هم سعادتنا الحقيقية، ورفاهيتنا ورغد حياتنا، هم واجهتنا في الحياة، أقصد نسخة أصلية منا وكما كنا بالأمس، يكونون هم اليوم، يسرحون ويمرحون ومن حقهم أن لا تنتهك حقوقهم، تتنافس كل أسرة إلى أن يكون لابنهم أو بنتهم أحلى الأسماء ومنها التي نزهو بها عليهم تحمل طابع الزهور. ومن الأسماء التي يحلو لنا أن تكون لهم تحمل طابع الجمال والسمو، هم جيل الغد الزاخر بالاعتداد والشوق، ومن الإنصاف أن تكون لهم حقبة في مواضيعنا النفسية الهامة. وديع - طفل صغير في السابعة من عمره في الصف الأول الابتدائي- في انتظار مراحل طويلة، من حقه أن يستمتع بها ويجب علينا أن نمسكه رويداً رويداً ونعينه في تأكيد ذاته وأمانيه نحن لا نقول عنه شيئاً، ففيه من السمات والصفات ما يمكن أن نقول عنه إنه اجتماعي، ذكي، مجتهد في أداء واجباته المدرسية في حدود قدراته الصغيرة.. له بيت أنيق، عدد أفراده أربعة وهو الخامس، أمه توفر له الحب والأمان، ووالده سعيد بأسرته، يسعدها قدر استطاعته بتوفير المتطلبات والخروج معهم للنزهة، ووالده لا يتعاطى القات أو أي شيء من هذا القبيل. ينهض وديع كل صباح في شوق إلى المدرسة وبالترتيب يقدم التحية الصباحية لأبويه ثم يستحم ويرتدي ثياباً مهيئاً وجورباً نظيفاً ويتناول وجبة الصباح وينصرف إلى المدرسة القريبة في شغف لا حدود له. ويحصل فجأة ما لم يكن في الحسبان، وهذا مصدر قلقنا واتجاهنا في هذا الموضوع. يحصل لوديع غثيان وتقيؤ في إحدى الحصص المدرسية وتنتابه أعراض المعاناة، وهذا فوق طاقته وعندما تنتهي الحصة المحددة يستعيد وديع حيويته الطفولية بالتدريج. خليقاً بكل هذا أن يثير في الوالدين أشد حالات القلق والحيرة، وتنطلق دائماً عبارات الأم تحدث الأب: - نريد أن يكون لابننا مستقبلاً باهراً وليس مستقبلاً عقيماً. - ويجيب الأب: وأيضاً ذكريات سارة يا ليلى. - تجيب الأم: وأهم من ذلك أن يكون معافى جسدياً وعقلياً ونفسياً. - لكن ما الذي حل بابننا؟! - يجيب الأب: إنني في قلق عليه فجميع الفحوصات تؤكد أنه لا يشكو من شيء ويخلو من أي أعراض جانبية أو مرضية، لا توجد لديه أعراض الزائدة الدودية ولا اللوزتين ولا المعدة أو أي أمراض عضوية أخرى تسبب له التقيؤ والغثيان في المدرسة، في حين أن يكون هنا بيننا لا توجد هذه المتاعب فإذا كان لابد أن يحال إلى طبيب نفسي طالما لم تكن الحالة فيها أمراض عضوية وحتى لو استعصى من علاجها. وفي دائرة البحث النفسي ألقى الوالدان شيئاً من الضوء عن حياة ابنهما وعند إدراكهما للتنشئه المثلى التي تتواءم مع ابنهما وفي الجلسة الثانية كان وديع على موعد معنا ليلقي من على كاهله النائم المعاناة. لقد تبين من أنه لا يتقيأ إلا في حصة معينة وهي حصة اللغة العربية وعندما تنتهي هذه الحصة يستعيد وديع توازنه وتكيفه، فإن ترك وديع على هذه الوتيرة وأهملت حالته دون تحليل وتقصي لما به فسيكون مع المدى طفلاً أبلهاً غير مبال بالمعايير الاجتماعية أو يكون عدوانياً. لكن فاجأنا التحليل النفسي أن أعراض الحالة من غثيان وخوف مرتبط بسلوك مدرسة المادة للغة العربية، كانت تكن له القسوة وكان رد فعله هذه الحالة هروباً منها إلى أن تنتهي من أداءها للحصة، يكون وديع رويداً رويداً قد استعاد توافقه ويكون في صحة متماثلة. لا غرو في ذلك فمدرسة بهذه الصورة لا تستحق أساساً أن تكون مدرسة فللمدرسة شروط أخلاقية منها الضمير والوازع الديني وأن تتذكر أنها كانت مثله وفي محله قديماً لا يؤثر فيها تغيرات الزمان والمكان نتيجة ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وأي أزمة أخرى. ويتفق الجميع أن المدرسة أو المدرس نموذج رائد بسلوكه، يتقمص الطفل حركاته، فيكون على طول المدى في الذاكرة. والسؤال الذي يحز في نفوسنا هل ستنتهي هذه العقد من أعماق وديع؟! ما الذي حصل له إن توقفت مدرسة اللغة العربية عن تدريس المادة بسبب إجازة وضع وحلت محلها مدرسة أخرى طيبة وفرحت أسارير وديع وكتب له عمر جديد وبدا وديع مبتهجاً مثابراً وبهذا الانقلاب الجميل وفرحة أسرته لا توصف وهذا أكيد. وغيض من فيض وتعقيب لصغيرنا وديع فهو يمثل كل الأطفال الصغار كما أن الحديث عن الطفل لا ينتهي، فالناس في جهنم هذه الأزمة السياسية ناسين حقوق الطفل أجده في الساحات مع ذويهم وهم الموت والوقت الطويل يرون بأم أعينهم الدم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقي الشباب الأكبر سناً في المعركة ويحرص أن لا يكون أي صغير فيها..فما بالك هؤلاء الأطفال إن هذا استخدام سيء لهم.