كاتب حضرمي يطالب بحسم الفوضى وترسيخ النظام ومعاقبة المتمردين    صنعاء ترد على تهديدات نتنياهو وكاتس    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    بين حقّ الحركة وحفظ التوازن: المجلس الانتقالي في قلب المعادلة الإقليمية لا على هامشها    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    الأحزاب ترحب بالبيان السعودي وتعتبر انسحاب الانتقالي جوهر المعالجة المطلوبة    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابات الأطفال..جعلوني مجرماً
إذا «غابت» الأسرة .. «حضر» الشارع
نشر في الجمهورية يوم 24 - 12 - 2009

مع استمرارية الصراع القائم بين الخير والشر السٌّنة الكونية الخالدة.. ثمة متاهات «مُوحشة» تُساق إليها الطفولة البريئة «مُكرهة» .. والأسرة الفاعلة هي محور «الخير» الفاعل بغيابها يحضر الشر وبقوة.. و«عصابات الأطفال» أحد أبرز الأمراض الاجتماعية الناتجة عن هذا الصراع.. في هذا التحقيق سنحاول سبر أغوار هذه القضية مع التركيز الجاد على مكامن الخلل.. وأنجع الحلول..
السرق الثلاثة
صعودي المفاجئ على ظهر أحد «الباصات» .. أربك ثلاثة من الأطفال، كانوا محتجزين كرسيه الأخير .. وحين وجدت جسدي محشوراً في طرف نفس الكرسي، أدركت أني راكب غير مرحب به.. لحظتها لم أعر الموضوع أي اهتمام، لأني كنت متلهفاً لتصفح جريدة كنت قد اشتريتها للتو.
فجأة رمقت عينا يد أحدهم وهي تتسلل إلى جيب أحد الركاب في المقعد الأمامي.. وكون الرجل «قروياً» مرافقاً لوالده المريض، استدرجوه بكل سهولة «لمُكارحة» سمجة أفقدته كل مافي الجيب.
على جنب قالها أحد الأطفال ..اعترضت بقدمي خروجهم طالباً من صاحب «الدباب» أن يقدم شوية.. لم يتفوهوا ببنت شفة، لإحساسهم أني مُطلع على كل ماجرى،مع مضي الباص همست فيهم بنبرة غضب، أن يعيدوا الزلط لصاحبها، بدأ على ملامحهم الرعب والإرباك نظراً لجدية انفعالي وفعلاً أعادوا الزلط إلى نفس الجيب.
في آخر المحطة نزلت كما الجميع.. وبصحبتي «السرق الثلاثة» الذين طمأنتهم أني لن أضرهم، وأقسمت على ذلك.
«مُش» طلاب
«محمد سامح لبيب» هي أسماؤهم إن كانوا صادقين، أعمارهم مابين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، ويدرسون في الصف السابع من التعليم الأساسي،علامات الانحراف واضحة على تفاصيلهم، يرتدون زيهم المدرسي المموه، ويحملون دفاترهم المهترئة.. إلا أن شكلهم «مش» طلاب.
استدرجتهم بصعوبة لحديث طويل وشاق،فيه الصدق، وفيه الكذب،وفيه التلفيق،اعترافاتهم كانت جريئة للغاية، فهم كم قد سرقوا ناساً ومحلات وعربيات.. ويخططون لعملياتهم بأنفسهم، ويختارون ضحاياهم بعناية فائقة..
العجيب في الأمر أن لغة الفخر والبطولة استحوذت على مابقي من حديثهم،بعد أن وجدوا المصغي إليهم لايستنكر شيئاً، مع أني كنت أحترق من الداخل.
هنا يصف أحدهم.. علاقاتهم مع بعضهم البعض بأنها قائمة على الصداقة القوية، وأن الواحد منهم «شِدّي روحه عشان صاحبه» وفي المقابل يضيف آخر يتناصرون فيما بينهم وإذا ما اعتدي على أحدهم من عصابة أخرى، ينتقمون بسرعة، وتحصل «مضرابة» كبيرة!!.
