بشار بن برد العُقيلي، أبو معاذ، أحد الشعراء المتميزين في عصر ما بين الدولتين، أدرك كلاً من الدولتين الأموية والعباسية، وينتسب إلى امرأة عقيلية والتي قيل إنها أعتقته من الرق، ويعد بشار من أشعر المولدين على الإطلاق، عرف بميله للهجاء والذم والذي كثر في الكثير من أشعاره. ولد ضريراً عام 95ه - 713م أصله فارسي من طخارستان غربي نهر جيحون، نشأ في البصرة بالعراق وقدم إلى بغداد، عاصر الدولة الأموية في فترة شبابه وذلك قبل أن تأخذ في الانحسار تدريجياً ليحل محلها الدولة العباسية. قال الشعر وهو في سن مبكرة وعرف عنه إقباله الشديد على الدنيا والنهل من جميع متعها فكان دائماً متهافتاً على الخمر والنساء والغناء والمجون والخلاعة، ينطلق لسانه بالهجاء والذم في أبيات شعرية لجميع مالا يعجبه مما جعل الناس يخافون لسانه، فلقد كان كارهاً للناس نافراً منهم وجريئاً في هجائهم، دائم التفاخر بأصله الفارسي ومتحاملاً على العرب. ولبشار الكثير من الشعر المتفرق وهو من الطبقة الأولى والذي جمع بعضه في ديوان، وكان معظم شعره في فنون المدح والهجاء والغزل والفخر، فكان يجعل أشعار المدح سبباً في إدرار الأموال عليه والتي ينفقها على ملذاته ومتعه وعلى العكس من هذا فكان يقوم بهجاء منلا يعطيه المال هجاء شديداً لاذعاً، حضر بشار عصر جرير والفرزدق وكان معجباً بجرير حتى أن أحد أشعاره تضمنت أبياتاً من شعر جرير ونذكره فيما يلي: وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورَتُها باتَت تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سَكرانا إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيينَ قَتلانا فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ إِحسانا يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسَنَ مِن هَذا لِمَن كانَ صَبَّ القَلبِ حَيرانا يا قَومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا وبالنظر للبيت الثاني نجده قد تردد في أحد قصائد جرير والتي قال فيها: يا رُبُّ عائِذَةٍ بِالغَورِ لَو شَهِدَت عَزَّت عَلَيها بِدَيرِ اللُجِّ شَكوانا إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَر قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا وفاته تم اتهامه بالزندقة من قبل الخليفة العباسي المهدي والذي أمر بقتله فقيل إنه مات ضرباً بالسياط وتم دفنه بالبصرة، فكانت وفاته في عام 167ه - 783م، وقيل عن هذه الواقعة إن بشاراً قام بمدح الخليفة المهدي ولما لم يقم الخليفة بإعطائه الجوائز والأموال نظير مدحه انقلب عليه وقام بهجائه هو ووزيره يعقوب بن داود حيث تجاوز جميع الحدود في الهجاء فأمر الخليفة بقتله. من أشعاره ذَهَبَ الدَهرُ بِسِمطٍ وَبَرا وَجَرى دَمعِيَ سَحّاً في الرِدا وَتَأَيَّيتُ لِيَومٍ لاحِقٍ وَمَضى في المَوتِ إِخوانُ الصَفا فَفُؤادي كَجَناحَي طائِرٍ مِن غَدٍ لا بُدَّ مِن مُرِّ القَضا وَمِنَ القَومِ إِذا ناسَمتُهُم مَلِكٌ في الأَخذِ عَبدٌ في العَطا يَسأَلُ الناسَ وَلا يُعطيهُمُ هَمُّهُ هاتِ وَلَم يَشعُر بِها وَأَخٍ ذي نيقَةٍ يَسأَلُني عَن خَليطَيَّ وَلَيسا بِسَوا قُلتُ خِنزيرٌ وَكَلبٌ حارِسٌ ذاكَ كَالناسِ وَهَذا ذو نِدا فَخُذِ الكَلبَ عَلى ما عِندَهُ يُرعِبُ اللِصَّ وَيُقعي بِالفِنا قَلَّ مَن طابَ لَهُ آباؤُهُ وَعَلى أُمّاتِهِ حُسنُ الثَنا ومما قاله بشار في عشقه لعبدة وهي إحدى الجواري التي ولع بها. أَعَبدَةُ قَد غَلَبتِ عَلى فُؤادي بِدَلِّكِ فَاِرجِعي بَعضَ الفُؤادِ جَمَعتِ القَلبَ عِندَكِ أُمَّ عَمروٍ وَكانَ مُطَرَّحاً في كُلِّ وادِ إِذا نادى المُنادي بِاِسمِ أُخرى عَلى اِسمِكِ راعَني ذاكَ المُنادي كَما أَفسَدتِني عَرَضاً فَهاتي صَلاحي قَد قَدَرتِ عَلى فَسادي مَلَكتِ فَأَحسِني وَتَخَلَّصيني مِنَ البَلوى بِحُبِّكِ وَالبِعادِ فَإِنّي مِنكِ يا بَصَري وَسَمعي وَمِن قَلبي حَمَيتُكِ في جِهادِ