أحد شعراء العصر الأموي، بل من أشهر الشعراء، كان يتبارى في الشعر مع الكثير من الشعراء فلم يثبت أمامه منهم سوى كل من الفرزدق والأخطل، اسمه كاملاً جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، أبو حزرة، من تميم، ولد عام 28 ه في اليمامة، وقد كان عفيفاً ومن أغزل الناس شعراً، نشأ جرير فصيح اللسان، مقبلاً على نظم الشعر. ولد جرير لعائلة متوسطة الحال حيث لم تكن أسرته على قدر من الجاه والشرف والثروة، وعلى الرغم من ذلك كان يفاخر بها وبأبيه الشعراء الآخرين فكان يتبارى معهم في مبارزة شعرية، ومن أشهر من دخل معه في هذه المبارزات الشعرية الفرزدق والأخطل واللذان ظلا يتبادلان معه الهجاء لعدد كبير من السنوات. مما قاله في الفخر: فَما هِبتُ الفَرَزدَقَ قَد عَلِمتُم وَما حَقّ اِبنِ بَروَعَ أَن يُهابا أَعَدَّ اللَهُ لِلشُعَراءِ مِنّي صَواعِقَ يَخضَعونَ لَها الرِقابا وقال في هجاء الأخطل: وَلَد الأُخَيطِلَ نِسوَةٌ مِن تَغلِبٍ هُنَّ الخَبائِثُ بِالخَبيثِ غُذينا إِنَّ الَّذي حَرَمَ المَكارِمَ تَغلِباً جَعَلَ النُبُوَّةَ وَالخِلافَةَ فينا هَل تَملِكونَ مِنَ المَشاعِرِ مَشعَراً أَو تَشهَدونَ مَعَ الأَذانِ أَذينا مُضَرٌ أَبي وَأَبو المُلوكِ فَهَل لَكُم يا خُزرَ تَغلِبَ مِن أَبٍ كَأَبينا هذا اِبنُ عَمّي في دِمَشقَ خَليفَةً لَو شِئتُ ساقَكُمُ إِلَيَّ قَطينا وقال في هجاء الفرزدق: فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا يعد جرير واحداً من فحول الشعراء، والذي تنوع شعره ما بين الهجاء، والمدح، والغزل فقدم العديد من القصائد التي ظهرت فيها بلاغته، نشأ جرير بالبادية وكانت أكثر إقامته بها، وكان يذهب أحياناً إلى البصرة فكان يمدح كبراءها، وهناك التقى جرير بالفرزدق وأصبح بينهما منذ ذلك اليوم صولات وجولات في الهجاء والتي استمرت سنوات عديدة، لم تنته إلا بوفاة الفرزدق، والذي نعاه جرير قائلاً: لَعَمري لَقَد أَشجى تَميماً وَهَدَّها عَلى نَكَباتِ الدَهرِ مَوتُ الفَرَزدَقِ عَشِيَّةَ راحوا لِلفِراقِ بِنَعشِهِ إِلى جَدَثٍ في هُوَّةِ الأَرضِ مُعمَقِ لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ ثَوى حامِلُ الأَثقالِ عَن كُلِّ مُغرَمٍ وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السَمَلَّقِ عِمادُ تَميمٍ كُلِّهاوَلِسانُها وَناطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِق عندما انتقل جرير إلى البصرة قام بمدح الحجاج الثقفي فأكرمه وأعلى قدره وبدأ شعر جرير ينتشر وهو الأمر الذي زاد من شعبيته وشهرته، وقام الحجاج بإرساله إلى الخليفة “ يزيد بن معاوية” في دمشق، ثم تنقل بين عدد من البلاد الأخرى، وقد عُد جرير من مُداح خلفاء بني أمية، كما مدح كل من يزيد بن معاوية،عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم من الأمراء والخلفاء. مما قاله في المدح: قَد طالَ قَولي إِذا ما قُمتُ مُبتَهِلاً يا رَبِّ أَصلِح قِوامَ الدينِ وَالبَشَرِ خَليفَةَ اللَهِ ثُمَّ اللَهُ يَحفَظُهُ وَاللَهُ يَصحَبُكَ الرَحمَنُ في السَفَرِ إِنّا لَنَرجو إِذا ما الغَيثُ أَخلَفَنا مِنَ الخَليفَةِ ما نَرجو مِنَ المَطَرِ أسلوبه الشعري تميز ثلاثة من الشعراء في العصر الأموي وهم جرير والأخطل والفرزدق، وعلى الرغم من تفوق الثلاثة في الشعر إلا أن كل واحد منهم قد تميز في اتجاه معين، وكان جرير يتميز بجودة الغزل وجمال اللفظ ورقة الأسلوب، بينما أجاد الفرزدق الفخر وقوة الشعر والألفاظ، ومال الأخطل إلى وصف الخمر والجودة في المدح والهجاء على حد سواء، وعمل عدد من النقاد على تقديم جرير وشعره على كل من الأخطل والفرزدق، وذلك نظراً لرقة أسلوبه وحسن خلقه وصفاء طبعه مما انعكس بالتالي على شعره، وكان جرير ماهراً بالعديد من الفنون الشعرية، من الغزل والفخر والمدح والهجاء والرثاء. بالنسبة للمدح اشتهر جرير بمدحه لبني أمية، حيث عمل على مدحهم وتمجيدهم وكان كغيره من الشعراء يسعى للتكسب من خلال مدحه، أما الرثاء عنده فكان ينقسم إلى رثاء خاص بعائلته وبيته والآخر كان يخص به رجال الدولة والخلفاء، أما الهجاء فكان له أسلوبه الخاص فيه وتمكن من تحقيق الغلبة على العديد من الشعراء في المهاجاة التي تدور بينهم ولم يثبت أمامه سوى الأخطل والفرزدق كما سبق أن ذكرنا، وكان يتبع أسلوباً معيناً في الهجاء حيث يتتبع أصول الشعراء لينظم الشعر فيما يسوؤهم من ماضيهم وماضي قبائلهم، كما عمد إلى السخرية منهم فجاء هجاؤه لاذعاً وقاسياً. قال في الغزل: إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا يا رُبُّ غابِطِنا لَو كانَ يَطلُبُكُم لاقى مُباعَدَةً مِنكُم وَحِرمانا الوفاة توفي جرير في عام 110ه ، وقد توفي بعد كل من الأخطل والفرزدق.