرة .. اليوم نرى أنه قد آن الأوان لكي نبدأ بتعليم أبناءنا .. التعليم الذكي المتفاعل مع الحياة اليومية ، وفي ركاباً واحد معها ، كي نجدُ معنى للفعل .. والتفسير الحقيقي لما يجري حولنا .. مخرجين تلاميذنا وطلابنا من دور المتلقين ( في الغرف المغلقة ) إلى دور المشاركين في العملية التربوية التعليمية ( الرحبة ) ، وصولاً إلى خلق الشخصية الوطنية المتعددة الجوانب المتجذّرة في حب الوطن والإنتماء له بكل المشاعر .. وبمثل ما نحررهم من الأمية الأبجدية ، نحررهم أيضاً من الأمية السياسية ؛ وأمية استخدام التكنولوجيا ، وحتى نتمكن من إيجاد تعليم ينتج المعرفة ( وهذا هو المبتغى ). إنُّ السبيل الأمثل لتحقيق ذلك الهدف المروم ، يجعلنا في حاجة ماسة إلى وضع أحكام عامة .. من خلالها نجيب على السؤال القائل :ماذا نريد أن ُنعَلَّم أبناءنا .. ؟ والرأي عندي هو المبني على خبرة عقود من الزمن ، أمضيتها في التربية والتعليم ، وفي العمل الأجتماعي الجماهيري ودراسة تخصصية وقراء آت كثيرة .. إنَّ فرسنا هذا ينبغي أن يربط بتلك الأحكام .. خصوصاً وقد جاء مربطه أولاً على لسانين مخضرمتين ، وعراك قلم وفكرْ سُطِّر على سفرُ زمن ( إعتداداً ) في مجال التربية والتعليم وغيرها ذات الصلة ، هي تلك التي نريد أن نعلِّمها لناشئتنا ، وهي الواردة أدناه : - نعلمهم حب الوطن ، وحب العِلَم ، وحب الحياة والإنسان – نعلمهم كيف يقراؤن ( قراءة تحليلية ) ؟ - وكيف يكتبون ؟ ويلخصون . – كيف نقوي فيهم سرعة الإنتباه والملاحظة والإدراك ، وكيف يفكرون ؟ - نعلمهم مهارات الحياة اليومية – نعلمهم التطبيقات العملية لما يدرسوه – نعلمهم كيف يسألون ؟ - نعلمهم كيف يحسبون ؟ ونجيب في تعليمنا لهم بالتطبيقات العملية لكل ما هو مجرد ( حتى يجدوا معنى للتعليم في الحياة ) ، ونزرع فيهم حب وأحترام المعلم والمربي – نعلمهم الفلسفة التي قامت عليها العلوم ، وكل عِلم تفرع وتطور .. أو اكتشف .. – نعلمهم المقدمات التاريخية العلمية الضرورية قبل الدخول في المعلومة . – نعلمهم بحسب أهتماماتهم وخبراتهم وخلفياتهم البيئية والإجتماعية المختلفة . – نعلمهم المبادىء والقيم الدينية والعقدية ومكارم الأخلاق من خلال القدوة الحسنة وتطبيقاتها في السلوك . – نعلمهم كيفية التخلص من العادات السيئة . – نعلمهم كيف يخططون لأنفسهم ويرسمون أهدافهم الخاصة بهم ، وكيف يسعون من أجل تحقيقها ؟ وكثيراً .. مما يجب ، أو ينبغي ، وهذا لسان الحال المثل الصيني الذي يُغنينا عما نريد .. في قوله : " لاتطعمني كل يوم سمكة ، بل علمني لمرة واحدة ، كيف أصطاد السمك . " ؛ وهذا هو سيدنا على بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) يقول : " لا تقسروا أولادكم على تربيتكم .. فقد خلقوا في زمن غير زمانكم . " وعلى ذلك أرى أن يعاد الأعتبار للنشاط المدرسي ( الصفي واللاصفي ) لأنه يمثل عادة 60% من أي منهاج دراسي وبالكيفية التالية : المواد الدراسية في المرحة الأساسية وهي ثلاث : - اللغة العربية ( في حالة دمج مع التربية الإسلامية ،ومواضيع إجتماعية ) .- اللغة الإنجليزية ( في حالة دمج مع مواضيع العلوم ) . – ثم الرياضيات ، وعلى إلا يزيد إجمالي حصصها عن أربعة وعشرين حصة في الأسبوع ، ثم يتم توزيعها على صورة يومين ( حصص نظرية) واليوم الثالث للنشاط المدرسي ؛ وهكذا نكرر الأمر لبقية أيام الأسبوع ، أما اليوم السابع وهو الأجازة ، يستحسن أن تفتح فيه مدرسة الجمعة عند كل مسجد لدراسة القرآن الكريم ولتحسين الأداء في التلاوة ( أمتثالاً لقوله : أقراء بسم ربك الذي خلق .. ) صدق الله العظيم . وحول التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية ( وهي التي تهدف إلى تعميق الشعور بالانتماء للأرض والوطن ) يتم استيعابها في أطار النشاط المدرسي أساساً ؛ في الأعمال المسرحية واللقاءات العامة وفي التدريب على الخطابة والصحافة والأذاعة المدرسية ، أما المواضيع المهمة منها تكون مستقلة و تخدم اللغة والإجتماعيات بشكل مزدوج وممنهج . هذه فكرتنا .. وهي قابلة للدراسة ، أو التعديل ، أو الإضافة ، ولكي تنجح .. ينبغي أن توفر لها كل العوامل والشروط اللازمة ، والكافية ، وخصوصاً التالية منها : 1- أن تقام التجربة في مدرسة نموذجية ، يحصل فيها التلاميذ على الكمبيوتر الصغير ( اليدوي المحمول ) استعاضة عن مجموع الكتب المدرسية – والجهاز هو أقل كلفة من الكتب والمواد القرطاسية الأخرى - . 2- إعداد المدرسين بشكل جيد ،وإعداد المناهج الدراسية الذكية لهذا الغرض . 3- رصد الملاحظات بشكل يومي ، وفي عملية تقويمية يومية أول بأول ،لتطوير العملية التربوية التعليمية . 4- استقراء الإدارة المدرسية للملاحظات في وقفات : أسبوعية ، شهرية ، وفصلية ، ثم رفع التقارير .. لإستخلاص النتائج والتعميم . هذا الذي قراءناه من كلمة الأستاذ ( رئيس الوزراء ) محمد سالم باسندوه ؛ خصوصاً عندما قال : وعداً علينا ( إن تظافرت الجهود .. ) سنجعل من عدن وفي سنوات قليلة ،أعظم من (( دبي )) أنشاء الله ، ونحن نقول له : إنَّا معك ؛ فكنْ مهاتير عدن يا أستاذ .. باسندوه . حُرٍّر : 7 ديسمبر 2012م