سيئو السمعة
حدثني، حلمي سلطان الوجيه الطالب في الصف التاسع من التعليم الأساسي،عن وجود «شلة» من طلاب المدرسة التي يدرس فيها سيئو السمعة ومنبوذون من الجميع اساتذة وطلاب.
وبالنسبة للأعمال المشينة التي قامت بها تلك «الشلة» حتى استحقوا كل ذلك الكره، قال:إنه سمع أنهم سرقوا أحد دكاكين الحارة، واعتدوا بالضرب والسرقة على أطفال صغاره من الحارة المجاورة، والأدهى والأمر من ذلك أنهم ضربوا مدرس اللغة العربية في المدرسة.
والأسوأ من ذلك كما أفاد حلمي أنهم يخزنون القات ويشربون السيجارة والشيشة، ومدمنون على حبات «الديزبام»..
محببون
قد يعتقد البعض أن حلمي بالغ في توصيفه الأخير.. ولكن ليس من سمع كمن رأى.. فذات نهار وفي سوق القات سبق وأن رأيت شلة من الأطفال المراهقين يتزاحمون على شراء القات بصوت صاخب وضحكات هستيرية، وتعالى منبوذ، واستعراض ل «ندبات» قبيحة رسمتها على أجسادهم البلادة والفوضى.
بائعو القات يتعاملون معهم بحذر..وموالعة القات يمرون من أمامهم بحذر..؟! إذاً هي حالة الطوارئ قد أعلنت .. وكل الأيادي في حالة استنفار قصوى لحراسة الجيوب.. هنا تأتي المفارقة العجيبة..هم بنظري أطفال على أبواب المراهقة .. فيما الجميع ينظر إليهم باحتقار ويصفهم «بالمُحببين»..
دم بلا ألم
تُرى ماسر تلك الندوب التي أضحت علامة فارقة يفتخر بها جموع المنحرفين..؟!
تساؤل ولد في سوق القات لتأتي إجابته في سوق آخر.. ومن مُحبب تائب طلب عدم ذكر اسمه هو الآن عمره سبعة عشر عاماً ولكنه انضم إلى شلة السوء قبل أربع سنوات وتركهم قبل بضعة أشهر.
كلماته كانت ثقيلة فيها حشرجه وألم.. متبوعة بتنهيدة حرى شقت صدره وحاصرت عمره المكدود.. الدموع لم تتوقف.. والكلام لم يتوقف.. والألم أيضاً.. إنه يتذكر ماضياً عصيباً.. ترك البيت والمدرسة وكان الشارع ملجأه الوحيد، مارس أعمالاً مُهينة وسرق.. كي يحصل على حق القات وحبات الديزبام.. وبالنسبة لتلك «الندوب» المُنتشرة في جسده وأمثاله فهي كما يصف سببها الإدمان الشديد «فالمُحببون» لاتكتمل راحتهم إلا في حال جعلوا الدماء تسيل من أجسادهم لأن ذلك تعطيهم نشوة وراحة دون أدنى إحساس بالألم. . صاحبنا في ختام حديثه أدلى بمبررات جمة وهو مقتنع بها بشدة حمل من خلالها الأسرة والمدرسة والمجتمع كل ماحل به.
فاصل
حاولت جاهداً أن لا أحيد قيد أنملة عن الفكرة الأم لهذا التحقيق، فوجدت في ذلك صعوبة بالغة، فقضايا الطفولة متشابكة، متداخلة، يصعب معها التفرد بقضية دون أخرى.. إليكم أبرز العناوين:
التفكك الأسري،إهمال الوالدين، الطلاق، سوء المعاملة، «العنف»،الفقر، الأمية الغزو الثقافي،الهروب من المدرسة، الالتجاء إلى الشارع.. إلخ.
وطبعاً كل عنوان «قضية» وكل «قضية» قد تكون سبباً بارزاً لمابين أيدينا من «قضايا»..
