انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    عاجل : تأكيد مقتل الرئيس الايراني و جميع المسؤولين في حادثة تحطم المروحية .. شاهد اولى صور الجثث    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برهان الخطيب: الكتابة أكبر من الخوف
نشر في أخبار اليوم يوم 09 - 06 - 2011

في أمسية استضافت الروائي برهان الخطيب في غوتنبرغ الشهر الماضي ضمن احتفالية الثقافة العراقية بعاصمة الجنوب السويدي ألقى الخطيب محاضرة في الرواية العراقية بعد الغزو، نشرتها صحيفة العرب حينها، وأجاب على أسئلة الحاضرين.. تحدث الفنان د. لطيف صالح عن الخطيب وآخر روايتين صدرتا له من القاهرة والشام، قائلا: أمام حشد وبُعد مدى رواياته وتنوع كتاباته احترت كيف أقدم الأستاذ برهان الخطيب... هل اتبع الطريقة التقليدية وأقول ولد الخطيب في محافظة الحلة وتخرج مهندسا بعد دورة بمصر وبُعث عن الوزارة إلى الخارج وهناك استجاب للإبداع، وهو الناشر لأكثر من كتاب قبل ذلك، فترك الهندسة ودرس الأدب أكاديميا في واحد من أرقى معاهده، وبدأ مشواره الحقيقي.. أو أن أتحدث عن إحدى رواياته وأنا القارئ لمعظمها والوقت محدود، لا يتسع لمقاربتها، فكيف بإحاطة مجملها الفسيح هنا وهناك..
مع ذلك أغامر وأقول إن الأستاذ برهان الخطيب قاص وروائي وكاتب وعلم من أعلام الرواية العربية الحديثة.. خصب العطاء، بعيد التوغل في مجاهل الشخصية العراقية.. يمتلك الحبكة وثراء التفاصيل.. هو مهندس الكلمات المُجيد، يبني رواياته بفخامة، بغوص في مضامينها عميقا.. مقدما كل شخوصه بأناة بعد دراسة مُحكمة، لمختلف جوانبها النفسية والاجتماعية.
وبالرغم من كل النجاحات التي حققها الخطيب والإقبال الشديد على رواياته والاحتفاء الذي لازمها تراه خائفا دائما من كل رواية يكتبها، فهو يقول في مقدمة روايته
"ليلة بغدادية" "هذه الرواية عاشت في ذهني حوالي ثلاثين عاما، ليس في هذا القول مبالغة، عام 63 فكرت في كتابتها ولم افعل خشية الفشل"، ذلك الاعتراف بخوف من فشل رافقه ولا يزال مع كل رواية يشرع في كتابتها.. ففي مقدمة روايته "بابل الفيحاء" يقول الخطيب: "في منتصف هذه الرواية أصبت بنوبة يأس من الحياة والأدب فتناولت أوراقها وكنت قد تجاوزت العشرين وقتها ورحت أمزقها وأنا ابكي دون صوت في غرفتي.. أريد إن اعترف أيضا باني فقدت عزيزا لدي لكني لم استطع رثاءه بدمعة إلاّ بعد ثلاثة أعوام".
* الرواية ذاكرة
إذا فإن الخطيب يخاف على روايته مثل أم تخاف على وليدها، تريده معافى يشع نورا في كل ارض وسماء.. ولحد الآن، وبعد كل الضجة التي رافقت صدور روايتيه "ليالي الأنس في شارع أبو نؤاس" والأخيرة "على تخوم الإلفين" فإنه يخاف الموت إذا لم يكمل كتابة رواية تحت يده.. ولا غلو في ذلك، وهو يقول: وضعت حياتي كلها تقريبا في إعمالي الروائية.
روايات برهان الخطيب تحفظ لقارئ اليوم والمستقبل، بأسلوب متزن ثري بالتفاصيل، أهمَّ ما شهدنه محطات ومنعطفات العراق خلال نصف القرن الأخير.. ففي هذا الإطار قدم الخطيب روايتيه "بابل الفيحاء" و"نجوم الظهر" عن الحقبة الملكية... ثم "الجسور الزجاجية" عن عهد الجمهورية الأولى... ف "شقة في شارع أبو نؤاس" و" ليلة بغدادية" عن عهد الخوف والتسلط، عهد الجمهورية الثانية.
