ربما تبدو أرض العجائب في تدوين أحداث تخالج الفطرة الإنسانية بالشك والريبة ، مع أن جمالها خلاب ، وروعة طبيعتها يشقها واد شهير اسمه تبن ، زادها مما تزهو به ، إلا إن ثمة سلوك ينحرف بها إلى العكس من سيريالية الإبداع الإلهي. قد لا تبدو هذه القتامة ميزة ، فالخير والشر موجودان بطبيعتهما الفطرية ، وهذه المدينة ليست ملائكية أو طوباوية بالتأكيد . . فماذا جرى ؟ ما الذي حدث؟ خلال الشهرين الماضيين ، ونيف ، دخلت المسيمير خضم العيش على وقع تراجيديا الرعب والهلع ، جنبا إلى جنب مع دق ناقوس الخطر في دائرة الاستغراب والذهول. . فجأة يصبح الكل خائفا على منزله من أن تطاله أياد مجهولة تأتي على ما عليه من ممتلكات دون أن تسرقها ، في واحدة من أغرب السرقات ، تلك التي لا يستوعبها عقل ، أو يتقبلها منطق. وإلى حيث تلك الوعورة شدت " أخبار اليوم " رحالها ؛ لتبحث عن سرقات تحدث في وضح النهار ، لتنقب عن ماهية الأسباب تلك التي جعلت من هذه الظاهرة شبيهة بأفلام الرعب والخيال. بمهنية، وأحسبها كذلك ، جاهدت " أخبار اليوم " مستبقة أي وسيلة إعلامية أخرى ، في أخذ ناصية الحقيقة من كافة جلابيبها ، ومن عدد من الأطراف ذات الخصوص ؛ حتى تضمن عدم الحياد ، مع العلم أن الصحيفة ستحتفظ ببعض الأسماء التي حصلت عليها من جهات مسئولة ، إلى أن تخرج التحقيقات بالأدلة الدامغة - إن خرجت - هذا إذا لم تسجل القضية ضد مجهول ، كتلك التي تعرضت لها المديرية قبل ما يربو على عام ، حين أحرقت ماكينة ضخ المياه. . فما وجدنا في هذا التحقيق؟ بدت الحكاية بسرقة مهولة ، أتت على صاحبها بعِظَمِ ما يتصوره ، بعد أن وجد منزله يبابا ، حين تطاولت السرقة إلى ما هو أبعد من الإجرام. " آلي عطفة بلغاري الصنع ، ومسدس تاتا ، و(27) جراما من الذهب ( شلسان ) وسبع فوط حرير بقيمة اثنين وأربعين ألف ريال ، إلى جانب مبلغ مالي ستون ألف ريال " لم تكتفِ السرقة بذلك ، فامتدت إلى " عبث بالممتلكات المتبقية. . كل شيء تقريبا " مَن عساه يكون فعل كل هذا ؟ ف"عبد العزيز علي جديب مثنى" لا يعلم ، اكتفى بسرد السرقة ، ولم يتهم أحدا " أنا اسكن هنا في عاصمة المديرية ( هو من الريف ) منذ ما يقارب من تسع سنوات ، وليست لدي خلافات مع أحد. . لا أشكُّ في أحد " روى ل" أخبار اليوم " كيف ذهب وأسرته إلى مدينة صبر م/لحج ؛ أسعف مريضا " غادرنا الثامنة من صباح الجمعة التاسع والعشرين من أغسطس ، وعدنا اليوم الثاني وقت أذان صلاة العشاء ، فتحتُ منزلي لأجده خرابا " ستة وثلاثون ساعة مثَّلتْ وقتا كافيا ، لأيدٍ تلطختْ بالسرقة ، لأن تعمل ما تريد ، لكن ما أدراها أن جديب لن يؤوب اليوم إلى منزله؟ سؤال طرح نفسه ، وألقت الإجابة بظلال مدلهمة عليه !! وبعد أن أغمي على جديب خمس دقائق ، من هول الصدمة ، أفاق ، ولم يقف مكتوف الأيدي ، إذ أبلغ الشرطة في الحال يقول " أبلغتهم ، ونزل الأمن والبحث الجنائي إلى المنزل ، وامتنعنا بحسب طلبه عن الدخول إلا بعد أن يأتي التكنيك الجنائي ظهر اليوم التالي ؛ ليأخذ البصمات تلك التي خلفها السارق ، أو السارقون ، وأيضا تم أخذ بصمات من الجيران ؛ لأخذ الاحتياطات " فما الذي أسفر عنه التحقيق ؟ " إلى اليوم لم يظهر شيء" وبعد خمسين يوما ، حسبما قال ، اضطرَّ إلى " إبلاغ الممثل النيابي للدائرة ( يمثلها عبده محسن ، من التجمع اليمني للإصلاح) بهذه القضية ، والذي بدوره نقلها إلى اللواء الركن مطهر المصري - وزير الداخلية " ولم يقدم على هذه الخطوة إلا بعد أن " عجزت أجهزة الأمن عن كشف الحقيقة " حد تعبيره. جديب عمل الذي عليه " لا توجد عندي القدرة للمتابعة أكثر ، فأنا عندي راتب مدرس. . ماذا أفعل؟ سأل ، وأجاب " سأصبر حتى يُكشف السارق بأي مكان " ويقول " سبحان الذي سلَّم ، وإلا كنت سأقرح فيوز ( سيجنّ ) " لم يكن منزل عبد العزيز منفردا ، بل كان الأول ، وكانت سرقته هي الأكبر والأضخم بكثير ، قدِّرت ب"أربعمائة وخمسين ألف ريال يمني" كما قال. فبقية المنازل ، وعددها سبعة ، لم يسرق منها شيئ يذكر ، حسب إفادة الأمن ، باستثناء الحالة الأخيرة التي سرق فيها منزل المواطن عبده علي محمد - شقيق الأمين العام للمجلس المحلي للمديرية نبيل علي محمد ، وهي الحالة التي أخذ الأمن على عاتقه إلقاء القبض على عدد من المشتبهين مجملهم من الشباب تتراوح أعمارهم من 20 - 28 سنة حسب إفادة شرطة مديرية المسيمير. شقيق الأمين العام ( رفضَ التقاط صورا له ولمنزله) أفاد ل" أخبار اليوم " أن منزله سرق الثالثة عصرا وفقدَ مبلغ مالي قدَّره ب"45 ألف ريال يمني "بينما تناقض الأمن في حجم المبلغ بأحد عشر ألف ريال تارة، وبأربعين ألف ريال تارة أخرى ، ولم يتضح بعد المبلغ الحقيقي المتأرجح بين هذه الأرقام ، سواء من الأمن أو من المواطن. سمير محمود هاشم هو الآخر تعرض منزله للسرقة في وضح النهار ، كما قيل ، في حين رفض الإدلاء ل"أخبار اليوم" بأية معلومات عن هذه السرقة" وقال إذا تريد معلومات فاذهب للأمن " لكنه أفاد في وقت لاحق أن منزله تعرض للعبث ، ولم يحدد كمية المبلغ الذي قيل انه سرق من منزله ، بينما هناك من قال أنه " مائتي ألف ريال " ، هاشم أكد ، بعد ذلك ، ل"أخبار اليوم" السرقة ، وتهرب كثيرا من تحديد المبلغ ، وقال " أنا لم أحدد للأمن حجم النقود التي سرقت مني. . . . . . " لماذا؟ لا أدري. . " أخبار اليوم " ذهبت إلى مدير أمن مديرية المسيمير العقيد عباس مهدي ؛ للاستيضاح أكثر عن سرقات تحدث في هجير النهار وهو ما أكده " هذه السرقات حدثت بين الثانية عشرة ظهرا والرابعة عصرا " و أعترف أن هذه القضية تعد بالنسبة له أهم القضايا "إذا كانت بعض المديريات تعاني من الثارات ، فأنا أعاني من السرقات في هذه المديرية" العقيد مهدي أكد ما قاله المواطن عبد العزيز في كمية المسروقات التي تعرض لها منزله ، وأشار إلى أن الأمن إلى الآن " لم يتوصل إلى نتائج " وأعقب " لكننا سنكشفهم قريبا إن شاء الله " وبيَّن مدير الأمن أن " السرقات التي تلت السرقة الأولى اختلفت اختلافا تاما من حيث أنها استخدمت أسلوب الدخول إلى المنازل ، والعبث بمحتوياته ، دون أن يتم سرقة أي مبالغ مادية ، أو أسلحة أو أي مصوغات ذهبية ، واستمرت على هذا المنوال إلى أن كان آخرها في 27 أكتوبر الماضي ، وأفادونا عن سرقة مبلغ مالي من منزل المواطن عبده علي ، إلا أن هذا المبلغ هناك تناقض في تقدير حجمه" وشكا عباس من " علاقة الأمن