تتنافس الأوبئة والأمراض باليمن في نزع أرواح الأبرياء، فلم يفق اليمنيون من صدمة تسونامي وباء الكوليرا القاتل الذي حصد آلاف الأرواح في جميع محافظات البلاد تقريبا، في ظاهرة هي الأسوأ عالميا في العصر الحديث، حتى صدم الناس بتفشي مرضا هو اشد فتكا يسمى مرض الدفتيريا، والذي عاد مجددا للانتشار في اليمن، لكنه هذه المرة يأخذ طابع الوباء. وسجّلت السلطات الصحية في محافظة الحديدة، غرب اليمن، ثاني حالة وفاة بمرض الدفتيريا خلال ال24 ساعة الماضية، فيما ارتفع عدد المصابين المسجلين إلى 12 حالة. وأوضح رئيس هيئة مستشفى الثورة، خالد سهيل، ل”العربي الجديد”، أن “الطفلة ياسمين إبراهيم عبد الله (5 سنوات)، من مديرية الحالي، توفيت الأربعاء، بعد ثلاثة أيام من وصولها إلى المستشفى. الفحوص أثبتت إصابتها بالدفتيريا، ليرتفع عدد حالات الوفاة بالمرض إلى حالتين، بعد أن توفي الطفل أحمد علي عبدالله، من مديرية المنيرة”. وأضاف سهيل أنه “تم فحص ومعاينة أفراد أسرة الطفلة المتوفية، وتبين إصابة ستة من أشقائها ووالدها بالمرض، وهم يتلقون العلاج بالمستشفى”. لافتاً إلى أن عدد الحالات المصابة ارتفع إلى 12 حالة تم تسجيلها بمستشفى الثورة في الحديدة. وطالب الطبيب اليمني وزارة الصحة والمنظمات الدولية والمحلية بسرعة تقديم المساعدات الطبية للحد من الوباء الذي يزيد انتشاره يومياً، خاصة مع دخول فصل الشتاء. في السياق، أكد مصدر مقرب من الطفلة المتوفية بسبب الدفتيريا أنها كانت تعاني من الفشل الكلوي وبحاجة إلى جلسات غسيل كلوي، مشيراً إلى أن أسرة الطفلة لم تستطع توفير المقابل المالي للغسيل، والمقدر بنحو 15 ألف ريال يمني. وحصل “العربي الجديد” على وثيقة توضح أن المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى هم: ياسمين إبراهيم المصباحي، وفاطمة إبراهيم المصباحي، وخلود إبراهيم المصباحي، وصلاح إبراهيم المصباحي، وعلاء إبراهيم المصباحي، وأحمد علي عبد الله، وزهراء عبد الله يحيى، ومروان الجليلي، وتقوى محمد حسين. وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان الخاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء، عبد الحكيم الكحلاني، قد أكّد في تصريح صحافي سابق، ارتفاع حالات الإصابة بالدفتيريا في اليمن إلى 150، والوفيات إلى 14 وفاة. وأكدت منظمة الصحة العالمية وفاة 14 حالة بمرض الدفتيريا، وقالت عبر حساب مكتبها في اليمن على “تويتر”: “مرض الخناق (الدفتيريا) يتفشى في اليمن بسرعة. وقعت في الأسابيع الأخيرة 120 حالة تشخيص سريرية، و14 حالة وفاة، وكان معظمها من الأطفال”. وفاة في تعز وفي محافظة تعز، وسط اليمن، تم تسجيل أول حالة وفاة بمرض الخناق "الدفتيريا" بقرية الرحبة غرب المدينة، المحاصرة بشكل كلي من قبل طرفي الحرب منذ ما يزيد عن 20 يوما، إذ توفي طفل في عمر 5 أعوام بعد إصابته بالمرض أمس. أسرة الطفل زكريا رشاد عبده ثابت الحريبي قالت أن ولدها أصيب قبل أسبوع بحمى وكانت تظن أنها مجرد ملاريا، ثم تطور الأمر إلى تورم في رقبته لازمه وجود رائحة كريهة تخرج من فمه، ولم يستطيع تناول الأكل وكان يجد صعوبة عند البلع والتنفس، ولم تجد الأسرة الفقيرة جدا منقذ لأبناها ومن يتكفل بعلاجه في ظل إبادة جماعية تتعرض له قرابة 500 أسرة لازالوا يتشبثون بمنازلهم ويرفضون النزوح والتشرد رغم حصار كلي لقرية الرحبة الواقعة جنوب مديرية جبل حبشي غرب تعز. يقول أحدهم: "شاهدت عيون أمي وهي تدمع وجعا تخبرني أن أم الطفل اتصلت بها وشرحت لها مرض الطفل كانت تشكوا المرارة والوجع وخوف الفقد والفاقة". وتقول: "أبوه بحضرموت يشتغل وأنا وحيدة لا املك غير الدعاء. وحين رأت ابنها على مشارف الموت هرعت مذعورة، ماشية تحمله على كنفها تشق طريق طويل جدا باتجاه مدينة البرح. شاء زكريا أن لايتعب أمه بالعودة وحيدة وقرر