إجراءات وصفت ب"الصارمة" اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن، خلال الأسابيع الماضية، تجاه شركات الصرافة في المناطق التي يسيطر عليها للحد من تدهور سعر صرف الريال اليمني، والذي وصل إلى مستويات قياسية. الا أن الأيام الأخيرة الماضية كشفت هشاشة البنك في تحقيق تقدم يذكر، حتى تلك الإجراءات التي بدت في أول الأمر صارمة وعدمت لسحب تصاريح 54 شركة صرافة انتهت فاعليتها منذ اليوم التالي لصدور القرار. صرامة اللا جدوى في ال9 من سبتمبر/أيلول الماضي، وجه البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، بإيقاف كافة عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية في سوق الصرف بالمناطق المحررة، بعد انهيار قيمة الريال اليمني والذي وصف حينها بالقياسي جديد. وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأولى أتخذ البنك المركزي قرار يقضي بوقف 54 شركة ومحال صرافة في مدينة عدن، وسحب تراخيص مزاولة نشاطها لعدم التزامها بقانون تنظيم أعمال الصرافة وتعليمات البنك، بحسب وكالة رويترز. ويأتي وقف البنك المركزي اليمني هذا العدد الكبير من شركات صرافة في وقت واصلت قيمة العملة اليمنية هبوطها الحاد والقياسي لتصل إلى أدنى مستوى على الإطلاق أمام الدولار والعملات الأجنبية في مدينة عدن. واقترب سعر الدولار من حاجز 1400 ريال، وسط موجة غير مسبوقة من الغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية في عدنومحافظات الجنوب. وقال البنك المركزي اليمنى، في بيان إنه سيتم إحالة تلك الشركات إلى جهات الاختصاص (القضائي والأمني) لاستكمال عملية تنفيذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقها بناء على قرار البنك المركزي. وفي الوقت الذي اعتبر فيه كثيرون قرارات البنك المركزي بالصارمة وعلقت عليها امال الناس، وبقدر ما تحمله من أهمية تهدف لمعالجة تدهور الريال اليمني امام العملات الأجنبية وتردي الوضع الاقتصادي في البلاد، الا أنها لم تحظى بالاهتمام الذي يكتب لها البقاء. حيث تشير الأيام الماضية الى أن إجراءات البنك بقدر ما تحمل من أهداف السامية الا انها ولدت ميتة، فلا شركات صرافة اوقفت ولا هي بالتي تمكنت من الحد من تدهور العملة المحلية. قال المواطن أحمد العيسائي أن "قرارات البنك المركزي كانت الى حد ما مؤشرًا ايجابيا توحي بأن ثمة جهود تبذل في سبيل اعادة السيطرة على الريال اليمني وايقاف التدهور الاقتصادي". وأشار العيسائي في تصريح ل" أخبار اليوم" الى أن "اجراءات البنك لم تكن اكثر من كونها حبرًا على ورق، حيث ما تزال شركات الصرافة تعمل بشكل طبيعي يوميًا. تدهور مستمر في سياق متصل، يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح "أن السبب في استمرار تدهور سعر العملة هو أن كافة الإجراءات التي تم الإعلان عنها سواء من جانب البنك المركزي أو جهات أخرى متواجدة على الأرض، لم تلامس لب المشكلة التي تعاني منها العملة، والاقتصاد بشكل عام". وأضاف في منشور - بصفحته على فيسبوك - "ان تلك الاجراءات المعلنة لم تُشخص الأسباب الحقيقية التي أدت إلى عملية انهيار العملة بهذا الشكل الدراماتيكي، وأن كافة الخطوات التي تم الإعلان عنها خلال الشهرين الماضيين، لم تركز على معالجة الأسباب الرئيسية في مشكلة تدهور سعر العملة".
وأوضح : "هناك شحة شديدة من النقد الأجنبي في السوق المحلية، وتوقف لمصادر البنك المركزي المستدامة من النقد الأجنبي، مقابل انقسام نقدي ومصرفي عميق شكل ضرراً بالغاً على قيمة العملة، وأدى إلى تكدس السيولة من العملة المحلية في مناطق الشرعية، وتركيز عملية المضاربة على تلك المحافظات".
