اللواء العرادة يعزي بوفاة الشيخ الزنداني ويشيد بإسهاماته وأدواره الوطنية ومواقفه النضالية    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    كان قادمًا من مارب.. العثور على جثة مواطن في حضرموت بعد انقطاع الاتصال به    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    تفاصيل لقاء جمع مسؤولين عمانيين ووفد حوثي بالمبعوث الأممي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    الشيخ بن بريك: علماء الإسلام عند موت أحد من رؤوس الضلال يحمدون الله    القبض على مقيم يمني في السعودية بسبب محادثة .. شاهد ما قاله عن ''محمد بن سلمان'' (فيديو)    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    في اليوم ال 199 لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.. 34151 شهيدًا ونحو 77084 جريحا    دعاء مستجاب لكل شيء    ذمار: اندلاع حرب أهلية مصغرة تُثبت فشل الحوثيين في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم    الحوثيون يستجيبون لوساطة قبلية للسماح بإقامة مراسيم الدفن والعزاء للزنداني بصنعاء    رئيس مجلس القيادة: برحيل الشيخ الزنداني خسرت الأمة مناضلاً جمهورياً كبيراً    الكشف عن علاقة الشيخ الراحل "عبدالمجيد الزنداني" مع الحوثيين    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    الزنداني كقائد جمهوري وفارس جماهيري    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    وزير الصحة يشارك في اجتماعات نشاط التقييم الذاتي لبرنامج التحصين بالقاهرة    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يبعث برقية عزاء ومواساة الى اللواء احمد عبدالله تركي محافظ محافظة لحج بوفاة نجله مميز    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    مجازر صباحية وسط قطاع غزة تخلف عشرات الشهداء والجرحى    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    ريال مدريد يقتنص فوزا ثمينا على برشلونة في "كلاسيكو مثير"    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    النقد الدولي: ارتفاع الطلب الأميركي يحفز النمو العالمي    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع على النفوذ وحرب بالوكالة في اليمن


ملخص:
تكتسب الجمهورية اليمنية بموقعها الجغرافي وثرواتها الواعدة أهمية كبيرة، فهي كبوابة لشبه الجزيرة العربية، وتشرف على مضيق باب المندب أهم ممر للتجارة الدولية، وتقع على المياه المفتوحة على البحر العربي والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأحمر الرابط بين ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأروبا من جهة أخرى، كل ذلك يجعل منها دولة ذات تأثير كبير على منطقتي الخليج والقرن الإفريقي، وحتى شمالي الجزيرة العربية وأفريقيا المرتبطين بأروبا.
تتبع هذه الدراسة الوضع في اليمن كميدان حرب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية تطمع في السيطرة على هذه المنطقة الهامة، إما لتعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية أو لزيادة فاعليتها الأمنية تجنبا لوصول الحرب والفوضى إلى داخلها.
تركز الدراسة على الفاعلين المحليين ودورهم في تواجد الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتتبع الأهداف الإستراتيجية للتواجد الإيراني في اليمن من خلال حركة الحوثي التي أحكمت قبضتها على عاصمة اليمن صنعاء في 2014، وكيف أعطت مبررا لتواجد عسكري سعودي إماراتي في اليمن من خلال التحالف العربي الذي أعلن في 2015 بهدف استعادة الدولة وإسقاط الإنقلاب.
تكشف الدراسة الأهداف الحقيقية للتواجد الإيراني في اليمن الذي تعتبره مخزنا بشريا يمكنها من الوصول إلى نفط الخليج والمقدسات الإسلامية، كما تكشف الأهداف غير المعلنة للإمارات والسعودية اللتين وجدتا في الحرب فرصة لتحقيق استراتيجياتهما في الوصول إلى مناطق الغاز والنفط والبحار المفتوحة والسواحل والموانئ التي تمكنهما من السيطرة الإقليمية والبقاء كدولتين مؤثرتين ومهمتين لحلفائهما الدوليين، رغم وجود ملامح للتنافس وربما الصراع بين أبوظبي والرياض ، وانعكس ذلك على الأرض بين حلفائهما المحليين، ما أدى إلى انقلاب آخر في عدن 2019 على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تدخل التحالف لدعمها .
تحاول السعودية إعادة التوازن للشرعية التي دخلت في خلافات مع شريكها في التحالف الإمارات، من خلال تشكيل حكومة شرعية تستوعب المجلس الإنتقالي حليف أبوظبي على الأرض، خوفا من زيادة النفوذ الإيراني المتنامي، لكن مجرد عودة الحكومة إلى مطار عدن في 30 ديسمبر/ كانون الأول من 2020، استقبلت بصواريخ لا يستبعد بوقوف جهات إقليمية خلف الأطراف المحلية التي أطلقتها.
تتطرق الدراسة إلى فاعلين إقليميين ودوليين آخرين إلى جانب إيران والسعودية والإمارات، مثل إسرائيل وتركيا وروسيا والصين، وقبل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

مقدمة
في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020 سقطت صواريخ موجهة بالقرب من الطائرة التي كانت تقل وزراء الحكومة اليمنية الجديدة التي شكلتها السعودية مناصفة بين حلفائها في شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وحلفاء الإمارات في المجلس الإنتقالي.
تبادلت الأطراف المحلية التهم بينها في استهداف حكومة غائبة عن اليمن منذ خمس سنوات، لكنها أجمعت بوجود أطراف إقليمية وراء الدعم اللوجستي لعملية إطلاق الصواريخ، فالحكومة الشرعية اعتبرت أن إيران وراء دعم الحوثيين في إطلاق الصواريخ، بينما اتهم الحوثيون السعودية والإمارات بالوقوف وراء ذلك.
الحادث المأساوي الذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المسؤولين الحكوميين والإعلاميين وفرق الإغاثة الإنسانية، كان المثال الأبرز عن تحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي وحرب بالوكالة.
تجتذب اليمن بسبب موقعها الاستراتيجي صراعات القوى الإقليمية والدولية، فمن يملك نفوذاً في اليمن سيحكم أحد أهم طرق التجارة العالمية التي تغذي الشرق والغرب.
اكتسب مضيق باب المندب الاستراتيجي، الممر المائي الواصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، ومن ثم المحيط الهندي، أهميته بعد حفر قناة السويس التي تعدّ أقصر طريق ملاحي في العالم بين الشمال والجنوب، ويمر عبر القناة نحو 12% من حجم التجارة العالمية، وبالنظر إلى الخارطة يتبين أن مضيق باب المندب وقناة السويس تمثلان المدخل والمخرج للبحر الأحمر أحد أهم البحار في الكوكب من الناحية التجارية والاستراتيجية منذ قِدم التاريخ، حيث بدأ صراع السيطرة عليه وتأمين عبور السفن فيه منذ أقدم العهود، بداية من مصر القديمة (الفرعونية) ومرورا بالإمبراطوريات المتعاقبة، وحتى القوى العظمى والإقليمية في عصرنا الحاضر.
وتكتسب اليمن بموقعها الاستراتيجي كبوابة لشبه الجزيرة العربية حيث موطن دول الخليج التي تمتلك احتياطات ضخمة من النفط والغاز، ولديها علاقات واسعة مع القوى الدولية، وتمثّل اليمن ذات الطبيعة الجغرافية والسياسية الصعبة كمنطقة مهمة للتأثير على دول الخليج الغنية بالنفط خاصة المملكة العربية السعودية المجاورة، وعلى القرن الأفريقي وباقي الدول الأخرى المشاطئة للبحر الأحمر.
ويعد مضيق باب المندب الذي يعتبر واحد من أهم المضائق العالمية، ممرا مضطربا تؤثر فيه سلسلة من التحديات للدول المُطلة عليه التي تعاني من هشاشة لأنظمتها وصراعات داخلها، تنعكس سلبا على أمن وسلامة ممر التجارة الدولي. ويشير تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI ) ) إلى أن القرن الأفريقي شهد انتشاراً للقواعد العسكرية الأجنبية وحشداً للقوات البحرية منذ عام 2001م. والجانب الأكثر وضوحا لهذا الوجود هو انتشار المنشآت العسكرية حول مضيق باب المندب، عند مدخل البحر الأحمر وخليج عدن. إما لمواجهة القرصنة البحرية والعمليات الإرهابية، أو بدواعي حفظ مصالح تلك الدول بحماية المضيق، أو لتوسعها في القرن الأفريقي وحماية /أو/ تهديد دول الخليج العربية.
واستخدمت تلك القواعد تاريخياً من أجل توسيع الاستعمار، حيث استخدمت بريطانيا "قاعدة عدن" كنقطة انطلاق لتوسعها الاستراتيجي الهادف للسيطرة على البحر الأحمر ومنع أي قوة أخرى من الاقتراب منه فاحتلت مصر عام 1882م، ومن ثم توجهت للجنوب الشرقي في نفس العام لتحتل مينائي زلع وبربرة في الصومال وذلك لاستخدامها في العمليات العسكرية ضد دول المحور ثم احتلت السودان عام 1899م بحجة أن تلك الأراضي كانت تحت السيطرة العثمانية وهي لا تدخل ضمن إطار اتفاقية 1877م. أو للتأثير على الملاحة وفرض جبايات حيث طٌرد العرب من المراكز التجارية الهندية والأفريقية مع غزو البرتغال للبحر الأحمر والتمركز على مدخله سنة 1502م في تهديد مباشر لمصالح الدولة المملوكية في مصر والشام، وقد تمادى البرتغاليون في حربهم؛ فعملوا على مهاجمة السفن العربية ومنعها من مزاولة النشاط التجاري في مياه المحيط الهندي إلا بتصريح من البرتغاليين.
وكان ذلك واضحاً في اليمن بعد سيطرة جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول2014م، وسحبت معظم الدول بعثاتها، ما أدى إلى تشكل تحالف إقليمي تقوده السعودية في مارس/آذار 2015م لإعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء وإنهاء سيطرة الحوثيين عليها، وكان من بين مبررات ذلك التحالف تأمين مضيق باب المندب، ومنع إيران من تثبيت موطئ قَدم لها في اليمن.

