لأول مرة منذ سنوات طويلة التقى الرئيس الجنوبي الأسبق/علي ناصر محمد مع القيادي علي سالم البيض و يخرج عنهما بيان مشترك، الأسبوع الماضي في مكان إقامة الأخير بالعاصمة اللبنانية بيروت، و هو ما يعد تحولا مهما في مسار العلاقات بين قيادات العمل السياسي الجنوبي في الخارج عموما و العليين منهم بشكل خاص، مراقبون للأوضاع رأوا أن ذلك يأتي ضمن جهود إقليمية تسعى لتجميع القوى الرافضة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني بهدف التنسيق فيما بينهاعلى وضع تصورات و رؤى مشتركة لمواجهة تحديات ما بعد مؤتمر الحوار، بدليل انعقاد اللقاء قبل يوم واحد من فعالية دعا لها الحراك الجنوبي تحت عنوان "مليونية الحسم" المخصصة لإعلان الحراك رفضه مخرجات مؤتمر الحوار، و خاصة منها ما يتعلق بإنشاء الأقاليم، و ترجح مصادر خاصة أن تكون جهات إقليمية وراء هذه الخطوة التي جاءت مفاجئة لكثيرين و منهم قيادات في الحراك الجنوبي الذين بذلوا في الفترة الماضية جهودا متواصلة للجمع بين الرجلين لكن دون جدوى، و اللافت في هذا اللقاء هو غياب المهندس/حيدر العطاس الذي يشكل منذ سنوات مع علي ناصر ثنائيا متناغما في كل المواقف و المحطات السياسية التي كان أبرزها تشكيل "مؤتمر القاهرة"، و يضم قيادات ميدانية و سياسيين و اعلاميين و نشطاء تحت راية الفيدرالية المزمنة، و لم يكن متوقعا أن يحضر الرئيس علي ناصر لقاء مع البيض دون أن يكون معه العطاس، و هو ما وضع علامات استفهام كثيرة عن الموضوع رغم تأكيد مصادر الحراك المقربة من البيض أن اللقاءات القادمة ستشمل كافة بقية القيادات بما فيهم العطاس و الجفري، الحراك الجنوبي اكتفى في البداية بالتعليق على اللقاء الأخير بوصفه ضمن الإجراءات التي تقوم بها جهود الوساطة لجمع قيادات الجنوب التاريخية و توحيد صفوفها، دون الكشف عن منطلقات و قواعد أخرى ربما ترى أنها هامشية، و إن كانت أحداث الماضي هي من أعاقت التقاء كثير من قيادات الخارج أو من يوصفون بالقيادات التاريخية كما هو الحال مع البيض و ناصر و العطاس و الجفري و غيرهم، فإن الأحداث نفسها تجعل العطاس أقرب للبيض من علي ناصر بحكم شراكتهما في الاستفادة من نتائج أحداث يناير 86م التي أطاحت بناصر و فريقه، كما أنهما (البيض و العطاس) ظلا يتقاسمان الموقع الأول و الثاني في دولة الجنوب قبل الوحدة، قبل أن يحل الأول نائبا لرئيس اليمن الموحد بينما أصبح الثاني رئيسا لأول حكومة (1990-1993) ثم الحكومة الثانية (993-1994)، انفصال البيض عن ناصر و العطاس منذ ظهور البيض و معاودته العمل السياسي منتصف العام 2009م، ظل يتحدث عن "فك الارتباط بين الشمال و الجنوب"، بينما رفاقه و على رأسهم ناصر و العطاس يتبنون طرحا هو للفيدرالية و الكونفدرالية أقرب منه للانفصال، ما جعل منه ممثلا شرعيا لدى فصيل الحراك الجنوبي الأبرز باعتباره الأكثر تعبيرا عن مطالب قوى الحراك و فصائله في الشارع و الأقرب لقواعدها من حيث الخطاب و الشعار و طرح الانفصال كخيار وحيد لا قبول بغيره. أن يلتقي البيض و ناصر دون العطاس له احتمالان، إما أن العطاس في طريقه للالتحاق بهم وفقا لمساعي خارجية ترى أهمية ان يصدر عن