إغلاق مطار "بن غوريون" يدفع الصهاينة للمغادرة برا .. هربا من الموت!    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    مجلس الوزراء يشدد على مواجهة تدهور العملة للتخفيف من معاناة المواطنين    فعالية ثقافية للهيئة النسائية في الأمانة بذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    حدود قوة إسرائيل    مانشستر سيتي يفوز بثنائية على الوداد في كأس العالم للأندية    حجة .. إتلاف مواد غذائية منتهية الصلاحية في مديرية المحابشة    عدن بين الذاكرة والنسيان.. نداء من قلب الموروث    الرئيس المشاط لأهالي غزة: "نصر من الله" سترونه قريبا    الرئاسة تحذر الحوثيين من الزج باليمن في صراعات إقليمية مدمرة    اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم    رئيس الوزراء يناقش نشاط وزارة الشئون الاجتماعية والوحدات التابعة لها    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    روسيا تحذر أمريكا من مساعدة تل أبيب «عسكريا»    انتقالي شبوة يتقدم جموع المشيعين للشهيد الخليفي ويُحمّل مأرب مسؤولية الغدر ويتوعد القتلة    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الأطراف اليمنية متخادمة مع كل المشاريع المعادية للمنطقة    البيضاء : ضبط ستة متهمين بجريمة قتل شاب من إب    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 19 يونيو/حزيران 2025    مأرب.. مقتل 5 اشخاص بكمين استهدف شاحنة غاز    السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد    وسط تصعيد بين إسرائيل وإيران.. اختفاء حاملة طائرات أمريكية خلال توجهها إلى الشرق الأوسط    مدارج الحب    طريق الحرابة المحمية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وجبات التحليل الفوري!!    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الجنوبية.. صنعها صالح وأفسدها البيض ويتحملها هادي
نشر في عدن بوست يوم 02 - 10 - 2012

تفرض القضية الجنوبية اليوم نفسها كأحد أبرز الملفات السياسية الشائكة خلال المرحلة التوافقية الراهنة، بل إنها تتصدر القضايا الأخرى نظراً لتأريخها الطويل وتداخل ملفاتها وتناقض أدعيائها واختلاف الآراء حول طبيعة حلها، إضافة الى حساسيتها بالنسبة لمستقبل البلاد الوحدوي.

غير أن ما يغفله الكثيرون في حديثهم عن القضية الجنوبية هو تركيزهم على القضية باعتبارها قضية ماثلة متناسين أن الرئيس المخلوع صالح هو المسؤول الأول عن ظهورها ونشأتها بسبب سوء إدارته للحكم، واحتكاره للسلطة وعبثه بمقدرات البلاد، وأخطائه الفادحة في التعامل مع الشعب في الجنوب عقب حرب 94م، رغم أن الأجواء السياسية التي أعقبت الحرب كانت بمثابة فرصة عظيمة لصالح في ترسيخ الوحدة وتعزيزها في أوساط الشعب بالجنوب من خلال تحقيق مطالبهم وخلق تنمية اقتصادية حقيقية وإيجاد مواطنة متساوية تنقلهم إلى وضع افضل في دولة الوحدة وتمحو من ذاكرتهم الماضي التشطيري الذي عاشوه، لكن صالح سلك سلوكاً آخر أدى الى ظهور هذه القضية وتطورها لتصبح واحدة من مهددات السيادة الوطنية والبيئة الاجتماعية لليمن ما لم تتوافر لها الحلول المناسبة.

إن الانطلاق من حيثيات إدراك أسباب الخلل وفهمها الفهم الصحيح سيقود حتما إلى فهم طبيعة المشكلة وبالتالي وضع المعالجات المناسبة لها، فالتشخيص الدقيق للعلة عامل أساسي لاقتراح العلاج الملائم، والقضية الجنوبية لا يمكن النظر إليها كقضية قائمة فحسب، فالتعامل معها بناء على هذا الفهم سوف يزيد من تعقيداتها وتعدد المتاهات التي تعترض خط سيرها وغموض المآلات التي ستنتهي إليها.

