معارك ليست ضرورية الآن    المحويت تشهد 95 مسيرة جماهيرية رفضًا للإساءات للقرآن ودعمًا لفلسطين    بوتين يؤكد استعداد موسكو للحوار ويشيد بتقدم قواته في أوكرانيا    أمطار شتوية غزيرة على الحديدة    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    تقرير حقوقي يوثق ارتكاب عناصر الانتقالي 312 حالة اعتقال وإخفاء قسري بحضرموت خلال اسبوعين    الأرصاد تتوقع أمطارًا متفرقة على المرتفعات والهضاب والسواحل، وطقسًا باردًا إلى بارد نسبيًا    أبناء سقطرى يؤدون صلاة الجمعة في ساحة الاعتصام المفتوح تحت شعار "الثبات والتمكين"    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    تشييع رسمي وشعبي بمأرب لشهداء الواجب بالمنطقة العسكرية الأولى    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    الأوبئة تتفشى في غزة مع منع دخول الأدوية والشتاء القارس    "أسطوانة الغاز" مهمة شاقة تضاعف معاناة المواطنين في عدن    قوة أمنية وعسكرية تمنع المعتصمين من أداء صلاة الجمعة في ساحة العدالة بتعز    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    أمين عام الأمم المتحدة تؤكد: قضية شعب الجنوب مفتاح السلام المستدام في اليمن    الحبيب الجفري يحذّر من تسييس الدين: الشرع ليس غطاءً لصراعات السياسة    الإصلاح يصفي أبناء تعز: استقالات تتحول إلى حكم إعدام بسبب رغبتهم الانضمام لطارق صالح    أزمة خانقة في مخابز عدن.. المواطن يعاني والانتقالي يبيع الأوهام    خبير دولي: على الانتقالي التركيز على الإعلام الخارجي بالإنجليزية لبناء التفهم الدولي لقضية الجنوب    الذهب يسجّل أعلى مستوى له في التاريخ    كأس ملك اسبانيا: تأهل اتلتيك بلباو وبيتيس لدور ال16    الحرية للأستاذ أحمد النونو..    السبت .. انطلاق سباق الدراجات الهوائية لمسافة 62 كم بصنعاء    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    صحيفة أمريكية: خطاب ترامب الأخير .. الأمور ليست على ما يرام!    التكتل الوطني للأحزاب: استهداف مقر الإصلاح محاولة لجر تعز إلى الفوضى    القرفة في الشتاء: فوائد صحية متعددة وتعزيز المناعة    الرئيس الزُبيدي يؤكد أهمية البيانات الإحصائية في بناء الدولة وصناعة القرار    تجار تعز يشكون ربط ضريبة المبيعات بفوارق أسعار الصرف والغرفة التجارية تدعو لتطبيق القانون    إقامة ثلاثة مخيمات طبية خيرية مجانية في الحديدة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي الثامن للمركز العسكري للقلب    انفجار حزام ناسف لأحد المجاهدين لحظة خروجه من مقر الإصلاح في تعز    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويلات مالية    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    الأرصاد: طقس بارد إلى بارد نسبيًا على المرتفعات    المحافظ لملس يعزّي الصحفي صلاح السقلدي في وفاة والدته    نادية الكوكباني تفوز بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية عربية للعام 2025    سان جيرمان يتوج بكأس القارات للأندية لأول مرة في تاريخه    طائرة شحن إماراتية محمّلة بالسلاح تصل مطار الريان بحضرموت    أرقام فلكية.. الفيفا يعلن عن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    شرطة أمانة العاصمة تكشف هوية الجناة والمجني عليهما في حادثة القتل بشارع خولان    من بينها اليمن.. واشنطن توسع حظر السفر على مواطني دول إفريقية وآسيوية    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    أيها المؤرخ العلم: ما نسيناك !    الرئيس المشاط يعزّي الشيخ عبدالله الرزامي في وفاة أخته    روائية يمنية تفوز بجائزة أدبية في مصر    تفقد سير أعمال الترميم في جامع الجند التاريخي    صباح عدني ثقيل    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    صباح المسيح الدجال:    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندفاع سوري لمصيدة اولمرت؟
نشر في أخبار اليوم يوم 25 - 12 - 2008

هناك 'شيء ما' يجري طبخه على نار هادئة، وبعيداً عن المتلصصين، بين سورية واسرائيل عبر الوسيط التركي، افصح الرئيس بشار الأسد عن جانب منه عندما استخدم المؤتمر الصحافي الذي عقده بمناسبة زيارة نظيره الكرواتي الى دمشق للحديث عن 'انتقال طبيعي الى مرحلة المفاوضات المباشرة.. لانهلا يمكن ان نحقق السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة فقط'.
تصريحات الرئيس الأسد هذه اختيرت بعناية، وفي توقيت على درجة كبيرة من الأهمية، فهي تتزامن مع زيارة ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي، وتسرب انباء عن لقاء محتمل بينه وبين مبعوث سوري في العاصمة التركية انقرة حيث سيحط الرحال فيها اليوم في زيارة مفاجئة.