الرحيل. وفيات وإصابات وكشفت منظمة الصحة العالمية في بيان لها، خلال الأيام الماضية، أن 14 شخصا ماتوا نتيجة تفشي وانتشار وباء “الدفتيريا” الخناق في اليمن. وأكد البيان أن وباء مرض الخناق “الدفتيريا” يتفشي في اليمن بشكل سريع وخطير. وقال بيان الصحة العالمية انه توفي خلال الأسابيع الماضية 14 شخصا، فيما تم تسجيل 120 حالة تشخيص سريرية، مشيرا إلى أن معظم الحالات المسجلة من فئة الأطفال. الدكتور عبد السلام المنصوري الطبيب الاختصاصي في أمراض الصدر والجهاز التنفسي في صنعاء قدم توضيحا “للمشاهد” حول مرض الدفتيريا بقوله أن لفظ دفتيريا تعني باللاتينية “غشاء”، وقد سمى المرض بهذا الاسم نظرا لتميزه بتكون غشاء كاذب على اللوزتين والحلق. والدفتيريا مرض معدي وأحيانا يكون قاتل، ومن سنوات عديدة كان من أهم أسباب الوفيات في الأطفال، ولكن الآن يعتبر مرض نادر في الدول المتقدمة وذلك بسبب التطعيم، لكن الميكروب المسبب لها مازال موجود، ومن الممكن أن يسبب أوبئة عندما يكون التطعيم غير كافيا. وينتقل الميكروب عن طريق الرذاذ، ويتكاثر بمنطقة الغشاء المخاطي المبطن للفم و الحلق ويسبب التهابهم، وبعض الأنواع يفرز سموم قوية من الممكن أن تسبب تلف بالقلب والكلى والجهاز العصبي، كما أنه يوجد نوع أخف من الميكروب يصيب الجلد فقط، وهو يوجد بصفة رئيسية عند البالغين، وهذا النوع ينتشر بين ذوى النظافة السيئة كالمشردين. الجدير بالذكر أنه من كل عشرة أشخاص يصابون بالدفتيريا يموت منهم شخص، كما أن الإصابة تكون شديدة قبل عمر 5 سنوات وبعد عمر 40 سنة. مسؤول الإعلام والاتصال بمنظمة الصحة العالمية صادق أمين صرح ل” المشاهد” أن وزارة الصحة في صنعاء وبالتعاون مع منظمة الصحة، ستدشن أواخر الشهر الجاري بالعاصمة صنعاء وفي عدة محافظاتباليمن حملة لمكافحة مرض الدفتيريا، مضيفا أن متخصصين في منظمة الصحة يرصدون حالات متزايدة بالإصابة بالدفتريا في صنعاء و 10 محافظات يمنية. مصدر طبي بوزارة الصحة بصنعاء، وجهة تحذيرا بان ازدياد مخاطر الإصابة بمرض الدفتريا يكمن في التعرض للازدحام الشديد وحياة التشرد ولدى نزلاء السجون، وان مخيمات النازحين من جراء الحرب المتصاعدة في اليمن منذ ما يقارب ال3 أعوام، سيكونون الأكثر عرضة للمرض، الذي يصيب البلعوم أو اللوزتين أو الحنجرة أو الأنف، مع وجود غشاء ملتصق باللوزتين يصعب إزالته. تعتيم وتكتم رغم تفشي مرض الدفتيريا في عدد من المحافظات التي تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، وحرص هذه المليشيات على التعتيم حول رقعة انتشاره، لكون ما يحدث من ظهور للأمراض والأوبئة هو نتاج للوضع الذي خلقته الفوضى وعدم الاهتمام بتلك المليشيات نحو المواطنين، إلى جانب نهبها لمرتبات موظفي الصحة وأموال المرافق الصحية. فقد رصدت حالات إصابات حقيقية بالمرض في محافظاتصنعاءوابوالحديدة وغيرها، وقد كشف “ل المشاهد “، صادق أمين مسؤول الإعلام والاتصال بمنظمة الصحة العالمية بصنعاء، بان عدد الحالات المصابة بمرض الدفتيرياء في محافظة اب وتحديدا في عزلة وادي عصام بقرية بيت حلبوب وسمان بمديرية السدة بلغت 71 حالة ، و 12 حالة بمديرية يريم بعزلة بني منبه قرية المنزل. وأكد مسؤول الإعلام بالمنظمة أن مكتب الصحة بمحافظة إب وبالتعاون من منظمة الصحة العالمية سيقوم بتقديم المساعدة الطبية العاجلة للحالات المصابة، وإمدادهم بالأدوية العلاجية الطارئة بما يكفل الحد من انتشار المرض، وتقييم الوضع الصحي في المديريتين. صعوبة وعوامل أما عياش مناجي الإداري بهيئة مستشفى الثورة العام بالحديدة فقد أكد تسجيل المستشفى أول 6 حالات مصابة بمرض الدفتيريا، وان الرقم قابل للتصاعد في مدينة الحديدة. ويمثل الطقس البارد عاملا مساعدا للإصابة بمرض الدفتيريا إذا ما تهيأت أسبابه، أو مع وجود العدوى، ومعظم اليمنيين