غوتيريش: ما يجري في حضرموت «مشكلة إقليمية معقّدة»    أمن العاصمة عدن يطيح بعصابة متخصصة في سرقة منازل وممتلكات المواطنين بالممدارة.    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة العميد مهندس طيران عبدالله سعيد حسين    رونالدو شريكا رئيسيا في خصخصة النصر السعودي    مديرية باجل.. نموذج تنموي واعد لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الإنتاج المحلي    أبناء أبين يواصلون الاعتصام المفتوح للمطالبة بإعلان دولة الجنوب    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة عبد الفتاح الماوري    الرئيس الزُبيدي يرحب بقيادة القوات المشتركة للتحالف العربي في عدن    آليات عسكرية سعودية تغادر عدن بالتزامن مع وصول وفد عسكري    عاجل | القوات المسلحة الجنوبية تعلن إطلاق "عملية الحسم" في أبين لاستكمال حربها ضد الإره-ارب    الأرصاد: أجواء باردة إلى باردة نسبيًا على المرتفعات وبحر مضطرب جنوب الساحل الغربي    عن محادثات المعاشيق ومشاركة الإمارات إلى جانب السعودية في التفاوض مع الانتقالي    واشنطن تسعى لنشر قوات دولية في غزة مطلع العام    صلاح يعود إلى قائمة ليفربول أمام برايتون    بوقرة يستقيل من تدريب الجزائر    34 مصابا بانفجار "غامض" في حفل زفاف جنوبي سوريا    وفاة المناضل سيف صائل    فيضانات عارمة تضرب ولاية واشنطن    موعد مباريات نصف نهائي كأس العرب 2025    أوروبا تجمد 210 مليارات يورو من أصول روسيا    الترب يعزي في وفاة العميد عبدالجليل الشامي    مدرسة أمي الليلية: قصص وحكم صاغت الروح في زمن البساطة..(من قصة حياتي الأولى)    الأجهزة الأمنية في سيئون تضبط عصابة تنتحل صفة القوات الجنوبية لنهب منازل المواطنين    بكاء وصياح الإعلاميين اليمنيين... من الشتم إلى الاستجداء    منتخب الجزائر حامل اللقب يودع كأس العرب أمام الإمارات    الانتقالي يوضح حقيقة انسحاب قواته من حضرموت    مصدر عسكري: اشتباكات في معسكر عارين بين قوات دفاع شبوة وقبائل على خلفية غنائم    كم من الناس هذه الايام يحفظ الجميل..!    الصحفي والقيادي الإعلامي الراحل راجح الجبوبي    الصين تسجل رقماً قياسياً في إنتاج الحبوب تجاوز 714 مليون طن    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    هيئة الآثار تنشر القائمة ال30 بالآثار اليمنية المنهوبة    تحركات مثيرة للجدل: كهرباء تعز تسحب المحولات من الأحياء إلى المخازن    أيها الكائن في رأسي    عدن تختنق بغلاء الأسعار وسط تدهور اقتصادي متسارع    الصحفي والقيادي الإعلامي الكبير ياسين المسعودي    كبار الوطن.. بين تعب الجسد وعظمة الروح    الأمين العام للأمم المتحدة: "ما حدث في محافظتي حضرموت والمهرة تصعيد خطير"    غوتيريش: مركز الملك سلمان للإغاثة يُعد نموذجًا بارزًا على السخاء وجودة الخدمات الإنسانية    الرئيس الزُبيدي يتفقد سير العمل بديوان عام وزارة الزراعة والري والثروة السمكية وقطاعاتها    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    منظمة اممية تنقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن    الجنوب راح علينا شانموت جوع    السيتي يحسم لقاء القمة امام ريال مدريد    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    فعالية حاشدة للهيئة النسائية في صعدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    المنتخب الوطني تحت 23 عاما يغادر بطولة كأس الخليج بعد تعادله مع عمان    ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي    بيان مرتقب لقائد الثورة في اليوم العالمي للمرأة المسلمة    "اليونسكو" تدرج الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي غير المادي    نبحوا من كل عواصم العالم، ومع ذلك خرجوا من الجنوب.    اجتماع موسع بصنعاء لتعزيز التنسيق في حماية المدن التاريخية    60 مليون طن ركام في غزة بينها 4 ملايين طن نفايات خطرة جراء حرب الإبادة    إتلاف 8 أطنان أدوية مخالفة ومنتهية الصلاحية في رداع    حضرموت.. المدرسة الوسطية التي شكلت قادة وأدباء وملوكًا وعلماءً عالميين    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيار ثالث ووطن آخر !!
