العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابات أطفال المدارس.. طريق الانحراف المبكر..!!
حصيلة اختلالات «اجتماعية» و«نفسية» و«تربوية»

مع استمرارية الصراع القائم بين الخير والشر، السٌّنة الكونية الخالدة، ثمة متاهات «مُوحشة» تُساق إليها الطفولة البريئة «مُكرهة»، والأسرة القوية، والمدرسة الفاعلة هما محور «الخير» الفاعل، بغيابهما يحضر الشر وبقوة، و«عصابات أطفال المدارس» أحد أبرز الأمراض الاجتماعية الناتجة عن هكذا صراع.. في هذا التحقيق سنحاول سبر أغوار هذه القضية، مع التركيز الجاد على مكامن الخلل، وأنجع الحلول..
«مُش» طلاب
«محمد سامح لبيب» هي أسماؤهم إن كانوا صادقين؛ أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، ويدرسون في الصف السابع من التعليم الأساسي، علامات الانحراف واضحة على تفاصيلهم، يرتدون زيهم المدرسي المموه، ويحملون دفاترهم المهترئة، إلا أن شكلهم «مُش» طلاب؛ استدرجتهم بصعوبة لحديث طويل وشاق، فيه الصدق، وفيه الكذب، وفيه التلفيق، اعترافاتهم كانت جريئة للغاية، فهم «كم قد سرقوا ناساً ومحلات وعربيات» ويخططون لعملياتهم بأنفسهم، ويختارون ضحاياهم بعناية فائقة، العجيب في الأمر أن لغة الفخر والبطولة استحوذت على ما بقي من حديثهم، بعد أن وجدوا المصغي إليهم لا يستنكر شيئاً؛ مع أني كنت أحترق من الداخل.
يصف أحدهم، علاقاتهم مع بعضهم البعض بأنها قائمة على الصداقة القوية، وأن الواحد منهم «شِدّي روحه عشان صاحبه»؛ وفي المقابل يضيف آخر أنهم يتناصرون فيما بينهم، وإذا ما اعتدى على أحدهم من عصابة أخرى، ينتقمون بسرعة، وتحصل «مِضرابة» كبيرة!!.
سيئو السمعة
حدثنا، حلمي سلطان الوجيه الطالب في الصف التاسع من التعليم الأساسي، عن وجود «شلة» من طلاب المدرسة التي يدرس فيها سيئي السمعة ومنبوذين من الجميع أساتذة وطلاب، وبالنسبة للأعمال المشينة التي قامت بها تلك «الشلة» حتى استحقوا كل ذلك الكره، قال: إنه سمع أنهم سرقوا أحد دكاكين الحارة، واعتدوا بالضرب والسرقة على أطفال صغاره من الحارة المجاورة، والأدهى والأمر من ذلك أنهم ضربوا مدرس اللغة العربية في المدرسة، والأسوأ من ذلك كما أفاد حلمي أنهم يخزنون القات ويشربون السيجارة والشيشة، ومدمنو حبوب مخدرة.
- قد يعتقد البعض أن حلمي بالغ في توصيفه الأخير، ولكن ليس من سمع كمن رأى، فذات نهار وفي سوق القات سبق وأن رأيت شلة من الأطفال المراهقين يتزاحمون على شراء القات بصوت صاخب وضحكات هستيرية، وتعال منبوذ، واستعراض ل «ندبات» قبيحة رسمتها على أجسادهم البلادة والفوضى.
بائعو القات يتعاملون معهم بحذر، وموالعة القات يمرون من أمامهم بحذر؛ إذاً هي حالة الطوارئ قد أعلنت، وكل الأيادي في حالة استنفار قصوى لحراسة الجيوب، هنا تأتي المفارقة العجيبة؛ هم بنظري أطفال على أبواب المراهقة، فيما الجميع ينظر إليهم باحتقار ويصفهم «بالمُحببين»..