الفاعلون المحليون وارتباطاتهم الخارجية
خلال سنوات الحرب نشأ عديد من الفاعلين المحليين، على مستويين رئيسين الأول: فاعل محلي مرتبط بطرف محلي أكبر. والثاني، فاعل محلي مرتبط أو متحالف بداعم وممول خارجي. وتتوزع هذه الأطراف المحلية على الجغرافيا اليمنية، وتركز في صراعها الداخلي على مناطق الثروة والكثافة السكانية، والموقع الاستراتيجي: إما لكسب الحرب أو لاستخدامها في أي مفاوضات متوقعة للوصول إلى سلام في البلاد، أو خدمة حليف إقليمي أو دولي. إذ يرغب كل طرف في أن يصبح طرفاً مهيمناً للحصول على مكاسب أكبر في المرحلة الانتقالية/أو/ السلطة التي ستدير البلاد عقب الحرب. بمبدأ توزيع الحصص السياسية حسب السيطرة والنفوذ على الأرض.
في الوقت ذاته تدعم الدول والقوى الإقليمية تلك الكيانات/ الأطراف/ الفاعلين المحليين، للحصول على مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية، ونفوذ طويل الأمد في البلاد، حتى لو دفع ذلك إلى تقسيم اليمن على زعماء سلطويين، أو تقسيم اليمن كما الماضي مشيخات وإمارات وسلطنات ودويلات متعددة. وتعتمد تلك الدول الإقليمية في تدخلها باليمن على دعم دول عظمى وكبرى لتمرير أجندتها في البلاد.

وينقسم توزيع الفاعلين المحليين والإقليميين في اليمن على الخارطة على النحو التالي:
مناطق الكثافة السكانية: يسيطر الحوثيون على معظم المحافظات ذات الكثافة السكانية (يبلغ سكان اليمن 30 مليون نسمة) عدا مدينة مأرب حيث يعيش فيها أكثر من 2 مليون نازح معظمهم لجأوا للمحافظة الواقعة شرق اليمن خشية اضطهادهم أو أقاربهم من الحوثيين.
حوّل الحوثيون هذه المحنة إلى فرصة، فالمناطق ذات الكثافة السكانية شكلت مخزناً للمقاتلين مستغلة حالة الفقر والحاجة للسكان من أجل تجنيدهم في صفوفها مقابل الحصول على مساعدات غذائية أو رواتب –زهيدة- ثابتة. كما استغل الحوثيون تلك الكثافة السكانية من أجل الجبايات من التُجار ورجال الأعمال الذين يستوردون معظم ما يحتاجه اليمنيين إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ما عزز من اقتصاد الحرب في اليمن، وأبرز مراكز مالية جديدة معظمها موالية للحوثيين أو تابعة لهم. كما أن ذلك وفرَّ مصدر ثابتاً للمجهود الحربي الذي يعتبر أحد أسباب استمرار الحرب وبقاء الحوثيين في صراعهم المستمر منذ ست سنوات.
الصراع على الثروة: على عكس العديد من البلدان في الشرق الأوسط، تمتلك اليمن الواقعة على حافة قارة آسيا، والطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، عددًا من قطاعات الاستكشاف البحرية المعروضة لصناعة الهيدروكربونات. وتتوفر حتى الآن إحدى عشر قطاعاً مُستكشفاً، ثلاثة منها في البحر الأحمر. وأربعة في منطقتي المكلا وسيحوت قبالة الساحل الجنوبي الشرقي وأربعة أخرى بالقرب من جزيرة سقطرى. إضافة إلى قطاعات أخرى في برية. واكتشفت تلك القطاعات في 1984م، وفي تسعينات القرن الماضي، لكن لم يتم التنقيب فيها. في حوض المكلا-سيحوت على سبيل المثال غير مستكشف نسبياً على الرغم من اكتشافه في التسعينات حيث تم حفر عشر آبار فقط من أجل الاستكشاف. أما حوض البحر الأحمر فيمتد على طول الساحل الغربي للبلاد، وفي الجزر القريبة مثل جزيرة كمران.
تشير الدراسات الأخيرة إلى أن القطاعات المُستكشفة قد وصلت معظمها إلى مرحلة النضوج، وسط احتمالات واعدة بالحصول على "احتياطات" ضخمة من الغاز والنفط. وتبلغ عدد الأحواض الرسوبية في اليمن 13 حوضاً رسوبياً تتوزع على مساحة كبيرة من اليمن تؤكد المعلومات الجيولوجية أنها تمتلك إمكانات بترولية لعددها والأخرى ظهور مؤشرات جيدة تشير إلى وجود العناصر الرئيسية اللازمة لتراكمات بترولية، بينها ثلاثة أحواض من حقب قديمة جداً مثل "حوض صنعاء" و"حوض الربع الخالي" و"حوض سقطرى". ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تمتلك اليمن احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ حوالي 3 مليارات برميل و17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. تشير الحكومة اليمنية إلى أن إجمالي النفط المكتشف حتى 2006م كان 9.7 مليار برميل نفط، في القطاعات المنتجة وعددها 11 قطاعاً، غير ال15 قطاعاً التي تم عرضت على الشركات النفطية العالمية التنافس عليها عام 2013م.

في مارس/آذار2013 عرضت الحكومة اليمنية 15 قطاعا نفطيا "بحريا وبريا " للتنافس عليها من قبل الشركات النفطية العالمية، بينها 10 قطاعات بحرية وخمسة قطاعات برية. والقطاعات البحرية التي أُعلن التنافس فيها: "قطاع الحديدة 23 في حوض تهامة البحر الاحمر"، و "قطاع عتب 62 حوض المكلات - سيحوت"، و "قطاع ميدي 55 حوض تهامة البحر الأحمر" و"قطاع مصنعية 61 حوض المكلا - سيحوت." "قطاع كمران 22 حوض تهامة البحر الاحمر"، و "قطاع بحري 92 حوض سقطرى"، و "قطاع القمر 16 حوض جيزع - قمر"، و "قطاع رأس مومي 93 حوض سقطرى"، و "قطاع عبد الكوري 94 حوض سقطرى"، و "قطاع سمحة 95 في حوض سقطرى ". أما القطاعات البرية فتشمل "قطاع شمال سناو 12 بحوض الربع الخالي" و "قطاع شمال الخضراء 79 حوض الربع الخالي" و "قطاع شحن 54 حوض الربع الخالي" و " قطاع جنوب سار 80 حوض المسيلة - سيئون"، و "قطاع وادي دعيبر 88 حوض المسيلة - سيئون ".

كما يتضح من تفاعلات الأحداث: اكتفت القوى الكبرى بلعب دور المساند لتحركات الفاعلين الإقليميين المعنيين بالأزمة اليمنية. في ذات الوقت استثمر الفاعلون الإقليميون في دعم الفاعلين المحليين لتحقيق أهدافهم. وليس بالضرورة أن يكون الفاعل المحلي يملك الرغبة ليكون أداة بيّد الفاعل الإقليمي، بل إن الفاعل المحلي يَعتقد أن دعم تحركات وأهداف دول الخارج يحقق أهدافه المحلية، في ما يراه "تبادل منفعة بين الطرفين".
يدفعنا ذلك إلى التساؤل: كيف تؤثر تطورات السياسية الخارجية الإقليمية والدولية، على ديناميكيات الصراع في اليمن؟!

