إلى جوار كشك للصحف بمنطقة التحرير وسط العاصمة صنعاء، يتربع بائع كتب مدرسية لمختلف الصفوف، حيث وجد البائع سوقا رائجة له هذا العام بعد اعتذار وزارة التربية والتعليم اليمنية عن طباعة الكتاب المدرسي. يبيع علي - إسم مستعار - الكتاب الجديد طبعة 2015 بقيمة 300 ريال للنسخة الواحدة، أي بأكثر من دولار، بينما يبيع المناهج القديمة للأعوام 2014 وأدنى بأسعار تتفاوت ما بين 200 إلى 250 ريالا للنسخة. في 31 أكتوبر الماضي أكد موقع وزارة التربية والتعليم أن أكثر من ستة ملايين طالب يمني في مختلف الصفوف الدراسية سيتوجهون للمدارس هذا العام. وفي التاسع من نوفمبر 2015 أكد عبدالله الحامدي نائب وزير التربية والتعليم أن الوزارة غير قادرة على طباعة المناهج الدراسية نتيجة الحصار ومنع التحالف لإدخال الأوراق حسب ماجاء في وكالة سبأ التي يسيطر عليها الحوثيون. دروس شفوية يقول أحمد أيمن - طالب بمدرسة قتيبة بن مسلم في الصف الثالث ثانوي - "ندرس بدون كتب مدرسية، ويتم تلقيننا الدروس بشكل شفوي ونحن نكتب ما استطعنا كتابته خلف المعلم". ويضيف: "كل عملي عند العودة إلى البيت هو تفريغ الدروس وترتيبها لأنني لا أستطيع شراء المنهج الدراسي". إذا أراد أحمد أيمن شراء المنهج الدراسي له فإنه بحاجة إلى ألفي ريال على الأقل، وأخته كذلك، بينما والده لا يتقاضى سوى 36 ألف ريال كراتب من الكهرباء نصفه يذهب للإيجار، وفق تأكيده. أما ناصر القديمي - أب لطالبتين في الصفوف الدراسية الأولى - فيبدي خشيته من أن تطلب المدرسة منه شراء كتب مدرسية .. معتبرا أن الأمر سيكون محرجا له ولطفلتيه إذا لم يتمكن من توفير الكتب. طبعات جديدة مايثير التساؤل بحسب العزي عبدالله الكبودي - موجه لغة إنجليزية بمديرية الثورة بالعاصمة صنعاء - هو تسليمهم لنماذج كتب من الطبعة 2015. ويضيف: "أنا أستغرب أن الكتاب المدرسي موجود في السوق السوداء وبطبعة جديدة في ظل غيابه وانعدامه نهائيا في المدارس حيث تسلمنا نماذج للطبعة الجديدة 2015 من كتب السوق السوداء". وتؤكد إلهام محسن - مدرسة - أن ذلك أمر يبعث على الشك بأن "هناك من يقتات من حاجات الناس والتربح فقط، غير آبهين بخطورة هذا الأمر على التعليم وعلى اتساع رقعة المتسربين من التعليم". وتتساءل: "أنا أعرف كثيرا من أولياء الأمور لا يستطيعون توفير كراس مدرسي قيمته 100 ريال، فكيف يطلب منه منهج بقيمة ألف ريال".
تجارة رابحة يقول: طاهر الشلفي مدير الإعلام بمركز الإعلام التربوي - منظمة مدنية - "لدينا 16500 مدرسة فتحت أبوابها هذا العام، وجميعها بدون كتاب مدرسي حيث لجأت وزارة التربية لاستعادة الكتب من الطلاب وهي لاتكفي لنصف الحاجة". ويضيف: "لكن مالاحظناه هو توفر الكتاب المدرسي في السوق السوداء، وبأسعار مرتفعة، وبكل تأكيد فإنها ستجني على البائعين هذه الأيام ملايين الريالات". ويتابع: "بحسبة بسيطة فإن الصف الأول الدراسي يحتاج أربعة كتب لكل طالب، وهو أدنى رقم في الصفوف الدراسية، ولو أننا ضربنا هذا الرقم في متوسط قيمة أدنى هو 200 ريال وضربناها في 3 ملايين أي نصف عدد طلاب المدارس، فإننا أمام 240 مليار ريال". مخاطر مصطفى الصبري - مستشار وزير التربية والتعليم - من جهته يحذر من مخاطر عدم توفير المنهج المدرسي ودفع أولياء الأمور لشراء المناهج من السوق السوداء. ويضيف: "نحن نعاني من التسرب في التعليم خلال الأيام الطبيعية، فكيف في ظل وضع كالذي تعيشه اليمن حاليا، حيث مئات الآلاف من المواطنين نازحون في الأرياف، وفي ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى نحو 80%". ويتابع: "أنا أعرف أسرا في الأرياف لاتستطيع توفير تكلفة القلم لأبنائها، فكيف بالمنهج الدراسي وبالتالي فإننا سنكون أمام موجة تسرب غير مسبوقة في تاريخ التعليم في اليمن". ويؤكد الصبري أن التعليم في اليمن بشكل عام يشهد انتكاسة غير مسبوقة في تاريخه وما مشكلة المنهج الدراسي إلا واحدة من مظاهر الانتكاسة التي يشهدها التعليم في اليمن. ويأمل مستشار وزارة التربية أن تخرج اليمن من الأوضاع التي تعيشها حاليا، حيث يرى أن استمرار هذه الأوضاع سيكون لها انعاكاسات سلبية جدا على مستقبل الأجيال خصوصا في ظل حالة النزوح القائمة وفي ظل عدم تمكن الكثير من إلحاق أبنائهم بالتعليم نتيجة حالة الفقر.