بعد سيطرة مليشيا الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بدأ يتشكّل واقع معيشي وحياتي شاذ، أفرزته العنصرية الصلبة والمغلقة للمليشيات الحوثية . ففي حين انسحقت الطبقة الوسطى، وصارت تحت خط الفقر، ازدادت نسبة الفقر والجوع والبطالة، جراء النهب الذي طال حتى رواتب الموظفين والمساعدات الإنسانية . حقق قادة المليشيا الحوثية ثراء فاحشا، رغم أن معظمهم جهلة، وظهر أغنياء وتجار حوثيون من العدَم، كانوا معروفين بحالتهم البائسة، وعدم امتلاكهم أي مؤهلات أو إمكانيات تُساعدهم على الانخراط في سوق العمل . لكن بعد الحرب صار المؤهل الوحيد لتحقيق الثراء هو نهب مقدرات الدولة وعائدات الضرائب والجمارك وممتلكات الخصوم السياسيين، بالإضافة إلى نهب ممتلكات المواطنين ومؤسسات القطاع الخاص من خلال الإتاوات الجائرة بذريعة دعم ما يسمى "المجهود الحربي"، وقبل ذلك القرب من الجماعة ومستوى الولاء . - نهب الاحتياطي النّقدي من البنك المركزي قبل اجتياح مليشيات الحوثي العاصمة صنعاء، قُدّر الاحتياطي النّقدي لليمن بحدود 5.1 مليارات دولار. وفي نهاية العام 2016، اتهمت الحكومة الشرعية الحوثيين باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة . وتفيد بيانات رسمية بأن الاحتياطي النّقدي انخفض إلى أقلّ من مليار دولار، مع توقف حركة التصدير، الأمر الذي دفع الحكومة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، في 18 سبتمبر 2016، إلى إصدار قرار يقضي بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي، ونقل المقر الرئيسي للبنك من صنعاء إلى عدن، مبرراً ذلك بأن قرار النّقل كان ضرورياً للحفاظ على استقلالية البنك، وهو ما شكّل ضربة للحوثيين في منعهم من التصرّف من الأصول النّقدية للبنك المركزي المتبقية في الخارج . ونتيجة لتمركز مؤسسات الدولة ووصول مواردها الرئيسية إلى العاصمة صنعاء، فقد تمكّنت مليشيات الحوثي من الاستيلاء على مقوِّمات الدولة جميعها، بما في ذلك البنك المركزي، كما أن بقاء سلطة البنك المركزي والقرار الاقتصادي تحت إدارة مليشيات الحوثي مكّنها من تسخيره في دعم حروبها، وانعكاس أثر ذلك على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطنين، خصوصاً مع استمرار توريد الإيرادات إلى العاصمة صنعاء في فترة الحرب . - نهب البنوك الحكومية والخاصة بدأ الحوثيون مسيرة اللصوصية بنهب البنوك الحكومية والخاصة فور انقلابهم على السلطة الشرعية، لتمويل حربهم على اليمنيين وتكوين إمبراطوريتهم المالية الخاصة . ففي النصف الأول من العام 2015، اقتحم مسلحو الحوثي مبنى البنك المركزي اليمني في صنعاء، ونهبوا منه 107 ملايين دولار، بعد أن رفض محافظ البنك حينها صرف 23 مليارا لمجهودهم الحربي، وفرضوا 25 مليار ريال شهريا لما يسمى " المجهود الحربي"، وكان ذلك خلال النصف الأول من العام 2015 . وفي النصف الثاني فقط من العام نفسه، كشفت تقارير البنك المركزي في صنعاء عن نهب الحوثيين 258.5 مليار ريال يمني، وفي الوقت ذاته نهب الحوثيون نصف مليار دولار من عدد من البنوك الخاصة والحكومية، منها: بنك التسليف الزراعي، والبنك اليمني للإنشاء والتعمير، والبنك الأهلي، ثم تواصل النهب في السنوات التالية بوتيرة متسارعة، لدرجة العجز عن وضع إحصائيات بكمية الأموال المنهوبة من مختلف البنوك والشركات التجارية