روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : وافَقَ الشَّنُّ الطبَقْ في الحياة كثير من السفهاء يعيشون بيننا بلسان قذر وفحش نتن !! يفرح كل منهم بالآخر ويسعد !! وقد وصف الشاعر مِسكينٌ الدَّارِميّ – من شعراء القرن الهجري الأول - الفحش فأجاد وأفاد : وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهناكُمْ وافَقَ الشَّنُّ الطبَقْ إنَّما الفُحشُ ومنْ يعتادُه ... كغُرابِ البَيْن ما شَاءَ نعَقْ أو حمارِ السَّوءِ إنْ أشبعْتَهُ ... رَمَحَ النَّاسَ وإنْ جَاعَ نَهَقْ أو غُلامِ السَّوءِ إنْ جوَّعته ... سَرَق الجارَ وإن يشْبَع فسَق وافق شن طبقة قول مسكين الدارمي : ( وافَقَ الشَّنُّ الطبَقْ ) مثل مشهور يروى بطريقة أخرى هي : (وافق شن طبقة ) وله قصة ننقلها لكم كما هي : كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم، يقال له " شن " فقال: والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها. فبينما هو في بعض مسير إذا وافقه رجل في الطريق فسأله شن: أين تريد؟ فقال: موضع كذا، يريد القرية التي يقصدها شن، فوافقه حتى أخذا في مسيرهما قال له شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟ فسكت عنه شن، وسارا حتى إذا قربا من القرية إذا بزرع قد استحصد، فقال شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فقال له الرجل: يا جاهل ترى نبتاً مستحصداً فتقول أكل أم لا ؟ فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حياً أو ميتاً؟ فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي؟ فسكت عنه شن فأراد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله؛ فمضى معه فكان للرجل بنت يقال لها طبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جهله وحدثها بحديثه، فقالت: يا أبت ما هذا بجاهل. أما قوله " أتحملني أم أحملك " فأراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله " أترى هذا الزرع أكل أم لا " فأراد، هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا. وأما قوله في الجنازة فأراد، هل ترك عقباً يحيا بهم ذكره أم لا. فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم ثم فسره. قال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني عن صاحبه. قال: ابنة لي. فخطبها إليه فزوجه إياها وحملها إلى أهله، فلما رأوها قالوا: وافق شن طبقة فذهبت مثلاً. يضرب للمتوافقين. وأما قول مسكين وافَقَ الشَّنُّ الطبَقْ فقال الأصمعي: هم قوم وكان لهم وعاء من أدم فشنن، فجعلوا له طبقاً فوافقه، فقيل وافق الشَّنُّ الطبَقْ . قل للمليحة قدم بعض التجار مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه حمل من الخمر السود، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره، فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما: قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا أردت بناسكٍ متعبد قد كان شمر للصلاة ثيابه ... حتى قعدت له بباب المسجد فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه.!! ولعلنا لاحظنا إستخدام التاجر لشخصية مشهورة للترويج لبضاعته ولاحظنا تاثير ذلك على النساء ومسارعتهن لشراء السلعة بضعف الثمن !!! والدعاية عن طريق شخصية مشهورة تحولت في زمننا هذا لتجارة بمئات المليارات !! واكثر من يخدع بها النساء !! فياللعجب !!! فجاءته بجمرة كان عبد الله بن مرزوق من ندماء الخليفة العباسي الثالث المهدي – تولى من عام 158ه إلى 169ه - فسكر يوماً ففاتته الصلاة فجاءته جارية له بجمرة، فوضعتها على رجله، فانتبه مذعوراً فقالت له: إذا لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة ؟ فقام فصلى الصلوات، وتصدق بما يملكه وذهب يبيع البقل، فدخل عليه فضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا له : إنه لم يدع أحد شيئاً إلا عوضه الله منه بديلاً، فما عوضك عما تركت له ؟ قال: الرضا بما أنا فيه. توبة الفرزدق يقول الفرزدق في آخر عمره حين تعلق بأستار الكعبة، وعاهد الله ألا يكذب، ولا يشتم مسلماً : ألم ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رتاجٍ قائماً ومقام على حلفة لا أشتم الدهر مسلماً ... ولا خارجاً من في زور كلام وفي هذا الشعر: أطعتك يا إبليس تسعين حجةٌ ... فلما انقضى عمري وتم تمامي رجعت إلى ربي وأيقنت أنني ... ملاقٍ لأيام المنون حمامي يا يزيد بن مزيد حكى أبو قدامة القشيري قال: كنا مع يزيد بن مزيد – من كبار الكرماء والاجواد قصصه كثيرة نحكي بعضها ونترجم له في حلقات قادمة - يوماً، فسمع صائحاً يقول: يا يزيد بن مزيد، فطلبه فأتي به إليه، فقال : ما حملك على هذا الصياح ؟ قال: فقدث دابتي ونفذت نفقتي، وسمعت قول الشاعر: إذا قيل من للجود والمجد والندى ... فنادي بصوت يا يزيد بن مزيد فأمر له بفرس أبلق كان معجباً به، وبمائة دينار، وخلعه سنية فأخذها وانصرف. هلا أعلمتني أنك الخليفة ؟ ( كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستخبر عن أمر القادسية كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فبينما هو ذات يوم من الايام إذا هو براكب يلوح من بعد، فاستقبله عمر فاستخبره، فقال له: فتح الله على المسلمين بالقادسية وغنموا غنائم كثيرة وجعل يحدثه وهو لا يعرف عمر وعمر ماضي تحت راحلته، فلما اقتربا من المدينة جعل الناس يحيون عمر بالامارة فعرف الرجل عمر فقال: يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتني أنك الخليفة ؟ فقال لا حرج عليك يا أخي .!!!! ) ماهذا ياعمر ؟ تهزم جيوشك أقوى امبراطورية في الدنيا وانت بلا حراسة خاصة ولا قوات صاعقة ؟! ماهذا التواضع ياعمر ؟ تحكم اليمن والسعودية وقطر والكويت والبحرين وعمان والامارات وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان ومصر والعراق وفارس وغيرها وتمشي وحدك بلا مرافقين ولاحشم ولا خدم ؟! آه ياعمر !! تحيرت ماذا اقول فيك وانت من هزم اكبر امبراطوريتين في الارض بلا قصر ملكي ولا حرس جمهوري ولا رئاسة وزراء ولا هيلمان وصولجان ؟! ( [email protected])