روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : مالي وللشعراء لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء فمكثوا ببابه أياما لا يؤذن لهم ولا يلتفت إليهم، فساءهم ذلك وهموا بالرجوع إلى بلادهم، فمر بهم رجاء بن حيوة فقال له جرير: - يا أيها الرجل المرخي عمامته * هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا فدخل ولم يذكر لعمر من أمرهم شيئا، فمر بهم عدي بن أرطأة فقال له جرير منشدا: يا أيها الراكب المرخي مطيته * هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه * أني لدى الباب كالمصفود في قرن لا تنس حاجتنا لا قيت مغفرة * قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني فدخل عدي على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي، مالي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يسمع الشعر ويجزي عليه، وقد أنشده العباس بن مرداس مدحه فأعطاه حلة، فقال له عمر: أتروي منها شيئا ؟ قال: نعم فأنشده: - رأيتك يا خير البرية كلها * نشرت كتابا جاء بالحق معلما شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا * عن الحق لما أصبح الحق مظلما ونورت بالبرهان أمرا مدلسا * وأطفأت بالقرآن نارا تضرما فمن مبلغ عني النبي محمدا * وكل امرئ يجزي بما كان قدما أقمت سبيل الحق بعد أعوجاجه * وكان قديما ركنه قد تهدما أحي يرجى فقال عمر بن عبدالعزيز : من بالباب منهم ؟ فقال: عمر بن أبي ربيعة، فقال أليس هو الذي يقول: ثم نبهتها فهبت كعابا * طفلة ما تبين رجع الكلام ساعة ثم إنها بعد قالت * ويلنا قد عجلت يا بن الكرام أعلى غير موعد جئت تسري * تتخطى إلي رؤوس النيام ما تجشمت ما تريد من الامر * ولا حيت طارقا لخصام فلو كان عدو الله إذ فجر كتم وستر على نفسه، لا يدخل والله أبدا، فمن بالباب سواه ؟ قال: همام بن غالب - يعني الفرزدق - فقال عمر: أو ليس هو الذي يقول في شعره: هما دلياني من ثمانين قامة * كما انقض باز أقتم الريش كاسره فلما استوت رجلاي بالارض قالتا * أحي يرجى أم قتيل نحاذره لا يطأ والله بساطي وهو كاذب، ولست بصائم رمضان فمن سواه بالباب ؟ قال: الاخطل، قال: أو ليس هو الذي يقول: ولست بصائم رمضان طوعا * ولست بآكل لحم الاضاحي ولست بزاجر عيسا بكور * إلى بطحاء مكة للنجاح ولست بزائر بيتا بعيدا * بمكة أبتغي فيه صلاحي ولست بقائم كالعير أدعو * قبيل الصبح حي على الفلاح ولكني سأشربها شمولا * وأسجد عند منبلج الصباح والله لا يدخل علي وهو كافر أبدا، فهل بالباب سوى من ذكرت ؟ قال: نعم الاحوص، قال: أليس هو الذي يقول: الله بيني وبين سيدها * يفر مني بها وأتبعه فما هو دون من ذكرت، فمن ههنا غيره ؟ قال جميل بن معمر، قال: الذي يقول: - ألا ليتنا نحيا جميعا وإن نمت * يوافق في الموتى خريجي خريجها فما أنا في طول الحياة براغب * إذا قيل قد سوى عليها صفيحها فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بذلك صالحا ويتوب، والله لا يدخل علي أبدا، طرقتك صائدة القلوب فهل بالباب أحد سوى ذلك ؟ قلت: جرير، قال أما إنه الذي يقول: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا * حين الزيارة فارجعي بسلام فإن كان لا بد فأذن لجرير، فأذن له فدخل على عمر وهو يقول: إن الذي بعث النبي محمدا * جعل الخلافة للامام العادل وسع الخلائق عدله ووفاؤه * حتى ارعوى وأقام ميل المائل إني لارجو منك خيرا عاجلا * والنفس مولعة بحب العاجل فمن لحاجةٍ هذا الأرمل الذكر ؟ فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقولن إلا حقاً، فأنشأ جرير يقول: أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني ما بلغت من خبري كم باليمامة من شعثاء أرملةٍ ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر يدعوك دعة ملهوفٍ كأن به ... خبلاً من الجن أو مساً من النشرِ خليفة الله ماذا تأمرون بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر ما زلت بعدك في هم يؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا بادٍ على حضر إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر نال الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربه موسى على قدر هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجةٍ هذا الأرمل الذكر الخير ما دمت حياً لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمرِ ويحك يا جرير لا أرى لك فيما ههنا حقا، فقال: إني مسكين وابن سبيل، فقال عمر: إنا ولينا هذا الامر ونحن لا نملك إلا ثلاثمائة درهم، أخذت أم عبد الله مائة وابنها مائة وقد بقيت مائة، فأمر له بها، فخرج على الشعراء فقالوا: ما وراءك يا جرير ؟ فقال: ما يسؤوكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض، ثم أنشأ يقول: رأيت رقى الشيطان لا تستفزه * وقد كان شيطاني من الجن راقيا لماذا تسكر ؟ وقال رجل من قريش متعجبا من الخمر وممن يشربها : من تقرع الكأس اللئيمة سنه ... فلا بد يوماً أن يسىء ويجهلا ولم أر مطلوباً أخس غنيمة ... وأوضع للأشراف منها وأخملا وأجدر أن تلقى كريماً يذمها ... ويشربها حتى يخر مجدلا فوالله ما أدري أخبل أصابهم ... أم العيش فيها لم يلاقوه أشكلا ( [email protected] )