أما إذا انطلقنا في تعاملنا مع هذه القضية من معرفة المسؤول المباشر الذي أوصل القضية إلى هذا المستوى، فسيوفر هذا فرصاً إيجابية للحلول وتجميع الجهود وإيجاد أرضية مشتركة ينطلق منها الجميع في توافق وانسجام نحو حل القضية وإزالة أسبابها ومحاكمة من كان سبباً في ظهورها.

مراحل تطور القضية
بالعودة إلى جذور القضية الجنوبية فقد مرت بثلاث مراحل متتالية تبلورت خلالها ووصلت إلى وضعها الراهن، بدأت المرحلة الأولى عقب حرب صيف 94م وامتدت إلى العام 2006م، وغلب على هذه المرحلة مظاهر الإقصاء والتهميش واستلاب الحقوق، الأمر الذي ولد السخط والتذمر والاستياء، ونمو الإحساس بالظلم الذي بدأ على المستوى الفردي أولاً ثم انتقل إلى المستوى الجماعي حيث أصبح الشعور بالظلم وعياً جماعياً تغذيه سياسة النظام السابق وتحركه أطراف كثيرة، وكان هذا الوضع مؤشرا للصدع بالقضية الجنوبية والجهر بها وإخراجها للرأي العام ومواجهة النظام بملفاتها وهنا دخلت القضية مرحلتها الثانية التي امتدت من العام 2006م حتى 2011م.

اتسمت المرحلة الثانية للقضية بطابع حراكي سار في اتجاهين الأول: شرح مفهوم القضية الجنوبية ومظاهرها والمطالب الحقوقية التي تدعو لحلها عبر الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات، والمسار الثاني الثبات والتمسك بالقضية ومواجهة أساليب النظام السابق الهادفة إلى خنق تلك المطالب وقمع أي مظاهر احتجاجية من شأنها أن تزيد من التفاف الناس في تلك المحافظات مع أنصار القضية الجنوبية.

وهنا ارتكب النظام خطاءً جسيماً في تعامله مع هذه القضية، حينما واجه تلك الحركة الاحتجاجية بالعنف والقمع واتهام أنصارها بالانفصال وهو ما أدى إلى زيادة أنصار القضية وتوسع دائرة الاحتجاجات، وفرض على النظام الاستجابة لتلك المطالب وبدأ في معالجتها خاصة مسألة الذين سرحوا من وظائفهم أو أحيلوا للتقاعد في المؤسسة العسكرية والمدنية.

لكن تلك المعالجات جاءت في وقت متأخر بعدما كانت المطالب المرفوعة من نشطاء الحراك قد تجاوزت مسألة المتقاعدين العسكريين والمدنيين التي رفعوها كلافتة لمطالبهم في بادئ الأمر، وأغرت استجابة النظام المتأخرة لتلك المطالب تحت تأثير الحراك الاحتجاجي المتسارع هؤلاء إلى رفع سقف مطالبهم لينتقل من المطالب الحقوقية المحضة إلى المطالبة بالانفصال وفك الارتباط، وخلال هذه المرحلة تشكلت عدة تيارات نسبت لنفسها حق وشرعية تمثيل القضية.
وبين برود الاحتجاجات وسخونتها من وقت لآخر حل العام 2011م بثورات الربيع العربي التي اجتاحت بغضبها الشعبي كلاً من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.