بالنظر إلى الشكل (5) فإن حدوث تغيير في سياسة أي من الفاعلين الإقليميين أو المؤثرين الدوليين تجاه أي من الفاعليين المحليين قد يؤثر على حظوظ خصومهم.
وترتبط سياسة الفاعلين الإقليميين تجاه حلفاءهم أو أعدائهم على الأرض بمدى تحقق مصالحهم. كما ترتبط سياسة المؤثرين الدوليين تجاه الفاعلين المحليين، بالتنسيق وسياسة تبادل المصالح الخارجية مع الفاعلين الإقليميين. وهذا الأمر مرتبط بسياسة إدارة تلك البدان لسياستها الخارجية.
فمثلا: إيران تعتمد في دعمها لجماعة الحوثي على مدى تحقيقه نفوذ لصالحها على الأرض، ومثل ذلك تميل السعودية مع حلفائها في الحكومة الشرعية. لكن خلال السنوات الماضية تزايد دعم إيران لحلفائها الحوثيين، فيما قَل الدعم السعودي للحكومة الشرعية.

أطماع الفاعلين الإقليميين وسياسة المؤثرين الدوليين
بالتأكيد فإن وجود اليمن قرب مضيق باب المندب، يجلب أطماع الدول بما في ذلك دول الإقليم. ويعتبر تدخل السعودية والإمارات وإيران في اليمن ضمن أجندة متعددة، بعضها مرتبط بصراع إقليمي وبعضها بمصالح استراتيجية، لكن جميهم يتسابقون للاستفادة من موقع اليمن لتحقيق النفوذ أو لمنع استثماره في ما يهدد أمنهم القومي الاقتصادي والسياسي، أو يحقق جزء من طموحاتهم بالوصول إلى مناطق "الغاز" اليمني والاستثمار فيه بدلاً من الاعتماد الرئيسي على "غاز" دولة قطر على سبيل المثال للحصر.

أولاً: أطماع الفاعلين الإقليميين

ويبدو أن معظم الفاعلين الإقليميين قد شرعوا بالفعل في العمل من أجل تحقيق الأهداف باستخدام الفاعلين المحليين. ويمكن الإشارة إلى تلك الأطماع والعلاقة بالفاعلين المحليين على النحو الآتي:
أ‌) حلم إيران بالمقدسات ونفط الخليج:
تهدف إيران التي تقدم نفسها كقوة كبيرة ناشئة ومؤثرة في غرب ووسط آسيا، للوصول إلى المنافذ البحرية الرئيسية في المنطقة للتأثير عليها، واستخدامها في لعبة التأثير الجيوسياسي الدولي. كما أنها تتحرك من مبادئ دستورية قامت عليها الجمهورية الحديثة عقب ثورة الخميني (1979) التي تهدف لتصديرها إلى ما تصفهم ب"الشعوب المستضعفة". حاولت إيران إيجاد موطئ قدم في اليمن منذ التسعينات عبر استقطاب بعض قادة "المذهب الزيدي" الذي يوجد في محافظات اليمن الشمالية، وقادة حركات إنفصالية نشأت في جنوب اليمن بعد حرب صيف (1994). لكن وجودها في اليمن لم يتوطد إلا بعد ثورة 2011م، مستغلة فجوة واسعة أحدثها كلا من انتقام الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ظل يحكم اليمن (33) عاماً، وأيضا الرفاهية الفائضة للانفتاح السياسي والديمقراطي لحكومة الوفاق مع الحركات المسلحة أثناء المرحلة الانتقالية، فقد شاركت جماعة الحوثي مؤتمر الحوار الوطني وهو حدث سياسي كبير بدون التخلي عن السلاح. شجع ذلك طهران فبعثت أسلحة للحوثيين ودربت قيادات في الجماعة، وكذلك فعلت مع الحركة الانفصالية ومن بينهم عيدروس الزُبيدي الذي يعتبر الآن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.
بَعد الحرب التي شنها التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن عام 2015م، زادت إيران من دعمها للحوثيين على مراحل متعددة. وتعتمد إيران في دعمها للجماعة المسلحة في اليمن على عدة أمور أبرزها: مدى تقدم الجماعة المسلحة وسيطرتها على الأرضي وثباتها في مناطقها التقليدية. والولاء المُكتسب من الجماعة مع كل مرحلة جديدة من الدعم. ومناصب القادة الموالين لها داخل جماعة الحوثي.
في جنوب اليمن بدّلت الحركات الانفصالية العسكرية ولاءها لصالح فاعلين اقليميين آخرين، فقد أنشأت الإمارات من حلفاء إيران السابقين "المجلس الانتقالي الجنوبي". ودربت في الجنوب مليشيات مناطقية تقدر عدد قواتها ب120 ألف مقاتل لدعما المجلس الانتقالي، وتدفع الإمارة الخليجية الغنية بالنفط نفقات المجلس الانتقالي وتلك القوات.

وتهدف إيران من دعمها للحوثيين لإيجاد موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية لعدة أسباب:
- التواجد على حدود المملكة العربية السعودية خصم إيران التقليدي، هو طموح وحُلّم إيراني لم تكن تتوقع طهران الحصول عليه سريعاً. إن هذا التأثير على السعودية كبير للغاية بتكاليف زهيدة مقارنة بما تنفقه طهران في سوريا، فإيران تحلم بالوصول إلى المقدسات ومنابع النفط منذ زمن.
- استراتيجيا تنظر إيران لليمن كما العراق كما سوريا مخون بشري يسهل فيها عمليات التجنيد والاستقطاب وبناء جيوش .
- الحصول على نفوذ من خلال الوصول إلى مضيق باب المندب، إلى جانب تحكمها بمضيق هرمز، وبذلك ستكون إيران ذات سيطرة على أهم الطرق البحرية للتجارة والطاقة، وهو ما يجعل نفط المنطقة تحت رحمتها.
- تبحث إيران عن دور إقليمي ودولي واسع وترى أن بقائها كمهدد دائم لدول الخليج الحليفة لأمريكا وأوربا التي تعتمد على النفط الخليجي يعطيها ذلك الدور.
- التواجد في اليمن يدعم خطط إيران للتوسع في أفريقيا خاصة مع دول القرن الإفريقي.
خلال سنوات الحرب الماضية قدمت إيران للحوثيين الكثير من الدعم "المالي، والعسكري، والسياسي". وأظهر الحوثيون تطورا ملموسا في استخدام الأسلحة النوعية بمرور سنوات الحرب حتى تمكنت في سبتمبر/أيلول2019 من استهداف منشآت نفطية تَبعد 1100 كلم عن الأراضي اليمنية، وأدت إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاج الدولة من النفط تقريبا. ونفت إيران مراراً دعم الحوثيين في اليمن لكن في أغسطس/آب 2020 اعترف الجيش الإيراني بتقديم الدعم العسكري للجماعة اليمنية. وبعثت إيران بخبراء عسكريين تابعين لها إلى اليمن، بينهم عبد الرضا شهلائي الذراع اليمنى ل"قاسم سليماني"-قائد فيلق قدس الذي اغتالته الولايات المتحدة مطلع 2020- والذي أعلنت واشنطن وجوده في اليمن في (ديسمبر/كانون الأول2019) ووجهت له اتهامات بالمسؤولية عن نقل السلاح والذخيرة إلى الحوثيين ومساعدتهم في التخطيط للعمليات العسكرية، والمساهمة في تطوير القدرات القتالية للحوثيين". وقدمت واشنطن جائزة بقيمة 15 مليون دولار لأي معلومات عنه، وقد فشلت محاولات متعددة لاغتياله بينها محاولة اغتيال بالقصف الجوي نُفذت ليلة اغتيال قاسم سليماني.
لا تُقدم إيران الدعم العسكري وحده للحوثيين، بل تساند الجماعة مالياً. حيث تنشط الجماعات الدينية والنظام واللجان الحكومية المُشكلة من أجل دعم الحوثيين في جمع التبرعات من المراقد والحوزات الشيعية ورجال الأعمال والجمعيات الدينية في إيران ودول العالم لدعم الحوثيين. علاوة على ذلك يشير تقرير لخبراء الأمم المتحدة إن إيران منحت الحوثيين سفينة نفط شهرياً بقيمة ثلاثين مليون دولار. كما تُقدم الآلة الإعلامية التابعة لإيران وحلفائها دعماً دائماً للحوثيين، ويبث تلفزيون الحوثيين (المسيرة) من جنوب لبنان إلى جانب فضائيات أخرى.
تُقدم إيران دعماً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً للحوثيين، حيث تسوق الدبلوماسية الإيرانية قيادات الحوثيين. وتزايد هذا الدعم حتى الاعتراف بالجماعة المسلحة كممثلين لليمن، حيث وافقت إيران –في أغسطس/آب2019- على هيئة دبلوماسية تمثل اليمن في طهران عيّنها الحوثيون. عقب لقاء جمع المتحدث باسم الحوثيين بالمرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، في رمزية اعتراف كبيرة إذ نادراً ما يلتقي المرشد بالجماعات التي تدعمها إيران في الوطن العربي.
مؤخراً دفعت إيران بعلاقتها مع الحوثيين إلى مستوى جديد، بوصول سفيرها إلى صنعاء. بادلت إيران الهيئة الدبلوماسية باعتراف أكبر، عندما بعثت بسفير جديد لها إلى صنعاء يدعى "حسن إيرلو". كما عيّن الحوثيون سفيراً يمثل اليمن في سوريا حليفة إيران في المنطقة.
إن وصول "ايرلو" إلى صنعاء يشير إلى العديد من الأمور منها:
* يستبق الإيرانيون أي تقدم في المشاورات الخلفية بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، بتأكيد تحالفهم مع جماعة الحوثي وتوثيقه .
* حاجة إيران إلى وجود أكبر داخل جماعة الحوثي مرتبط بالجماعات والكيانات الموالية للحوثيين، ومعرفة درجة تأثير الجماعة المسلحة في مناطق سيطرتها شمالي اليمن. لذلك كان من الملاحظ جدول الأعمال الذي قام به "ايرلو" في الأسابيع الأولى لوجوده في صنعاء: حضر حفلاً دينياً للحوثيين (المولد النبوي) وأشار إلى قوة حشد الحوثيين، التقى معظم المسؤولين الموالين للحوثيين (عسكريين وسياسيين وبرلمانيين واقتصاديين وحتى الزراعيين ) أقام الحوثيون تشريفاً كبيراً ل"إيرلو" في دار الرئاسة اليمنية حيث التقى "مهدي المشاط" رئيس المجلس السياسي لجماعة الحوثي .
* يُعتقد أن إيرلو جزءًا من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني (المصنف ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية). تاريخياً، كان السفراء الإيرانيون في العراق أعضاء في فيلق القدس، بمن فيهم سفيرها الحالي. ولوجوده ارتباط بمعارك الحوثيين شرقي البلاد، حيث يحاول الحوثيون الوصول إلى مدينة مأرب آخر معاقل الحكومة الشرعية . وارتبط إيرلو بالحوثيين مع بداية عمليات التحالف العربي على الأقل، حيث تشير المصادر الإيرانية الناطقة بالفارسية إلى أن "ايرلو" كان مسؤولاً عن المكتب اليمني في وزارة الخارجية الإيرانية بعد تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن عام 2015 .
وتأكيداً على وجود "إيرلو" كمسؤول عن "فيلق قدس"، ما أشارت إليه وزارة الخزانة الأمريكية عند تصنيف "إيرلو" في قوائمها للإرهاب (08ديسمبر/كانون الأول2020)، إلى أن الرجل دعم جهود الحرس الثوري الإيراني - فيلق القدس لتوفير أسلحة متطورة وتدريب للحوثيين. كما قام بالتنسيق مع كبار قادة الحرس الثوري الإيراني - فيلق القدس لدعم عمليات الحوثيين في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية واليمن. وحافظ إيرلو على علاقة مع قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني الذي قتلته غارات أمريكية في العراق مطلع 2020م.
* إن وضع الولايات المتحدة ل"إيرلو" في قوائم الإرهاب، يقطع الطريق على أي دولة أخرى تحاول التعامل مع الحوثيين كسلطة أمر واقع. كما أنه يشير إلى أن الولايات المتحدة تعتبر تواجد "إيرلو" في اليمن إضافة إلى قادة أخرين من فيلق قدس، تأكيد على علاقة متينة بين "فيلق قدس" وجماعة الحوثي، وهو ما يستخدم كواحد من العوامل تدفع "إدارة دونالد ترامب" لبحث اعتبار الحوثيين منظمة إرهابية .