قضايا متشابكة
حاولنا جاهدين أن لا نحيد قيد أنملة عن الفكرة الأم لهذا التحقيق، فوجدنا في ذلك صعوبة بالغة، فقضايا الطفولة متشابكة، متداخلة، يصعب معها التفرد بقضية دون أخرى، إليكم أبرز العناوين: «التفكك الأسري، إهمال الوالدين، الطلاق، سوء المعاملة، «العنف»، الفقر، الأمية الغزو الثقافي، الهروب من المدرسة، الالتجاء إلى الشارع.. إلخ»، وطبعاً كل عنوان «قضية» وكل «قضية» قد تكون سبباً بارزاً لما بين أيدينا من «قضايا»، وفي المقابل ثمة نقطة مهمة أحببت توضيحها قبل التعمق أكثر في التفاصيل، فالأطفال الذين أعنيهم، هم جزء من أطفال الشوارع ككل متفاوت، وغالبية أبطال هذا التحقيق أطفال عاديون لديهم أسر تأويهم، وربما مصروف يومي يأتيهم، إلا أنهم ونتيجة لاختلالات ما شبوا عن الطوق و «انحرفوا» ومن يدري لو وجدوا من يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب لتحولوا إلى أعضاء فاعلين نافعين لمجتمعهم.
«نُخلّيه للزمن»
حكى لنا «فهمي محمد» أن أخاه الأصغر منه «15»عاماً استحوذ عليه شياطين الإنس، وبلاطجة السوء، وصار عضواً فاعلاً في إحدى عصابات الحالمة «الفوضوية» ولديه اسم حركي أيضاً..!! والشكاوى ضده في ازدياد مضرد، تتوارد إلى البيت باستمرار، ولعل آخرها حين تم ضبطه ورفاقه في المدرسة يعاكسون طالبات مدرسة بنات مجاورة.
فهمي أكد أن ظروفهم الأسرية جيدة، وأخاه لم يعش معاناة الأسرة من سابق، ورغم كل ذلك «نصيحة نصحناه،
وضرب ضربناه؛ وحبس في البيت حبسناه، وما فيش فائدة..!!»
وبلغة المحبط أتم فهمي حديثه: «نخلّيه للزمن يمكن يقدر يربيه..».
ما الذي يحدث في المدارس؟
الأستاذ صادق سعيد الدعيس “مدير إدارة التربية والتعليم بمديرية صالة” فقال عن هذه الظاهرة: الحقيقة أن هذه الظاهرة جديدة.
على مجتمعنا وهناك أسباب وعوامل كثيرة وراء ظاهرة تشكيل العصابات وإثارة الشغب والفوضى في المدارس، أذكر منها أولاً إدارة المدرسة: وذلك من خلال عدم قيامها بحل المشكلات والنزاعات التي تبرز بين الحين والآخر بين الطلاب داخل المدرسة الأمر الذي يسهم في تفاقم المشاكل والنزاعات وخروجها عن حدود والسيطرة، وثانياً المدرس حيث أن ضعف المدرس الشخصية وعدم قدرته على التحكم في سلوكيات الطلاب وضبطهم داخل الفصل بالإضافة إلى استخدام العنف المبالغ فيه ضد الطلاب مما يؤدي إلى سلوك عدواني مضاد لدى هؤلاء الطلاب، وثالثاً: الأسرة والطالب حيث قد يكون يعيش في بيئة عدوانية وبين أسرة تحب السيطرة والتحكم وفرض النفوذ لذا نجد الطالب يحاول تطبيق هذا السلوك بين زملائه ومدرسيه، وفي الأخير وهو الأهم إهمال أولياء الأمور لأبنائهم وعدم التواصل مع إدارة المدرسة لحل مشاكلهم ومعرفة مستوى تحصيلهم الدراسي أولاً بأول، وهناك أسباب عديدة لا يتسع المجال لسردها هنا.
بينما يقول الأستاذ عبدالسلام اليوسفي “نائب مدير إدارة التربية”: يؤكد أن عدم استعداد الطالب لتلقي العلم من المعلم يجعل المعلم عاجزاً عن إقناع الطالب بأضرار وعواقب مثل هذه التجمعات والعصابات فالطالب يكون رافضاً للمعلم وأسلوبه خاصة عندما يكون في المرحلة الإعدادية والثانوية وفي اعتقادي بأن للمسلسلات والأفلام التي تعرض على شاشات التلفاز تؤثر سلباً على سلوكيات الطالب لا سيما أفلام العنف التي يسعى إلى تقليدها وتطبيقها سلوكاً وممارسة في مجتمعه الأول الذي هو المدرسة.
