تشهد العاصمة صنعاء يوميا زيادة مخيفة في أعداد المصابين والوفيات بفايروس كورونا المستجد كوفيد_19، في الوقت الذي تصر فيه مليشيا الحوثي المسيطرة على صنعاء على التكتم وفرض عقوبات صارمة على الطواقم الطبية، في حال قرروا الإفصاح عن الأرقام الحقيقية لعدد الإصابات بالفايروس القاتل، بينما تتسع دائرة الإصابات بشكل مخيف بصورة يصعب معها الانكار والتكتم، رغم أن معظم الحالات المرضية، أصبحت تتحاشى الإفصاح عن الإصابة أو الذهاب إلى المستشفيات، خوفا من الاعتقال. حتى الساعة لم تكشف مليشيا الحوثي، سوى عن إصابتين فقط، زعمت أن الأولى لوافد صومالي والأخرى لمواطن يمني قدم من مدينة عدن، ثم توارت مسؤولو وزارة الصحة في حكومة المليشيا نهائيا بعد، رغم أن الاعداد اليومية الاصابات في تزايد مستمر، بشكل علني، حيث يتم أصبحت الحالات منتشرة في معظم أحياء العاصمة صنعاء، وبعضها قرر الحوثيون إغلاقها، والتي كان آخرها عصر امس (الجمعة) بعد اكتشاف حالات مصابة بالفايروس القاتل بسوق الملح، بصنعاء القديمة، ما استدعى إغلاق الحي وفرض حظر مؤقت على المكان من قبل السلطات الحوثي، وحالات آخرى في شارع مأرب، إلا أن الحوثيون الذي اعتادوا التكتم على الانتشار الوباء، قرروا فقط أخذ المصابين والحالات المشتبهة إلى مكان مجهل في العاصمة صنعاء.
السجون بدلا من المستشفيات علمت "أخبار اليوم" من مصادر طبية، أن مستشفى الكويت الذي اتخذه الحوثيون محجرا للحالات الأولى، أصبح الان غير قادر على استقبال حالات جديدة من المرضى، كما أكد مصدر من أقارب أحد المصابين ل"أخبار اليوم" أن سلطات الحوثي أصبحت تأخذ المرضى الذين يتم الإبلاغ عنهم إلى المعتقلات وليس إلى المستشفيات، حيث يتم أخذهم عبر أطقم عسكرية وليس على سيارات إسعاف، وتكرر ذلك كثيرا خلال الأسبوعين الماضيين.
إلى ذلك، قال مصدر طبي آخر من مستشفى الكويت ل"أخبار اليوم": "لدينا أكثر من 200 حالة وفاة بفيروس كورونا خلال الأيام الماضية ويتم غسل الجثث بالكلوروكس والدفن عن طريق أحد الأطباء ونكتفي بأخبار اسرته ان المريض توفي وتم دفنه".
كما كشفت بعض التسريبات، أن مليشيا الحوثي وجهت حديثا، بأخذ المرضى والحالات المشتبهة إلى سجن الامن القومي التابع للمليشيا، وسط احتمالات، بتصفيتهم عمدا، قبل طمرهم في المقابر الجماعية، وهو أحدث الإجراءات الحوثية في التعامل مع الحالات المرضية، وهو ما جعل أغلب الحالات المرضية، تؤثر البقاء في المنزل وتتكتم عن الإبلاغ عن إصابات، ناهيك عن التحفظ عن الإفصاح خوفا من ردة فعل المجتمع، الذي أصبح يتعامل مع المصابين وذويهم بعدائية ومقت، تغذيه الدعاية الحوثية التي تدفع في هذا الاتجاه.
في السياق، قال الكاتب اليمني، نبيل سبيع: نقلا عن إحدى النساء في العاصمة صنعاء: قولها إن "الحوثيون لا يرسلون أطقم طبية إلى حالات الاشتباه بالإصابة بكورونا في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، بل يرسلون أطقم تابعة للأمن القومي والأجهزة الأمنية الأخرى الخاضعة لهم. الناس في مناطق سيطرة الحوثيين يخافون الإبلاغ عن أي حالات اشتباه بالإصابة، لأن الحوثيين لا يتعاملون معهم كمشتبه بإصابتهم ولا كمصابين بل كمجرمين".
وعلق سبيع: "الأحاديث تجاوزت هذا السقف إلى أن الحوثيين يعمدون إلى تصفية الحالات المشتبه بإصابتها، وهذه اتهامات خطيرة، لكنها تصاعدت كثيرا أوساط الناس، وهي متداولة من مصادر مختلفة ومتعددة، وفي تزايد مستمر"، مبينًا أنه "لا أستبعد أي جريمة أو أي شيء من الحوثيين".
مقابر جماعية كما ذكر شهود عيان ل"أخبار اليوم" أنهم شاهدوا عناصر من مليشيا الحوثي، يرتدون الكمامات والسترات الواقية، فجر أمس الخميس، يدفنون عدد من الجثث بمقبرة الرحمة بحي شيراتون وسط العاصمة صنعاء، في مقابر جماعية باستخدام الجرافات، ما يؤكد عمق الكارثة التي حلت على اليمنيين بسبب تعنت مليشيا الحوثي.