وضع جديد بعد الثورة
أثناء مسيرة الثورة في اليمن كانت القضية الجنوبية أحد محركات التأجيج الثوري المحفزة للشعب ضد نظام صالح باعتباره المسؤول الأول عن ولادتها وتشكلها، وتصدرت القضية أدبيات الثوار ونالت اهتماماً شعبياً ونخبوياً أكبر أصبحت معه لا تمثل قضية الشعب في المحافظات الجنوبية فقط بل قضية كل اليمنيين في الشمال والجنوب على حد سواء، فالجميع بات يدرك أنه كان ضحية لذات السياسة التي انتهجها نظام صالح.
وبصعود الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الحكم عقب انتخابات 21 فبراير التوافقية دخلت القضية الجنوبية مرحلتها الثالثة والأهم في مسيرتها، فطبيعة المرحلة التوافقية الراهنة بقيادة الرئيس هادي وحكومة الوفاق ستتيح خيارات كثيرة وتقدم فرصاً عديدة للبدء في معالجة هذه القضية وإيجاد مفاتيحها وصولا إلى حل عادل وشامل تنتهي بموجبه اسباب التوتر ودعوات الانفصال ومخططات المتآمرين.
والمتابع للقرارات التي صدرت والخطوات التي بذلت حتى الآن يدرك أن هناك اهتماما بالقضية الجنوبية بدءاً من إسناد رئاسة الحكومة التوافقية لمحمد سالم باسندوة كأحد الشخصيات الجنوبية، ثم تولي هادي لقيادة اليمن كأول شخصية جنوبية تصل إلى هذا المنصب، وعلاوة على ذلك فقد تبوأت شخصيات جنوبية مناصب رفيعة في مختلف أجهزة الدولة لم تكن تحلم حتى بالاقتراب منها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تولي هادي قد مهد السبل أمام حل القضية الجنوبية، وتمكنت شخصيات جنوبية من العودة للوطن بعد سنوات قضتها في الخارج لأسباب تختلف من شخصية لأخرى، وعادت الآن لتمارس طقوسها السياسية داخل البلد بكل حرية، ولم تكن لتحصل على هذا فيما لو ظل النظام السابق في الحكم، وهو ما يشير إلى أن الملامح الأولية لحل القضية الجنوبية تسير في طريق الانفراج.

واقع القضية اليوم
بالنظر إلى واقع من يتزعمون القضية الجنوبية فيبدو واضحا أنهم لم يستوعبوا بعد طبيعة المرحلة ونوعية التحديات التي تواجهها القضية ذاتها، ويلخص محمد علي أحمد أحد القيادات السياسية التي عادت مؤخراً واقع الحراك الجنوبي في حوار مع صحيفة (الأمناء) بقوله إنه يعاني من انقسامات حادة في صفوفه، وأن هنالك شخصيات تغلب عليها نزعة السلطة وتتمسك بقراراتها حتى وإن كانت خاطئة، ويبدو هذا التشخيص ملائماً للواقع الراهن فانقسام التيارات داخل صفوف الحراك واختلاف تصوراتهم أثر كثيراً على مكانة القضية، وأثار السؤال عن المصير الذي تنتظره، كما أعاد إلى الأذهان صراعات فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي التي شبت بين فرقاء العمل السياسي وهم يتعاركون حول الحكم ومنظومته السياسية.
فعلى الرغم من عودة بعض القيادات الجنوبية من الخارج كمحمد علي احمد ولطفي شطارة وأحمد الحسني وغيرهم ظل النزاع والانشقاق قائما في صفوف الحراكيين، وهو نزاع لا ينحصر فقط في تولي المناصب القيادية وتقاسمها، ولكن أيضا في اختلاف التصور للقضية من قبل كل طرف.
هذا الانقسام توزع بين جناحين: جناح حسن أحمد باعوم وجناح علي سالم البيض وصل حد اتهام الأول للأخير بالسعي لاغتياله، وتحميل أطراف أخرى مسؤولية ذلك، وأثرت تلك الخلافات على نجاح انعقاد مؤتمر لقيادات المجلس الأعلى للحراك ثلاث مرات متتالية بعد اتساع رقعة الخلافات وظهورها على السطح بين تيارات الحراك داخل المجلس. هذا الإخفاق جاء في ظل خلافات وانشقاقات واتهامات لبعض قيادات المجلس المحسوبة على جناح الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض وبعض القيادات الأخرى المقربة من رئيس المجلس حسن باعوم بمحاولة إقصاء وتهميش الآخرين والاستحواذ على النصيب الأكبر من نسب التمثيل للمشاركين في المؤتمر، وهو ما دفع باعوم إلى التهديد بالانشقاق مع أتباعه عن تيار الحراك الذي يتزعمه البيض والبدء منفرداً في التحضير لعقد مؤتمر حوار جنوبي بحسب مصدر في الحراك للجزيرة نت.
بالنسبة لباعوم فالرجل أخذ على عاتقه مسؤولية تحريك الحراك الجنوبي منذ البداية، وتعرض إثر ذلك للسجن أكثر من مرة، ويختلف عن البيض في كونه أول من دعا وتبنى الحراك الجنوبي ومارس نشاطه السياسي من الداخل بخلاف البيض الذي امتطى صهوة الحراك بعد أن أصبح قائماً، ويتابع من الخارج تطورات المشهد السياسي، غير أن الاثنين يتفقان في تمسكهما بفك الارتباك كحل وحيد للقضية الجنوبية.
ورغم هذه الأرضية المشتركة بينهما تهيمن عوامل الفرقة والاختلاف على عوامل الاتحاد والتوحد، فباعوم يشعر أن العميد الحسني الذي عاد مؤخراً يمثل البيض ويعمل لحسابه في سبيل إضعاف حضور باعوم وأتباعه، ولذلك طغت إلى السطح أخبار الخلاف بين قيادات الحراك بعد عودة الحسني وأدى هذا الخلاف إلى عدم قدرة مختلف الأطراف على إنجاح انعقاد مؤتمر الحوار.