ب‌) الطموح الإماراتي في قيادة الشرق الأوسط:
تمثل اليمن ساحة معركة رئيسية لدولة الإمارات العربية المتحدة فبينما كانت القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية - تمثل الإمارات ثاني قوة عسكرية بداخله-، يقترب من وقف تقدم الحوثيين ومحاصرة وجودهم في مناطق نفوذ رئيسية، ركزت الإمارات على أجندتها الخاصة، ما أضعف قدرات الحكومة والسعودية على مواجهة الحوثيين.
تبحث الإمارات من خلال تواجدها في اليمن ودول أخرى في المنطقة عن نفوذ إقليمي يجعلها شريك للولايات المتحدة موثوق به في الشرق الأوسط خاصة ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
ومن خلال دعمها بعض الأطراف التي تقاتل ضد الحوثيين، تأمل الإمارات مواجهة "حزب التجمع اليمني للإصلاح" وهو حزب سياسي تصنفه أبو ظبي أنه قريب من جماعة الإخوان المسلمين، التي تخوض هي حرباً ضدها في الشرق الأوسط منذ 2011م، رغم نفى الحزب المستمر، ولا تهدف الإمارات للتصدي لجماعة الإخوان المسلمين فقط لكنها أيضاً تتطلع لتأثير جيوسياسي أكبر في المنطقة دون عوائق.
تتضمن استراتيجية الإمارات لرفع مكانتها الجيوسياسية بعدًا بحريًا، وقد تحركت أبوظبي للسيطرة على طرق الشحن المهمة استراتيجيًا في المنطقة. وتحارب الإمارات في اليمن كل من يعارضها حتى الرئيس ومسئولين آخرين في الحكومة غالبيتهم ليسوا أعضاء في "تجمع الإصلاح"! لكنهم يشيرون مراراً إلى خطورة الدور الذي تلعبه الإمارات.

ما الذي تريده الإمارات في اليمن؟!
تعتبر أبوظبي الوجود في اليمن على رأس طموحاتها خارج الحدود، ومقياساً لمدى قدرتها على الصمود. وفيما تشترك أبوظبي والرياض في المخاوف المترتبة على الوجود الإيراني إلا أن الإمارات لا ترى في الحوثيين تهديداً في سُلّم مخاوفها كما تراه السعودية. لذلك أعلنت الإمارات الخروج من الحرب ضد الحوثيين في 2019م، وتركت السعودية خلفها بعد أن أثقلت تداعيات الحرب السياسة الخارجية لدول التحالف مع دخولها العام السادس، وأصبح ينظر إلى استمرارها من قبل حلفاء البلدين الغربيين ك"وصمة عار". ومع أن الإمارات أعلنت خروجها إلا أن ذلك جاء بعد أن أورثت حلفاءها المحليين أرضا وقوة، وسيطرت على قواعد رئيسية في البلاد حيث النفط والغاز والموانئ الاستراتيجية والجزر المهمة.
يريد الإماراتيون سيطرة فعليه على معظم الشريط الساحلي اليمني، ونفوذ على المحافظات والمناطق القريبة من الساحل والتي تتضمن النفط والغاز. وهو ضمن استراتيجية جيوسياسية في المنطقة حيث تحركت الإمارات أيضًا لتوسيع وجودها وتأثيرها حول مضيق باب المندب بالإضافة إلى قواعدها البحرية في "عصب" بإريتريا وبربرة، في أرض الصومال (الإقليم الانفصالي)، تسيطر الإمارات أيضًا على جزيرة سقطرى اليمنية. فيما بات ينظر إليها باعتبارها قوة استعمارية تحاول السيطرة على مضيق باب المندب.
ويمكن الإشارة إلى الرغبة الإماراتية في اليمن من خلال عدة ملفات:
* اليمن كنفوذ عسكري : تملك الإمارات قواعد عسكرية متعددة في اليمن، على امتداد ساحلها. وعلى الرغم من سحب قواتها إلا أن التشكيلات شبه العسكرية الموالية لها تسيطر على تلك القواعد. إلى جانب وجود عسكري دائم في "بلحاف" وفي "سقطرى ".
* اليمن كنفوذ في السياسة الخارجية : تستطيع الإمارات استخدام اليمن في التأثير على الفاعلين الإقليميين خاصة "سلطنة عُمان، والمملكة العربية السعودية". وتقديم وعود لعدة دول بينها "روسيا " و"الولايات المتحدة" و"بريطانيا" و"إسرائيل" بأن يكون وجود أبوظبي في اليمن داعماً لسياساتهم العسكرية والأمنية في المنطقة .
* منابع الطاقة وتعطيل الاقتصاد : قامت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة "بلحاف" بمحافظة شبوة وهو ميناء الغاز المسال، ومنعت الحكومة اليمنية من بيعه. تحاول الإمارات إيجاد بدائل جديدة للحصول على الغاز بدلاً من اعتمادها على جارتها قطر، في حال توسع الخلافات بين الدولتين. إلى جانب الغاز المسال تمنع الإمارات، الحكومة اليمنية من بيع النفط وتسيطر على معظم الموانئ لتصدير النفط : " النشيمة" في شبوة، "الشحر" في حضرموت. وتُتهم الإمارات بالرغبة في منع عدن من العودة إلى "عصرها الذهبي" - في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت واحدة من أكثر الموانئ ازدحامًا في العالم، في المرتبة الثانية بعد نيويورك - وأصبحت منافسًا لدبي .
سيطرت الإمارات أيضاً على ميناء المخا الاستراتيجي على البحر الأحمر غربي اليمن، وأوقفته عن العمل محوّلة الميناء اليمني الرئيس والمناطق المحيطة به إلى قاعدة عسكرية متقدمة. كما سعَت موانئ دبي العالمية (وهي شركة حكومية) للحصول عقد اتفاق مع الحوثيين لإدارة ميناء الحديدة، لكن عُرقلت العملية بعد اكتشاف السعوديين للخطوات الإماراتية.
* اليمن كسوق تجاري : اليمن دولة من 30 مليون نسمة، ما زالت بحاجة للكثير من البنية التحتية لتلحق بركب جيرانها في الخليج، لذلك ترى أبوظبي إن اليمن فرصة تجارية ضمن جهودها لتنويع الاقتصاد. ومما قامت به، جهود لاحتكار بيع المشتقات النفطية للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وأدى ذلك إلى صراع بين الحكومة الشرعية ومسؤولين محليين تمكنت أبوظبي من السيطرة عليهم . رفضت الحكومة اليمنية ضغوط متزايدة فرضتها الإمارات للحصول على ترخيص من أجل تشغيل شركتي هاتف نقال وإنترنت . وأقامتها رغم رفض الحكومة في أرخبيل سقطرى. في سقطرى أيضاً تحتكر الإمارات رحلات الطيران إلى جزيرة الأرخبيل، وتقوم بحملات تسويق وسياحة لشركات إماراتية، وتمنع أبوظبي أي طائرة أخرى لا تحجز عبر مطاراتها أو شركات السياحية فيها .

