الجريمة المزدوجة    دعوة جنوبية لعدم توريد الأموال للبنك المركزي اليمني حتى إصلاح منظومة الفساد    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    دلالات كشف خلية التجسس الأمريكية الإسرائيلية السعودية    الهجرة الدولية تعلن استئناف رصد حركة الهجرة في اليمن    الصين تختبر نظريا ما كشفه عمليا بحرُ اليمن! هل تتمكن من اغراق حاملة الطائرات؟    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    صلح قبلي ينهي قضية عيوب وعتوب بين اسرتين من إب و صنعاء    قبائل تهامة ومستبأ في حجة تؤكد الجاهزية لمواجهة أي تصعيد    ترامب والجولاني وقبعة "ماغا".. دمية الإرهاب في حضن المشروع الأميركي الإسرائيلي    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة النسائية في بني مطر تحيي الذكرى السنوية للشهيد    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    توتر عسكري بين العمالقة ودرع الوطن العليمية بسبب شحنة أسلحة مهربة    حضرموت: ركيزة الاستقرار الجنوبي في وجه المؤامرات المشبوهة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    رئيس انتقالي أبين يلتقي قائد حزام زنجبار لمناقشة الأوضاع الأمنية بالمديرية    استمرار اعتصام الجرحى العسكريين في مدينة مأرب    الحديدة أولا    الحرارة المحسوسة تلامس الصفر المئوي والأرصاد يحذر من برودة شديدة على المرتفعات ويتوقع أمطاراً على أجزاء من 5 محافظات    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    استبعاد لامين جمال من منتخب إسبانيا بعد اعلان برشلونة اصابته    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    مليشيا الحوثي الإرهابية تقتحم مقر هيئة طبية دولية بصنعاء وتحتجز موظفيها    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    قوة "حماية الشركات"... انتقائية التفعيل تخدم "صفقات الظلام" وتُغيب العدالة!    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    الدراما السورية في «حظيرة» تركي آل الشيخ    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل نصبح مجتمع عانس..؟؟ (2)
بسبب المغالاة في المهور..

حين شرع الله سبحان وتعالى الزواج كان المقصد الاساسي منه هو العفاف في المقام الاول وبناء أسرة على اسس أخلاقيه ودينية سليمة، حفاظا على هذه النواة من جرثومة إختلاط الانساب التي تجعل المجتمعات تسير الى الهلاك، لم يكن الله عز وجل حين شرع الزواج قصد منه إقامة كرنفالا للترف والأكل والشرب والتفاخر، بل هو قيمة انسانية مقدسة يجب ان تحترم.
كنا في العدد الماضي قد ناقشنا موضوع المغالاة في المهور كونه مشكلة تجعل المجتمع يسير نحو العنوسة والتفسخ الاخلاقي القيمي في ظل واقع اعلامي وثقافي منفتح على العالم، عالم يتعامل مع الغرائز لا مع الانسان، في هذا العدد نستكمل مابدأناه باراء استطلعها مراسل الملحق في محافظة ابين..
توطئة..
قال الله تعالي" وخلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" الأية
في قولة إشارة إلى أن الرحمة والمودة على أجمل صورها وأكملها تكون بين جسدين وروحين وقلبان أمتزجا في الهم والالم والحزن والوجع والسعادة والفرحة,مودة ليست مصطنعة وليست مزيفة بل نابعة من عشرة وحياة وأعوام من التآلف والتناغم.وهي المودة التى يسعى لتحقيقها الكل.بل الفرحة التي لا تضاهيها فرحة وسعادة..ولكن ثمة ما يعيق الوصول إلى ذلك الهدف وإحال الإبتسامة إلى وجوم والسعادة إلى تعاسة والحلم إلى كابوس..ثمة عوائق كانت السبب في عزوف الشباب "وعنوس" النساء فلم يعد الشاب يحلم بذلك ولم تعد المرأة تنتظر أن يطرق بابها رجلا يسند أعوجاجها ويشد من أزرها وتستظل تحت كنفه..
العبرة في الأولين..