حراك داخل الحراك
ويبدو الصراع كالعادة بين القيادات الحراكية المتعددة بينما لا يوجد أثر أو تأثير للقواعد الشعبية التي تتبع كل طرف، كما لا يوجد مرتكز سياسي أو نفوذ شعبي أو قبلي يستطيع أي طرف الاستناد إليه لترجيح كفته على الطرف الآخر، فباعوم كان في الحزب الاشتراكي وعين عقب الوحدة مستشارا لرئيس الجمهورية بدرجة نائب رئيس مجلس وزراء، وكان مساهماً في قرار الانفصال الذي أعلنه البيض ومسؤولا عن محافظة شبوة أثناء حرب 94م وبعد عودته من الخارج عاد إلى الحزب الاشتراكي وما لبث أن خرج منه معلناً تزعمه للحراك وحافظ على خيوط تقارب بسيطة مع الحزب الاشتراكي حالياً، أما البيض فتأريخه النضالي يبدو قاتماً بإعلانه الانفصال سابقاً، وباستئثاره على أموال ضخمة كانت من نصيب الحزب والجنوب، والمرتكز الذي يستطيع الارتكاز عليه هو تلك الأموال التي بحوزته أو تلك التي يحصل عليها من أطراف خارجية مقابل دعوته وتمسكه بفك الارتباط خاصة من إيران التي تحدثت تقارير صحفية عديدة عن دعمها للبيض، بل إن العميد ناصر النوبة أحد قيادات ومؤسسي الحراك، قال في حوار أجرته معه صحيفة الشرق السعودية إن البيض يحاول شق الصف الجنوبي بأموال إيرانية، وهذا الارتهان لإيران أتاح لها الفرصة كي تعبث بالقضية الجنوبية بغرض الابتزاز السياسي، وبات يمثل أحد عوامل الاختلاف داخل الحراك.

