تستحضر الذاكرةُ حكايةَ "دوريان جراي"، الشخصية الأسطورية في رواية أوسكار وايلد، الذي باع روحه ليبقى شبابه الخالد، بينما تنتقل كل خطيئة يرتكبها، وكل قُبح يُضمره، إلى لوحته المخفية. ظلت تلك اللوحة تحفة فنية في مظهرها، لكنها تحولت خلف الستار إلى مرآة حقيقية لقبح روحه وفساد أعماله. لقد ظل "دوريان جراي" يحاول جاهداً إخفاء تلك اللوحة التي هي الشاهد الصامت على انحطاطه، لكن محاولاته كانت معركة يائسة لا محالة. فمهما اشتدت حراسة اللوحة، ومهما تضاعفت جهود التجميل الخارجي، فإن اللوحة تؤول إلى الانكشاف في نهاية المطاف، لتنتصر حقيقة الروح المتآكلة على جمال المظهر الزائف. وعلى ذات المنوال، يمكننا أن نتأمل مسيرة بعض حكّامنا العرب في سباقهم مع السلطة، وتشبثهم بكرسي الحكم. فهم أيضًا يخوضون معركة استنزاف مستمرة، لا مع شيخوخة الجسد فحسب، بل مع شيخوخة الموقف وتآكل الصورة الذهنية في ضمير الشعوب. إنها حرب "تلميع" صريحة، يُستقدم فيها جيوشٌ من خبراء التجميل الإعلامي والمستشارين السياسيين. تُسخَّر القنوات والأبواق ومنصات التضليل لتنفيذ عمليات "مونتاج وإخراج" متطورة، تهدف إلى إخفاء بشاعة القبح السياسي ووضاعة المواقف المتخاذلة خلف أسوار عالية من الأقنعة الواقية والأوجه المستعارة. يحاولون تجميل الواقع الكالح، وتقديم صورة مصطنعة لا تمت للحقيقة بصلة. ولكن، كما انتصرت الحقيقة على "دوريان جراي"، فإنها تنتصر حتمًا على هؤلاء أيضًا: * تتساقط الأقنعة واحدًا تلو الآخر. * تتلاشى ألوان المكياج السياسي الزائف. * وتنكشف ملامح اللوحة الحقيقية للخزي والعار، لتظهر على وجوهٍ طالما حاولت التخفي وراء بريق زائل. الفارق الجوهري بين المعركتين هنا يكمن الفرق الجوهري الذي يستحق التوقف عنده بتأمل: * الغاية من الخدعة: لقد سعت شخصية "دوريان جراي" إلى فن الخدعة البصرية للهروب من أعراض الفساد الأخلاقي الفردي الذي ارتكبه بحق نفسه والآخرين. بينما يسعى حكّام العرب إلى هذا الفن للتغطية على أعراض الخزي والفضيحة الجماعية، الناتج عن خيارات وقرارات تسببت في ألم شعوبهم وتدمير أوطانهم وضياع حقوق أمتهم. * نقطة الانطلاق (البشاعة مقابل الجمال): "دوريان جراي" كان يمتلك جمالًا جسديًا صاعقًا انطلق منه في محاولاته للزيف. أما هؤلاء الحكام، فكثيرًا ما يبدون في مراحل حكمهم غاية في البشاعة والوضاعة في أعين من حكموهم، حتى لو كانت صورهم الجسدية سليمة ومظاهرهم مُنمَّقة وخطاباتهم رنانة وتصريحاتهم مُؤَسْلَبة. هناك أيضاً فوارق ذات دلالة: جراي اعتزل لوحته القبيحة، محاولًا نسيانها في الظلام. أما هؤلاء الحكام، فيعتلون المنابر والسلطة وهم يقدمون لوحة فنية مزورة عن أنفسهم كل صباح، ويمثلون على الشعوب، في مسرحية طويلة من التضليل. الخاتمة لقد انتهى المطاف ب "دوريان جراي" وقد خسر نفسه وتحطمت لوحته، لكنه بقي رمزًا في ذاكرة الأدب العالمي. بينما ينتهي المطاف بهؤلاء الحكام، وقد خسروا المعركة الأهم: معركة العزة والشرف والكرامة في وجدان الأمة. في المحصلة، يظل التشابه قائمًا في جوهر محاولة التجميل اليائسة ضد حقيقة مفروضة. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ما زلنا نعيش تحت حكم هؤلاء الزعماء، أم أننا نحيا في مسرحية لا تنتهي ببطولة حتمية ل "اللوحة القبيحة" التي مثلت نهاية الصراع مع الحقيقة؟ فالحقيقة منتصرة لا محالة، سواء كانت شيخوخة الوجه، أو قبح اللوحة المخبأة، أو شيخوخة المواقف المهترئة، وذلك ما يؤكده شاهدي ودليلي.