مازال يجهل الكثير عن هذا المرض الذي اقتحم حياتهم المنهكة دون مقدمات، حتى أنهم يجدون صعوبة في نطق أو تذكر اسمه. أخصائي أمراض الصدر والجهاز التنفسي الدكتور عبدالسلام المنصوري شرح عن أهم المعلومات المتعلقة بمرض الدفتيريا ومحذر في ذات الوقت من خطورته حيث أوضح أن عدوى المرض تصيب الجهاز التنفسي العلوي بشكل واضح جدا. ومن أعراضه، الإصابة بالسعال مع ارتفاع درجة الحرارة، الشعور بالإعياء، تغير صوت المريض حتى يصبح صوته خشن ويشبه صهيل الحصان، تغير في رائحة الفم لتصبح كريهة، صعوبة في البلع، تكون إفرازات في الأنف، الإحساس بالغثيان وحدوث رعشة وقئ، تزايد في سرعة دقات القلب مع حدوث صداع بالرأس، صعوبة في التنفس نتيجة لتضخم الغدد الليمفاوية الموجودة بالرقبة مما يجعل المريض يمد رقبته للخلف. وذكر أن علاج مرض الدفتيريا يتم أولا بإعطاء المريض ترياق خاص يشبه السم الذي يطلقه ميكروب الدفتيريا وهو عبارة عن أجسام مضادة تهاجم الميكروب، وثانيا لتناوله المضادات الحيوية التي تهاجم أي ميكروبات وبيكتريا بداخل جسمه، وأكثر المضادات الحيوية المستخدمة في مثل هذه الحالات هي البنسلين والإريثروميسين، وثالثا لابد من عزل المريض عن الآخرين في فترة العلاج حتى لا يصاب أحد المقربين له من الإفرازات أو من الأدوات الشخصية. وأوصى الدكتور المنصوري على أهمية الإجراءات الوقائية باعتبارها الحل الأمثل للقضاء على أي ميكروبات من الممكن أن تهاجم أجسامنا، فتناول جرعات التطعيم الثلاثي والخاصة بأمراض الدفتيريا والسعال الديكي والتتانوس هي أول الإجراءات الوقائية للحد تماما من الإصابة بأي من هذه الأمراض، التي تبدأ من عمر شهرين ثم التطعيم الثاني عمر الأربع أشهر ثم جرعة الست أشهر، ومن الممكن إعطاء جرعة زائدة بعد إتمام الطفل عامه الأول. الكارثة المفجعة الكارثة المفجعة هو مصير مرض الدفتيريا في اليمن ، تكمن في ما صرحه كريستيان لندميير، المتحدث الرسمي باسم منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحافي بجنيف بان إمدادات منظمة الصحة لليمن تعتبر الآن منخفضة للغاية، وأنه لا يوجد في العاصمة صنعاء جرعة واحدة من اللقاح اللازم لتحصين الأعمار من 5 إلى 25 سنة ضد الدفتيريا. بالتزامن مع اعلان المنظمة أن قوات التحالف العربي منعت إيصال 250 طناً من الإمدادات الطبية لليمن عن طريق البحر، وقالت لم تتمكّن السفينة الحاملة للإمدادات من مغادرة ميناء جيبوتي مثلما كان مُقرّراً لها سابقاً بسبب إغلاق الميناء. في حين يرى مراقبون أن جماعة الحوثي في اليمن، قد تسعى لاستثمار تفشي وباء الدفتيريا من جهتين، تتمثل الأولى باستغلال المرض ضد ماتصفه بدول العدوان، وإطلاق الشائعات والخرافات بان المرض ناجم عن صواريخ بيولوجية، تصطاد به عقول جهلاء الناس ومناصريهم ، كما روجت لوباء الكوليرا من سابق، ومن جهة أخرى ستقوم كعادتها بالاستحواذ على المعونات والإمدادات الطبية الدولية والأممية ، وبيعها في السوق السوداء لصالحها الخاص ، وفي زيادة ثراءهم الفاحش ، مهما كان ثمن الموت الذي يدفعه المواطنين ممن لايدينون بالولاء لها، وغير متقبلين تواجدها. ويأتي الكشف عن تفشي الدفتيريا في ظل تواصل تفشي وباء الكوليرا، الذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص وأصاب مئات الآلاف. يذكر أن الدفتيريا مرض تُسبِّبه جرثومة “الوَتَدِيَّة الخُناقية”، تستقر هذه الجرثومة في البلعوم، وتنتشر عبر الإفرازات التنفسية (الأنف والبلعوم) إلى البيئة المحيطة بالمصاب. تراوح فترة حضانة (Incubation) البكتيريا بين يومين حتى أسبوع. تؤدي الإصابة بهذه الجرثومة إلى ظهور الحمّى والتهاب الأنف، واللوزتين، البلعوم والحنجرة مع نشوء وذمة وتَوَرُّم في المسالك التنفسية العليا والأغشية، ما يؤدي إلى انسداد المسالك التنفسية والتسبُّب بالاختناق.