روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : ركبت حيث يمشي الناس أعوذ بالله من الكبر وأهله فكم من متكبر كانت نهايته وخيمة قال المدائني: (رأيت رجلاً يطوف بين الصفا والمروة على بغلة، ثم رأيته ماشياً في سفر، فسألته عن ذلك فقال: ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقاً على الله أن يرجلني حيث يركب الناس. ) وإن أحدكم ليسرق أوز جاره جاء رجل إلى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، وقال: يا نبي الله إن لي جيراناً يسرقون أوزي، فلا أعرف السارق، فنادى الصلاة جامعة، ثم خطبهم وقال في خطبته: وإن أحدكم ليسرق أوز جاره، ثم يدخل ليصلي والريش على رأسه، فمسح الرجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فهو صاحبكم. من ستختار الشيخ أم الشاب ؟ خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان شاباً جميلاً، فأرسلت إليهما أن يحضرا عندها، فحضرا وجلست بحيث تراهما وتسمع كلامهما، فلما رأى المغيرة ذلك الشاب، وعاين جماله علم أنها تؤثره عليه، فأقبل على الفتى وقال: لقد أوتيت جمالاً، فهل عندك غير هذا؟ قال: نعم، فعدد محاسنه ثم سكت، فقال له المغيرة: كيف حسابك مع أهلك؟ قال: ما يخفى علي منه شيء وإني لأستدرك منه أدق من الخردل. فقال المغيرة: لكني أضع البدرة في بيتي، فينفقها أهلي على ما يريدون فلا أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها. فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي علي مثقال الذرة، فتزوجت المغيرة. تحدي !!! لما غارت بنو عقيل على بني الحارث بن كعب وأخذوا إبل علي بن جعدب فقال: أمخترمي ريب المنون ولم أسق ... مخاض ابن عيسى في فوارس أو ركب (1) ولما أقد خيلاً بخيل ولم أجل ... بأغباش ليل عرج نهبٍ إلى نهب(2) أظن عقيلاً بالوعيد تروضنني ... فما يثبت الكفل الضعيف على الصعب(3) ألم أك قد لا قيتكم يوم سحبل ... فلم ينجكم سهل ولا جبل صعب فأجابه حجيرة بن صبرة العقيلي متحديا : علي الهدايا يا علي بن جعدب ... بأصدق مما قلت إن كف لي شرب فإن كنت توفي بالنذور التي بها ... حلفت فأسهل من ذرى الجبل الصعب فسبحان من قتل الأمير وفك الأسير ( لما وجه الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك – ت 99ه - محمد بن يزيد إلى العراق ليطلق أهل السجون ويقسم الأموال، ضيق على يزيد بن أبي مسلم فلما ولي يزيد بن عبد الملك الخلافة ولي يزيد بن أبي مسلم إفريقية، وكان محمد بن يزيد والياً عليها فاستخفى محمد بن يزيد فطلبه يزيد بن أبي مسلم وشدد في طلبه فأتى به إليه في شهر رمضان عند المغرب وكان في يد يزيد بن أبي مسلم عنقود عنب فقال لمحمد بن يزيد حين رآه: يا محمد بن يزيد، قال: نعم، قال: طالما سألت الله أن يمكنني منك، فقال: وأنا والله طالما سألت الله أن يجيرني منك، فقال: والله ما أجارك ولا أعادك، وإن سبقني ملك الموت إلى قبض روحك سبقته، والله لا آكل هذه الحبة العنب حتى أقتلك. ثم أمر به فكتف ووضع في النطع وقام السياف فأقيمت الصلاة، فوضع العنقود من يده وتقدم ليصلي، وكان أهل إفريقية قد أجمعوا على قتله فلما رفع رأسه ضربه رجل بعمود على رأسه فقتله، وقيل لمحمد بن يزيد اذهب حيث شئت فسبحان من قتل الأمير وفك الأسير. ) الصلعة سبب العمامة كان ابن الرومي لا يزال معتمًّا، وكان يغضب إذا سُئل عن ذلك، وسأله بعضُ الرؤساء: لِمَ تَعْتَمّ؟ فقال بديها: يا أيها السائلي لأُخبرَهُ ... عَنيَ لِمْ لا أرَاكَ مُعْتَجِرا أستر شيئاً لو كان يمكنني ... تعريفُهُ السائلينَ مَا سُتِرَا وقد بيًن العلة التي أوجبت اهتمامه في قوله : تعممت إحصاناً لِرأسيَ بُرْهَةً ... من القَرَ يوماً والْحَرُورِ إذَا سَفَعْ فلما دَهى طولُ التعمم لِمتَى ... وأودى بها بعد الإطالة والفَرَعْ عزمت على لُبْسِ العمامة حيلةً ... لتستر ما جَزَتْ عليَ من الصَلعْ فيا لك من جانٍ عليَ جِنايةً ... جعلت إليه من جنايته الفزَعْ وأعجب شيء كان دائي جعلته ... دَوَائي على عَمْد وأعجِبْ بأَنْ نَفعْ قل: البصرة في داري ذكر أن رجلا سأل من معاوية أن يساعده في بناء داره باثني عشر ألف جذع من الخشب. فقال له معاوية: أين دارك ؟ قال: بالبصرة، قال: وكم اتساعها ؟ قال: فرسخان في فرسخين، قال: لا تقل داري بالبصرة، ولكن قل: البصرة في داري. الذنب يغفره الكريم كان معاوية يتمثل بهذه الابيات كثيرا: فما قتل السفاهة مثل حلم * يعود به على الجهل الحليم فلا تسفه وإن ملئت غيظا * على أحد فإن الفحش لوم ولا تقطع أخا لك عند ذنب * فإن الذنب يغفره الكريم أبشر بطول سلامة ( مربع رجل من بني جعفر بن كلاب، كان يروي شعر جرير فنذر الفرزدق دمه، فقال جرير: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامة يا مربعُ إن الفرزدق قد تبين لؤمه ... حيث التقى حششاؤه والأخدعُ )(1) وقد قيل إن البيت الأول أشد ماقيل في التهكم على الإطلاق . طرائف ونوادر 4 قال الأصمعي : دخلت على الرشيد هارون ومجلسه حافل، فقال: يا أصمعي، ما أغفلك عنا وأجفاك لحضرتنا! قلت: والله يا أمير المؤمنين ما لاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، فأمرني بالجلوس، فجلست وسكت عني، فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت للقيام، فأشار إلي أن اجلس فجلست حتى خلا المجلس ولم يبق غيري ومن بين يديه من الغلمان، فقال: يا أبا سعيد، ما معنى قولك ما لاقتني بلاد بعدك ؟ قلت: ما أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت قول الشاعر: كفاك كف ما تليق درهما ... جوداً،وأخرى تعط بالسيف دما أي: ما تمسك درهماً، فقال: أحسنت، وهكذا فكن، وقرنا في الملا، وعلمنا في الخلا، فإنه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالماً، إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذ لم أجب، وإما أن أجيب بغير الجواب فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلت، قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته. من روائع الأقوال 5. قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : الْعَالِمُ يَعْرِفُ الْجَاهِلَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا ، وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا . وَقال ابو بَكْرِ بْنِ دُرَيْدٍ : جَهِلْت فَعَادَيْت الْعُلُومَ وَأَهْلَهَا كَذَاك يُعَادِي الْعِلْمَ مَنْ هُوَ جَاهِلُهْ وَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا وَيَكْرَهُ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ وَقِيلَ لِبَزَرْجَمْهَرَ : الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَمْ الْمَالُ ؟ فَقَالَ : بَلْ الْعِلْمُ . قِيلَ : فَمَا بَالُنَا نَرَى الْعُلَمَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا نَكَادُ نَرَى الْأَغْنِيَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْعُلَمَاءِ ؟ فَقَالَ : ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ الْعُلَمَاءِ بِمَنْفَعَةِ الْمَالِ وَجَهْلِ الْأَغْنِيَاءِ لِفَضْلِ الْعِلْمِ . وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ : لِمَ لَا يَجْتَمِعُ الْعِلْمُ وَالْمَالُ ؟ فَقَالَ : لِعِزِّ الْكَمَالِ . وقال الشاعر : وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لِأَهْلِهِ فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ وَإِنْ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ : مَنْ يَعْرِفُ كُلَّ الْعُلُومِ ؟ فَقَالَ : كُلُّ النَّاسِ . الهامش(1)ابن عيسى رجل من عقيل والركب جمع الإبل. (2)عرج إبل كثيرة، وأغباش قطع. (3)الكفل الكساء يوضع تحت الرحل على مؤخر البعير.