نشر في عدن بوست يوم 06 - 10 - 2012

قالت العرب قديماً : استشارة القلب شهرا ، واستشارة العقل دهراً . قول كهذا يفهم منه أن التغني بالتوحد في الأمس يماثل الدعوة للتجزئة اليوم فكلاهما التوحد أو التجزئة غلب عليهما العاطفة الجياشة والوجدان والتاريخ أكثر من كفة العقل والحكمة والمنفعة والواقع . ولأنهما كذلك ؛ فالفشل والإخفاق كان واقعا منطقيا وموضوعيا لا يمكن نكرانه أو إهماله أو تجاوزه .
السؤال الملح والمهم هو أين العاطفة وأين الحكمة من الدعوة للتجزئة أو للبقاء في كيان واحد ؟ ففي الحالتين – التوحد شكلاً أو التجزئة مضموناً – مازالت العقلانية غائبة ومغيبة ، فما هو حاضر الآن لا يزيد عن إعادة تطويع القضية الوطنية الكبرى بقالب عاطفي انفعالي أناني عصبوي شخصي لا يرتقي مطلقا لماهية المشكلة المؤرقة ولعلاجها أيضاً !
في الأمس كان لدينا دولة ونظام ، وقبلهما بالطبع مواطن متوثب ومتحفز ومهيأ لعملية التغيير ، لكن هذه الدولة وهذا المواطن كان يعوزهما عقلية سياسية استثنائية قادرة على التعامل مع الواقع الجديد الذي أتت به رياح البروستريكا – إعادة البناء – والجلاسنوست – العلنية – في ذاك الوقت ، فبدلاً من فهم وإدراك لحقيقة الأزمة القائمة ومواجهتها بحزمة إجراءات سياسية واقتصادية ؛ رأت قيادة الحزب والدولة الهرب الى التوحد أفضل من أية طريقة أخرى .
أتأمل اليوم فلا أجد غير قيادات ماضوية مختلفة الرؤى والأفكار ؛ ولكن بعد إضاعة الدولة والنظام وأيضا المواطن الذي بات مجزأ ومنقسماً الى فك ارتباط واستعادة دولة وتقرير مصير وفيدرالية بإقليمين وفيدرالية بأربعة أو خمسة أقاليم .
تستطيع أن تكذب على جماعة من الناس لبعض الوقت كما وتستطيع الكذب على الجميع لبعض الوقت لكنك لن تستطيع الكذب كل الوقت وعلى جميع الناس ، قول مأثور صاحبه حكيم تركيا وأديبها الراحل ناظم حكمت ، واجده يماثل حالة الكذب والتضليل القائمة اليوم في هذه البلاد المنكوبة .
لم يخط المهندس حيدر العطاس حين قال بأنه ورفاقه الجنوبيين في الخارج لن يكرروا خطأ التوحد عام 90م ، الرسالة واضحة واعتقد أن الحوار الوطني لن يكون على غرار اتفاقيات الوحدة أو وثيقة العهد والاتفاق التي سرعان ما تم النكث بهم من النظام العائلي القبلي العسكري وشركائه وقبل أن يجف مداد حبرهم ، الم يصف الرئيس السابق وثيقة العهد ب(وثيقة الخيانة والعار) ! لكنه وحتى الآن لم يقل لنا كيف وقع على وثيقة الخيانة والعار ؟
أتدرون ما مشكلة الجنوب الجوهرية ؟ إنها تتمحور بدولة الوحدة التي أخذت من مواطن الجنوب أكثر مما أعطته ؛ بل قولوا سلبته حقه وإن كان بسيطاً ومتواضعاً ، لكنه يبقى في المحصلة حقاً ، وعندما نقول حق فلا نقصد فقط مقدار ما فقده المواطن من مكسب مادي شخصي ؛ إنما المسألة وصلت الى ما هو معنوي ووجداني ووجودي وتاريخي ، وهذه الخسارة باعتقادي أكبر من خسارة الإنسان لوظيفته أو مسكنه أو منصبه المهم .
في كل الأحوال الإنسان كائن يمكنه التكيف مع أية بيئة يجد ذاته فيها ؛ لكنه لا يستطيع العيش من دون وجدان وروح واحترام وكبرياء ، وهذه جميعها للأسف تم انتهاكها وبشكل سافر ومستفز ، وتحديدا في محافظات الجنوب المنتفضة والثائرة من أجل استعادة حقا أصيلا ومشروعا يتعدى الحق الشخصي والعمومي بالوظيفة أو الخدمة أو حتى النظام والدولة ولقمة البطن ، فكل هذه الأشياء المادية وعلى أهميتها يتساوق فقدانها مع ربحها ، لكن وحين يتعلق الأمر بمكاسب معنوية ووجدانية ونفسية وتاريخية ؛ فإن خسارتها بكل تأكيد لا تعوض .