ج‌) استراتيجية السعودية :
تتبادل اليمن والسعودية تأثيراً تاريخياً في سياسات البلدين، لذلك فإن السعودية تملك تأثيراً كبيراً على اليمن طوال العقود السابقة، ودخلت معها في حروب وصراع نفوذ جيوسياسي. لكن خلال الأعوام الثلاثة الماضية ظهر التأثير السعودي ضعيفاً مقارنة بالدور الذي تلعبه كقائدة للتحالف العربي، وضعيف –أيضاً- مقارنة بالدور الذي تلعبه دولتي الإمارات وإيران في اليمن.

وعلى الرغم من هذا الدور الذي يبدو ضعيفاً إلا أن المملكة هي مالكة الكلمة الأخيرة داخل التحالف الذي تقوده، في اليمن وهي الفاعل الإقليمي الذي يصعب لأي من الأطراف المحلية –وحتى الفاعلين الإقليميين- تجاوزه بما في ذلك خصومها الحوثيين. ويرتبط موقف السعودية وبقائها في اليمن بجملة من الأهداف الخاصة خارج الأهداف المُعلنة بمواجهة جماعة الحوثي المسلحة ووقف النفوذ الإيراني في اليمن من بينها:
* مناطق الحلم السعودي : تمثل محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، مناطق "حُلم السعودية العظمى" منذ عقود، حيث تريد المملكة العربية السعودية الحصول على منفذ يوصل إلى بحر العرب لتصدير النفط بدلاً من الاعتماد على مياه الخليج ومضيق هرمز حيث تتزايد الأزمة مع إيران .
وتزايدت الحاجة إلى ذلك بعد خمس سنوات من تحويل محافظة خرخير (تابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية) إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها. حيث يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة. وشرعت السعودية بالفعل في بناء الميناء ومدّ أنبوب النفط، كما تقوم بشق طريق دولي بطول 300 كلم، يبدأ من حدودها حتى ساحل المهرة، ضمن الأطماع السعودية في اليمن. ولم تقدم الحكومة اليمنية تعليقاً على ذلك وإن كان تم بتفاهم معها.
تُحكم السعودية –أيضاً- سيطرتها على المنافذ البرية والبحرية والجوية إلى محافظة المهرة، حيث تسيطر على مطار الغيضة وميناء نشطون، ومنفذي صرفيت وشحن الحدوديين مع سلطنة عمان. ونشرت مئات الجنود والعربات في المحافظة.
* قاعدة عسكرية متقدمة : قامت السعودية ببناء قاعدة عسكرية متقدمة في محافظة أرخبيل سقطرى. وهي الجزيرة التي تخطط الإمارات لبقاء طويل الأمد فيها. وستمكن تلك القاعدة المسؤولين السعوديين من مراقبة بحر العرب ومضيق باب المندب والتحرك في حال حدثت مشكلات بحرية .
كانت السعودية قد بدأت دراسة إقامة قاعدة في مكان مجاور للقاعدة الأمريكيَّة (كامب ليمونييه) في جيبوتي –على الضفة المقابلة لليمن قرب مضيق باب المندب- وفي يناير/ كانون الثاني 2017 أعلنت جيبوتي أنها تضع الصيغة النهائية لاتفاق مع السعودية يسمح لها ببناء قاعدة عسكرية دائمة في منطقة القرن الأفريقي. بعد أن وقعت السعودية اتفاقاً أمنياً مع السلطات الجيبوتية في إطار استعداداتها لبناء القاعدة.
لكن لم يحدث تقدم في بناء القاعدة العسكرية في جيبوتي –إذ تعتبر أول قاعدة عسكرية سعودية خارج الحدود- وبدلاً من ذلك في مطلع 2018م وصلت قوات سعودية إلى جزيرة سقطرى اليمنية كجزء من حلّ بين الحكومة اليمنية ودولة الإمارات العربية المتحدة. لكن تلك القوات التي بدأت بالعشرات أصبحت بعد عامين قرابة 1000 جندي سعودي، وافتتحت معسكرات جديدة. وعلى الرغم من وجود هذه القوة الكبيرة للسعودية فإن القوات لم تتحرك لحماية السلطات المحلية اليمنية في الأرخبيل عندما سيطر مسلحو المجلس الانتقالي الجنوبي عليها في يونيو/حزيران 2020م.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول2020 حطت طائرة نقل عسكرية سعودية من نوع ( C130 Hercules ) في مطار سقطرى الدولي، في تنافس مع دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تتحرك السعودية إلى جانب وجودها العسكري في سقطرى من خلال "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"، الذي تأسس عام 2018 بمبادرة من الملك "سلمان بن عبدالعزيز. فضمن هذا البرامج، تم افتتاح مدارس جديدة في الجزيرة، كما يجري العمل على عدد من مشاريع البنية التحتية للمياه. وهي مشاريع كانت تسيطر عليها مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية التي استخدمتها أبوظبي كغطاء لبناء نفوذ في الأرخبيل وشراء ولاءات فيه.
* منع أي نفوذ خارجي يتعداها : ظل المسؤولون السعوديون قلقون من أن نفوذهم في البلد المجاور قد تراجع نتيجة تطورين متوازيين :
الأول ، بعد الربيع العربي (2011) اهتزت النخب التقليدية اليمنية التي ظلت موالية وتحظى بدعم وتمويل من السعوديين لعقود سابقة وظهور قوى وجماعات جديدة ذات تأثير يفوق تلك النخب التقليدية مثل "حزب التجمع اليمني للإصلاح، وجماعة الحوثي، والحركات الانفصالية جنوب اليمن، ومنظمات مجتمع مدني وقيادات أظهرها الربيع العربي.
الثاني ، مخاوف استخدام اليمن كميّزة لإثارة المشكلات في المملكة العربية السعودية، بسبب معارك إقليمية أخرى. كما حدث مع إيران التي زادت من دعمها للحوثيين، لتخفيف الضغط عليها في سوريا. لذلك تهدف السعودية إلى استعادة النفوذ التقليدي لها في اليمن، بما يحظر وجود أي نفوذ خارجي يتعداها، بما في ذلك النفوذ الإماراتي، أو التأثير القطري/العُماني، وتأثير القرن الأفريقي في اليمن.
لذلك فإن السعودية ترغب في استعادة استراتيجيتها القديمة: يمن أزمات ليس مفككا –فيتحول إلى منطقة قلق وامتداد صراع بالوكالة- وليس يمناً قوياً قادرا على الخروج عن العباءة السعودية.
إضافة إلى أن لجوء كل المكونات اليمنية للمملكة في حال الخلافات بين الفاعلين المحليين. ومنع أي نفوذ للفاعلين الإقليميين أو المؤثرين الدوليين في اليمن دون موافقة وإشراف سعودي.

