أعد موقع الجزيرة نت تغطية خاصة عن قضية جنوباليمن التي تعتبر أحد أهم مفاصل الأزمة السياسية في البلاد، ليس مع انطلاق الحراك الشعبي الأخير في محافظات "الجنوب" فحسب بل شكلت القضية الجنوبية نقطة توتر وصراع على مدى تاريخ اليمن الحديث بعد الاستقلال. وتستعرض التغطية الخاصة (القضية الجنوبية.. عقدة اليمن) نشأة القضية الجنوبية منذ الاحتلال البريطاني، مرورا بالاستقلال ونشأة الدولة الجنوبية، وما تلاها من صراعات واتفاقات سلام مع الشطر الشمالي من اليمن، وصولا إلى تأسيس الدولة الاشتراكية والصراعات الداخلية التي عصفت بالدولة والمجتمع الذي تشكل القبيلة والانحياز القبلي بعدا جوهريا في صراعاته السياسية. وتفصل التغطية في ما يمكن تسميته "النشأة الثانية للقضية الجنوبية" التي تزامنت مع الثورة الشعبية السلمية في شمال اليمن ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح. وترصد كيف استفاد الحراك الجنوبي من أجواء الثورة في البلاد لتشكيل مزيد من الضغط على النظام الحاكم وقواه السياسية. وهو ما دفع النظام السياسي ما بعد تنحي صالح إلى جمع كافة الأطراف إلى مائدة الحوار الوطني لبحث كافة قضايا الصراع في اليمن. ومنذ انطلاق مؤتمر الحوار الوطني في اليمن في 18 مارس/آذار 2013 تتفق كافة الأطراف السياسية -المشاركة فيه والمقاطعة- على أن القضية الجنوبية هي أهم وأبرز القضايا التسع المطروحة للبحث في المؤتمر، لما لها من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. وهو ما دفع الجميع للتوافق على أن يكون نصف أعضاء المؤتمر -البالغ عددهم 565- من المحافظات الجنوبية. وتم تمديد جلسات المؤتمر نظرا لصعوبة التوافق على القضية الجنوبية بسبب حساسيتها إلى أن تم التوصل مؤخرا لتفاهمات حولها وحول شكل الدولة الفدرالية. هذه التغطية تتناول مسار القضية بمختلف زواياها ومحاورها، والشخصيات التي تركت بصمة على القضية الجنوبية منذ نشأتها وإلى اليوم، لتقديم وجبة معلوماتية مركزة تعين زائر الجزيرة نت على فهم خلفيات وأبعاد قضية جنوباليمن. صحيفة خليج عدن تنشر على الملف على جزأين: الجنوب قبل الوحدة: احتلال عدن في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي كانت مناطق جنوباليمن عيارة عن مشيخات وسلطنات متناثرة ومتناحرة، تفتقد كياناً واحداً يجمع بينها، الأمر الذي سهل على بريطانيا احتلال أبرز مناطقها، وهي مدينة عدن عام 1839م، واعتبرتها تابعة للهند البريطانية من العام 1839م وحتى 1937م. وفي عشرينيات القرن العشرين، توسع الانجليز وضموا المشيخات المحيطة بعدن، كإجراء احترازي لمنع الأئمة الزيدية في الشمال من اقتحام عدن، ثم أسسوا في عام 1959م ماعرف باتحاد إمارات الجنوب العربي، والذي ضم 21 مشيخة في جنوباليمن. ثورة أكتوبر في 14 أكتوبر 63م، اندلعت ثورة التحرير في جنوباليمن، وتمكن الثوار من قتل المندوب السامي البريطاني كينيدي في 10 ديسمبر 63م وكثفوا هجماتهم ضد القوات البريطانية، مما اضطر بريطانيا لإعلان سحب قواتها من عدن مع حلول العام 68م. و تم الانسحاب بالفعل في 30 نوفمبر 67م أي قبل الموعد المحدد، بسبب تزايد هجمات ثوار اليمن، دون اتفاق على شكل الدولة