يقول الشيخ / عمر "أبوهمام" يفضل كثير من الشباب عدم طرق فكرة الزواج والحلم به، في ظل هذه المنغصات والمعضلات التي حالت بينهم وبينه, ولو أردنا أن نسبر أغوار أسباب عزوف الشباب عن الزواج، لوجدناها كثيرة ولا حصر لها ولكننا سنحاول أن نأخذ منها أحد الأسباب التي شكلت عائق لكل الأطراف وكل الطبقات،..ولعل أكثر الطبقات التي لا تزال تتوارث نهجها وعاداتها ولم تحد عنها هي طبقة "السادة"، حيث تولدت لدى هؤلاء فكرة خاطئة في علاقات الزواج فمثلاً "السيد" لا يتزوج إلا "بسيدة"، وأنتشر هذا الأمر فيما بينهم وأصبحوا يوالون لها ويعادون عليها بل وصل الأمر إلى القتل كما حصل في إحدى مناطق شبوة، حينما ذبح أحدهم أبنة عمه لرفضها الزواج بأحد "السادة" وقبولها بزوج من عامة الناس أي "القبائل"،..وترجع هذه الطبقة السبب في ذلك إلى الحفاظ على نسبها نقيا مبتعدين عن الأخلاط التي تفقدهم المكانة الاجتماعية العالية التي يتمتعون بها، وهذا الأمر لا يقره الشرع المبارك ولا مجال للتعليل أو التأويل، إذا جاء الدليل تلو الدليل مبينا أن اعتبار الدين والكفاءة هو الأساس في النكاح والزواج دون الإلتفات إلى غيره، والعبرة طبعا فيمن سبقونا مثل "زينب بنت جحش" بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم التي تزوجت "زيد بن حارثه"،..وكذلك "فاطمة بنت قيس" وهي سيدة قرشية والتي تزوجت " باسامه بن زيد"..ومن هذا نستنتج أن العبرة في الكفاءة وليس التعصب ومظاهر التقديس..
تهميش وفقر..؟؟!!
وكذلك أظهر أبو محمد أحد المهمشين استياءه وسخطه من ذلك الواقع، وتلك المنغصات التي أعاقة مسألة الزواج وعرقلة الوصول إليه وبات الزواج من الأمور الصعبة التي يحسب لها المرء الف حساب، بل لا يحلم بالوصل إليها في ظل هذا الواقع وهذه العوائق .فمثلا نحن المهمشين يعتبرنا الآخرين "نكره"، ولا يتم القبول بنا أو التعاطي معنا بأي حال من الأحوال؛ لأننا وكما يقول الآخرين لسنا من الطبقة الراقية أو القبلية التي يتشرف المرء بالانتماء إليها، أو تزويجها متناسين أن لا فرق بين عربي وعجمي وأسود وأبيض، إلا بالتقوى وليس بالأنساب والأعراف طالما والمرء يتحلى بالخلق والإنسانية والدين, ولهذا فنحن ربما نكون من أكثر الطبقات معاناة وتهميشا بين باقي الطبقات المتواجدة في المجتمع اليمني..ولم نعد نفكر في الزواج إلا من طبقتنا، التي هي الأخرى يعاني أفرداها أشد عناء من كافة النواحي أكانت المادية أو المجتمعية..
مغالاة وعنوسة..!
"المغلاة في المهور من أكثر الأسباب التي جعلت الشباب يعزفون عن الزواج ولا يلحمون به، حيث قال: لم نعد نفكر نحن الشباب في الزواج ولم نعد نطرق فكرته على الإطلاق بعد أن جن جنون الآباء وتملكهم الجشع، وبات الواحد منهم يطلب مبالغ خيالية مهرا لأبنته غير مكترث بحال الشباب المادية وظروفهم الأسرية، التي يعلمها القاصي والداني حتى أن مهر بعض النساء وصل في بعض المناطق إلى" مليون وخمسمائة الف ريال"،..تخيل هذا المبلغ فقط للمهر ناهيك عن اللوازم الأخرى التي يحتاجها الزواج, فبا الله كيف سنفكر في أمر الزواج ونحن لا نملك تكاليفه الباهظة والتي لا يقوى عليها ميسور الدخل أو متوسطة، نستغرب ذلك الجشع والجنون في المغالاة في المهور والتفاخر بها بين الخلائق، بل وتحريض الغالبية العظمى على أن تسلك ذات النهج والطريق، والإقتداء بهم وتناسى هؤلاء الأباء "أن خير النساء أيسرهن مهراً" فهل سيدرك الآباء معاناتنا نحن الشباب,وكذلك الحسرة والألم التي تعتمر النساء حينما "يعنسن" بسبب جشع آبائهن ومغالاتهم في المهور" يقول أحمد سالم
الوظيفة شرط صعب..!