أصدقاء السوء
يقول الأستاذ عبدالملك ذيبان وكيل مدرسة الفاروق أن عدم مراقبة الأسرة للطالب هي السبب الرئيسي في تفشي هذه الظاهرة فالطالب يتعرف على أصدقاء السوء ويقضي أغلب الأوقات معهم خاصة في فترة العطلة الصيفية التي تأتي والطالب لا يجد أين يذهب أو يلعب وماذا يعمل لشغل أوقات فراغه فيلجأ إلى مثل هذه المتطلبات وأعتقد أن الحل يكمن في إيجاد بدائل للطالب في العطلة الصيفية مثل النوادي والرحلات المنظمة والمراكز الصيفية.
وبدوره يقول الأستاذ محمد العبادي “مدير مدرسة الصديق بمديرية القاهرة”: هناك أسباب وعوامل كثيرة وراء ظاهرة تشكيل العصابات وإثارة الفوضى في المدارس أذكر منها.
أولاً التفكك الأسري وعدم متابعة الآباء لأبنائهم بصورة مستمرة ثاني شيء والظواهر المسلحة خاصة بين أوساط الشباب.
فيما قال الأستاذ قاسم حسن سعيد “نائب مدير التربية والتعليم بمديرية القاهرة”: نحن في مديرية القاهرة لم تظهر هذه المشكلة إلا في حالات استثنائية ونادرة وتعالج في إطار إدارة المدرسة وتعود هذه المشاكل إلى ترك الأبناء من قبل الآباء من دون رقابة أو توجيه في حال وجود هذه الأخطاء باعتبار الأسرة هي المدرسة الأولى وبدورنا كتربويين نقدم النصح إلى كل الآباء والأمهات والمهتمين بالجانب التربوي بالمتابعة بتربية أولادهم وعلى عدم المشاركة برفاق السوء وكذا على إدارات المدارس المتابعين باعتبار التربية قبل التعليم.
أخاف على أطفالي
تعد الأسرة هي المعلم والقدوة والمثال الأول لأطفال سيصبحون شباباً ينتظر منهم الشيء الكثير، بعض الآباء والأمهات أولوا بدلوهم في هذا الموضوع وافصحوا عن شعورهم تجاه هذه الظاهرة.
تقول الأخت بدرية محمد “ربة بيت”: لقد تعرض ابني للضرب في أكثر من مرة وعندما أحاول معرفة من ضربه لا استطيع لأني أبحث عن حلقة مفرغة فالمجتمع لا يفصح عن هوية من قام بذلك، وهو الأمر الذي اضطرني إلى إرسال من يحميه سواء في الطريق أو في المدرسة، وإذا كنت في الأمس أخاف على أطفالي الصغار فإنني اليوم أخاف على الكبار من العصابات والعيال الصايعين الذين يهددوننا ويهددون حياتنا ولا يوجد من يردعهم ويوقفهم عند حدهم.
موقف الأجهزة الأمنية
لابد من وجود وضوابط أمنية للحد من انتشار هذه التجمعات والعصابات المثيرة للشغب والعنف.. هذا ما يؤكده العقيد ركن عبده طاهر الظاهري مدير أمن مديرية صالة فيقول: حقيقة نحن على تواصل مع مدراء المدارس في محيط مديرية صالة وخصوصاً مدارس الفتيات التي يحصل الكثير من المعاكسات والمضايقات أثناء خروجهن ودخولهن المدارس، وقد قمنا بعمل خطة أمنية للجميع أثناء الخروج بالذات ووضعنا الكثير من أفراد أمن المديرية ينتظرون في أبواب المدارس حتى يخرجن بسلام ومن دون مضايقة.. وفيما يتعلق بمدارس الطلاب يوجد معاناة أولاً من حيث الازدحام وعدم الانضباط سواء من المدرسين أو الطلاب وعدم تفاعل أولياء أمور الطلاب لمساعدة المدرسة لضبط أبنائهم والالتزام في الدراسة بالإضافة إلى تشكيل بعض العصابات على مدرسين عندما يقومون بضبطهم داخل المدرسة ويقومون بتشكيل عصابة بالمدارس والاعتداء على المدرسين خارج المدرسة، أضف إلى ذلك عدم وجود متنفس للطلاب حتى يفرغوا طاقاتهم وليعود للدراسة بنشاط.