وعن ظاهرة الهجرة والتمزق التالية كتب "سقوط اسبرطة" و"ذلك الصيف في أسكندريه"، وأخيرا وليس آخرا ملحمته الروائية "الجنائن المغلقة" عن إرهاصات تغيير نظام صدام وما تبعه في المنطقة منذ نهاية القرن الماضي مرورا ببداية الحالي.
وفيما يخص روايتيه الأخيرتين "ليالي الأنس في شارع أبو نؤاس" و"على تخوم الإلفين" اللتين تشمخان اليوم أمامنا صرحين للذاكرة العامة... فقد أُعلن مؤخرا في مصر إن "ليالي الإنس في شارع أبو نؤاس" من أكثر سبع روايات عربية إثارة للجدل، كذلك اعتبرت من أكثر الروايات مبيعا ورواجا على شبكة الانترنت.
الروائي الجزائري المعروف الطاهر وطار أول وصوله إلى موسكو عام 1986 طلب من الخطيب أصل هذه الرواية "شقة في شارع أبو نؤاس" ليقرأها، انتهى منها بليلة واحدة وقال للخطيب "البعثي الذي منع هذه الرواية غبي..."..
كما أن المخرج المعروف قاسم حول قد التهمها خلال ساعات سفره بالطائرة من بيروت إلى موسكو وقال لمبدع هذا العمل "هذا سيناريو راق جاهز للمسرح والسينما"... وأيضا الشاعر والوزير السابق شاذل طاقه، سفير العراق إلى موسكو آنذاك، دعا الخطيب إلى حفلة في السفارة وبلغه إعجابه بالرواية.
وقد كانت هناك مساومات لإقناع الخطيب بتغيير انتماءات بعض شخوص رواية أخرى له هي "بابل الفيحاء" ليتم مسرحتها ونشرها مسلسلة ولكنه رفض كل الإغراءات المالية والأدبية.
أما روايته "على تخوم الألفين" فقد أشاد بها وما زال الكثير من النقاد.
وكانت هذه الرواية قد دُفعت للطبع قبل سنوات، غير أن تعقيدات النشر في العالم العربي كبحت صدورها. لكنها أخيرا وصلت إلى القارئ مختمرة، معتقة، حافلة بنكهة خاصة، ذات تركيز عال من ملابسات حالتنا الحضارية الراهنة المعقدة... جاءت الرواية أشبه بأنشودة متفائلة ونبوءة إذ تجيب بطلة الرواية احد الغاوين عند الخاتمة: "آخر الأنباء تسمعها من الشارع" وهذا ينطبق فعلا على الشارع العراقي والعربي الآن.. "حيث الواقع أغنى وأخصب من تصوراتنا".
* خوف الروائي!
بعد ترحيب د. لطيف صالح بالأديب الخطيب قرأ الضيف مقتطفات من روايتيه الأخيرتين، وفتح باب النقاش معه. السيدة أم هاني، من المنظمة النسائية لعراقيات بغوتنبرغ، سألت عن الخوف الملازم للكتابة عند الروائي، لماذا؟ فقال الخطيب: أنا أيضا فكرت في مبعث ذلك الإحساس الجارف أحيانا، حاولت الوصول إلى منابعه، بدا لي إن التفرغ الكامل من الأديب لعمله الإبداعي ينزع عنه استعداداته المهيأة لمجابهة ظروفه المحيطة، ومنها طوارئ، كزلزال مثلا حدث في طشقند وأنا أكتب "نجوم الظهر"..
استعدادات يوجهها إلى داخل العمل الإبداعي، ذلك يضعه في حالة، في تصور، من غياب القدرة على الدفاع عن النفس، أمام تهديدات في محيطه، تبدأ من لسعة حشرة إلى حدوث أمر غير واقعي.
توسعت في رصد ذلك الشعور، من داخل ومن خارج الحالة نفسها، رأيت إن أطراف الإنسان وبدنه عموما قد تطورت، خلال مسيرته البيولوجية لتحقيق هدف البقاء بالدرجة الأولى، أي جني الغذاء باليدين، والانتقال وراءه بالساقين، العثور عليه بالعينين، فباقي الأجزاء لهضمه وتمثيله ودوام البقاء، أن كل الأطراف وسائل، أدوات، لا جوهر لها، يديرها الدماغ لهدف، كما يدير نفسه، لهدف أكبر من الحصول على الغذاء، طالما خضعت له الأطراف. فما هو؟ إنه تركيب المعنى. فلماذا الخوف.. والإبداع فعل خِّير؟ هنا ينشق المعنى، يرافقه هاجس الدماغ: يكون الإبداع حقيقيا أو يتحول إلى ثرثرة؟ وهنا يبدأ الخوف، من احتمال ضياع المعنى، ومعه فقدان الوظيفة مبرر الوجود، يعني فقدان الإدراك، جوهر الدماغ.