المسؤولون السوريون، ناهيك عن الرئيس الأسد نفسه، يختارون كلماتهم بعناية فائقة، وبعد دراسة عميقة لكل جوانب الموقف، وغير مسموح لأي واحد الخروج عن النص المتفق عليه، ولهذا يصعب على اي مراقب الحصول على المعلومات الكافية من المصادر الرسمية (ممنوع وجود مصادر غير رسمية) سوى تلك التي مسموح بها، لتحليل الموقف السوري تجاه هذه المسألة او تلك بطريقة علمية.
وما يمكن استنتاجه من كلمات الرئيس الأسد، والتسريبات الاسرائيلية، وجولات اولمرت بين لندن وانقرة ان صيغة اتفاق ما تتبلور، وان مرحلة المفاوضات غير المباشرة اعطت أكلها، وأوشكت على الانتهاء، ان لم تكن انتهت فعلاً، وبات من المحتم الجلوس وجهاً لوجه إلى طاولة المفاوضات.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان هذا الوقت بالذات، الذي يقف فيه العالم على أبواب ادارة امريكية جديدة، وتستعد فيه اسرائيل لخوض انتخابات برلمانية بعد شهر ونصف الشهر، مناسباً لتسريع المفاوضات السورية الاسرائيلية، والتمهيد، او حتى الانتقال الى المفاوضات المباشرة؟
ربما يكون من السهل على المرء ان يفهم حماس اولمرت للتعجيل في عملية التفاوض مع سورية، ولكن من غير السهل فهم مجاراة الحكومة السورية، وتجاوبها السريع، مع خطوات اولمرت هذه، وهي التي تعرف ان ايامه في السلطة باتت معدودة للغاية، وقد يخرج من رئاسة الوزارة الى السجن بتهم الفساد.
لا نشك مطلقاً بذكاء صانع القرار السوري، وقدرته الفائقة على قراءة المتغيرات الاقليمية والدولية قراءة صحيحة، ودليلنا على ذلك النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السورية في كسر عزلها من قبل البلاد الاوروبية على الأقل، واستقبال العديد من الزعماء الغربيين مثل الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي ووزراء خارجية اكثر من دولة اوروبية، والاهم من ذلك العودة الى لبنان بقوة من النافذة السياسية، ولكن ربما يكون التجاوب 'المتسرع' مع غزل اولمرت هذا سابقاً لأوانه وخطوة غير محسوبة بالقدر نفسه من العناية والتمحيص.
الهدف من التهافت الاسرائيلي، ومن قبل اولمرت بالذات، على 'تسخين' المفاوضات مع سورية، والتلويح بجزرة الانسحاب من هضبة الجولان، هو ابعادها عن حليفتها الاستراتيجية ايران، وقطع علاقاتها مع اهم ركيزتين لها في المنطقة العربية وهما 'حزب الله' في جنوب لبنان وحركة 'حماس' في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويلها من دولة ممانعة الى دولة 'معتدلة' مثلها مثل بقية الدول العربية التي ينتقدها الاعلام السوري وامتداداته في لبنان ليل نهار.
لا أحد يعارض استعادة سورية لأراضيها المحتلة، في زمن اسقطت فيه معظم الدول العربية ان لم يكن كلها الخيار العسكري، وبات الحديث عن دعم المقاومة الفلسطينية نوعاً من الكفر، فهذا زمن 'السعودية أولا' و'مصر أولاً' و'الاردن أولاً' وهكذا، ولكن هل ستنسحب اسرائيل فعلاً من الجولان كلياً، وما هو المقابل الذي ستحصل عليه من سورية غير الخروج من 'محور الشر'، وكيف ستكون سورية في مرحلة ما بعد استعادة هضبة الجولان؟
هضبة الجولان السورية ليست مثل منطقة وادي عربة في نهر الأردن، كما انها ليست مثل سيناء، والظرف الذي جرى فيه توقيع اتفاقيات 'كامب ديفيد' المصرية ومعاهدة 'وادي عربة' الاردنية مختلف كلياً عن الظرف الحالي، ولا بد ان القيادة السورية تدرك هذه الحقيقة جيداً.
بمعنى آخر، عندما وقّعت اسرائيل معاهدات كامب ديفيد مع مصر كانت تريد اخراجها كلياً من جبهة دول المواجهة، وربطها بالكامل مع المشروع الامريكي، وشق الصف العربي. في المقابل كان الرئيس انور السادات يتطلع الى مكاسب مادية، وجلب الرخاء الاقتصادي الى شعبه، واستعادة الدخل الناجم عن عوائد المرور في قناة السويس (خمسة مليارات دولار حاليا) واستخراج النفط والغاز (اكثر من عشرة مليارات دولار والسياحة عشرة مليارات اخرى) علاوة على المدخول السياحي في منطقة شرم الشيخ وطابا.
سورية استطاعت ان تعيش دون هضبة الجولان لأكثر من أربعين عاماً، كما انه لا يوجد نفط ولا غاز فيها، والتطور النوعي في صناعة الصواريخ مثلما شاهدنا في حرب لبنان الاخيرة، قلل من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة الى سورية والى اسرائيل في الوقت نفسه. واذا كان معظم المنتوج الاقتصادي السوري من هضبة الجولان هو من التفاح والعنب، فان هناك مئات الأطنان منه في مناطق سورية اخرى عجزت الحكومة عن تصديرها الى الخارج.