الجديدة. وفور خروج القوات البريطانية أعلن عن قيام دولة اليمنالجنوبية الشعبية، بقيادة الرئيس قحطان الشعبي. تاريخ من الصراع واجهت الجمهورية الوليدة تحديات كبيرة، أبرزها المشيخات التي كانت مرتبطة بالإنجليز، فخاض الجيش الوطني عدة معارك مع القوى القبلية، مما أدى لنزوح أعداد كبيرة لليمن الشمالي. في 22 يونيو 69م تم عزل الرئيس قحطان الشعبي، ووضع رهن الإقامة الجبرية في منزله، إثر خلاف مع قيادات في الجيش، كما أجبر رئيس الوزراء فيصل عبداللطيف على تقديم استقالته، واعتقل في إحدى السجون ليتم اغتياله في السجن في إبريل 70م. تولى الرئاسة سالم ربيع علي الشهير ب"سالمين". في العام 70م تواصل تأميم الممتلكات، ولكن هذه المرة كان التأميم لممتلكات تجار و أصحاب رؤوس الأموال، الأمر الذي اضطر الكثير من التجار للخروج من البلاد، إما إلى اليمن الشمالي، أو السعودية ودول الخليج. سيطرت قوات ما عرف بالجبهة القومية على البلاد، و اقصت قيادات جبهة التحرير التي كان لها الدور الأبرز في الثورة ضد الإنجليز، مما اضطر العديد منهم للنزوح لليمن الشمالي. في عام 72م اندلعت اشتباكات حدودية بين دولتي شمال اليمن و جنوبه، تم التوصل بعدها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بواسطة الجامعة العربية. في 28 أكتوبر 72م، تم توقيع اتفاقية القاهرة، سعياً لتأسيس وحدة بين الدولتين. في إبريل 73م اغتيل 22 شخص من أبرز الشخصيات العسكرية و الدبلوماسية و الأدبية، في جنوباليمن بتفجير طائرة كانت تقلهم في رحلة داخلية في ظروف غامضة. كان الرئيس سالمين متوجهاً نحو الوحدة مع الشمال، وكانت علاقته وطيدة بالرئيس الشمالي حينها إبراهيم الحمدي، إلا أن الأخير اغتيل عام 77م، قبل يوم من لقاءه سالمين في عدن لبحث الوحدة. في يونيو 78م تم إعدام سالمين من قبل قيادات في الجيش سلم نفسه لها إثر اشتباكات مع تلك القيادات التي اتهمته باغتيال الرئيس الشمال أحمد الغشمي في الشهر نفسه. تولى عبدالفتاح إسماعيل ذو الميول الاشتراكية رئاسة الجنوب بعد إعدام سالمين، وفي العام نفسه أسس الرئيس الحزب الإشتراكي اليمني، وكان الحزب الوحيد في البلاد. في أواخر مارس 79م، بدأت مباحثات بين الرئيس الجنوبي عبدالفتاح إسماعيل والرئيس الشمالي علي عبدالله صالح، توجت بالتوقيع على اتفاقية الوحدة، وتشكيل لجنة دستورية مشتركة لوضع دستور دولة الوحدة. في إبريل 80م، أجبر الرئيس عبدالفتاح إسماعيل على تقديم استقالته، ونفي إلى الاتحاد السوفيتي، تولى الرئاسة بعده على ناصر محمد، والذي جمع كل المناصب العليا في البلاد. اشتد الصراع بين علي ناصر و قيادات أخرى أبرزهم نائبه علي عنتر، إثر استئثار ناصر شخصيا بالمناصب العليا، واتهم بالعدول عن النهج الاشتراكي الذي تختطه البلاد. في العام 85م سمح للرئيس الأسبق عبدالفتاح إسماعيل الرجوع للبلاد، وتم تعيينه سكرتيراً للدائرة العامة للحزب الاشتراكي اليمني، وتحالفه مع علي عنتر ضد الرئيس على ناصر. مطلع العام 86م اشتد الصراع بين ناصر وعنتر، وتحول إلى صراع مناطقي، فتعصب مسؤولو الدولة من المنتمون لمحافظة أبين للرئيس ناصر ابن محافظتهم، ومثلهم فعل مسؤولو الدولة من محافظة لحج