وتابع: "حتى الان مصادر البنك المركزي من العملة الصعبة شبه معطلة ومتوقفة، ناهيك عن تشتت الموارد المحلية، على أكثر من طرف، مقابل توسع الحكومة في النفقات، لا سيما مدفوعات النقد الأجنبي على أعضاء الحكومة والسلك الدبلوماسي في الخارج، والتي تكلف الدولة مبالغ باهضه على الرغم من شحتها الشديدة في الأسواق المحلية". واستعرض الصحفي وفيق أسباب استمرار تدهور العملة، منها "قيام الحكومة بتمويل نفقاتها من مصادر تضخمية عبر طباعة العملة، وعدم قدرتها على السيطرة على كافة الموارد المحلية، وعدم تمكنها من تغطية نفقات هيكلها الإداري من مصادر حقيقية ومستدامة للدولة". وأشار إلى "الانقسام النقدي والمصرفي العميق والذي تسبب في تكديس الطبعة الجديدة من العملة في مناطق الشرعية، وخلق طلب مفتعل على النقد الأجنبي ساهم بتدهور العملة اليمنية، مقابل شحنة النقد المحلي والأجنبي في مناطق الحوثيين". ولفت إلى أن "كافة عملية تغطية عمليات الاستيراد تأتي من المضاربة بالعملة في مناطق الشرعية، كون مناطق الحوثيين هناك جهة واحدة تتحكم بعملية العرض والطلب من النقد الأجنبي، وهي جماعة الحوثي". وقال: "إن توسع عملية المضاربة في مناطق الشرعية، ساهم فيها أيضا النظام المصرفي المعتمد من قبل الحكومة والبنك المركزي، نظام التعويم الحر، وهو نظام يسمح للسوق وآلية العرض والطلب، بتحديد قيمة العملة"، لافتا إلى "المضاربة تحولت إلى وبال على قيمة العملة المحلية، نتيجة غياب تواجد الحكومة على الأرض، وعدم وجود رقابة على النشاط المصرفي، في عموم محافظات البلاد".
إجراءات ميته وفي 16 أغسطس/آب 2021، وجه الرئيس هادي، قيادة البنك المركزي بضرورة مضاعفة الجهود والحفاظ على استقلالية البنك، واتخاذ إجراءات حازمة ضد البنوك وشركات الصرفة المتواطئة مع ميليشيات الحوثي، وشدد على نقل مركز عمليات البنوك التجارية الى العاصمة المؤقتة عدن.
وجاءت توجيهات الرئيس عقب قرارات اتخذها البنك المركزي للحفاظ على استقرار العملة الوطنية، منها إلزام البنوك التجارية والإسلامية بسرعة نقل مراكز إدارة عملياتها إلى عدن، بالإضافة الى إعلان إيقاف عدد من الشركات ومنشآت صرافة، لعدم امتثالها للقوانين المنظمة للأعمال المصرفية وتعليمات المركزي اليمني.
وفي مطلع أغسطس الماضي، أقر البنك المركزي لائحة جديدة خاصة بتنظيم أعمال الصرافة في عموم محافظات الجمهورية، تضمن لائحة تحدد شروطا وضوابط مشددة على عملية منح تراخيص الصرافة الجديد.
ومن ضمن تلك الضوابط شروطا محاسبية مشددة لتجديد عمل شركات الصرافة، منها تعميم للبنوك والصرافات، بتقديم نسخة من البيانات المالية المعتمدة إلى البنك المركزي، من قبل محاسب قانوني معتمد، استنادا إلى قرار البنك المركزي رقم (5) لسنة 2010، حسب المادة (11).
وأكد البنك المركزي على ضرورة أن يكون المحاسب القانوني المتعاقد معه، ضمن قوائم المحاسبين القانونيين المعتمدين لدى الإدارة العامة المختصة في وزارة الصناعة والتجارة في عدن، مشدداً على الالتزام بتقديم نسخة من القوائم المالية السنوية في موعد أقصاه 30 إبريل/نيسان من كل عام.
اتخذت هذه الإجراءات خلال اغسطس/آب 2021، لمنع المضاربة الوهمية بالعملة الوطنية وضبط سوق الصرف، واستطاعت تحسين نسبي لسعر الريال حيث تحسن في حينه إلى ما دون الف ريال مقابل الدولار لأيام معدودة، وعاد للتدهور خلال الأيام الماضية.