الثلاثة موقف واحد تجاه ما يجري في اليمن، و في الجنوب منه على وجه التحديد، خاصة مع حساسية المرحلة بعد ما أوشكت وثيقة الحوار الوطني أن تصبح مدعومة دوليا في ضوء دعم المجتمع الدولي لمخرجات الحوار اليمني، و هذا في حال كانت الضغوطات و المساعي الخارجية هي من دفعت بناصر للتوافق مع البيض و لو بحدود الاتفاق الدنيا، أما إذا كان قرار التقارب بدوافع شخصية من قبل علي ناصر بسبب ظروف خاصة به كأن تكون العلاقة مع الرئيس هادي متوترة كما أكدت مصادر مطلعة، فإن العطاس لن يكون مضطرا لمجاراتهما خاصة و أن حظوظه ربما تبدو أقوى بالنظر لعلاقاته بقوى و شخصيات حضرمية داخل اليمن و خارجه، سيما و أن مصادر شبه مؤكدة تحدثت عن عروض يتلقاها بإمكانية رئاسته للحكومة القادمة، و فيما يتعلق بمخرجات الحوار الوطني التي بدا أنها جمعت بين ناصر و البيض الرافضين لها فإن العطاس أبدى قدرا من التفاؤل بها، و قد أفصح عن ذلك التفاؤل و هو يتحدث على قناة "عدن لايف" نفسها، و أثنى فيها على كون الوثيقة أنهت للأبد النظام السابق و اعتبرت الوحدة بحكم المنتهية، و هو ما يطرح السؤال التالي: هل يقود ناصر و البيض تحالفا جديدا مهمته العمل على إفشال مخرجات الحوار في الجنوب؟ أم أن ضغوطا خارجية تدفع بالرجلين لتبني موقفا أقل حدة تجاه المخرجات ذاتها؟ بدليل الصيغة التي خرج بها البيان المشترك حين خلا من مفردات "التحرير و الاستقلال" و تحدث عن الجيش اليمني بدلا عن "قوات الاحتلال"، لكل من الاحتمالين ما يدعمه حتى يكشف عن نقيضه. خطوة للتوحيد ام انقسام جديد؟ على الصعيد الداخلي لقوى الحراك المطالبة بالانفصال فإن ثمة قراءات متعددة للقاء، عوضا القراءة الأولية التي رأت فيه مقدمة أو خاتمة للقاءات توحيد الصف الجنوبي للقيادات التاريخية، أهمها ما كشف عنه القيادي الأبرز في الحراك الجنوبي العميد/ علي السعدي الذي يقول في رسالة موجهة للثلاثي (البيض و ناصر و باعوم): "عودوا الى الصواب وشاركوا في المؤتمر الجنوبي الجامع الذي لا يستثنى فيه طيف سياسي او اجتماعي جنوبي، وانسوا انكم اليوم باستطاعتكم الانفراد بالجنوب، فاذا توهمتم ان تسيرون منفردين فانتم الوحيدين الخسرانين"، و هو ما يشي أن المجتمعين في بيروت استبقوا بلقائهم هذا سلسلة لقاءات و اجتماعات يشرف عليها نشطاء و سياسيون و مثقفون في إطار مكون بات مختصا باسم "المؤتمر الجنوبي الجامع"، الذي يضم ممثلين عن مكونات حراكية عديدة و أبدى قياديون في الداخل و الخارج دعمهم له سعيا لتحقيق هدفه في جمع قيادات و مكونات الحراك الجنوبي في الداخل و الخارج، بل أن السعدي يذهب في وصف لقاء بيروت الأخير باعتباره لقاءا حزبيا لقيادات في الحزب الاشتراكي و يخاطب في مقدمة رسالته التي نشرها على صفحته في الفيسبوك علي سالم البيض بصفته الأمين العام للحزب الاشتراكي سابقا، و باعوم ب"عضو المكتب السياسي للحزب"، و يقول: لقاءكم الحزبي في بيروت كان ملفت للنظر ومنبه انكم لازلتم تعيشون نفس فكر الحكم الذي حكمتم به الشعب الجنوبي والذي لم يسلم من نتائجه المأساوية حتى انتم اصحاب هذا الفكر الغلط. و يوضح السعدي خلال رسالته "ان الجنوب اليوم ليس بجنوب ما قبل عام 90م