روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : أيا شجر الخابور مالك مورقاً ؟ كان الوليد بن طريفٍ الشيباني رأس الخوارج وأشدهم بأساً وصولةً وأشجعهم؛ فكان من بالشماسية لا يأمن طروقه إياه ، واشتدت شوكته وطالت أيامه. فوجه إليه الرشيد يزيد بن مزيدٍ الشيباني، فجعل يخاتله ويماكره. وكانت البرامكة منحرفةً عن يزيد بن مزيدٍ، فأغروا به أمير المؤمنين، وقالوا: إنما يتجافى عنه للرحم، وإلا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره. فوجه إليه الرشيد كتاب مغضبٍ يقول فيه: لو وجهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن متعصب. وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليوجهن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين. فلقي الوليد عشية خميسٍ في شهر رمضان عام 179ه وقال لأصحابه: فداكم أبي وأمي، إنما هي الخوارج ولهم حملة، فاثبتوا لهم تحت التراس ، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا؛ فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا. فكان كما قال، حملوا وثبت يزيد ومن معه من عشيرته وأصحابه، ثم حمل عليهم فانكشفوا. وكان الوليد خرج إليهم حيث خرج وهو يقول: أنا الوليد بن طريف الشاري ... قسورة لا يصطلى بناري جوركم أخرجني من داري فلما وقع فيهم السيف وأخذ رأس الوليد، صبحتهم أخته ليلى بنت طريفٍ مستعدةً عليها الدرع والجوشن، فجعلت تحمل على الناس فعرفت. فقال يزيد: دعوها، ثم خرج إليها فضرب بالرمح قطاة فرسها، ثم قال اغربي غرب الله عليك ! فقد فضحت العشيرة؛ فاستحيت وانصرفت – كانت من بني شيبان نفس عشيرة يزيدبن مزيد - وهي تقول: أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تحزن على ابن طريف فتًى لا يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قناً وسيوف ولا الذخر إلا كل جرداء صلدمٍ ... وكل دقيق الشفرتين خفيف أرى الموت نزالاً بكل شريف وهاك مرثيتها كاملة ففيها من الروعة الكثير ومن الشجن والحزن والمدح ما يروي الغليل : بتل بناثا رسم قبرٍ كأنه ... على علمٍ فوق الجبال منيف تضمن جواداً حاتمياً ونائلاً ... وسورة مقدامٍ وقلب حصيف ألا قاتل الله الجثا حيث أضمرت ... فتًى كان بالمعروف غير عفيف فإن يك أرداه يزيد بن مزيدٍ ... فيا رب خيلٍ فضها وصفوف ألا يا لقومٍ للنوائب والردى ... ودهرٍ ملح بالكرام عنيف وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس همت بعده بكسوف أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تحزن على ابن طريف فتًى لا يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قناً وسيوف ولا الخيل إلا كل جرداء شطبةٍ ... وكل حصانٍ باليدين غروف فلا تجزعا يا ابنا طريفٍ فإنني ... أرى الموت نزالاً بكل شريف فقدناك فقدان الربيع وليتنا ... فديناك من دهمائنا بألوف أليسوا بشرا مثلكم ؟ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء، فقال هرقل وهو على إنطاكية لما قدمت منهزمة الروم من اليرموك - عام 13ه وكانت بقيادة خالد بن الوليد -: ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم ؟ قالوا: بلى. قال: فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن. قال: فما بالكم تنهزمون ؟ فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، من أجل أنا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الارض. فقال: أنت صدقتني. بديهة عجيبة من عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي وهو فيلسوف العرب: إقدام عمرو، في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال له الكندي: ما صنعت شيئاً، شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومن هؤلاء الذين ذكرت؟ وما قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيراً، وقال: لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس فلما أخذوا القصيدة لم يجدوا فيها هذين البيتين، وإنما قالهما ارتجالا دولة العرجان كان الحكمُ بن عبدل أعرجَ، ، فدخل على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو أميرُ الكوفة، وكان أعرجَ، وكان صاحبُ شُرطته أعرَج فقال ابن عَبْدَل: ألقِ العَصَا ودَعِ التَّعَارجَ والتمِسْ ... عملاً فهذي دَولَةُ العُرجانِ فأميرنُا وأميرُ شُرطِتنَا مَعاً ... يا قومنا لكليهما رِجلان فإذا يكونُ أميرنُا ووزيرُه ... وأنا فإنّ الرَّابعَ الشيطانُ أنا قوم نشرب الدماء طلب القائد الروماني ماهان خالد بن الوليد رضي الله عنه – قبل معركة اليرموك - ليبرز إليه فيما بين الصفين فيجتمعا في مصلحة لهم فقال ماهان: إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها. فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم. فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان: هذا والله ما كنا نحدث به عن العرب. وجانب الذل يقول ابن ماكولا: قوض خيامك عن أرض تهان بها * وجانب الذل إن الذل يجتنب وارحل إذا كان في الاوطان منقصة * فالمندل الرطب في أوطانه حطب