استطردت في تشريح ذلك الخوف من طبيعته الوجودية إلى طبيعة اجتماعية ظهرت له. أثناء الكتابة شعرت وأنا صاعد من أجل الحقيقة والجمال من سطر إلى سطر كأني أجابه العالم كله وحيدا، بقلمي، ولكم أن تتصوروا خوف حامل قلم أمام مدجج بسلاح ودروع، يسد الأفق بصواريخه وراجماته، إما التراجع أمامه وقل وداعا لقيمك وأحلامك أو اكتب كما يشاء. عموما، الخوف يحفز للكتابة وقد يكبحها عند عدم الإخلاص لها..
وتساءلت، لعل ما يريده ذلك المدجج لا يختلف عما يريده عقل كاتب متفتح، وإلاّ ما وصل المدجج إلى تلك القدرة شبه الكلية، ولا أنت إلى ابتكار وطموح، فلا مجابهة معه ولا خوف ولا يحزنون من جموح. هنا يتجاوز التصور حقول وحدود الغذاء إلى ميادين وغى وعلوم، إلى عالم لا تُمتلك ناصيته بعقل واحد.
ولعقلك حق كما للمدجج حق في قول كلمة في هذا العالم. هنا ينشأ الخوف ذو الطبيعة الاجتماعية. خوف تحوُّل مسعى تفاهم إلى سوء فهم.. وخصام. هنا يرتد الدماغ، يبدأ بمحاسبة نفسه، كما كان يحاسب محيطه، لبلوغ أفضل نتائج لبحثه.. ماديا كان وصار روحيا أيضا.. بحث وراء قيم يجري استبدالها وتوحيدها من حين لحين بأفكار "عصرية".. كزي عسكري بملابس المودة اليوم، لا مبالغة لو قالوا حكمت علينا المودة، فعلى المتمسك بخصوصية توقع حكم، يعني.. تصير الكتابة دفاعا عن الخصوصية ينشأ الخوف، ويتجاوزه الكاتب بإحساس أكبر من الخوف، إحساس قيمته كمبدع باحث عن العدل والجمال.
سيدة أخرى قارنت بين نص أدبي وآخر، سألت عن سر اختلاف أسلوب كاتب عن آخر، وحضر اسم دستويفسكي، تولستوي، التكرلي، وتكلمت عن تشابه كبير بل تطابق بين شخصية عدنان في روايته "المسرات والأوجاع" وشخصية عدنان وعداي في روايتيْ الخطيب "شقة في شارع أبي نؤاس" و"الجسور الزجاجية" إلى روايته "بابل الفيحاء" وأجاب الخطيب:
التكرلي أستاذ بفن القصة القصيرة، درته "العيون الخضر" أثرت فينا نحن كتاب الستينات، أجد لها صلة بقصتي "الشرف" المنشورة منتصف ذلك العقد، يمكن اعتبارها نقطة انعطاف، تسليم عهدة القصة من جيل لجيل، لكنه سكت قبيل أن نبدأ نحن الستينيين، ضجيج بعضنا كان عاليا، وأثمر البعض الآخر حسنا، صديقنا وأستاذنا المشترك علي جواد الطاهر أخبرني بأن التكرلي معجب ب "شقة في شارع أبي نؤاس" المكتوبة آنذاك، المنشورة عام 1972 وبادر التكرلي وبعث رسالة إلي بعد أعوام عديدة ذكر فيها إعجابه بتلك الرواية.
معلوم تحفَّز التكرلي من جيلنا وعاد إلى الكتابة بخبرته، مع أسلوبه المحكم من عمله القضائي وتفكيره العقلاني، وحقق نجاحا، أما مَن تأثر بمَن في صياغة شخصية عدنان، ضمنا ممارسته الاغتصاب، وفي نهايتيْ روايته وروايتي، تشخيص ذلك غير صعب، بمراجعة تواريخ صدورها في الأقل، روايته منتصف الثمانينات، روايتي الأولى والثانية منتصف السبعينات، عن تجربة واحدة تقريبا، إجهاض ثورة تموز 1958 .
تشابه الاسم والشخصية والحدث أثار استغرابي فعلا عند قراءتي روايته بعد صدورها، فكرت أن أسأله عن ذلك ونسيت. بعد عقد تكاتبنا، اتفقنا على لقاء، لكن مع الأسف رحل عنا مبكرا.