الذي حكم بنظام سياسي وتوجه سياسي واحد، و من خالف ذلك التوجه المفروض اجباريا مصيره اما الموت المجهول او مغادرة الجنوب واللجوء الى حيث يضمن حياته، و اليوم نلاحظ انكم تبحثون في ما بينكم عن كيفية عودة الجنوب الى نفس المربع القديم مربع الصراعات والاقصاء والتهميش ضنا منكم ان ما تريدون العودة اليه قد يكون ممكنا"، وأردف السعدي قائلا: "بعضكم ان لم تكونوا كلكم تضنون ان الشعب الجنوبي في يناضل من اجلكم متجاهلين انه يقدم التضحيات الجسيمة من اجل الخروج من الوضع المأساوي الذي اوصلتموه انتم اليه"، و إذا ما صحت قراءة السعدي عن لقاء ناصر و البيض في بيروت، في كونه استباقا للقاءات المؤتمر الجنوبي الجامع، فالمؤكد أن اللقاء ذاته لن يكون مدخلا لجمع قوى الحراك و تكويناته بقدر ما هو تعبير عن اصطفاف و مؤشر انقسام لم يعد جديدا، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما أشيع من اتهامات للمؤتمر الجامع تتضمن تبعيته لتيار "الرابطة" الذي يضم الجفري و بن فريد و حلفائهما من القيادات السياسية و الرموز الاجتماعية و رجال الأعمال المعروفين بمواقفهم و خطاباتهم المناوئة للبيض و العطاس و علي ناصر و كافة المحسوبين عليهم ولا يرى فيهم سوى ممثلين للحزب الاشتراكي الذي لم يكونوا معه على وفاق طوال فترة حكمه. إلى ذلك قال حيدر العطاس أن النظام الحاكم قام باختراق الحراك، و نقلت عنه مواقع إخبارية في معرض حديثه في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الانتخابي للجنة التنفيذية للمؤتمر الجنوبي الأول الذي انعقد قبل يومين بمدينة المكلا " إن الجنوب يمر بمرحلة خطيرة وتدشن لمرحلة شديدة الحساسية والخطورة بدأت مع مؤتمر الحوار وبرعاية اقليمية ودولية وقلنا للأسف (لا يعنينا)، و افرز ذلك مشاركة جنوبية في الحوار، مضيفا ان التشتت والمزايدة بسببها تم اختراق الحراك من قبل السلطة واستقطبت وجوه اخرى لتشارك في الحوار وتدشن لمرحلة جديدة، و تساءل العطاس: كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ مشيرا إلى أن القاعدة التي ستمكنهم من الانتصار هي وحدة الجنوبيين قائلا: نحن نسعى منذ سنوات لتحقيق ذلك لأن الجنوب فقط سينتصر بجميع ابنائه، و عن اللقاء الذي جمع ناصر و البيض و باعوم في بيروت الأسبوع الماضي قال العطاس: سمعتم بلقاء بيروت بين الأخوة الاعزاء البيض وعلي ناصر وحسن باعوم وابلغنا بنتائج اللقاء الذي تمخض عن دعوة لاجتماع سياسي محدود في يوم الثلاثاء (الماضي)، وبدأنا نعد العدة لذلك وفوجئنا في اليوم الثاني بالتراجع عنه، و لم يكشف عن أسباب التراجع و من يقف وراءها من القيادات الجنوبية، لكنه استدرك: ورغم ذلك سنواصل مساعنا من اجل وحدة الجنوب . و في حين كشف العطاس عن ما آل إليه لقاء بيروت و كيف تراجعت أطرافه عن مواصلة اللقاءات كما كان متفقا عليه، إلا أنه لم يكشف عن سبب تخلفه عن اللقاء باستثناء ما أبداه من استعداد لحضور ما وصفه ب"الاجتماع السياسي المحدود" يوم الثلاثاء غير أن هذا الاجتماع لم يكتب له التوفيق، و يبقى السؤال الحاضر دوما في متابعة المشهد السياسي اليمني سواء على مستوى الجنوب أو الوطن بشكل عام: ماذا بعد؟.