بالمجتمع " التي قال عنها أنها " تواجه بعض الصعوبات ، وهي المشكلة الأساسية التي نعاني منها في مديرية المسيمير" وأرجع السبب عن عدم إلقاء القبض على اللصوص إلى " عدم تعاون المواطن في الإبلاغ عن الأشخاص المشتبهين ، والذين يلاحظونهم في مختلف الأوقات ، وهم يتجولون في (. . . . ) ويشربون الحبوب الديزبام ( حبوب مخدرة ) " واعترف المدير الأمني أن اللواء مطهر المصري - وزير الداخلية ، طلب منه " إفادة حول قضية المواطن عبد العزيز ، وتقرير عن نتائج الإجراءات " حيث كان قد أُبلغ كما جاء سابقا. منوها إلى أن ثمة " سرقة واحدة حدثت فيها خسائر فقط ، بقيتها لم نستطع حتى الآن معرفة ما المطلوب فيها " وعن هذه الظاهرة " بعثرت البيوت بدون سرقات، إنها ظاهرة جديدة لم أقدر على فهمها إلى الآن ، لأنه ماذا يعني إن إنسان يدخل إلى منزل ، ويقوم ببعثرة دون سرقة ، رغم أنه يحصل على مصوغات ذهبية ، وأسلحة ، ومبالغ مادية ، أما جريمة السرقة كسرقة فهي موجودة في هذه المديرية كغيرها ، والمتمثلة بسرقات القات والمنازل ، فأنا كنت هنا نائب مدير الأمن في سنة 2000م ، وهي موجودة بشكل كبير" وشكا مهدي من أن إمكانياتهم " لا تسمح ، لا يمكن أن تتوصل إلى معلومة مع أي إنسان إلا بأقل تقدير أنك تقدم له حوافز مادية ، وهذا ما لا يخصص للبحث الجنائي في المديرية" مطالبا بتوفير هذه الحوافز ، وبإمكانيات أخرى منها " مساحيق التكنيك الجنائي " موضحا أن ما توفر لديهم إلى الآن هو " الكاميرا فقط" وقال أنه في السرقة الأولى " استدعينا فريقاً من البحث الجنائي في المحافظة خاص بالتكنيك الجنائي" وأشار في مقابلة مطولة مع " أخبار اليوم " أن المسألة فيها بلطجة وجشع ، وأن الهدف الأساسي منها هو زعزعة الأمن" مصرحا بأنه لا ينكر أن ثمة " نواقص أو تقصيرات موجودة ، فهذه مشاكلنا ، وعندنا صعوبات " متمنيا من المواطنين أن " يبلغوا عن أي حالة سرقة " مطمئنا ومؤكدا أنهم " سيقبضون على الجناة ، وقتما كان هناك تعاون بين المواطنين والأمن" العقيد عباس مهدي مدير أمن مديرية المسيمير ، حملنا في ختام مقابلته أن لا نكون في صحيفة أخبار اليوم كمثل أي صحيفة يومية أخرى، أو بالأصح كمثل مراسلها في المديرية ، والذي قال أنه " يكتب أشياء لم تحدث ، ولا أساس لها من الصحة ، ولم يتناول هذه الظاهرة ؛ لأنه يفهمها" وحين سألته ماذا يفهم أجاب " مش عارف" ، وحدا بي أن أقول له أن يستخدم حق الرد في نفي أي خبر غير صحيح ينشر في هذه الصحيفة عن المديرية ، أجاب أنه كتبَ عدة ردود ، لكنها لم تنشر "أبلغونا أنهم في الصحيفة لن ينشروها " على حد تعبيره ، وهي رسالة يوجهها إلى الصحيفة عن مراسلها ، حسبما قال. * المجلس المحلي أين دوره؟ لم نستطع اللقاء بالأمين العام للمجلس المحلي ، لانشغاله باجتماع حزبي ، فاضطررنا إلى مقابلة أحد أعضاء المجلس ، حيث أعطى فاروق أحمد هاشم وصفا لهذه الظاهرة بأنها " خطيرة " مضيفا " السرقات الأخيرة حدثت في وقتاً الظهيرة والعصر ، وهو ما أعطانا انطباعاً إن هذه عصابة معها هدف من وراء هذه الأعمال " ولم يحمل إدارة الأمن المسؤولية الكاملة عنها " رأيي أن إدارة الأمن لا تتحمل المسؤولية بمفردها ، فالمسؤولية يتحملها الجميع ؛ المواطن والأمن ، فالمواطن - وفق رأيه - إذا ساعد الأمن وأعطى خيطا ( دليل ) فبإمكان الأمن أن يتحرك ، لكن الملاحظ أن أبناء المديرية إذا لاحظوا أشياء فإنهم يخفوها " وكشف فاروق النقاب عن ماكينة المياه التي تعرضت للإحراق قبل عام " إلى الآن مرصودة ضد مجهول ، بالرغم من أننا عندما نجلس مع ناس يقال لنا أنهم فلان وفلان ، وكيف أقدموا على إحراقها ، إنما ليست عندهم شجاعة يساعدوا الأمن في الكشف عن الفاعل" منبها "عندما ألقت أجهزة الأمن مؤخرا على بعض المشتبهين في آخر سرقة ، والذي أظهرت أن هؤلاء أطفالا ، فلا يمكن لهذا الطفل أن يتصرف من ذات نفسه في أن يقفز إلى المنزل، ويعبث ، ويسرق دون أن يكون هناك مَن يدفع به" في هذا التحقيق واجهنا عجبا ، أن تأتي إلى مواطن يقول إن منزله تعرض للسرقة ، وتطلب منه أن يدعمك بمعلومات في إطار تحقيق صحفي ، ستجده يتهرب كثيرا ، ويغرقك بحجج ممن شأنها أن تشكك في الموضوع أساسا ، أسرق منزله أم أنه يزعم ذلك؟ فحتى عضو المجلس المحلي فاروق هاشم أفاد بأنه ، وهو يمثل المركز (أ) في عاصمة المديرية ، لم يتلقَّ أي شكوى أو طلب من أي من الذين سرقت منازلهم بإدراج الموضوع ضمن اجتماع المجلس المحلي لمناقشته ؛ لذا فالمسألة لم تناقش نهائيا في آخر اجتماع للمجلس المحلي في منتصف سبتمبر " أيلول " المنصرم ، حسبما قال ، مؤكدا أنه ما لم يكن هناك تعاون بين الأمن والمواطنين فإن القضية " ستدون ضد مجهول ، كسابقتها " إلا أن عبد الله ناصر الشعيبي - ضابط تحقيق البحث الجنائي بالمديرية أفاد بأنهم توصلوا إلى خيوط تدور حول أحد المشتبهين - رفض الإفصاح عن اسمه- والذي من خلاله سيوضح الأمر أكثر" الأمن - حسب الشعيبي - قبض على ما يفوق على عشرة مشتبهين ، في العشرينات من أعمارهم " نتيجة لكثرة السرقات اضطررنا إلى ذلك " وهو الآخر شكا من عدم تعاون المواطنين في هذه القضية. وفي ختام هذا التحقيق من مديرية المسيمير المعروفة سابقا ب"سلطنة الحواشب" يمكنني القول إن هذه السرقات بقدر ما هي غريبة ، ومقلقة ، إلا إنها غير بعيدة عن فذلكة ربما تبدت في الأفق لتمييع القضية الأم ، وهي السرقة الأولى ، وهذا وارد ، إنما ما الذي جعل الأمن يتخبط في هذه المتاهة ، ولم يجزم بعد بشيء ما ، وما الذي جعله يتحرك في السرقة الأخير ة فقط ؟ هل لأن السرقات انتشرت ، وكثرت ، أم لأن الأمر طال أشخاصاً مقربين من بعض المسئولين ؟ وهل هناك أشياء أخرى ؟ وأسباب مخفية ؟ ولمَ قبض على من هم في سن صغيرة ، رغم أن بعض الدلائل تشير إلى غيرهم ؟ هل مسئولي المديرية يجهلون مَن عنده سوابق في هذه الظاهرة؟ والسرقات تحدث نهارا ، يا ترى ألا يرى منفذ عمليات السرقة أحد ؟ وهل سيتقبل منطق عقل أي منا أن سارقا يدخل منزلا ، ويكون شريفا عفيفا؟ ثم ما فائدة العبث بالممتلكات؟وهل ستدون القضية ضد مجهول؟. لا أريد الاستزادة في الأسئلة ، إنما أطرح هذه القضية أمام الرأي العام ، وأمام من يخصه الأمر من مواطن أو مسئول ، لكنني أؤكد ما إذا كانت القضية ستقيد ضد المجهول المألوف فلا أحد يتحمل مسؤوليتها غير المسئولين ، وربما يستفيدون منها كثيرا ، وتكمن الاستفادة في فساد من نوع آخر.