وفي المقابل ثمة نقطة مهمة أحببت توضيحها قبل التعمق أكثر في التفاصيل.. فالأطفال الذين أعنيهم هم جزء من أطفال الشوارع ككل متفاوت.. وغالبيته أبطال هذا التحقيق أطفال عاديون لديهم أسر تأويهم، وربما مصروف يومي يأتيهم، إلا أنهم ونتيجة لاختلالات ماشبوا عن الطوق و«انحرفوا» ومن يدري لو وجدوا من يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب لتحولوا إلى أعضاء فاعلين نافعين لمجتمعهم.
نُخليه للزمن
بعد هذا الفاصل وإكمالاً لما بدأناه.. حكى لي الزميل «فهمي، م، ع» أن أخاه الأصغر منه «15»عاماً استحوذ عليه شياطين الإنس، وبلاطجة السوء، وصار عضواً فاعلاً في إحدى عصابات الحالمة «الفوضوية» ولديه اسم حركي أيضاً..!! والشكاوى ضده في ازدياد مطرد تتوارد إلى البيت باستمرار ولعل آخرها حين تم ضبطه ورفاقه في المدرسة يعاكسون طالبات مدرسة بنات مجاورة.
فهمي أكد أن ظروفهم الأسرية جيدة.. وأخاه لم يعش معاناة الأسرة من سابق..إلا أن ابن الصالح يطلع «طالح» ؟!.. ورغم كل ذلك نصيحة نصحناه.. وضرب.. ضربناه.. وحبس في البيت حبسناه.. ومافيش فائدة..
وبلغة المحبط أتم فهمي حديثه:
نخليه للزمن يمكن يقدر يربيه..
اغتصاب في «الزُغط»
ليت الأمر متوقف عند السرقة والأعمال الفوضوية الآنفة الذكر؟!
.. هو التمني الذي دار في خلدي بمجرد أن عرفت أن بعض أفراد تلك العصابات تمارس أعمالاً لا أخلاقية شنيعة يندى لها الجبين.. وكون الأمر غير متفش بصورة مُريعة بحكم ضآلة الشواهد، أكتفي هنا بحادثة واحدة ساقها على مسامعي شوقي عبدالقادر المليكي، الذي ساقه القدر لإيقاف أربعة من الأطفال، كانوا يدبرون للاعتداء جنسياً على طفل يصغرهم بكثير.. ولب الحكاية كما أفاد شوقي،أنه كان عائداً ذات مساء إلى منزله المجاور لسوق شعبي كبير، وهناك ومن أحد «الازغاط» تبادر إلى سمعه صرخات مكتومة لطفل صغير.. بخطى سريعة اتجه إلى مصدر الصوت.. لينفض المغتصبون من فوق ضحيتهم قبل أن يُتموا جريمتهم.. وبالنسبة لما تبقى من تفاصيل تلك الجريمة أضاف شوقي :إن الكهرباء ليلتها كانت منقطعة، ولذلك لم يتعرف على الأطفال المعتدين، ولكنه تعرف على المعتدى عليه فهو محمد.. ذو الثماني سنوات، ابن الجيران والذي خرج بعد مغرب ذلك اليوم لشراء «الشمع»..
تهديدات
قد تكون الفتيات المتسولات والصغيرات منهن على وجه الخصوص،أكثر عرضة للتحرشات والاعتداءات الجنسية المماثلة.. وهنا يقول:عبدالله قاسم «صاحب محل» بأن هناك عصابة أطفال تقوم بالاعتداء والتحرش بالمتسولات الصغار من الشريحة المهمشة «الأخدام» وقد حصل أن دافع عن إحداهن من تلك العصابة،وفي النهاية كان هو الضحية، حيث هددوه بالاعتداء عليه وسرقة محله التجاري.. يضيف قاسم أبلغت عن كل ذلك القسم المجاور، وللأسف مازالت التهديدات مستمرة.. قاطعت قاسم لماذا لم تشتك إلى آبائهم؟!
بسرعة البرق أجاب صاحبناوبلكنة دارجة ماهلهمش مغتربين؟!!