إلى ذلك تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو، تظهر علميات دفن جماعية لعشرات الجثث، يؤتى بهم على متن أطقم عسكرية، في ساعات الصباح الأولى من نهار رمضان، برفقة عناصر يرتدون الملابس الواقية.
وحتى الآن، يجد كثير من المهتمين صعوبة في تقدير عدد الإصابات في العاصمة صنعاء ومناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، بسبب التعتيم القهري الذي تمارسه السلطات الحوثي على ذوي الضحايا والطواقم الطبية، الذين يضطرون للعمل بشكل إجباري تحت التهديد، وفي ظروف غير صحية، كما أكد ذلك أحد العاملين في مستشفى حكومي بصنعاء في تصريحه ل "أخبار اليوم"، إلا أن بعض التقديرات الطبية تؤكد أن الإصابات تجاوزت الثلاثة آلاف إصابة حتى الآن في العاصمة صنعاء، وحدها، وهو رقم مرعب، خصوصا في ظل التسيب غير المسؤول من قبل المليشيا وعدم وجود محاجر صحية، أو مستشفيات قادرة على احتواء ربع هذا العدد من الإصابات بالفايروس القاتل.
تصفية المرضى بمستشفى جبلة ليست صنعاء وحدها من تعاني الانتشار الفظيع للوباء، مدينة جبلة (محافظة إب) أيضا تحولت إلى بؤرة موبوءة مع توارد أنباء عن قيام الحوثيين بتصفية المرضى وحالات الاشتباه، كما يقول ناشطون ومدونون محليون في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، رصدت "أخبار اليوم" بعضا منها:
حيث يقول توفيق الشرعبي "تتزايد استغاثات أهالي المرضى، الذين يتم تحويلهم إلى مستشفى جبلة بإب، كمركز للحجر الصحي بوباء كورونا، أهالي المرضى يؤكدون تصفية المرضى بواسطة الحقن، آخرهم المهندس فؤاد عبده قاسم، من أبناء أيفوع_شرعب السلام".
أما إبراهيم عسقين، فقال: "أربع حالات وصلت مستشفى جبلة مؤخرًا أحدهم والد الأستاذ عبده عبده حسن مجلي، ذهبوا به إلى مستشفى الحمد ثم تم نقله إلى مستشفى جبلة، على أساس اشتباه بفايروس كورونا، وما هي إلا ساعات وفارق الحياة".
بينما ذكرت الناشطة وفاء الدعيس أن إحدى قريباتها (15 عاما)، كانت تعاني من حمى وزكام عادية، قبل أن يتم تحويلها إلى مستشفى جبلة، على افتراض أنها حالة اشتباه، ثم مُنع أهلها من زيارتها، وفي فجر اليوم التالي أبلغوا أهلها أن ابنتهم قد توفيت، ومنعوا تسليم جثتها، أو الصلاة عليها، وتم دفنها بلا غسل وكفن، إنما فقط سمحوا لخالها أن يرى وجهها من بعيد للتأكد أنها ابنتهم المتوفية.
وختمت الدعيس بالقول: "أنصحكم أي أحد يمرض هذه الأيام، يجلس في بيته ويعالج نفسه، لأنهم أي حالة توصلهم، يصدروها جبلة، ويضربوا لهم إبرة الرحمة (كما يسمونها) تموت الشخص على طول، وأنا متأكدة من هذا الكلام".
مطالبات باحتواء الوضع في الأثناء، طالب بيان صادر عن 65 طبيبًا وطبيبة من العاملين في مستشفيات صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (حصلت "أخبار اليوم على نسخة منه) من وزير الصحة في حكومة المليشيا طه المتوكل، بإعادة النظر في إدارة وزارته لما يجري في صنعاء من انتشار لفايروس كورونا.
واستهل الأطباء بيانهم إلى الوزير الحوثي، بالتأكيد على وجود تزايد مستمر في أعداد الإصابات والوفيات بوباء كورونا "لا يخفى على علمكم الوضع الصحي الذي تعيشه بلادنا في ظل انتشار وباء كورونا وكيف ان عدد الحالات في تزايد مستمر يوما بعد اخر مع تزايد في عدد الوفيات الناجمة عن هذا المرض..".
وطالب بيان الأطباء ب "مراعاة الشفافية في الاعلان عن العدد الكلي للإصابات والوفيات الناجمة عن مرض كورونا وإعلان الحالات الجديدة المؤكدة اولا بأول، الامر الذي سيعكس للشعب جدية الوضع، والاهتمام بتوفير وسائل الحماية الشخصية للكادر الصحي المتعامل مع المرضى بشكل مباشر وفرض وجود هذه الوسائل في كل المستشفيات الحكومية والخاصة".
وشدد البيان على ضرورة "اتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة متعلقة بالحظر الصحي وذلك بإغلاق كافة الأسواق والمجلات التجارية وكذا الجوامع وأسواق القات وأماكن تجمعات الناس، وفرض إجراءات التباعد الاجتماعي في كل المرافق الخاصة والحكومية، وإغلاق كافة المدن المنتشر فيها الوباء لمنع الوباء من الانتشار للقرى والمدن الخالية منه، خاصة أن العيد قادم و رجوع المواطنين الى قراهم عادة سنوية و نتائج عودتهم اليها هذه السنة كارثية".