د) سلطنة عُمان وقطر:
فيما تخشى مسقط النفوذ الإماراتي والسعودي في اليمن لأسباب جيوسياسية في أساسها، فإن الدوحة تعارض استمرار الحرب كجزء من لعبة مكايدة سياسية بعد فرض حصار عليها من قِبل أربع دول "السعودية، الإمارات، البحرين، مصر"، وإخراجها من التحالف العربي الذي يقاتل الحوثيين في 2017م ( أعلنت مصالحة مع قطر حذرة أثناء انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية في 5 يناير 2021).
تملك سلطنة عمان حدوداً طويلة مع اليمن (عبر محافظة المهرة)، كما أنها قريبة ومؤثرة ومتأثرة بأرخبيل سقطرى. ولذلك فإن وجود قوة غير يمنية في المحافظتين يثير مخاوف المسؤولين العُمانيين من استخدامها كورقة ضغط –بسبب المشكلات الحدودية بين السلطنة من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى.
تملك مسقط سياسة خارجية محايدة لكن التطورات في اليمن، وزيادة الفاعلين الإقليميين أصبحت تمثل تحدياً متزايداً لهذا الحياد. حيث يقوم الفاعلون الإقليميون بما في ذلك الرياض وأبوظبي وطهران بدعم فاعلين يمنيين محليين وتموليهم وتسليحهم، ما يؤثر على السلطنة والخطر القادم من اليمن.
ينظر السعوديون إلى عملياتهم العسكرية ونفوذهم في المهرة على أنها وسيلة لممارسة الضغط على عمان في وقت يُنظر فيه إلى عمان على أنها ضعيفة بسبب ضعف اقتصادها ووفاة السلطان قابوس مؤخرًا في يناير/كانون الثاني2020. وتريد السعودية والإمارات إجبار عمان على الخروج مما يعتبرانه المدار الإيراني والقطري.
في السياق ذاته فإن السيطرة على الحدود مع اليمن أمر بالغ الأهمية لأمن عمان لأسباب تاريخية وقَبلية. ومع ذلك، فإن السيطرة على الحدود الطويلة، التي تعبر الجبال والصحاري، تمثل تحديًا حتى مع قوة الحدود العمانية المدربة والمجهزة جيدًا، وهي لواء مشاة ميكانيكي. إذ لا يزال التهريب على طول الحدود منتشراً، والذي طالما كان دعامة أساسية للاقتصاد المهري.
وللحد من النفوذ الإقليمي في المهرة تدعم مسقط تحركات شيوخ قبليين في المهرة وسقطرى للحد من الوجود السعودي والإماراتي على حدودها. بما في ذلك "لجنة اعتصام المهرة"، التي تطالب بخروج القوات السعودية من المحافظتين اليمنيتين.
تحولت المحافظة الشرقية لليمن إلى منطقة صراع بالوكالة فالسعودية – مثلما فعلت عُمان لتعزيز نفوذها – بدأت بدعم عدد كبير من قبائل المهرة لكسب ولائهم. وقد أدّت هذه الخطوة إلى انقسامات مجتمعية كبيرة داخل المجتمع القبلي المحلي، وذلك للمرة الأولى في تاريخ هذه المحافظة الشرقية. هذا الدعم لا يقتصر على المجال المالي، بل يتعدّاه ليطال المجال العسكري. فقد أصبح تمدّد الجماعات القبلية المسلحة سمة جديدة في المهرة، في ضوء المنافسة السعودية-الإماراتية-العُمانية غير المباشرة على النفوذ في هذه المنطقة.
ومع ذلك تؤكد مسقط أنها ما تزال محايدة في اليمن، ودَفع سلطنة عمان إلى الخروج من الحياد المفترض يعني اتخاذها دعم طرف في الحرب. وهو أمرٌ سيغير نهج السياسة الخارجية العُمانية، إذ تعتبر وسيطاً في اليمن بين الحوثيين والحكومة اليمنية والتحالف، ووسيط موثوق فيه بالمنطقة بين دول الخليج والدول الغربية وإيران، إذ لعبت الدبلوماسية العُمانية دوراً في الوصول إلى خطة العمل المشتركة مع إيران ( JCPOA ) "الاتفاق النووي الإيراني"، ويبدو ان عمان فعلا بدأت تتخذ سياسة دعم الحوثيين دبلوماسيا واعلاميا الذين لديهم مكتب اتصال رسمي في مسقط، كما أن الرياض ودول أخرى اتهمت مسقط مراراً بالتغاضي عن تهريب الأسلحة لجماعة الحوثي المسلحة.
من جهتها تقوم قطر بتقديم الدعم الإعلامي والسياسي للسلطنة في المهرة وسقطرى. كما تقوم وسائل الإعلام الموالية للدوحة بدعم التحركات المحلية ضد الوجود السعودي والإماراتي في اليمن، وتنطلق قطر في سياستها من آلية الدفاع عن نفسها خارج حدودها طمعا في تخفيف الضغط المتواصل عليها منذ اعلان حصارها من السعودية والإمارات والبحرين ومصرفي 2017م. ومؤخرا هناك برنامج تنسيق لدعم وتمويل مؤسسات اعلامية ولوبيات بين الدوحة ومسقط هدفها كشف تحركات الرياض وابوظبي في اليمن، وبعضها داعم للحوثيين بشكل غير مباشر.

ثانياً: المؤثرون الدوليون

التأثير الدولي في اليمن يأتي في معظمه كنتيجة لدعم فاعل محلي أو إقليمي، أو نتيجة لمصالح وأطماع تؤثر في سياسة تلك الدول تجاه الحرب في اليمن وتجاه الأطراف المحلية أو الإقليمية الفاعلة، ويمكن الإشارة إلى الآتي:
أ‌) الولايات المتحدة الأمريكية:
تُعتبر اليمن في السياسة الخارجية الأمريكية ملحقاً بسياستها تجاه المملكة العربية السعودية، كانت وستظل حتى حدوث تحولات أخرى. خلال إدارة دونالد ترامب أُلحقت اليمن أيضاً بسياسة السعودية والولايات المتحدة تجاه إيران، حيث شهدت إدارته تجميد العمل ب"الاتفاق النووي" الإيراني، ما أعاد العقوبات، وتم تصنيف الحرس الثوري الإيراني ك"منظمة إرهابية" ، وبذلت إدارة ترامب جهدها للضغط على إيران عبر الجماعات التي تدعمها في المنطقة. وعلى عكس إدارة باراك أوباما التي استمرت خارجيتها في التواصل مع الحوثيين بما في ذلك لقاء جمع وزير الخارجية الأسبق جون كيري والحوثيين في مسقط وخرج بمبادر عُرفت ب"مبادرة كيري" والتي رفضتها الحكومة اليمنية. فإن إدارة "ترامب" قطعت التواصل الدبلوماسي مع الحوثيين، وتعاملت مع الجماعة عبر دبلوماسيين أوروبيين أو عبر المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية إلا في حالة طلب سعودي كما حدث في النصف الثاني من 2019.
في 20 يناير/كانون الثاني2021 تبدأ إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" عملها في البيت الأبيض. خلال الحملة الرئاسية، وحتى في المقابلات الإعلامية الأخيرة، تحدث بايدن عن الدخول المشروط في خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA ) ) بشرط عودة إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق. كانت هناك مؤشرات على أن بايدن قد ينضم إلى الاتفاق دون قيد أو شرط لإعطاء بعض المساحة لحكومة حسن روحاني الحالية قبيل انتخابات يونيو/حزيران 2021 التي تشهدها إيران وقد أثرت العقوبات على الاقتصاد (صرح وزير الخارجية جواد ظريف مؤخرًا، أن العقوبات قد ألحقت ضررًا بقيمة 250 مليار دولار أمريكي )، وأصبحت الأصوات المتشددة في إيران أقوى – ويبدو أن آخر ما تتوقعه الولايات المتحدة هو استيلاء المتشددين على السلطة.
عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي دون شروط كبيرة تُطمن السعوديين، سيثير غضبهم كما حدث مع ولاية باراك أوباما، ما سيؤثر على العلاقة بين الرياض وواشنطن. ولتخفيف غضب الرياض، قد تذهب "إدارة بايدن" إلى دعم وجه النظر السعودية في اليمن. لكنه في كل الحالات لن يكون دعماً مماثلاً لما قَدمته "إدارة ترامب".
في إطار حملته الانتخابية هدد "بايدن" بأن يجعل السعودية دولة "منبوذة"! إن سلوك إدارة بايدن باتجاه إثارة التوترات مع "السعودية" يزيد من مخاوف السعودية بالتخلي عنها، وهي مخاوف تزايدت منذ دعم باراك أوباما للربيع العربي (2011)، وتزايد مع توقيع إدارته للاتفاق النووي، حيث اعتبر المسؤولون السعوديون التوقيع "خيانة للسعودية" وإقامة علاقة صداقة مع إيران. في نفس الوقت من النادر للغاية أن أدت سياسة "نبّذ" الدول إلى إصلاحها، بل على العكس تزداد تمرداً. أدى الضغط الأخير في الكونجرس لإنهاء مبيعات الأسلحة للسعودية إلى تعزيز مخاوف الرياض من التخلي عنها. ليس من قبيل المصادفة، إذ أن ولي العهد أطلق برنامجًا نوويًا سريًا مدعومًا من الصين وينظر إلى استمرار النفوذ الإيراني في اليمن باعتباره تهديدًا وجوديًا. وهو، إلى جانب العديد من النخب السعودية، يشعر على نحو متزايد بأن العلاقة مع الصين - لا سيما تلك التي تسمح للمملكة العربية السعودية بشراء ترسانة أسلحة نووية خاصة بها - تبدو منطقية أكثر من الاعتماد المستمر على واشنطن.
في الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة ترى اليمن في المستقبل كتهديد، مع توسع نشاط التنظيمات الإرهابية في اليمن والصومال والعلاقة المتطورة بينها. إلى جانب مخاوفها من حصول روسيا أو الصين على موطئ قدم في سقطرى أو في السواحل اليمنية ضمن لعبة المنح التي يقوم بها الفاعلين الإقليميين للحصول على دعم القوى الكبرى.
تحتاج الولايات المتحدة لتطمين السعودية بعدم التخلي عنها، وعدم ترك المنطقة للقوى الأخرى إلى عقد تحالف يضم السعودية ودول أخرى في المنطقة كجبهة ردع ضد أي تهديدات محتملة للحلفاء الخليجيين وأيضاً إلى إعادة حضور الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في اليمن. لذلك فإنها تحتاج إلى مقر للعمليات العسكرية الجديدة في اليمن، وتشير بعض المعلومات إلى أن الإمارات عرضت على البنتاغون وجوداً في القاعدة العسكرية التي تديرها في محافظة شبوة. فيما يبدو أن السعودية تعرض على واشنطن ولندن قاعدة عسكرية مشتركة في محافظة المهرة على الحدود العمانية.

