ترتبط مشاكل سوريا الحالية بشكل رئيسي بالأزمة اللبنانية التي بدأت منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وصولاً إلى أزمة الرئاسة المفتوحة على التأجيل، وارتباط ذلك بسعي فريق «14 آذار» لتكريس وحماية ما يسميه الاستقلال الذي تحقق مع خروج القوات السورية من لبنان في 28 أبريل 2005. ولا يمكن فصل الملف اللبناني عن العلاقات السورية الإيرانية التي باتت تشكل في نظر العديد من الدول العربية خطراً على الأمن القومي العربي، بداية عبر بوابة حزب الله، واليوم عبر معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر، والذي استولت عليه حركة «حماس» التي يقيم قادتها في العاصمة السورية، وبالتالي لا يمكن فصل سوريا عما يجري في الأراضي الفلسطينية، وهذا كله مرتبط أساساً بتوقف المفاوضات على المسار السوري منذ العام 2000، ومحاولات سوريا الضغط على إسرائيل لدفعها إلى طاولة المفاوضات لاستعادة الجولان. وفي ظل الفتور الآخذ بالتسخين في العلاقات السورية العربية كما بدا في قمة دمشق والقمم العربية المصغرة التي تلتها، فإن كل المؤشرات تدل على أن المرحلة المقبلة ستشهد جولة جديدة من إحكام الحصار على أزمات دمشق المستعصية أصلاً منذ سنوات. وبدا ذلك جلياً من خلال تشدد القاهرة والرياض في مواقفهما تجاه دمشق، والتأكيد على أن لبنان يشكل بوابة سوريا لاستعادة مكانتها في البيت العربي. وانعكس هذا التشدد في قمة دمشق برفض مناقشة الأزمة اللبنانية بحجة غياب لبنان، وإجهاض المحاولات السورية للتلويح بسحب مبادرة السلام العربية التي كانت أطلقتها السعودية في قمة بيروت العربية عام 2002، ورفض السماح لسوريا بالدخول على خط «المبادرة اليمنية» للمصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، وفشل جهودها لجمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل. وبالتزامن مع ذلك، كان ثمة مجموعة من الأحداث لا تقل أهمية تجري على قدم وساق في المحيط الأقرب إلى سوريا، وتصب في نفس الاتجاه، يمكن إجمالها بالآتي: الضغط الأميركي لدفع الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية قدماً في اتجاه تذليل العقبات أمام التوصل ل«اتفاق مبادئ» حول قضايا الوضع النهائي قبل نهاية العام 2008. اكتمال الإعداد للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والتي أعلنت سوريا أكثر من مرة أنها ستكون محاكمة مسيسة تستهدف الضغط عليها. كشف «وزير إسرائيلي مرموق» فشل ما يقارب عشرين رسالة من أولمرت إلى الأسد في تقريب الهوة التي تفصل الجانبين، وإعلان هذا الوزير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت بات يعتبر أن «الوقت الحالي لم يعد مناسباً لبدء محادثات سلام مع سوريا». وأخيراً وليس آخراً التأهب العسكري الذي يلف المنطقة بأسرها، وعلى الأخص في إسرائيل، تخوفاً من حرب من غير المعروف أين ومن سيطلق رصاصتها الأولى. في خضم هذا كله تبدو سوريا في عين العاصفة، ويبدو الرهان السوري القائم على سياسة «حافة الهاوية» بحاجة الى اعادة نظر في هذه الظروف التي تقرع فيها طبول الحرب في المنطقة. وعلى الرغم من مشروعية مخاوف دمشق مما يحاك حولها في الأروقة الأميركية أو الإسرائيلية، إلا أنه بات المطلوب منها اليوم مبادرة باتجاه لبنان وحل أزمته الرئاسية، والمساهمة الفعالة في هذا الحل لما تمتكله سوريا من علاقات وطيدة مع اطراف ولاعبين اساسيين على الساحة اللبنانية. وفي المقابل يحق لدمشق ان تنتظر من الدول العربية الاخرى وفي مقدمتها مصر والسعودية، اللتين تمتلكان علاقات جيدة مع الادارة الاميركية، ضمانات لجدية عملية السلام في المنطقة، وان الخيار السلمي يمكن بجدية ان يراهن عليه.. وعلى كل المسارات. *فراس كيلاني البيان الاماراتيه