الصورة تظهر الإقبال الكثيف للمقترعين في الدوائر الإنتخابية بمحافظة عدن الجنوبية رغم أعمال العنف التي شهدتها المحافظة لمنع الناخبين من التصويت عدن اون لاين/ الأهالي نت/ أحمد شبح أربكت الانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء (21 فبراير 2012م) جميع الحسابات وفاقت كل التوقعات، وشكلت نتائجها مفاجأة حقيقية للداخل والخارج. لم تكن النتيجة "المرتفعة" في الحسبان، وقد عبرت عن شعب حضاري واع ومدرك لمصلحته ومصلحة وطنه.. لقد أكدت الإجماع الشعبي والرغبة الصادقة في التغيير السلمي. هكذا تراءت للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ولعل ذلك ما جعل الملك السعودي مثلا يتحدث عن أنه سيكون من شأن الانتخابات ال"ناجحة بكل المقاييس" تأسيس خطوات تاريخية جديدة "للشعب اليمني تحفظ له أمنه واستقراره ووحدته وتعبر به إلى آفاق التطور والنماء والمستقبل الأفضل". وبنظر وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، فإن تلك الانتخابات"تبعث برسالة واضحة مفادها أن الشعب اليمنى يتطلع إلى مستقبل ديمقراطي أكثر إشراقا".. وأنها "خطوة مهمة أخرى إلى الأمام في عملية التحول الديمقراطي، وتواصل العمل الهام للإصلاح السياسي والدستوري". ورغم أن الانتخابات جرت في ظل ظروف استثنائية وفقدان الدولة سيطرتها على مناطق كثيرة من البلاد وتوفر مناخات مناسبة لتنامي مشاريع العنف وانفلات أمني واسع، إلا أن عملية الاقتراع حققت نجاحا مثاليا إذا ما نظرنا إلى نسبة المشاركة ومحدودية الاختلالات التي رافقت عملية الاقتراع. 6 ملايين صوت.. من أين جاءت؟ وبلغ عدد المصوتين في هذه الانتخابات (6.660.093) مقارنة بعدد من أدلوا بأصواتهم في رئاسية 2006 (6.025.818) ناخباً، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة في هذه الانتخابات (6.651.166) صوت مقارنة ب(5.377.238) في 2006م، فيما كان عدد الأصوات الباطلة (8.927) مقارنة ب(648.580) في 2006م.. فيما بلغ عدد من لم يصوتوا للمرشح هادي (15.974) ناخباً صوتوا لشخص غير مرشح بنسبة لا تكاد تذكر. ويلاحظ من هذه الأرقام أن عدد المصوتين جاء بزيادة (634.275) وإذا ما نظرنا في الاعتبار أن هذه الانتخابات كانت غير تنافسية ونتائجها محسومة سلفا ومع غياب الحملات الدعائية ووسائل الترغيب والإغراء والترهيب فإن ذلك الرقم يعد كبيرا جدا، حيث بلغت نسبة من أدلوا بأصواتهم من المسجلين في جداول الناخبين 65 بالمائة. وهي نسبة قياسية إذا ما نظرنا إلى البيئة المضطربة -في بعض المناطق- التي جرت فيها الانتخابات ولا يمكن الجزم بأن من لم يشاركوا في التصويت (36%) يرفضون جميعهم المرشح هادي فهناك من تعثر تمكنهم من التصويت ومنعوا من الوصول إلى مراكز الاقتراع كما حدث في محافظة صعدة ومديريات في حجةوعمران والجوف وأبين ولحج والضالع وعدن مثلا، إضافة إلى أن عددا كبيرا من الناخبين مغتربون وعدم تمكن المغتربين اليمنيين من المشاركة في الاقتراع (يقدر عدد المغتربين اليمنيين في الخارج بخمسة ملايين مواطن)، وبالتالي لا يمكن القول بأن نسبة ال36% رافضين للانتخابات أو للمرشح هادي. مع الإشارة إلى أن هناك عدداً من المراكز الانتخابية تعثرت فيها عملية الاقتراع إثر خلافات بين قيادات في المؤتمر حول مخصصات النقل كما حدث في المركز (ه) في الدائرة (204) وفي المركزين (ز) و(ح) في الدائرة (205) وحدث في المركز (س) في الدائرة (200) بمنطقة الحدأ بمحافظة ذمار مثلا. ومع الاعتبار بأن نسبة المشاركة ستكون أكبر من ذلك في حال النظر إلى الاختلالات