ب‌) المملكة المتحدة:
يُعتبر (جنوب اليمن) مستعمرتها السابقة، لكنها في ذات الوقت –كما الولايات المتحدة- تأتي اليمن في أسفل أجندتها للسياسة الخارجية، وعادة ما تأتي ملحقة بالسياسة والأمن في منطقة الخليج وبحر العرب، حيث تمرّ تجارتها، وينتعش اقتصادها.
وتملك بريطانيا علاقة متينة بسلطنة عمان. في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وقع البلدان اتفاقية "دفاع مشترك" بعد انتهاء مناورة عسكرية ضخمة لم يتم إقامتها منذ 17 عاماً تماشياً مع روح اتفاقية الحماية البريطانية "على مسقط وسلطنة عمان" الموقعة في (1891م). وفي العام التالي (2019) أعلنت بريطانيا عن قاعدة تدريب عسكرية في سلطنة عُمان، أُطلق عليها "قاعدة الدعم اللوجستي المشترك" في الساحل الجنوبي الشرقي للسلطنة في "الدقم" حيث تعتزم السلطات العُمانية تسويق ميناء الدقم باعتباره "وجهة آمنة ومستقرة وصديقة للأعمال للاستثمار الصناعي والاقتصادي"، مما يعزز سمعة البلاد كمكان هادئ في منطقة متوترة. وتوجد بها مصفاة نفط تبلغ تكلفتها 4.6 مليار دولار و230 ألف برميل في اليوم، وهي الآن قيد الإنشاء.
وأعلنت بريطانيا الاستثمار في "ميناء الدقم" ب 23.8 مليون جنيه استرليني خلال زيارة وزير الدفاع البريطاني "بن والاس" للسلطنة في سبتمبر/أيلول 2020. وأشار بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع البريطانية إلى أن "هذا الاستثمار سيزيد ثلاثة أضعاف من حجم القاعدة البريطانية الحالية وسيساهم في تسهيل انتشار «قوات البحرية الملكية» في المحيط الهندي". وكانت قناة "بي بي سي" قد تكهنت بأن ينقل الجيش البريطاني تدريباته بالذخيرة الحية والمناورات بالدبابات من كندا إلى الدقم، باستخدامه منطقة "رأس مدركة" للتدريب التي تبلغ مساحتها 4 آلاف كيلومتر مربع.
ينبغي النظر إلى تجديد الشراكة في سياق تداعيات (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، واستمرار إيران بتصدير عدم الاستقرار، وتنامي وجود الصين في المنطقة. وتقع قاعدة "الدقم" في موقع مثالي لدعم عمليات الحلفاء في الخليج العربي، لتكمّل "منشأة الإسناد البحري البريطاني" التي جرى تعزيزها مؤخرأً في البحرين.
في اجتماعات "والاس" بالخارجية العُمانية في مسقط حضر اجتماعاته سفير عُمان السابق في اليمن عبدالله بن حمد البادي، الرجل المكلّف من قبل وزير الخارجية لمساعي التسوية في اليمن، وكانت بريطانيا حريصة على توفير دعم كبير لمبادرات الوساطة التي تعتمدها عُمان في الصراع اليمني، وقد تلعب منشآت الدقم اللوجستية بمرور الوقت دوراً إنسانياً داعماً هناك.
ولا تتواجد القوات البريطانية في سلطنة عمان والبحرين فقط، بل تتعمد باقي دول الخليج على الخبرات والتدريب البريطاني. وبعض هؤلاء يشاركون السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، ويوجد موظفون بريطانيون في 15 موقع مختلف في السعودية. في العاصمة الرياض وحدها، تنتشر القوات المسلحة البريطانية في أكثر من ستة مواقع، بما في ذلك مراكز العمليات الجوية حيث يراقب ضباط سلاح الجو الملكي العمليات الجوية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن. وعقب هجمات الحوثيين على منشآت النفط السعودية "بقيق" و"خريص" أرسلت الدفاع البريطانية وحدات عسكرية إلى السعودية سرا لحماية حقول النفط.
إضافة إلى اعتماد بريطانيا على نفط الخليج، فإنها تريد توسيع تعاملها التجاري مع خروجها من الاتحاد الأوروبي. فخارج الاتحاد الأوروبي تُعد دول مجلس التعاون الخليجي ثاني أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة بعد الولايات المتحدة. ووفقا لأرقام الحكومة البريطانية، بلغ إجمالي التجارة في السلع والخدمات العام الماضي 54.8 مليار دولار أمريكي. كما تُعد دول الخليج أكبر مستثمر في بريطانيا، ويتراوح إجمالي استثمارات الأفراد والصناديق السيادية الخليجية بين 200 و250 مليار دولار.
في يوليو/تموز 2019 أعلنت عن خطة لتشكيل قوة بقيادة أوروبية لحماية الشحن البحري في الخليج، بعد أن احتجزت إيران احدى سفنها. وتخشى المملكة المتحدة من توقف الشحن في مضيق باب المندب إما لأسباب أمنية متعلقة بتهديدات الحوثيين –المدعومين من إيران- أو بسبب ناقلة النفط "صافر" التي تحمل 1.4 مليون برميل نفط ومهددة بالانفجار أو التسرب ما يهدد الملاحة في البحر الأحمر.
لذلك فإن بريطانيا تحتاج إلى بيئة مستقرة في اليمن من أجل خطط الاستثمار وتأمين حلفاءها الخليجيين ووقف التهديد الذي تبثه الجماعات المسلحة داخل اليمن. كما تحتاج إلى وجود في اليمن لتأمين الملاحة ومراقبة النشاط الاقتصادي الصيني، -لأجل ذلك قد تفكر في وجود عسكري أو مخابراتي على هيئة قاعدة في المهرة أو سقطرى-. كما أن المملكة المتحدة تريد التمركز في المنطقة مع خطط الولايات المتحدة بالتراجع عن المنطقة، وتأكيدها على أن أولياتها ما يزال أمن المنطقة، خشية الوصول الصيني والروسي إليها.

ج‌) إسرائيل:
في أغسطس/آب 2020 بعد أيام من إعلان الإمارات تطبيعها مع "إسرائيل"، قالت تقارير إن "الإمارات وإسرائيل" عازمتان على إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في جريرة سقطرى. مشيرةً أن وفداً مشتركاً من ضباط المخابرات الإسرائيلية وصل إلى جزيرة سقطرى، برفقة ضباط استخبارات من الإمارات، وقاموا معًا بفحص مواقع مختلفة للقواعد الاستخباراتية التي سيتم وضعها هناك. تقسم عقيدة إسرائيلية سائدة الدول والجماعات في المنطقة إلى دوائر و"إيران" تقع في الدائرة الثالثة أي أخطر تهديد يواجهها، واليمن تقع ضمن مصدر هذا التهديد، لذلك فإن اليمن بالنسبة "لإسرائيل" مرتبط بمدى الوجود الإيراني وتدخله في اليمن. وتحدث المسؤولون الإسرائيليون أكثر من مرة بكون اليمن قد تكون منطلقاً لصواريخ إيرانية يطلقها الحوثيون تستهدف "إسرائيل".
لذلك فإن "إسرائيل" قد تستخدم هذه المزاعم للحصول على مرافق مخابراتية وعسكرية بالقرب من باب المندب وفي أرخبيل سقطرى بدعم من الإمارات وحلفائها في اليمن "المجلس الانتقالي الجنوبي" و( القوات التابعة لنجل شقيق الرئيس السابق طارق صالح)، بمبرر مراقبة النشاط الإيراني والصيني وحتى الباكستاني في بحر العرب ومضيق باب المندب. ولا تريد "إسرائيل" الانخراط في حرب اليمن ضد الحوثيين –كما يعتقد بعض المحليين الخليجيين- بل كما يبدو تريد مشاركة كتلك التي تقوم بها في سوريا.
ومنذ مطلع 2020 حدثت كيمياء بين قادة المجلس الانتقالي ومسؤولين وصحفيين إسرائيليين، واجتماعات بين الطرفين. زادت بعد تطبيع الإمارات مع "إسرائيل". وتهدف "إسرائيل" إلى تأمين ميناء إيلات جنوبي إسرائيل وممر شحن يمنح الوصول ليس فقط لقناة السويس ولكن أيضًا للبحر الأحمر وعبر باب المندب إلى المحيط الهندي وما وراءه أمر ذو أهمية حيوية لتل أبيب، كبوابة إلى الشرق الأقصى والصين التي هي بالفعل شريك تجاري رئيسي. إذ لطالما كان "باب المندب" وإغلاقه كابوساً بالنسبة "لإسرائيل" خلال حروبها مع العرب.