مستنقعات التخلف
صاحبنا قاسم قطعاً لايعني التعميم ولكن ركز على الجانب الأبرز في المشكلة ليضعنا بدون أن يقصد على أبرز المسببات، وهذا بدوره اضطرني للعودة إلى حكاية «السرق الثلاثة» في بداية التحقيق.. وحول هذه الجزئية أجاب اثنان منهم أن أبويهما «مغتربان»،فيما اكتفى الأخير بأنه «عايش على خالة»،وربما لوفتشت أكثر لكانت جميع الصور متشابهة إلا ماندر..
اليد الواحدة ماتصفقش ذاك مثل.. و«كفى بالمرء إثماً أن يُضيع من يعول» وهذا حديث شريف قاله المربي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم .. وبين هذا وذاك يكمن الخلل وتتضح ملامحه،فالأم لوحدها «ماتعملش حاجة» والأب الذي يترك أبناءه للشارع كي يربيهم حتماً سيكون مصيرهم الانحراف، وسيتلقفهم الشارع بكل سلبياته ومآسيه.. فالأب العمود الساند والركن الرئيس لأي أسرة وإذا «راح» «راحت» الأسرة.. ولتغطية غيابه ينضم البراعم الصغار إلى تكتلات تطلق على نفسها مسمى العصابة، فتصبح بنظر هؤلاء الاطفال بمثابة الأب والأم وكل شيء.
وهذا بدوره كما أكد عدد من علماء النفس والاجتماع المهتمين بهذا الجانب يشكل خطراً كبيراً يهدد مستقبل المجتمع برمته ويكتب عليه الاستمرار في مستنقعات التخلف والإحباط.
جماعات نفسية
كما ذهب علماء النفس إلى أن الشخصية البشرية تتشكل خلال المرحلة العمرية من «1216» سنة حيث يحاول الطفل ومن خلال تواجده في المدرسة أو في الشارع تشكيل جماعات الاصدقاء التي قد تتجه إلى أعمال الخير أو إلى أعمال الشر، ويطلق على تلك المجموعات، الجماعات النفسية.. أو «الجماعات المنظمة».. وإذا ماوجد فيها عناصر ذات ميول «شريرة» ولديهم قدرة على التأثير على الآخرين في إطار هذه الجماعات، فإنها قد تتجه إلى ممارسة أعمال الشر، لأن كل أعضاء هذه الجماعة تتوحد في الصفات، وتندمج مع بعضها البعض ويصبح الجميع متضامنين حيث يفقد الأعضاء الذين يمتازون بسلوكيات حميدة تلك السلوكيات، وتصبح ميولهم عدوانية، أو كما هو مشاع بتسميتها «عصابات الأذى بالآخرين» وقد يصل ذلك الانحراف إلى ممارسات أعمال سيئة مثل عصابات التهديد والسرقة.
طريق محفوف بالشر
يبقى إجماع علماء النفس على تسمية هذه المرحلة العمرية: 1216 بالسن الخطيرة وأن الخطورة الأبرز تتجسد في غياب الدور الرقابي للأسرة، ومن هذا الخلل وحده ينفرط العقد ويصعب تدارك الأمر.. وبالنسبة للمدرسة ودورها التربوي فهي شريك في الحل وليست كل الحل.
توافقنا الرأي الدكتورة ياسمين طه إبراهيم أستاذة رياض الاطفال كلية التربية جامعة تعز متداركة أن الأمر لايتوقف عند ذلك بل يتطور إلى ماهو أسوء.. فهذا الطفل أو ذاك الذي ينمو في بيئة سيئة ويبدأ بممارسة العنف وأعمال السرقة دون أن يجد من ينهاه أو يوجهه إلى الطريق السليم، فإنه يشكل مع زملاء له يشبهونه عصابات أكثر عدوانية ويصبح مجرماً محترفاً حتى عندما يكبر لأن هذه الأعمال صارت جزءاً من شخصيته.
وذهبت د. ياسمين إلى ماهو أبعد من ذلك، فهذا الطفل عندما يكبر ويتعرض للمساءلة القانونية وتطبق ضده عقوبات كأن يحكم عليه بالسجن، فإنه حينئذ يتعرف على عصابات محترفة أكثر تجربة وخبرة، فيتعلم منها ماهو أكبر وأخطر في الأساليب الإجرامية، ويصبح الشر طريق مستقبلهم وعادة تلازمهم لأن أعمال الشر تطورت عندهم، من طفل يمارس العنف إلى مراهق لا يعرف إلا القوة في تعامله مع الآخرين.