يشترك أبراهيم علي مع أحمد سالم من حيث معوقات الزواج، إلا أنه أورد عنصر علة هام جدا حيث أن الأباء والفتيات يفكرون فيه ولم تقتصر مسألة التفكير فيه على الآباء بل حتى أن النساء يفكرن فيه، ويسألن عنه عندما يطرق أحدهم باب بيتها طالبا يدها للزواج حيث قال: يمكننا أن نصنف العوامل التي أعاقة الزواج ويمكننا كذلك أن نسردها وهي كثيرة ومتعددة بل ومؤلمة، وعل أبسطها وأهمها هي مشكلة "الوظيفة" فأغلب المجتمع اليمني يعاني من البطالة بسبب تنصل الدولة وعدم توفير فرص عمل للشباب، وحرمان بعض الخريجين والجامعيين من الوظائف التي توزع هنا وهناك وتتخطى الجامعيين إلى غيرهم, وهنا تكمن المشكلة التي تعيق مسألة الزواج، فإن كنت تملك وظيفة أو ما يضمن لك دخل شهري أو يومي يعينك على الحياة ويلبي لك بعض متطلباتها فمن المؤكد ستحظى بالقبول من الفتاة وأهلها، وإن لم تكن تملك وظيفة فلا تفكر على الإطلاق في الزواج لان مسألة التفكير والحلم به وأنت عاطل عن العمل ضربا من الخيال..
سعر الذهب..؟!
العم عبدالله ناصر برر سبب المغالاة في مهور النساء بالثورة السعرية المجنونة التي تجتاح الوطن بين الفينة والأخرى, وكذلك بالارتفاعات المتكررة للذهب والأسعار الخيالية التي وصل إليها في الآونة الأخيرة ويضيف " نحن كآباء لا نريد من هذه الحياة إلا سعادة أبنائنا أكانوا ذكور أم أناث, فانا أب ولدي أبناء ذكور وإناث والمغالاة في المهور سأتجرع أنا أيضا من مرارتها في كلتا الحالتين، أي حينما أزوج أبني أو أبنتي, فالبنت يتطلب زواجها متطلبات واحتياجات وذهب ولبس وخلافه, وهذا طبعا لن يأتي دون مقابل بل لا يأتي إلا بشق الأنفس, وكذلك الحال مع أبنائنا الذكور فحينما نود أن نخطب لهم فأننا نسقى من ذات الكأس ولا ألوم الآباء على ذلك فالواقع، فالحياة المعيشية هي من تجبرنا ان نغالي في المهور كي نلبي احتياجات بناتنا وشراء متطلبات الزواج, ولهذا أتمنى ان يعي الكل أننا لسنا سبب في هذا كله بل نحن ضحية لإقتصاد هذا البلد الذي بات كل شيء فيه غالِ جداً، وصارت عملته لا قيمة لها وهو بدوره فرض علينا أن نغالي في المهور ونطالب بتلك المبالغ الخيالية".
هنا نورد بعض أسباب المغالاة في المهور كما وردت في الدراسة التي أعدها الدكتور فريد صادق زوزو بعنوان
معوقات تحقيق مقاصد الزواج.. المغالاة في المهور نموذجا..
أولاً- أسباب المغالاة في المهور..
1- لأجل التحضير للزواج وتكاليف الزفاف، إضافة إلى تهيئة بيت الزوجية، وتجهيز الفتاة نفسها للعرس، حيث تصرف أموال طائلة في الإعداد والتجهيز، مما يضطر الزوج للاستدانة والإقتراض، وتكلف ما لا يستطيع، فتتكدر حياته الزوجية منذ بدايتها بسبب الديون التي يكدح للوفاء بها لمستحقيها، مما يجعله -كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: "حتى يكون لها عداوة في نفسه"؛ وتؤكد التجارب الواقعية أن ديون الزواج لا يُتخلص منها إلا بعد مضي سنين غير قليلة على الزواج.