سورية نعمت بالاستقرار على مدى أربعين عاماً، وآخر حرب خاضتها ضد اسرائيل كانت قبل 35 عاماً، أي انها ليست في حالة حرب، ولا تخوض حرب استنزاف ترهق كاهل الاقتصاد السوري، وتستنزف المواطن وتعرقل عمليات التنمية حتى تلجأ الى المفاوضات المباشرة في الزمن الخطأ والتوقيت الخطأ.
فإذا كانت سورية تواجه ظروفاً اقتصادية سيئة، فإن هذا عائد الى سوء الادارة، وانتشار الفساد، وليس الى سياسات الممانعة التي تتبناها، او الحصار العربي المفروض عليها.
ويمكن التذكير بأن هذه الظروف الاقتصادية لم تتحسن كثيرا على مدى الثلاثين عاماً التي دخلت فيها في تحالف قوي واستراتيجي مع الدول العربية التي تحاصرها حالياً وأبرزها مصر والمملكة العربية السعودية.
مصر استعادت سيناء قبل ثلاثين عاماً، ولكن ظروفها الاقتصادية في زمن الحرب كانت أفضل بكثير من ظرفها الراهن، فقبل حرب اكتوبر عام 1973 كانت الصحف المصرية تتندر على طوابير فراخ الجمعية، والآن تتندر الصحف نفسها على طوابير الخبز، وتحول الجيش المصري من مفخرة لمصر وللأمة العربية، الى جيش من الخبازين، وعمال شق الترع، والاعتناء بمزارع الدواجن.
ولا نبالغ اذا قلنا ان اقتصاد سورية عندما كانت دولة مواجهة كان افضل بكثير من اقتصادها اليوم، بعد ان فضلت التهدئة، وأوضاعها الامنية كانت أكثر صلابة مما هي عليه الآن، فقد كانت سورية دولة مهابة من جيرانها، ولا أحد يجرؤ على التطاول عليها لأنها تعرف كيف ترد مستندة إلى قضية وطنية ودور ريادي عربي في مناصرتها.
التراجع الاقتصادي ليس سببه تبني سياسات الممانعة، والتقدم الاقتصادي لا علاقة مباشرة له باستعادة الجولان، فالسيد مهاتير محمد جعل من ماليزيا احد أبرز نمور آسيا الاقتصادية في أقل من عشر سنوات، مع الاشارة الى ان ماليزيا ليست فيها اي موارد نفطية.
صاحب القرار السوري يجب ان لا يطمئن الى الوعود الاسرائيلية، وان يتمعن جيداً بالمطالب الاسرائيلية في المقابل، وان يتذكر دائماً ان اسرائيل لم تتنازل حتى الآن عن مزارع شبعا، ولا قرية الغجر في جنوب لبنان، وهي عبارة عن بضعة كيلومترات مربعة، فكيف ستتنازل عن هضبة الجولان؟
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقع اتفاق اوسلو مع الاسرائيليين، وتجاوب مع كل طلباتهم، فماذا حدث؟ انتهى محاصراً ومن ثم مسموماً، والرئيس محمود عباس الذي رحبت اسرائيل وامريكا بخلافته باعتباره شريكا معتدلاً لم ينجح بعد اكثر من عشرين اجتماعاً مباشراً مع اولمرت نفسه في تفكيك مستوطنة او ازالة حاجز واحد من ستمائة حاجز اسرائيلي في الضفة الغربية.
سورية ليست بحاجة للدخول في مفاوضات مباشرة اوغير مباشرة مع رئيس وزراء انتهت صلاحيته، ومن اجل بذر بذور الفتنة بينها وبين حلفائها، واعطاء اعدائها والعرب منهم خاصة، ذخيرة قوية للسخرية منها، وزعزعة استقرارها الداخلي من خلال تقديم المبرر للجماعات المتشددة المتربصة بها، مثلما حدث في التفجيرات الاخيرة.
العالم يتغير بسرعة، واسرائيل في حالة ضعف شديد وباتت تشكل عبئا اخلاقيا وامنيا على حلفائها في الغرب، اما الولايات المتحدة فتواجه الهزائم في العراق وافغانستان، وجاءت الأزمة المالية العالمية لتهز الاقتصاديات الغربية بشدة، وفي المقابل هناك حالة نهوض لقوى عظمى جديدة حليفة للعرب هي روسيا والبرازيل والهند والصين، فلماذا 'يذهب السوريون الى الحج والناس راجعة'؟
نتمنى على القيادة السورية ان تتريث، وان لا تقع في مصيدة اولمرت، فسنوات العرب العجاف اوشكت ان تقترب من نهايتها، واعداء سورية والمتربصون بها كثر، فلا بد من الحيطة والحذر، وعدم الاندفاع في دهاليز غير مأمونة وغير مضمونة، فماذا بقي لمصر الدولة العظمى من مكانة ودور بعد تفريطها بالعروبة وقضية فلسطين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.