مازال اتحاد كرة القدم يعيش في قوقعة الانحناء للسياسة ورجالاتها، من خلال إصرار عجيب وغريب لا يمكن استيعابه تحت أية مبررات، باستمرار دوران كرة القدم على أشلاء وشهداء ومصابين تكتظ بهم المستشفيات في أوضاع لا يمكن أن تقنع أحد بأنها مناسبة، إلا عند أصحاب الشأن الكروي وحدهم ومن يوجههم، بعدما فقدت - أي كرة القدم - كل أجواء ممارستها بما يدور على واقع البلاد. فهل تخلى مجلس إدارة الاتحاد عن أحاسيسه وانتمائه إلى اليمن كشعب واحد بعيدا عن الانتماء المنسوب لما يدور؟!.. سؤال مطروح من قبل الجميع، بعدما كانت ملاعب كرة القدم أمس تفتح أبوابها لإقامة مباريات فيما الرصاص يسقط الشهداء من أبناء مدينة تعز التي عاشت يوم لم تعش مثله قبل، حينما تلونت شوارعها بدماء أبنائها الذي أسقطتهم رصاصات قدر عمدا، ومهما حاول البعض سرد الحكايات البعيدة عن الصحة.. أمس كان لاعبو أهلي تعز يخوضون مباراة كروية على واقع مرير كانت فيه أكثر من خمسين أسرة تبكي أبناءها الذي اقتصت أعمارهم رصاصات الأمن والحرس، فيما هناك أكثر من مئتي أسرة تتابع حالات أبنائها المصابين المرميين في العراء أو في المستشفيات بعد أن هدَّ المستشفى الميداني في ساحة التغيير بتعز في إطار مهاجمة الساحة وإحراق خيامها بغرض فضها. حكاية مزعجة وتضع الشيخ أحمد صالح العيسي رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم وأعضاء مجلس إدارته في وضع أقل ما يمكن أن يقال عليه "إنه مخزٍ"، وسيكون وصمة عار في جبينهم على مر التاريخ.. كيف يتم الإصرار على المضي بمسيرة دوري كرة القدم والأوضاع واضحة وفي صورة مأساة.. يرفع فيها الجميع الأكف للدعاء بالرحمة للشهداء الذين سقطوا بإعداد مهولة برصاص حي.. فيما هناك أناس يركضون ويمرحون مع كرة القدم.. معادلة اختلت رموز معادلتها، وأصبحت بعيدة عن أي نتاج سوى المساس بمشاعر الناس وخصوصا من سقط أبنائهم وانتهت حياتهم من واقع ما يدور. يحق لاتحاد كرة القدم أن يكون له مواقف مواليه لمن يشاء في إطار منظومة السياسة ومواقعها التي لا تعترف سوى بما تريده، وتنسى كل شيء لتصل إلى غايتها ولو على مشاعر الناس وجثثهم، دون اعتبار.. لكن لا يحق له أن يكون في معزل وهو اتحاد أهلي يمني خالص. استمرار الدوري وبإصرار أصحاب الشأن السياسي قبل الرياضي يلخبط الأمور ويضعها في اتجاه لا يمكن أن يشرف من ورائه، كما أنه يضع قيادات الأندية التي تقف وكأنها شاه مربوطة يتم الذهاب بها إلى حيث يراد في مساحة عار لا تختلف عن اتحاد كرة القدم، بعدما عجزت عن تسجيل موقف مشرف يليق بسمعة أنديتها، فبدت شريكة في مهزلة الانسياق في الشأن السياسي الذي يتواجد من خلاله الكثير منها على دفة هذه الأندية.. فكيف استوعبت إدارتا أهلي تعز والصقر خوض مباراتي الأمس الأول في ملعب الشهداء، حيث كل شيء كان مختلف بفعل نحيب أسر الشهداء وأحوالهم التي فارقوا فيها أحبتهم وهم في مقتبل أعمارهم، فيما ارتضى الثاني أن يبقى في الحديدة ليخوض هو الآخر مباراة أخرى.. إنها حكاية إخلال وحكاية بعيدة عن المنطق، فالدوري باستمراره في هذه الظروف لن يكون عنصرا مساعدا لا لإسقاط النظام ولا للإبقاء عليه، لأن للرياضة شأن لا يلامس ما يدور ولا يرتبط به، وعليه يجب أن يفهم القائمون أن الأمر يرتبط بانتماء لشعب يعيش ظرف جديد، يقدم لأجله ضحايا وشهداء.. ويجب أن يكون الطرح والتعاطي منطقي من خلال الشواهد. ففي مصر وتونس حيث الثقافة والرقي عند الشعوب حينما مرت البلاد بظروف مشابهة كانت كرة القدم تفرغ من هوائها، وتوضع على الرفوف، لأن هناك شأنا أكبر يخص شعوب بحالها، ويسير بخطى في مستقبلها، فكيف نكون نحن من نتخلف على الجميع بالكثير على مسار الرياضة وكرة القدم، بهذه الصورة التي نرى فيها الشأن الكروي مختلف بفعل التعصب ووجود قيادات رياضية على رأس الأندية ذات علاقة مباشرة بالنظام ومساحاته ورغباته. الموضوع ليس بالهين، وما يفعله الاتحاد بشراكة معظم الأندية باستثناء حسان الذي يراد منه الحضور للمباريات، وهو يعيش حالة حرب شاملة فيها قصف بالطيران والمدفعية والرشاشات الثقيلة، ونزح على إثره كل ساكني زنجبار.. ثم الرشيد الذي وجد نفسه في وضعية لا تلبي قدرته على الاستمرارية.. وبالتالي يجب أن يكون هناك موقف للجمعيات العمومية أمام تصرفات إدارتها الهشة التي انجرت وراء أهواء البعض ممن فقدوا أدنى مستويات الإحساس بما يدور في البلد، وما ينتج عنها بين يوم وآخر وخصوصا سقوط الشهداء من شباب اليمن.. وذلك بالتوجه إلى الأندية والقيام بما يجب كي لا يكون العار والخزي الذي قد التصق بالاتحاد وقيادته والأندية وقياداتها شامل للجميع بما فيها الجمعيات العمومية المتفرجة على ما يدور. ماذا يريد اتحاد كرة القدم بإصراره على الاستمرارية وعلى تلك الوضعية التي إذا استثنينا منها أهم النقاط، وهي سقوط الشهداء ونحيب أسرهم، والتي يغيب فيها فرق لتكون الجولات منقوصة، إضافة إلى اعتراف صريح من قبل الاتحاد بما يدور وتأجيله لعدد من المباريات للهلال وشعب صنعاء.. هل سيكون الدوري إذا ما استمر علامة لوضعنا الرياضي والكروي ترتقي به إلى مستويات أفضل؟.. وهل سيكون الدوري تأكيد لكل من يتابع أوضاع البلاد من الخارج بأن كل شيء تمام وما يدور أمر عادي سيحتل خلال أيام!؟.. ألا تقرؤون ما يدور بعين مجردة!؟.. ألا تخجلون!؟.. الأمر موضوع أمامكم لتتجنبوا العار والخزي واحتقار عامة الشعب.. مازال لدينا أمل.