لست متشائما اليوم مما يحدث جنوبا ، كما وأنني لست متفائلا مما يجري شمالا ، ومع هذه الحالة الملتبسة على الكثير مازلت لم أفقد الأمل بكون الحل يكمن بخيار ثالث ولا سواه ، نعم بلادنا تعيش محنة حقيقية وعلينا أن لا نهرب الى الماضي ؛ بل يجب أن نتصدى لمشكلات الحاضر كي نظفر بالمستقبل الواعد الذي ننشده لنا وللأجيال القادمة .
أيا كان الواقع المشاهد مفككا وممزقا وهشا وغير مطمئن في بلورة وتجسيد لفكرة الجمهورية البديلة المغايرة تماما للجمهوريتين السالفتين ، دعكم من فكرتي التوحد والتجزئة فكلاهما نتاج حالة فراغ سياسي وذهني وواقعي وكلاهما – أيضاً- لا يؤسسان لفكرة التعايش المجتمعي ، ففي النهاية التوحد أو التجزئة كل منهما يحمل في أحشائه بذر شقاق واحتراب وأمراض مزمنة لا يمكن التعافي منها على مدى عقدين أو ثلاثة .
البعض ربما لا تجده مستسيغا للفكرة القائلة بإمكانية صياغة هذه البلاد وبقالب جديد قابل للحياة والاستمرار ! فهذا الصنف يماثل أولئك المقاومين لفكرة الفدرلة للوحدة المفقودة أصلا ، هذا إذا لم نقل بان لدينا مراكز قوى تواجه وبشراسة مسألة هيكلة القوة وإخضاعها لسلطة الدولة ، وبرغم الواقع البائس والمحبط ؛ لا يبدو أن الحل سيكون باستدعاء العاطفة والشعارات والقيادات الماضويه ؛ بل الحل يكون بالعقل والحكمة والحوار والحكم الديمقراطي العادل والقيادات والأفكار الجريئة والشجاعة والخارقة لجدار الجمود والصنميه .
فمثل هذا المنطق المنفعل المزاجي المشاهد الآن ؛ سبق تجريبه ، ويتحمل جزءا كبيرا من هذا المآل الكارثي ، لذا يصعب الحديث بكونه حلا لمعضلة الوقت الراهن ، كما وأنه يستحيل –أيضا- العثور على مفتاح الحل في كنف الفوضى والعبث والتخريب والإقصاء والزيف والتضليل وغيرها من الممارسات الخاطئة الرافضة لإعادة هيكلة اليمن جيشا وشعبا وسلطة وإدارة وتعليما ووحدة وأحزابا وجمهورية وووووو.
الحل المثالي وفق تصوري يكون بفكرة الدولة الاتحادية الجامعة لشتات اليمنيين الذين هم اليوم إزاء حالة جديدة غير مسبوقة في تاريخهم القديم أو الحديث ، فإذا كنا قد أخفقنا حديثا في صياغة دولة موحدة أو مجزأة قابلة بالتعايش والمواطنة المتساوية ؛ فإننا الآن أمام وطن آخر مرشح لأكثر من احتمال مأساوي .
وطن لا ينفع معه الهروب جنوبا أو الهرولة للخلف شمالا أو المراوحة في ذات المكان ، وطن جديد قد يكون فكرة مثالية أشبه بيوتوبيا اللامكان خاصة في ظل واقع يرفل بكثير من التعقيدات والمشكلات ، لكنه مع ذلك يبقى حلا ممكنا وواقعيا ومنطقيا أفضل بكثير من الفكرتين المستبدتين القاتلتين لجمهوريتي التجزئة أو التوحد .
ثقافة الهروب من المشكلات ، والى المجهول؛ لطالما جلبت لنا الويلات ، وطالما أوجدت لها مساحة وجماهير ، وقيادات غوغائية ، وشعارات ملهبة للحماسة ، فمثل هذه الثقافة اعتادت الهروب عن المواجهة ، النتيجة بالطبع كارثة تلو الكارثة ، زعامة تلو الزعامة ، لكننا اليوم لسنا بحاجة لمن يرشدنا لطريق الفرار من الحاضر ومشكلاته الى الماضي وتواريخه الموجعة؟ ؛ بل نحن بضرورة ملحة لمن ينقذنا من شرك ما أوقعنا فيه خطأ الزمن الفائت ، ولمن يدلنا ويهدينا لدرب المستقبل البعيد الذي فيه النجاة والسلامة لنا ولأولادنا وأحفادنا ؟ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.