لتبك عليه الإنس والجنّ إذ/ثوى فتى مضرٍ في كلّ غرب ومشرق فتى عاش يبني المجد تسعين حجّة/وكان إلى الخيرات والمجد يرتقي هذان البيتان لجرير،وهو بمستغرب إذا علمنا أنهما في رثاء الفرزدق، وقد كنا نعلم كم كان من شعر التنافس والهجاء بينهما، لكنهما تعاهدا إذا مات أحدهما لا يهجوه الآخر، وقد كانت منية الفرزدق أسبق، فقال عنه جرير البيتين السابقين في رثاء حزين، وقال عنه أيضاً: قد غادروا في اللحد من كان ينتمي/إلى كل نجم في السماء محلقِ لكن أشهر ما كان يجمع جرير الذي يعد من أشعر العرب، وقد قيل إنه قال أهجى بيت وأغزل بيت وأفخر بيت شعر، والفرزدق الذي قيل لولاه لضاع ثلث اللغة، ما كان يجمعهما هو ما يسمى بشعر النقائض، الذي ازدهر في العصر الأموي في مربد البصرة، فقد كانت سوقاً من أسواق العرب ومحطة من محطات الشعر قديما للفرزدق وجرير والأخطل، والحديث، فإننا عندما نتذكر المربد والبصرة نتذكر السياب ومهرجانات الأدب والشعر والمسرح والنخيل والشط والبلم . البصرة هذه الأيام مدينة تنوي أن تستضيف دورة كأس الخليج المقبلة فما عسانا أن نقول لذلك المجد الذي سمي بأم العراق وعين الدنيا، عندما يؤول إليها ذلك التجمع الشبابي، إذ لن يكفينا في البصرة أن نقول إنها كرة للقدم والرياضة، فقد صبرنا أربعين سنة ونيف والأمر كله كرة مستديرة ،ولن ننظر لأي تجمع من دون أن نحسب للثقافة والأدب والفن حسابها، فالثقافة توجد وتحل أينما يحل الفعل الإنساني، فهي عالم يسير بهالة الإنسان، تعبر عن فعله وتمثل نتاج وانعكاس ما يعمل، ومن ثم هي شريك أساس في كل لقاء معني بالاقتصاد والسياسة والاجتماع والرياضة، إذ تحرص الدول في كثير من محافل الالتقاء العالمي بالتعبير عن ثقافتها، فيصنع هذا اللقاء تنوعاً ثقافياً عالياً، يعبر عن وجود وعمارة الإنسان على هذه الأرض، والغريب أنك تجد قبولاً وتآلفاً بين المجتمعين لا تنافراً واختلافاً، ففي كأس العالم التي نظمتها جنوب إفريقيا في العام 2010 طغى الأثر الثقافي مع الأثر الرياضي على مجريات الدورة، وعبرت الإنسانية عن أبعاد ثقافية جمعت الشمال بالجنوب، وكما هو الحال في بطولة الأمم الأوروبية وغيرها من البطولات القارية، وأن المطالبة ببرنامج ثقافي مصاحب لدورة كأس الخليج العربي ليس حشراً للثقافة في مناسبة رياضية بقدر ما هو تعزيزاً للدور والهدف الذي أسست من أجله هذه الدورة قبل أربعين عاماً وهو تعزيز الالتقاء بين شعوب المنطقة والتقارب بينها في مناسبات خارج إطار التنافس المحموم، لذا فإن المطالبة باستضافة المدن لدورة كأس الخليج وارفاق ملف يتضمن ابعاداً ثقافية هو من الضرورات التي على الدورة ان تتطور في اتجاهها . البصرة هي مثال فكثير من مدننا عريق ويزخر بالتاريخ والآثار وليس علينا أن نغرق تجمعاتنا الشبابية في حدية الكرة وحسب ورغم ذلك نحن جميعا نحب كرة القدم ونستسلم لآهات الفرص الضائعة فيها، وعلينا أن نكثر من فقدان الفرص فمن لا يسجل في عرفها يسجل عليه، وكذلك الأمر في الثقافة أيضاً . [email protected]