مخاوف أخرى
وثمة مخاوف أخرى من شأنها تأجيج الخلاف داخل أجنحة الحراك كالصراعات المناطقية داخل مكونات الحراك الجنوبي والتي تعود جذورها إلى فترة حكم الرفاق قبل الوحدة، والذين قاموا بتهميش محافظات بأكملها، ولا تزال حساسية تلك السياسة قائمة إلى اليوم.
إضافة إلى ذلك هناك عوامل داخلية عديدة قد تفتك بمكونات الحراك لاحقا فالذين يتظاهرون بأنهم شركاء اليوم في الحراك -كما يقول أحد الناشطين- كانوا هم أنفسهم فرقاء الأمس، وسالت الدماء بينهم ولا تزال نزعة الانتقام بينهم قائمة وستظل، ولذلك لو نجح مشروع الانفصال، فإن المحافظات الجنوبية ستكون أول من يدفع الثمن، حيث سيتم فتح صفحة جديدة من تصفية الحسابات بين الزعامات المتصارعة منذ زمن بعيد، وستكون تلك المناطق ساحة مفتوحة لتسوية تلك الفواتير المتراكمة، والتي أضافت لها حرب صيف 94 كلفة جديدة يتحملها الزمرة نظير مساهمتهم الفاعلة في إقصاء البيض ورفاقه، ويُعد هذا العامل سبباً آخر يفسر إصرار البيض المستميت على الانفصال، فبالإضافة لدعم إيران السخي لإنجاح مشروع الانفصال الذي يتبناه، فإن وصول الجناح المناوئ له (الزمرة) اليوم إلى سدة الحكم وعلى رأسهم الرئيس هادي، زاد من إصرار الرجل على التمسك بخيار الانفصال، ما يعني استحالة التعايش وحتمية التنافر بينهما، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قراءة المواقف المتباينة لتلك الأطراف، ففي حين يحبذ الرئيس علي ناصر خيار الفيدرالية، نجد أن البيض يتبنى الموقف النقيض المتمثل في الانفصال.

رسالة البيض
وإزاء الفشل الذي انتهت إليه دعوات انعقاد مؤتمر الحراك، وهيمنة الخلاف بين مختلف الاطراف جراء ذلك، انتهز البيض الفرصة ووجه خطاباً إلى باعوم طالبه بتأجيل انعقاد المؤتمر إلى وقت آخر، وسرد عدة مبررات لذلك كعدم الجاهزية التنظيمية لعقد مؤتمر المجلس الاعلى للحراك السلمي ويتجلى ذلك من خلال ضعف التحضير وغياب الارشاد التنظيمي الذي يضبط وينظم إدارة أعمال المؤتمر وكيفية تشكيل القيادة الجديدة وغيرها من الضوابط الواجب توفرها.
البيض قال في رسالته لباعوم في سياق المبررات التي أوردها لتأجيل المؤتمر:
اعتماد اللجنة التحضيرية (المنقسمة) على مشروع اللائحة التنظيمية للمجلس الاعلى (مشروع النظام الداخلي) كوثيقة إرشادية لتسيير أعمال المؤتمر بينما مشروع اللائحة التنظيمية في المادة 29 قد أكدت على (وضع لائحة لصلاحيات المؤتمر العام وكيفية انعقاده) وهو ما لم يتم، وقال في البند الثالث: إن الاجواء السائدة في قيادة المجلس الأعلى للأسف الشديد لا تؤهل لعقد مؤتمر للمجلس إطلاقا بل تؤهل سلبا لإعادة انتاج ثقافة الإقصاء والتناقضات والانقسامات.
ويمكن أن نستنتج من رسالة البيض أنها اعتراف واضح بوجود انقسامات داخل مكونات الحراك أدت إلى فشل انعقاد المؤتمر، وما سردته من أسباب أخرى تتعلق باللائحة التنظيمية لم تكن كافية لتبرير التأجيل ولم تضع تصورا لكيفية الخروج من الأجواء السائدة التي قال إنها تعيد إنتاج ثقافة الاقصاء، وهذه الفقرة الواردة في الرسالة دليل آخر على تنافر تلك الشخصيات وارتفاع وتيرة التأزم المستتر بينها.
والأمر الآخر أن الرسالة جاءت من علي سالم البيض بوصفه الرئيس إلى باعوم بوصفه رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب، وتوحي صيغة التخاطب هذه إضافة إلى مضمون الرسالة أن البيض هو الرجل الأول والمحرك والصانع لسياسة وروئ الحراك وعلى باعوم تنفيذ تلك السياسة والالتزام بتلك التوجيهات، وهو ما قد يثير الحنق والغيظ لدى باعوم الذي يتزعم الحراك الجنوبي منذ نشأته.