لعلي عنتر ابن محافظتهم. حرب الرفاق في 13 يناير 86م دبر الرئيس علي ناصر ومن يؤيده من القيادات مؤامرة لتصفية خصومهم من القادة المنتمين لمحافظة لحج، فقتل علي عنتر وأبرز القادة المؤيدين له، وتمت تصفية المئات من القادة السياسيين و المدنيين و العسكريين، من قبل فريق علي ناصر، لتندلع حرب شرسة بين الطرفين، خلفت آلاف القتلى والجرحى. وقضت على النسبة الكبرى من النخبة السياسية و العسكرية المؤهلة والمجربة في البلاد من الطرفين. و خلال أيام تمكن فريق علي عنتر من الانتصار، فيما هرب علي ناصر خارج البلاد هو و عدد كبير من قيادات الدولة والجيش المؤيدين له –بينهم الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي- ليستقروا بعدها في اليمن الشمالي. تولى الرئاسة بعدها حيدر العطاس، فيما شغل علي سالم البيض منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، وهو المنصب الأعلى في البلاد. في مايو 88م أدت تفاهمات بين شطري اليمن، والتي كان من ضمنها السماح بالدخول والخروج بالبطاقة الشخصية، وتم تأسيس منطقة استكشاف مشتركة، ونزع سلاح الحدود إلى تقليل التوترات و إعادة طرح الوحدة بين الشطرين. اليمن بعد الوحدة في 22 مايو 90م توحد البلدان بشكل مفاجيء، وأصبح علي صالح رئيساً للدولة و علي سالم البيض نائباً له، واشترط البيض خروج علي ناصر ومن معه من الشمال. أعلن دستور جديد تم الاستفتاء عليه بنجاح في عام 91م. في العام 93م أجريت أول انتخابات برلمانية، حصل فيها المؤتمر الشعبي العام الحاكم في الشمال على أغلبية المقاعد، فيما حصل الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب على نسبة ضئيلة. بدأت الصراعات ضمن الإئتلاف الحاكم، و اعتكف نائب الرئيس علي البيض في عدن في أغسطس 93م، واتهم قادة الجنوب قادة الشمال بالوقوف خلف اغتيال عشرات الضباط الجنوبيين في صنعاء بحوادث متفرقة. في 20 فبراير 94م وقع الرئيس صالح ونائبه البيض اتفاقية مصالحة في الأردن سميت بوثيقة العهد والاتفاق، ولم تلبث أن فشلت إثر رجوع البيض إلى عدن، ومقتل 12 جندي جنوبي في هجوم من الجيش الشمالي. في الرابع من إبريل عقد الرئيس صالح و نائبه البيض اجتماعاً مغلقاً في سلطنة عمان، اتسم بالحرارة على المستوى الشخصي، واتفقا على على المباديء التي يعتبرانها ضرورية لمنع أي مواجهات عسكرية وعدم اللجوء إلى السلاح و الانزلاق إلى حرب أهلية، إلا أن الاتفاق لم يتم. حرب أهلية في الخامس من مايو 94م اندلعت حرب أهلية كبيرة بين شطري اليمن استمرت حتى يوليو 94م، بين الحكومة اليمنية و الحزب الاشتراكي خلفت بين 7-10 آلاف قتيل، وآلاف الجرحى من الطرفين، وقدم أنصار علي ناصر الجنوبيين الدعم للقوات الحكومية، وانتصرت القوات الحكومية، وفر القادة الجنوبيين خارج البلاد و على رأسهم الذي استقر في عمان و انفرد علي صالح بحكم اليمن. مارس الرئيس صالح ونظامه سياسة المنتصر بعد حرب صيف 94م، وتم تسريح آلاف الجنوبيين من مناصبهم العسكرية والمدنية. مع أواخر التسعينات بدأت تظهر الأصوات المنادية بتصحيح مسار الوحدة، خاصة من قيادة الحزب الاشتراكي، إلا أن الرئيس صالح رفض ذلك، وأطلق شعارات منها الوحدة أو الموت.