2- الاعتقاد بأنه حق خالص للمرأة؛ فهو مقابل قبول المرأة الزواج، يجعل الأولياء والمرأة نفسها يتغالون فيه، طمعا في التوفير والادخار واختبار مدى إقبال الرجل على هذا الزواج، وبخاصة إذا كانت المرأة عاملة، أو ثرية.
3- إدعاء الأولياء ادخار المهر لوقت الحاجة، فهو لضمان مستقبل آمن لابنتهم، وهو مبرر يدعو للتساؤل عن مدى الثقة التي يوليها الولّي لهذا الخاطب، فأهل المخطوبة منذ البداية "يضعون سوء الظن تاجا على رأس ذلك الزواج، مما يثير حفيظة الزوج وأهله".
4 - اتجاه الشباب للزواج بالأجنبيات؛ لأن مهورهن قليلة، أو الانصراف عن الزواج والعزوف عنه بالكلية، وهذه النتيجة أضر من الأولى، إذ تظهر العنوسة عند الفتيات ويتأخر زواجهن وربما ينعدم.
5- وفي هذه النتائج يظهر إسقاط لمقاصد الشارع في حفظ النسل، وهو أحد مقاصد الشارع الخمسة؛ فالزواج هو الوسيلة الوحيدة المشروعة لحفظ النسل، والمهر وسيلة محققة لمقاصد النكاح، أي هو وسيلة الوسيلة، فهل يمكن لوسيلة الوسيلة أن تُسقط المقصد الأصلي؟ وهل هذا أمر مُسَلَّم به عقلا قبل التسليم به شرعاً؟ فمن خصائص الوسائل أن الوسيلة إذا عارضت المقصد سقطت، فأنَّى للمغالاة ذلك؟ وهي غير مشروعة، بل مكروهة في أكثر الآراء؛ حيث إن المهر وسيلة واجبة لكنها غير متعينة المقدار بالنص، فلا حد له؛ لكن يتعين هذا المقدار حسب الأعراف، كما أن مآل التغالي في المهور إما العزوف عن الزواج بالكلية، أو الانصراف للتزوج بالأجنبيات، وهو ما لا يحقق مقصد حفظ النسل في وجود الأسرة محضن الأولاد.
الترشيد في مسألة المهور ودور المجتمع في تيسير سبل الزواج..
قال تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض} فالآية الكريمة وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، يحثان على إنكاح الشباب الصالح غير القادر ويدعوان إلى ذلك، إعفافا لهم من السقوط في مزالق الشيطان، وتحصينا للفتيات المؤمنات حتى لا يبقين عوانِسَ؛ لأن في ذلك مضرة كبيرة على المجتمع، ولأنها تؤول إلى نتائج غير حميدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض}. فالآية الكريمة دعت الأولياء[49] وحثتهم على تزويج الأيامى، وإعانتهم على ذلك بما يقدر عليه ، وأما الحديث فقد بيّن عواقب عدم المسارعة في تزويج الشباب وإعفافهم. وهنا يتبدى للمجتمع دوره في منع الفتنة، وإخماد جذورها، بتيسير سبل زواج الشباب؛ حتى لا تتسع وتصير فسادا عريضا يتضرر منه كافة أفراد المجتمع.
وإذا كان من أسباب العزوف عن الزواج، أو عدم المقدرة عليه المغالاة في المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، اللذين اعتبرا من أحكام عقد الزواج لا من أركانه؛ فمن باب أولى كما هو معلوم أن الوسيلة تبع للمقصد الذي تؤدي إليه لا العكس كما هو حادث واقعا،كون التغالي في المهور وتكاليف الزواج سببا موجبا لإسقاط الزواج الذي هو المقصد الأصلي.
وبعد أن استتب أمر المغالاة وانتشر في أوساط المسلمين، مخالفين بذلك ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته رضوان الله عليهم، فإن المسؤولية تقع على كاهل المجتمع وأولي الأمر في توجيه من بيدهم عقدة النكاح وكبح جماحهم بحثّهم على عدم المغالاة، فهذا الخليفة عمر بن الخطاب يدعو الناس من على المنبر " ألا لا تغالوا في مهور النساء"[50]، توجيها وإرشادا للعامة بخطر المغالاة في المهور والتعسف في ذلك، بما يعود بالبلاء على الجميع؛ فإن الفرد لا يستطيع تحقيق مصالحه بمفرده ودون معونة أفراد مجتمعه، لا أن يكونوا هم أنفسهم من يعيق ذلك. وللحكومات والمؤسسات أن تسهم عمليا في تيسير سبل الزواج للشباب وذلك بطرق مختلفة.