الخاصة، ومختلف مؤسسات القطاع الخاص . - تشكيل مجلس اقتصادي لاستكمال النهب تسعى مليشيات الحوثي لاستكمال مصادرة وتأميم ما تبقّى من مؤسسات القطاع التجاري والأملاك الخاصة، من خلال تشكيل ما يسمى ب"مجلس اقتصادي أعلى " ، هدفه استكمال فرض السيطرة الكاملة على ما تبقّى من مكوّنات القطاع التجاري والاقتصادي الخاص في مدن ومناطق سيطرة المليشيات . وأوكلت مليشيات الحوثي مهام إدارة ذلك المجلس للقيادي الحوثي، المقرب سلالياً من زعيم المليشيات المدعو محمد أحمد الهاشمي المنتحل صفة "نائب وزير الصناعة والتجارة" في حكومة الانقلابيين غير المعترف بها دوليا . - توسع المأساة الإنسانية من مظاهر المأساة الإنسانية في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، ازدياد أعداد المتسولين من مختلف الفئات العمرية ذكورا وإناثا، والانتحار، والموت جوعا، كما أصبح عدد من المواطنين والأطفال مجرد هياكل عظمية بسبب الجوع والحرمان . وكان الموظفون الحكوميون أول الفئات التي تعرّضت للإفقار والتجويع، خصوصا أساتذة المدارس والجامعات، حيث بدأت مليشيات الحوثي بنهب رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها منذ أغسطس 2016، الذين يفوق عددهم أكثر من مليون و200 ألف موظف . لم تكتفِ مليشيات الحوثي بنهب الرواتب، وممارسة سياسة إفقار وتجويع شامل، وإنما عمدت أيضا إلى نهب المساعدات الإنسانية المقدّمة من حكومات ومنظمات أجنبية، وتنتزع الطعام من أفواه الجوعى، وأوقفت نشاط الجمعيات الخيرية، ونهبت مقراتها وممتلكهاتها وأرصدتها البنكية، ومنعت حتى فاعلي الخير من مساعدة الفقراء والجوعى، وأغلقت مخابز خيرية توزّع الخبز للجوعى . وخلال العام 2017، قُدّر إجمالي التمويل الإنساني المقدّم لليمن، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بحوالي ملياري دولار، وهذه المبالغ استولت عليها مليشيات الحوثي، وغيرها من المبالغ والمساعدات العينية المقدّمة منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم . وذكر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن المعونات التابعة للأمم المتحدة، بما فيها المواد الغذائية الأساسية، يتم سرقتها من قِبل قادة مليشيات الحوثي، إذ يتم بيع هذه المساعدات للتجار الذين بدورهم يرفعون الأسعار أو توزيعها على الأهل والأصدقاء وبيعها بدلا من ذهابها للمستحقين . - المليشيات كمظلة للصوص وكون النهب واللصوصية نهجا حوثيا محميا بسلطة الأمر الواقع، وليس بمقدور أحد الاعتراض عليه، خوفا من القمع والتنكيل، فإن ذلك جعل المليشيات الحوثية مظلة لكل اللصوص في مناطق سيطرتها، وصار الانتماء إليها وسيلة لشرعنة النّهب والفساد واللصوصية، فتحولت الجماعة إلى أكبر عصابة نهب ولصوصية بشكل غير مسبوق، والنتيجة تحقيقها ثراء فاحشا وإمبراطورية مالية على حساب المواطنين، الذين نهبت رواتب الموظفين منهم، ونهبت المساعدات المقدمة للأشد جوعا وفقرا . أما ميسورو الحال، فقد استنزفت المليشيات أموالهم بسبب ارتفاع الأسعار، نتيجة الضرائب والجمارك الباهظة التي تفرضها، ويضيفها التجار إلى أسعار السلع فيدفعها المواطنون، بالإضافة إلى احتكار الغاز المنزلي والمشتقات النفطية وبيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، في تعمّد واضح لخنق المواطنين ونهب أموالهم عبر سلع تمثل عصب الحياة .