روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : قتلنا أمير المؤمنين لقد أردت سيوف اليمانية القاهرة ورماحهم الباترة الخليفة الوليد بن يزيد في الحافرة وجاء الجواب بالقصيد بعد أن إنتقموا للقسري بقتل الوليد فقال أبو الأسد مولى خالد بن عبد الله القسري، لما قتلوا الوليد بن يزيد بن عبد الملك – عام 126ه - بخالد بن عبد الله : إن تقتلوا منا كريماً فإننا ... قتلنا أمير المؤمنين بخالد وإن تشغلونا عن ندانا فإننا ... شغلنا وليداً عن بناء الولائد تركنا أمير المؤمنين بخالد ... مكباً على خيشومه غير ساجد وأرسل يزيد بن خالد القسري من قتل يوسف بن عمر الثقفي والي العراق الذي قتل والده تحت التعذيب أيضا ثم أصبحت عادة عند أهل اليمن إذا قتل الخليفة كبيرا منهم قتلوا الخليفة وإن بعد حين !!! وقد عرض الخزاعي ما جرى وتم من باب العين بالعين ولا كبير في الدم حتى لو كان الخليفة فلا تشفع له سجاياه اللطيفة إذا قتل كبير من اليمانية فقال : قتلنا بالفتى القسري منهم وليدهم أمير المؤمنينا ومرواناً قتلنا عن يزيد ... كذاك قضاؤنا في المعتدينا وبابن السمط منا قد قتلنا ... محمداً بن هارون الأمينا فمن يك قتله سوقاً فإنا ... جعلنا مقتل الخلفاء دينا وهذه القصص سنعرج على تفاصيلها في حلقات قادمة لكن تعالوا نشاهد بعض أعمال خالد القسري لنرى هل سودوه وكبروه ثم غضبوا من أجله لمجرد أنه يمني أم لصنائعه التي طوقت الأعناق وفعاله وجوده التي شملت اليمني وغيره ؟ اشتروا الحمد بالجود من باب التذكير فقد كان خالد القسري من كبار ولاة الدولة الأموية تولى ولاية مكة ثم العراق من عام 105- 120ه وعرف بالفصاحة والكرم أما الفصاحة فنسوق لها الآتي : خطب القسري يوما فأرتج عليه فقال: أيها الناس ! إن هذا الكلام يجئ أحيانا ويعزب أحيانا، فيتسبب عند مجيئه سببه ويتعذر عند عزوبه مطلبه، وقد يرد إلى السليط بيانه ويثيب إلى الحصر كلامه، وسيعود إلينا ما تحبون، ونعود لكم كما تريدون. وخطب يوما بواسط فقال: يا أيها الناس تنافسوا في المكارم وسارعوا إلى المغانم واشتروا الحمد بالجود، ولا تكتسبوا بالمطل ذما، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما تكن لاحد منكم نعمة عند أحد لم يبلغ شكرها فالله أحسن له جزاء، وأجزل عطاء، واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحول نقما، فإن أفضل المال ما كسب أجرا وأورث ذكرا، ولو رأيتم المعروف لرأيتموه رجلا حسنا جميلا يسر الناس إذا نظروا إليه، ويفوق العالمين. ولو رأيتم البخل لرأيتموه رجلا مشوها قبيحا تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار. إنه من جاد ساد، ومن بخل ذل، وأكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن عفا عن قدرة، وأفضل الناس من وصل عن قطيعة، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع عند مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو. هذا بعض قوله فلنرى بعض فعاله . أقطع رأسي من الفقر وأما جوده وكرمه فيضرب به المثل وهذا بعضه : سأل أعرابي خالدا القسري أن يملا له جرابه دقيقا فأمر بملئه له دراهم، فقيل للاعرابي حين خرج: ما فعل معك ؟ فقال: سألته بما أشتهي فأمر لي بما يشتهي هو. و بينما خالد يسير في موكبه إذ تلقاه أعرابي فسأله أن يضرب عنقه، فقال ويحك ولم ؟ أقطعت السبيل ؟ أأخرجت يدا من طاعة ؟ فكل ذلك يقول لا ! قال: فلم ؟ قال: من الفقر والفاقة. فقال: سل حاجتك، قال ثلاثين ألفا. فقال خالد: ما ربح أحد مثل ما ربحت اليوم، إني وضعت في نفسي أن يسألني مائة ألف فسأل ثلاثين فربحت سبعين. ارجعوا بنا اليوم، وأمر له بثلاثين ألفا. وكان إذا جلس يوضع المال بين يديه ويقول: إن هذه الاموال ودائع لا بد من تفرقتها. لم يسمع بلا دخل أعرابي على خالد فقال: إني قد مدحتك ببيتين ولست أنشدهما إلا بعشرة آلاف وخادم، فقال: نعم ! فأنشأ يقول: لزمت نعم حتى كأنك لم تكن * سمعت من الاشياء شيئا سوى نعم وأنكرت لا حتى كأنك لم تكن * سمعت بها في سالف الدهر والامم قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم وخادم يحملها. ودخل عليه أعرابي فقال له: سل حاجتك فقال: مائة ألف. فقال: أكثرت حط منها. قال: أضع تسعين ألفا، فتعجب منه خالد فقال: أيها الامير سألتك على قدرك ووضعت على قدري، فقال له: لن تغلبني أبدا، وأمر له بمائة ألف . فأنت الندى وابن الندى ودخل عليه أعرابي، فقال: إني قد قلت فيك شعرا وأنا أستصغره فيك، فقال: قل فأنشأ يقول: تعرضت لي بالجود حتى نعشتني * وأعطيتني حتى ظننتك تلعب فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى * حليف الندى ما للندى عنك مذهب فقال: سل حاجتك. قال: علي خمسون ألف دينار، فقال: قد أمرت لك بها وأضعفتها لك،. فأعطاه مائة ألف. ودخل أعرابي على خالد القسري، فأنشده: كتبت نعم ببابك فهي تدعو * إليك الناس مسفرة النقاب وقلت للا عليك بباب غيري * فإنك لن ترى أبدا ببابي فأعطاه على كل بيت خمسين ألفا. هذه بعض فعال خالد القسري الباهرة والتي عمت أهل اليمن وغيرهم فغضبوا له غضبة يمانية وانتقموا له فقتلوا الخليفة الفاسق الوليد البليد !! ولو كان بخيلاً يهتم بولده واهله ويبني لهم الدور ويشيد القصور لكان في التاريخ نكرة ولما غضب من أجله أحد !! فرحمه الله تعالى ورحم كل كريم سخي ونكس وأركس كل بخيل لئيم. [email protected]