في حكم الشاذ
وفي المقابل ثمة توجه آخر لايلوم الأسرة ولايحملها كل المسئولية، معتبراً أن ماحدث قضاء وقدر وهو مكتوب.. مستدلاً بأسر عريقة وبارعة في التربية وأبناؤها حصيلة ذلك يشار إليهم بالبنان.. إلا أن لعنة «الابن السيئ» تظل تلاحقهم.
الأستاذ صادق محمد الفقيه مدرس تربية إسلامية وأمين شرعي صاحب هذا التوجه استدل أيضاً بأسماء كثيرة خذلها أبناؤها.. وختم حديثه بهذه العبارة صحيح أن الشاذ لاحكم له إلا أنه سنة من سنن الكون.. ومن هذا المنطلق أصارحكم القول إنه ورغم إيماني الشديد بالقضاء والقدر إلا أني مؤمن بأن لكل شيء سبباً.. والرأي السابق مع الاعتذار لصاحبه عده كثير ممن التقيتهم في حكم الشاذ...؟!
مرض اجتماعي
عصابات الاطفال ماهي إلا سلوك انحرافي، وظاهرة اجتماعية مرضية، تتزايد من يوم لآخر نظراً للتطورات المدنية الهائلة والمتلاحقة.. هذا ماذهب إليه الدكتور أنور عبدالجليل الحاج أخصائي أمراض نفسية وعصبية، مضيفاً وسائل الإعلام المرئية الفضائيات كعامل رئيسي ومباشر يقود إلى انحراف الاطفال الذين يرون فيها خير جليس..وهي قطعاً عكس ذلك كونها تغرس فيهم ثقافة هوجاء بعيدة كل البعد عن قيمنا وأخلاقنا وفي حال غابت الرقابة «الأبوية» حتماً ستكون الصورة أكثر قتامة.
إلى ذلك أضاف د. أنور أسباباً أخرى كتدني الوعي الثقافي والصحي لدى الطبقة العامة، إضافة إلى انتشار نسبة الأمية في المجتمع وفي داخل الأسرة خاصة.. كما أن غلاء المعيشة يعد عاملاً مهماً للانحراف، فإذا لم يجد الطفل مايحتاجه في البيت من حنان أو ملابس أو كتب المدرسة أو.. يضطر إلى الانحراف.
البديل المناسب
وكطبيب نفسي أورد لنا د. أنور جانباً مما يسميه حلاً لهذه المشكلة وبثلاثة محاور رئيسية «إجتماعي» داخل الأسرة.. و«نفسي» من خلال وجود باحثين اجتماعيين ونفسيين في المدرسة و«تربوي» بالتوعية الصحية والثقافية.. ويكمن أيضاً العلاج حسب توصيف د. أنور في توفير دور رعاية كبيرة يتم من خلالهااستقبال عدد من الاحداث المنحرفين وعلى وجه الخصوص المشردين في الشوارع.. هذا في حال كانت الاسرة غائبة ولم تؤد دورها بمسئولية.. ناهيك عن الاشراف الطبي المستمر للحالات المرضية العضوية الناتجة عن إصابة الدماغ، وكذا حالات التخلف العقلي والاضطرابات السلوكية.. ويواصل د. أنور حديثه بأن القضاء على عصابات الاطفال يكمن في إيجاد البديل المناسب واضعاً في ذات السياق عديد حلول وصفها بالمهمة ولعل أهمها متابعة الوالدين لأبنائهم ومحاسبتهم إن غابوا، أو تأخروا عن البيت.. وكذلك قيام المدرسة بدورها في متابعة الطلاب أو معالجة السلوكيات السلبية التي يرتكبها البعض منهم الطلاب ومعالجتها بالأساليب العلمية الصحيحة.. هذا بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع والإعلام وتكثيف البرامج التوعوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.