والأخطاء الواردة في السجل الانتخابي والأصوات المكررة والمزيفة، إذ لم يتم تصحيح السجل وتم اعتماده على علاته. فيما جاءت عدد الأصوات الباطلة هذا العام بنقص (639.653) صوتاً، وهي نسبة كبيرة جدا يستشف منها مدى القناعة والرضا للناخبين في هذه الانتخابات ومدى الوعي بحساسية المرحلة والحس الوطنية المرهف الذي وصل إليها المواطن مقارنة برئاسية 2006م. من زاوية أخرى نجد أن عدد الأصوات التي حصدها هادي جاءت بزيادة (2.485.519) صوتاً، هذا في حال الافتراض بأن الأصوات التي حصدها صالح صحيحة وحقيقية. وبلغت نسبة الأصوات التي حصدها هادي (99.8%) من إجمالي من أدلوا بأصواتهم. وكان كاتب السطور قد توقع في تحليل نشرته صحيفة "الأهالي" الثلاثاء الماضي، أن يحصل هادي على (7) ملايين صوت. على اعتبار أن عدد من بلغوا السن القانونية خلال الفترة 2009 - 2011م (1763034) -وفقا لكتاب الإحصاء السنوي الرسمي- وأن عدد الطلاب المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي خلال الفترة: 2009-2011م (628143). إذ افترضنا أن تلك الأرقام التي تمثل الشباب ستصوت لهادي. أي أن هادي حصل من تلك الفئتين على (2.391.177) صوت. وإذا ما أضفنا لها عدد الأصوات التي حصدها مرشح أحزاب اللقاء المشترك لانتخابات 2006 المهندس فيصل بن شملان -رحمه الله- (1.173.025) صوتاً والتي حصل عليها المرشح فتحي العزب (24.524) صوتاً. يكون عدد المصوتين: (3588726) صوتاً. وتوقع الكاتب في تحليله إضافة إلى الرقم السابق أن يشارك (2) مليون ناخب ممن لم يصوتوا في 2006م من إجمالي المسجلين في جداول الناخبين. إذ أن بقية المسجلين في الجداول الذين لم يشاركوا في انتخابات 2006 يمثلون الفئة التي التزمت الصمت خلال الثورة الشعبية وترى أنها متضررة من الأحداث، وهذه الفئة أحوج ما تكون إلى المخرج وإعلان نهاية للأوضاع وسينظرون إلى الانتخابات على أنها الحل المتاح والأنسب. ما يعني أن حوالي (2) مليون ناخب قد منحوا أصواتهم للرئيس هادي. ليصبح بناء على ذلك عدد إجمالي عدد الأصوات (5.588.726) صوتاً. وفيما يتعلق بالأصوات التي حصدها صالح في انتخابات 2006م التي بلغت (4.149.673) صوتا، فقد توقع الكاتب في تحليله السابق أن يصوت لهادي حوالي 50% من تلك الأصوات أي حوالي (2) مليون صوت، على اعتبار أن بينها مليون صوت غير صحيحة وغير حقيقية وعلى اعتبار أن ال(3) مليون صوت هي قوة حزب المؤتمر وحجم قاعدته الشعبية. واعتمادا على ذلك يمكن القول بأن عدد من صوتوا للرئيس هادي من حزب المؤتمر الشعبي حوالي (1.071.367) صوت. مع الإشارة إلى أن تلك تبقى توقعات سيتبين صوابها من خطأها حينما تعلن اللجنة العليا للانتخابات تفاصيل عملية الاقتراع وعدد الناخبين المسجلين والبالغين سن ال18 فما فوق. ما وراء تقديرات المؤتمر؟ بغض النظر عن واقعية تلك التوقعات من عدمها، فأن استعجال الناطق الرسمي للمؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني، إلى القول بأن 75% من عدد المصوتين في الانتخابات الرئاسية هم من أعضاء المؤتمر الشعبي العام وأنصاره وحلفائه. قال ذلك في اليوم التالي ليوم الاقتراع معتمدا على "النتائج الأولية الواردة من عمليات اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام". وباختبار هذه التقديرات الخيالية والخالية من المصداقية نجد أن نسبة 75% من إجمالي عدد المصوتين البالغين (6.660.093) ناخب هي (4.995.069) صوت. بمعنى أن عدد الأصوات من غير حزب المؤتمر هي حوالي (1.665.023) صوتاً فقط. وأيا تكن المؤشرات التي اعتمد