وللأسلوب علاقة وثيقة بشخصية الكاتب، بل قيل الكاتب أسلوبه، وأي شخص تنحت فيه عوامل بيولوجية واجتماعية، منها يرفد ويتشكل أسلوب الكاتب، بمعنى إن البيئة الثقافية، خاصة.. في البيت، وعامة في الشارع والبلد، ليست وحدها تحدد اهتمامات وطموحات وقدرة الكاتب، على الاستيعاب والإدراك والتعبير، بل وأيضا حالته البدنية والنفسية ومكانته الاجتماعية، جملة تولستوي المستقر ماديا ونفسيا تشبهه، متزنة، طويلة، حتى صفحة أحيانا، تصف العالم وتوازنه، تختلف عن جملة دستويفسكي المضطرب من جدل دائب مع الحقيقة، وعدم استقرار مادي، جملته متوترة، تحلل العالم بما فيه العالم النفسي للإنسان، وتحرث فيه بحثا عن جديد، بلغه أو ابتكره بفكرته عن المتفوق وتأثر نيتشه منها والفكر الأوربي والعالم عامة لاحقا، كذلك أثر تولستوي بفكرته عن فاعلية اللا عنف على غاندي فمانديلا، هكذا ِعبر بوشكين، تولستوي نفسه، المتناغمين مع القيم الروحية في منطقتنا، نرى للفكر الروسي حضورا في العالم سابقا، اليوم أقل مع غياب الاتحاد السوفيتي.. لكن فكرة موازنة العالم، ووسطية الروس بين الشرق والغرب، متشجعين بوطنية الصينيين أيضا والهنود، كما بنزعتهم الوطنية الخاصة طبعا، كرسها دستويفسكي ويتبناها بوتين وتياره في أفضل صورة، تستعيد وجودها قليلا.
*الحلم يفسر نفسه
كما سأل أحد الحاضرين عن الأسماء في الرواية، مدلولاتها الإبداعية، معانيها وتأثيرها في الحدث الروائي، وقال الخطيب: معايشة الاسم تترك أثرا في شخصية الإنسان، يقال حتى معايشة كلب تترك تأثيرا في صورة صاحبه.
لأسمائنا تأثير فينا، وفي الآخر، يتباين حجم ذلك حتما من شخص لشخص، كان هناك صديق يمازحنا بالقول: نحن نقيض أسمائنا، أنا موفق لكني غير موفق، أحمد غير أحمد، وهكذا، ذلك مزاح طبعا، والروائي يولي اختيار اسم بطله عناية لإيصال جزء من رسالته من خلال الاسم أيضا إلى القارئ.
ترتيب الأسماء في رواية مثل وضع معادلة رياضية تحاول معها الوصول إلى نتيجة، انتقل ذلك إلى السينما ورأينا اسما معينا، ديفيد للقوة، بوند لتكسير العظام، ممدوح لحصول على مديح، يغزو الأفلام والعقول لتهيئتها لقبول تفوّق وقدرة ونعومة لا نهائية.
عند الميلاد يناقش الأهل اسم الوليد طويلا تعلمون، يختارونه بعناية حاملا شيئا من ملامح فترة الميلاد وسمات يُراد لها ملازمة الكائن في حياته، يصير الاسم كود أحيانا، كلمة مرور، لفهم الشخصية. وبرواية كونية يكتبها عتاة، غزو العراق وإنزال تغيير وأذى في المنطقة وأبعد، لأسماء أهم المشاركين فيها معنى سلبي ذكوري مبتذل أحيانا في مصادفة تبدو قدرية غريبة.. ديك من ديك تشيني، كوك من وليم كوك، آخر لا أذكره، ثم سركوزي.. من تهكم، سخرية، سفاهة، مجون.
إنما في الأدب ينبغي عدم المغالاة وتحميل الاسم فوق طاقته الدلالية المحدودة، وإلاّ صارت الشخصية الروائية روبوت تؤدي ما عليها دون إحساس، وتفقد حيويتها الضرورية لوجودها وللإبداع.