د) تركيا :
تمتلك تركيا قاعدة عسكرية متقدمة في الصومال في الجهة المقابلة من مضيق باب المندب، لكن مع إرسال قوات لها خارج الحدود في ليبيا وأذربيجان كما في سوريا والصومال، يجعل تواجدها عسكريا في اليمن صعبا في ظروف اقتصادية وأمنية وعسكرية وسياسية حساسة يمر بها العالم .
تتحرك تركيا في اليمن بقوة ناعمة حيث تعتمد على المساعدات الغذائية، فأنقرة رغم الخلاف العميق مع أبوظبي، لا تعادي الرياض لأسباب متعلقة بدور السعودية ومكانتها في الشرق الأوسط. ولذلك فإن أي تواجد عسكري مكسب لتركيا في اليمن لا ياتي إلا من خلال التنسيق مع الحكومة الشرعية والسعودية والولايات المتحدة.

د) الصين وروسيا:
اليمن عنصر لا غنى عنه في طموحات الكرملين المتنامية في جميع أنحاء منطقة الساحل، عبر البحر الأحمر. وعودتها إلى جزيرة سقطرى، سيكون مقروناً بإمكانية إنشاء قاعدة بحرية منفصلة في السودان. من جهتها تملك الصين طموحات اقتصادية واسعة عبر "طريق الحرير" الذي يمثل بحر العرب واحدة من النقاط المهمة لهذا الطريق، وتمثل سقطرى ذات الأهمية باعتبارها تمثل نقطة الالتقاء بين المحيط الهندي والبحر العربي. وتريد أن تصبح الجزيرة مكاناً لإدارة عمليات التجارة البحرية في المنطقة. وتملك قاعدة عسكرية في جيبوتي لحماية هذا الطريق الذي تمثل اليمن جزءاً كبيراً منه.
لكن هذه الخطط تصطدم بالولايات المتحدة والقوى الغربية، وستكون مرتبطة بشكل أكبر بمدى تقارب "بكين" و"موسكو" من دول الخليج العربي خاصة السعودية والإمارات، وحجم الزيادة المتوقعة في التبادل التجاري بينهما؛ كما أن ذلك سيكون مرتبطاً بالسياسة الأمريكية في المنطقة.

خاتمة:
يتفق معظم المراقبين بعد ست سنوات من الحرب إلى عدم وجود حل عسكري قابل للتطبيق في اليمن. وأن أي حلّ عسكري قد يتسبب بمزيد من الخراب للبلد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل 233 ألف يمني خلال سنوات الحرب. كما تسبب القتال الدائر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم إذ يحتاج نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية أو الحماية، بما في ذلك 13 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، وتنجرف البلاد نحو المجاعة بسرعة فائقة.
إن الوصول إلى حل سياسي بإعادة سلطات الدولة وسحب الأسلحة من كل الأطراف، هو أهم ما يمكن عمله من قبل الفاعلين المحليين والإقليميين، مع عدم تكرار تجربتي العراق ولبنان، حيث انتهت الدولتان إلى حضن الميلشيات نتيجة اتفاقات محاصصة سياسية حافظت على سلاح وقوة الميلشيات واستبعدت رأي الشارع في انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية دون تأثير السلاح عليها.
إن تحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي ودولي خاصة بين السعودية والإمارات وإيران والأموال والأسلحة التي يوردونها، يؤجج صراعات متشابكة وعميقة في المجتمع اليمني، وفي الوقت نفسه، فإن تنافس الحلفاء في اليمن مثل السعودية والإمارات يطيل أمد الحرب ويزيد من صعوبة إيجاد حل سياسي في البلاد.
إن خلافات الفاعلين الإقليميين والمؤثرين الدوليين وطموحاتهم وأطماعهم في اليمن وأهدافهم في المنطقة ومشكلاتهم البينية، تزيد الحرب عبر دعم الفاعلين المحليين، وخلّق فاعلين محليين جُدد في الصراع الممتد بطول البلاد وعرضها، فلم تكد تجد محافظة من المحافظات دون تأثرها بهذا الصراع، أو أحد مواطني البلاد دون الاكتواء بوجعها.
من الأهمية بمكان ألا تلقي التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بظلالها على ديناميكيات الصراع المحلية. كما أن من الأهمية وقف السعودية والإمارات لصراعاتهم في اليمن، والحصول على أهدافهم عبر تعاون مباشر مع أي حكومة يمنية في إطار تعامل دولة أو دول مع دولة وفق القانون الدولي، لا أن تكون اليمن تابع فقط تستغل أوضاعها في ظل الحرب للسيطرة على ثرواتها او خلق نفوذ ومصالح خارج اي اتفاق رسمي، فمن مصلحة اليمن بعد الحرب الوصول إلى اتفاقات تدعم البلاد اقتصادياً وعسكرياً.
إن التوتر في الخليج العربي تسبب بتصاعد الصراع داخل اليمن، ونُقلت خلافات الخليجيين الداخلية إلى اليمن فساهمت بتعقيد الحرب أكثر مما هي عليه من تشابك. وبدلاً من ذلك، من الضروري خفض التصعيد في المنطقة وفي الخليج ومواصلة الجهود للتوصل إلى حل سياسي.
على الرغم من خلافات الفاعلين الإقليميين والدوليين في اليمن فإنهم يؤكدون دعمهم لبقاء اليمن موحداً، من غير المرجح أن يحظى الانفصال بالدعم الدولي الذي قد يحتاجه، خاصة أنه قد يترك الحوثيين على رأس سلطة شمال البلاد، وعلى طول الحدود مع السعودية. ويترك كيانات جنوبية متناحرة بدعم فاعلين إقليميين ينظرون للجنوب كغنيمة سهلة لتحقيق النفوذ.
من المرجح أن يكون النظام الفيدرالي أكثر موثوقية لإخراج لبلاد من أزماتها في ظل تزايد الفاعلين المحليين، لكنه سيحتاج خطط تتعلق بتوزيع الثروة، وشخصيات سياسية قوية وتوافقية لقيادة المرحلة الجديدة تنتشل البلاد من بين براثن تحديات متعددة.
من غير الصحيح إن وقف الفاعلين الإقليميين للدعم سيؤدي إلى توقف الحرب، لكنها ستستمر وإن كانت بوتيرة أقل، فاليمن أصبحت مصدر تجارة وبيع السلاح ، ومنطقة عبور السلاح والإرهاب. على سبيل المثال: استفاد الحوثيون من الأسلحة الإيرانية، فحتى لو أوقفت طهران الشحنات اليوم، فقد يستمر الصراع في المستقبل المنظور بما تبقى في مخزونهم الكبير إلى جانب أن الخبراء الإيرانيين ساعدوا الحوثيين في إنشاء مصانع ذخيرة. والأمر ذاته بالنسبة للحكومة الشرعية وبقية الأطراف الأخرى
في حال انتهت حروب اليمن فإن هناك عديد مخاطر أمنية تواجه البلاد والمنطقة بسبب سلوك الفاعلين الإقليميين والمؤثرين الدوليين: -الأسلحة والعتاد الذي تم توفيره لجميع أطراف النزاع يعني قتالاً وحروباً صغيرة داخل البلاد للحصول على مكاسب.
الأسلحة والعتاد الموجود في اليمن سيستمر في التدفق إلى خارج البلاد لسنوات قادمة. وإذا تركت التجارة في الأسلحة والعتاد غير المشروع من اليمن دون رادع، فسيزيد ذلك من عدم الاستقرار في بلدان مثل الصومال وإثيوبيا والعديد من البلدان الأفريقية الأخرى.
للأسف، عاما بعد عام، نرى آمال اليمن في تسوية سريعة للصراع العسكري تختفي وكأنها تحطمت أمام جدار غير مرئي، يكون الفاعلين الإقليميين والمؤثرين الدوليين واحداً من تلك الأسباب.
على المدى الطويل، تتحول هذه الآمال مرارًا وتكرارًا إلى أوضاع إنسانية وجيوسياسية وعسكرية وسياسية خطيرة بشكل متزايد، وتكتب مستقبلاً سيئاً لهذا البلد، مالم يصل الفاعلين الإقليميين والدوليين لاتفاق ينهي اعتبار اليمن ساحة حرب بالوكالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.