صفة الرئيس المزيفة
إن صفة (الرئيس) التي أطلقها البيض على نفسه صفة غير موجودة في هيكل الحراك ولم يطلقها نشطاء الحراك على أي من شخصياته في الداخل والخارج، كما أن البيض لم يتول أي منصب رئاسي سابق يمكنه من الاحتفاظ بصفة الرئيس، فقد كان قبل الوحدة أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني وخاض بهذه الصفة مؤتمرات واتفاقيات ما قبل الوحدة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وكان المهندس حيدر أبوبكر العطاس حينها هو القائم بأعمال رئيس الجمهورية في الجنوب والدكتور ياسين سعيد نعمان هو رئيس الحكومة، وبعد تحقيق وإعلان الوحدة أصبح البيض نائباً لرئيس مجلس الرئاسة بصفته أمين عام الحزب الاشتراكي وعلي عبدالله صالح رئيسا لمجلس الرئاسة والأمين العام للمؤتمر الشعبي العام وذلك بموجب توافق نابع من الأمر الواقع بين النظامين سابقاً وقتذاك، أما منصب نائب رئيس جمهورية أو نائب رئيس مجلس الرئاسة فلم يكن موجودا في الدستور الجديد لدولة الوحدة الذي ينص على رئيس لمجلس الرئاسة وأربعة أعضاء وبالتالي كان البيض مجرد عضو فقط، وهذا الخطأ يقع فيه صحافيون كثيرون حين يتعاملون مع البيض بوصفه الرئيس الجنوبي الأسبق أو نائب رئيس دولة الوحدة، ويمكن الرجوع هنا إلى كتاب الراحل محمد حسين الفرح" معالم عهود رؤساء الجمهورية" الصادر عن وكالة الأنباء اليمنية سبأ في طبعته الأولى سبتمبر 2002م ص 79 وص 118، وربما أطلق البيض على نفسه هذه الصفة من قرارات الانفصال التي أعلنها في 1994م التي نصب فيها نفسه رئيساً للجمهورية التي كان يسعى لانفصالها.

باعوم يرد
وفي رده على رسالة البيض عقد باعوم اجتماعا مع اللجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر الوطني يوم الخميس الماضي هاجم خلالها البيض واتهمه بمواجهة ما أسماهم الوطنيين والشرفاء وتشويه تأريخهم النضالي من خلال التصريحات والخطابات غير المدروسة التي يطلقها البعض وتستهدف مستقبل الحراك ووصفها بالجرائم.
وبالنسبة لدعوة البيض إلى تأجيل انعقاد المؤتمر أعلن باعوم رفضه لرسالة البيض حينما دعا كل أبناء الجنوب للوقوف إلى جانب المؤتمر الوطني الأول للحراك السلمي لتحرير الجنوب الذي سيعقد في ساحة الشهداء في عدن يوم 30 سبتمبر الجاري. وبين هذه المواقف المتناقضة يظل الحراك الجنوبي سائرا في دائرة فارغة مفتقداً لوحدة الصف ووضوح الرؤية، وهو ما يجعله عرضة لمزيد من الاضطرابات التي قد تدخله في سيناريوهات جديدة من شأنها أن تعصف بمكوناته ومستقبله السياسي، خاصة مع تعارض تصوره للقضية الجنوبية والحلول التي تدعو لها المبادرة الخليجية والدول الراعية لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.