عليها حزب المؤتمر فإن الواقع يثبت زيفها في كل الأحوال، إذ وبناء على تقديرات الجندي نجد أن عدد أصوات شباب الثورة وأحزاب المشترك والمستقلين والمستقيلين من حزب المؤتمر والبالغين سن ال18 فقط (1.665.023) صوتا. وبمقارنة هذا الرقم بعدد الأصوات التي حصدها بن شملان في 2006م نجد أن الفارق هو (491.998) صوت، وكأنه يريد القول إن هذه الزيادة هي فقط الأصوات التي حصدها هادي من غير أصوات المشترك (على فرض بقاء قوة المشترك على ما كانت عليه في 2006م) وكأنه يريد أن يقول إن قوة حزب المؤتمر في تزايد كبير وأن هذا الرقم محصور بين أحزاب المشترك وغيرها. وهو تقدير عشوائي كان يمكن الايمان به في بلد تقدمي أوصله زعيم مثل صالح إلى مصافي الدول الصناعية المتقدمة! وزاد الجندي قال أن حزبه أثبت وأكد بأنه لازال مسيطرا على معظم الهيئة الناخبة كون غالبية الأغلبية الصامتة تعود للمؤتمر وحلفاءه ولكنها كانت صامته. وقال أن أحزاب اللقاء المشترك كانت مشاركة بشكل جيد في بعض المحافظات وفي البعض الآخر كانت نسبة مشاركتهم متدنية جدا. حسب قوله. وبناء على تقديرات حزب المؤتمر لا يمكن فهم الانتماء السياسي ل(15.974) من الناخبين الذين شاركوا في التصويت لكنهم لم يصوتوا لهادي وصوتوا لشخص آخر. ولا يمكن فهم كيف استطاع حزب المؤتمر أن يعوض ما خسره من أصوات في محافظة صعدة مثلا، إذ حصل مرشح المؤتمر على أكثر من 90% من الناخبين بصعدة في 2006م البالغ عددهم (345,221) ناخب مقيدين في السجلات! كما لا نتوقع مطلقا أن يحصل حزب المؤتمر على الأصوات التي حصدها في محافظات: تعز، أمانة العاصمة، صنعاء، عمران، إب، حجة. وغيرها من المحافظات التي اكتوت بنيران نظام صالح وشهدت زخما ثوريا كبيرا.. كيف يمكننا القول مثلا بأن نحو 26 ألف صوت في مديرية نهم محافظة صنعاء هي من حزب المؤتمر! وبالمقابل كيف يمكن القول إن أبناء أرحب وبني جرموز والحيميتن مثلا هم من حزب المؤتمر؟! وكيف للجندي أن يعتبر أن (41,063) صوتاً من أبناء صعدة هم من المؤتمر؟ إفشال مشاريع العنف والإجماع على التغيير يقرأ مراقبون أن المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات عكست مدى رغبة الشعب في التغيير، على اعتبار أن التصويت بقدر ما يحسب لتنصيب رئيس جديد فأنه تصويت على قلع حكم صالح. وهو ما يفسر الإقبال الشعبي الهادر نحو صناديق الاقتراع. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة هبة أبناء منطقة بني بهلول بمديرية سنحان نحو الصناديق وتعبئتها ب (28557) صوتا. ولعل من إيجابيات هذه الانتخابات تعريتها لمشاريع العنف وبعض الأطراف التي استخدمت القوة في محاولة منع الانتخابات وعدم الاكتفاء بمقاطعتها بطريقة سلمية. لقد وجدت تلك الأطراف نفسها على المحك وفي ورطة عويصة فقدت معها ما كانت قد كسبته من حضور وقبول محدود. لقد أظهرت الانتخابات الحجم الطبيعي لتلك الأطراف المغالية في العنف والتي لا تمتلك مشروعاً وطنياً أو سياسياً، وظهرت على حقيقة افتقارها لقاعدة شعبية. في هذا الجانب يعتبر السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فايرستاين، أن الذين يمنعون الناس عن التصويت لا يتمتعون بأي دعم شعبي وإن كان لهم شعبية فلن يضطروا لمنع الناس من التصويت -بحسب تعبيره. ومثلما فقدت تلك القوى الثقة المحلية فقد خسرت الثقة الدولية بعد مسارعة المجتمع الدولي في إدانة أعمال العنف والمطالبة بكشف حقائقها ومحاسبة مرتكبيها، فضلا عن أنها أظهرت للعالم افتقارها للوعي وعدم قابليتها لتعدد الآراء ومبدأ التعايش السلمي.