وهناك تقصير من التربية والتعليم بعدم تفعيل دور مجالس الآباء في كل مدرسة حتى يكونوا على إطلاع ما يدور في المدارس من خلال ما يطرحه المدرسون من قصور ومن إهمال أولياء الأمور.
مستنقعات التخلف
الأسرة التي تترك أبناءها للشارع كي يربيهم حتماً سيكون مصيرهم الانحراف، وسيتلقفهم الشارع بكل سلبياته ومآسيه، ولتغطية غياب الأسرة ينضم البراعم الصغار إلى تكتلات تطلق على نفسها مسمى العصابة، فتصبح بنظر هؤلاء الأطفال بمثابة الأب والأم وكل شيء.
وهذا بدوره كما أكد عدد من علماء النفس والاجتماع المهتمين بهذا الجانب يشكل خطراً كبيراً يهدد مستقبل المجتمع برمته، ويكتب عليه الاستمرار في مستنقعات التخلف والإحباط.
كما ذهب علماء النفس إلى أن الشخصية البشرية تتشكل خلال المرحلة العمرية من «1216» سنة حيث يحاول الطفل ومن خلال تواجده في المدرسة أو في الشارع تشكيل جماعات الأصدقاء التي قد تتجه إلى أعمال الخير أو إلى أعمال الشر، ويطلق على تلك المجموعات، الجماعات النفسية، أو «الجماعات المنظمة»، وإذا ما وجد فيها عناصر ذات ميول «شريرة» ولديهم قدرة على التأثير على الآخرين في إطار هذه الجماعات، فإنها قد تتجه إلى ممارسة أعمال الشر، لأن كل أعضاء هذه الجماعة تتوحد في الصفات، وتندمج مع بعضها البعض ويصبح الجميع متضامنين، حيث يفقد الأعضاء الذين يمتازون بسلوكيات حميدة تلك السلوكيات، وتصبح ميولهم عدوانية، أو كما هو مشاع بتسميتها «عصابات الأذى بالآخرين» وقد يصل ذلك الانحراف إلى ممارسات أعمال سيئة مثل عصابات التهديد والسرقة.
طريق محفوف بالشر
يبقى إجماع علماء النفس على تسمية هذه المرحلة العمرية: 1216 بالسن الخطيرة وأن الخطورة الأبرز تتجسد في غياب الدور الرقابي للأسرة، ومن هذا الخلل وحده ينفرط العقد ويصعب تدارك الأمر.
وبالنسبة للمدرسة ودورها التربوي فهي شريك في الحل وليست كل الحل، هذا ما أفصحت عنه الدكتورة ياسمين طه إبراهيم «أستاذة رياض الأطفال» متداركة أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل يتطور إلى ما هو أسوء، فهذا الطفل أو ذاك الذي ينمو في بيئة سيئة، ويبدأ بممارسة العنف وأعمال السرقة دون أن يجد من ينهاه أو يوجهه إلى الطريق السليم، فإنه يشكل مع زملاء له يشبهونه عصابات أكثر عدوانية ويصبح مجرماً محترفاً حتى عندما يكبر لأن هذه الأعمال صارت جزءاً من شخصيته.