السيد أبو حيدر، مسؤول النادي، استضاف الروائي الخطيب في بيته، وصبيحة الأمسية تحدثا في شؤون مختلفة، أخبره الخطيب عن حلم رآه الليلة السابقة، وفي الأمسية سأله أبو حيدر عن علاقة الأحلام بإبداع الكاتب.. الطفلة مثلا الباحثة عن أمها في الحلم.. أو غيره.. هل له أي دور في إبداعك؟ فأجاب الروائي الخطيب: علاقة الإبداع بالأحلام حميمة، ذلك لا يعني الإبداع تفسير أحلام، ولا الحلم إبداعا مفلترا، قد يكون الحلم إبداعا فالتا، لكنه يساهم في صياغة الإبداع حتما، إذ يصعب أحيانا أثناء سرد الوصول إلى نقطة معينة، إلى ربط تفصيل بتفصيل، فكرة بفكرة، ثم تلتقط ذلك في منتصف حلم.
أما تفسير حلم الطفلة فلا يحضرني الآن على عجالة، يجب تأمل الحلم، تذكر ماذا كان قبله لعلي أجد تفسيرا لذلك، على الأرجح له علاقة بمعاناة أطفال العراق وفلسطين المؤثرة على قلبي، بهاجس من اهتزاز القيم والعدالة الذي يحرك الأفكار ويدفع للكتابة، وربما هناك صلة أخرى مفقودة حاليا أمامي.
انقضت الأمسية، مرت الليلة الثانية على الخطيب في غوتنبرغ، الصباح التالي في المطبخ أفصح الخطيب المدمن على الأحلام أثناء الفطور، أمس رأيت حلما آخر، يفسر الحلم الأول بالطفلة قبل الأمس، أوضحَ لماذا حلمت بالطفلة الباكية، الباحثة عن أمها، كانت طفلة الحلم صورة غرافيك مرتعشة، مرتشة، عن تلك الطفلة الحقيقية التي أبكت الملايين بأغنيتها، عن مفارقتها لأمها، أغنيتها أعجبتني، تسللت إلى حلمي واختلطت بعناصر أخرى من معاناة أطفال تحت احتلال وأنتجت رؤية..
* سابقة
لكن في نهاية الأمسية شاء الأديب برهان الخطيب أن يضفي مزيدا من المرح بين الحاضرين، كما في بداية الأمسية حين وضع سبابته على رسغ د. لطيف صالح، جواره عند طاولة المنصة يقرأ كلمة تقديمه له، لسماح بتوقف عابر، إذ كال د. صالح المديح له مكررا: احترت كيف أقدم الخطيب، احترت.. احترت.. وقال الخطيب وصالح ملتفت إليه: أتمنى أن لا نسمع بعد احترت هذه احترت أخرى، من نوع احترت يا أقرع نمشطك منين. ضج الحاضرون بالضحك، وأعقب أحدهم عاليا يشد أزره: لكنك أيها الخطيب لستَ اقرع ولن يجد د. لطيف ما يؤاخذك عليه! تصفيق وعاد د. لطيف إلى تقديمه.
إنما في نهاية الأمسية بعد النقاش قال الخطيب إنه يود لو يستأنس برأي الحاضرين حول عنوان رواية على وشك وضع خاتمة لها، ليكن ذلك بتصويت على عنوانين لها، في مبادرة أدبية، لا مباراة، ربما لا سابق لها. العنوان الأول أمامكم "عشاق بلا حدود" الثاني "خاص جدا".. يرفع يده رجاءً مَن يشارك مصوتا للعنوان الأول؟
اتضح أن معظم الحاضرين من المبدعين أيضا، للتصويت على العنوان قالوا يجب معرفة مضمون الرواية أولا، هكذا كشف الخطيب عنه بكلمات وجيزة: روائي يعود لوطنه بعد غربة، لحب من مثقفة يعقد عليه أملا لتسوية حياته، لكنه يكتشف إنه أدخل إلى رواية نسجت خيوطها تلك المرأة، لماذا؟ ذلك ما تحاول أن تكشفه روايته عن روايتها الخفية، والأهم هل يستطيع؟!..
بعد ذلك تم التصويت، ديمقراطيا طبعا، برفع الأيدي، دون إشراف دولي، على العنوانين، فازت بأغلبية ساحقة جبهة "عشاق بلا حدود" على جبهة "خاص جدا" ما جعل برهان الخطيب يعترف بهزيمة الخاص جدا أمام عشاق بلا حدود..
لكن، هل يلتزم روائي يتمرد عليه جمهوره، وربما ثار أبطاله عليه، بنتيجة التصويت؟
ذلك يتضح بعد تقديم الرواية للنشر، ونعرف.. ما إذا كان دكتاتورا أو ديمقراطيا حقا..
العرب أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.