وحث البيان على "نشر الوعي بين الناس ان الإصابة بمرض كورونا لا يعد وصمة عار او عيب اجتماعي يستدعي التخفي وإنكار الإصابة. إلى جانب التوجيه للمعنيين بالأمر بضرورة تغيير نمط التعامل عند معرفة وجود أسر مصابة او لديها متوفي الامر الذي يسبب ترويع الناس وبالتالي إخفاء وجود إصابات وهذا يشكل خطر كونه يساعد على انتشار المرض، وإلزام المستشفيات الخاصة بتوفير وسائل الحماية لأطبائها بحيث يسهل تشخيص وفرز الحالات، و إلزام المستشفيات الخاصة المجهزة بعناية مركزة ونظام عزل بعلاج كوادرها في حالة إصابتهم بداء الكورونا وتحميلهم كافة المسؤولية لعلاجهم ووقاية الفريق الفني والطبي المعالج".
وختم البيان بالتأكيد على "دور وسائل الإعلام في نشر الوعي الصحي وضرورة الالتزام بإجراءات الحظر الصحي". مؤكدين على إخلاء مسؤوليتهم، من أي عواقب في حال تم تجاهل هذه المطالب المشروعة.
قلق أممي منظمة الصحة العالمية كانت حذرت، في بيان لها بهذا الخصوص، من خطورة التكتم على الحالات المرضية في مناطق سيطرة الحوثيين، مبينةً أنها تعتبر اليمن "بلدا واحدا وشعبا واحدا" ولا مصلحة لأحد في "عدم الإعلان عن عدد الحالات المحتملة". مشيرة إلى إنها تعمل على افتراض أن التفشي الفعلي يحدث الآن في مختلف أنحاء اليمن وأنها تعمل على تعزيز التواصل المجتمعي وأنشطة التوعية.
وقالت المنظمة إن دورها هو أن تنشط في تقديم النصيحة والتأثير ونقل المعلومات فيما يدور من مناقشات عن إعلان الحالات وإنها تفعل ذلك منذ أسابيع، مؤكدة أنه في ضوء القدرة على إجراء الاختبارات في كما أكدت، وهي محدودة للغاية، فإن الاختبارات تجري لمن يستوفون المعايير أو تعريف الحالة وتاريخ التعرض" للمرض.
كما حثت السلطات المحلية في مختلف أنحاء اليمن بالإعلان عن الحالات من أجل توفير الموارد والمعدات التي تعاني دول العالم من نقص فيها بالفعل، غير أن قرار الإعلان من اختصاص قيادات البلد في ظل اللوائح الصحية العالمية، مشيرة إلى أنها "تشجع كل الدول على الشفافية الكاملة في هذا الصدد. فلن نتمكن من الاستجابة بأقصى درجة من الدقة ومن ترتيب أولويات الثغرات والاحتياجات إلا عندما تتوفر لنا كل البيانات والأعداد".
من جهتا، قالت الأممالمتحدة، إن الارتفاع السريع في عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد كوفيد- 19 في اليمن، يشير إلى أنه ظل ينتشر قبل أسابيع من اكتشافه.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدةباليمن في تقرير نشره الأربعاء الماضي "يشير الارتفاع السريع فبعدد الحالات إلى أن الفيروس كان ينتشر دون اكتشافه لأسابيع"، وحذر من حدوث قفزة مفاجئة في الحالات المصابة ما قد يتسبب بضغط على مرافق الرعاية الصحية في البلاد.
الحوثيون على خطى إيران ما يقوم به الحوثيون حاليا، من اتباع أسلوب التعتيم والتكتم غير المسؤول، الذي يدفع سكان البلاد إلى كارثة غير مسبوق، هو الأسلوب نفسه الذي اتبعته إيران في التكتم على انتشار الوباء حتى خرج عن سيطرتها، مع فارق الإمكانيات بين الحلفين، إلا أن الإجراءات هي ذاتها اتبعتها طهران في إدارة أزمة كورونا، الذي تفشى بداية الأمر في مدينة قم "المقدسة" لدى الشيعة، حيث تجاهلت السلطات والمرجعيات في طهران كل المناشدات الطبية من استمرار التعتيم واتخاذ الإجراءات اللازمة في احتواء الوباء، الأمر الذي جع إيران، أحد أكثر عشر دول على مستوى العالم في عدد المصابين والوفيات من جراء الوباء.
بالنسبة للحوثيين، بدلا من أن يتعلموا الدرس جيدا، من الغول الإيراني، أخذوا يطبقون التجربة بحذافيرها في اليمن على حساب آلاف الأرواح من الأبرياء، بسبب المفاهيم الملوثة لمليشيا الحوثي، التي تبقى امتدادا وبائيا لإيران، كيفا كانت طبيعة الوصفة المهجنة لأسوتها ومرجعيتها في وكر الولي الفقيه.