طرق التوعية..
1. الدعوة لتوعية الناس عن طريق الإعلام والخطابة في المساجد
بالحث على التقليل من المهور، والتخفيف منها اقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في مهوره التي أمهرها زوجاته، والمهور التي قدمت لبناته، واقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم، والسلف الصالح في هذا الأمر، والتحذير من عواقب الإسراف والتبذير التي تنتشر أيام الزفاف، وإن استدعى الأمر معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس كما ذهب لذلك مجلس هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية.
2 . المساهمة في إقامة الحفلات الجماعية.
والغرض منها تخفيف أعباء تكاليف وليمة الزواج، والقضاء على مظاهر الترف والبذخ، بتحضير الولائم الجماعية التي تجمع زيجات كثيرة، سواء لأفراد أسرة واحدة أو على مستوى الحي أو البلدة أو المدينة، ليحضرها أهل الأزواج دفعة واحدة. وإن لهذه التجمعات الكثير من الأهداف النبيلة في إعلان الزيجات، ورفع العنت عن كاهل الأهل والأزواج، والحث على التأسي بهذا المشهد، حتى يتحقق إجراء الزواج واقعا. ومثال ذلك ما قامت به إحدى محافظات مصر عندما " قررت محافظة أسيوط إقامة حفل زفاف جماعي يوم 18 أفريل 1999م وفي ملعب أسيوط الرياضي، يجمع 156 عريسا وعروسا... وقال بيان صادر عن محافظة المدينة إن المحافظة قدمت العون المادي لهؤلاء الشباب الراغبين في الزواج ،وتقوم مجموعة من الشركات والمؤسسات، ومحلات القطاع الخاص بتقديم هدايا مالية للعرسان لتأثيث عش الزوجية، كما قدم بعض الأهالي ثلاجات وغسالات وأدوات مطبخ مشاركةً في إتمام حفل الزفاف الجماعي. وقال محافظ المدينة إن الخطوة محاولة من المسؤولين لحل أزمة بعض الشباب غير القادرين على الزواج مؤكدا أن الحفل سيتكرر"[
3. فتح صناديق الزواج:
ويكون ذلك من ميزانية الدولة، أو من مصارف الزكاة، أو الأوقاف الخيرية الخاصة بالزواج وغيرها. فيمكن أن يخصص للتزويج أو التيسير فيه ميزانية خاصة من ميزانية الدولة نفسها، ومن أمثلة ذلك "صندوق الزواج في دولة الإمارات العربية" الذي تأسس عام 1993. وهو مؤسسة حكومية تُعنَى بمنح الشباب منحاً مالية للزواج ، وهي منح تعطى ولا تسترد.
ويمكن أن تؤسس هذه الصناديق من مصارف الزكاة، "بتخصيص جزء من الزكاة المفروضة، فالفقراء هم أحد مصارف الزكاة الشرعية، وكذلك الغارمون، وهم الذين يتحملون الديون للزواج أو لمواجهة تكاليف الحياة وأعبائها". فقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه لما أبلغ بفيض أموال الصدقة بعد توزيعها إلى المستحقين أمر بتزويج العزَّاب من أموال الصدقة، وفي هذا أورد صاحب "البداية والنهاية" أنه "كان مناديه في كل يوم ينادي: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين اليتامى؟ حتى أغني كلا من هؤلاء"
ومن خلال "إنشاء الأوقاف الخيرية الثابتة لمشروع الزواج". واهتمام الدولة بمثل هذه المشاريع، وإجرائها واقعا يحقق لا محالة التكثير من النسل وإيجاده بالطريقة المشروعة طريق الزواج الشرعي، فيتحقق مقصود الشارع في حفظ النسل بإيجاده وتيسير سبل ذلك، وهو من شأنه أن يعود بالنفع على المجتمع في تكثير عدد أفراده، وإنجاز العمران، وتحقيق الاستخلاف في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.