وذهبت د. ياسمين إلى ما هو أبعد من ذلك، فهذا الطفل عندما يكبر ويتعرض للمساءلة القانونية وتطبق ضده عقوبات كأن يحكم عليه بالسجن، فإنه حينئذ يتعرف على عصابات محترفة أكثر تجربة وخبرة، فيتعلم منها ما هو أكبر وأخطر في الأساليب الإجرامية، ويصبح الشر طريق مستقبلهم وعادة تلازمهم لأن أعمال الشر تطورت عندهم، من طفل يمارس العنف إلى مراهق لا يعرف إلا القوة في تعامله مع الآخرين.
في حكم الشاذ
وفي المقابل ثمة توجه آخر لا يلوم الأسرة ولا يحملها كل المسئولية، معتبراً أن ما حدث قضاء وقدر وهو مكتوب، مستدلاً بأسر عريقة وبارعة في التربية وأبناؤها حصيلة ذلك يشار إليهم بالبنان، إلا أن لعنة «الابن السيئ» تظل تلاحقهم.
محمد الرياشي باحث اجتماعي- صاحب هذا التوجه، استدل أيضاً بأسماء كثيرة خذلها أبناؤها، وختم حديثه بهذه العبارة صحيح أن الشاذ لا حكم له إلا أنه سنة من سنن الكون، ومن هذا المنطلق أصارحكم القول إنه ورغم إيماني الشديد بالقضاء والقدر إلا أني مؤمن بأن لكل شيء سبب. والرأي السابق مع الاعتذار لصاحبه عدّه كثير ممن التقيتهم في حكم الشاذ!!.
مرض اجتماعي
عصابات أطفال المدارس ماهي إلا سلوك انحرافي، وظاهرة اجتماعية مرضية، تتزايد من يوم لآخر نظراً للتطورات المدنية الهائلة والمتلاحقة، هذا ما ذهب إليه الدكتور أنور الحاج أخصائي أمراض نفسية وعصبية، مضيفاً وسائل الإعلام المرئية الفضائيات كعامل رئيسي ومباشر يقود إلى انحراف الأطفال الذين يرون فيها خير جليس، وهي قطعاً عكس ذلك كونها تغرس فيهم ثقافة هوجاء بعيدة كل البعد عن قيمنا وأخلاقنا، وفي حال غابت الرقابة «الأبوية» حتماً ستكون الصورة أكثر قتامة.
إلى ذلك أضاف د. أنور هناك أسباب أخرى كتدني الوعي الثقافي والصحي لدى الطبقة العامة، إضافة إلى انتشار نسبة الأمية في المجتمع وفي داخل الأسرة خاصة، كما أن غلاء المعيشة يعد عاملاً مهماً للانحراف، فإذا لم يجد الطفل ما يحتاجه في البيت من حنان أو ملابس أو كتب المدرسة أو.. يضطر إلى الانحراف.
البديل المناسب
وكطبيب نفسي أورد لنا د. أنور جانباً مما يسميه حلاً لهذه المشكلة وبثلاثة محاور رئيسية «اجتماعي» داخل الأسرة، و«نفسي» من خلال وجود باحثين اجتماعيين ونفسيين في المدرسة و«تربوي» بالتوعية الصحية والثقافية.
- ويكمن أيضاً العلاج حسب توصيف د. أنور في توفير دور رعاية كبيرة يتم من خلالها استقبال عدد من الأحداث المنحرفين وعلى وجه الخصوص المشردين في الشوارع، هذا في حال كانت الأسرة غائبة ولم تؤد دورها بمسئولية، ناهيك عن الإشراف الطبي المستمر للحالات المرضية العضوية الناتجة عن إصابة الدماغ، وكذا حالات التخلف العقلي والاضطرابات السلوكية.
- ويواصل د. أنور حديثه بأن القضاء على عصابات الأطفال يكمن في إيجاد البديل المناسب، واضعاً في ذات السياق عديد حلول وصفها بالمهمة، ولعل أهمها متابعة الوالدين لأبنائهم ومحاسبتهم إن غابوا، أو تأخروا عن البيت، وكذلك قيام المدرسة بدورها في متابعة الطلاب أو معالجة السلوكيات السلبية التي يرتكبها البعض منهم، ومعالجتها بالأساليب العلمية الصحيحة، هذا بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع والإعلام وتكثيف البرامج التوعوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.