بعد نحو شهرين من كارثة السيول التي اجتاحت قرية (عرقة) الساحلية وعدداً من ضواحيها والتي خلفت الكثير من الأضرار المادية والتي انحصرت في المنازل والأراضي الزراعية والسيارات والخدمات بدت القرية الصغيرة صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك مغايرة عما كنت أعرفها منذ ولادتي بين ثناياها. بدت قريتي مع بزوغ فجر عيد الأضحى عبوسة بائسة خائفة وكأنها تنتظر شيئاً مجهولا بقلق شديد.. حتى وقت قريب كانت هذه القرية الصغيرة (عرقة) تحتفظ بتراث الآباء والأجداد في هكذا مناسبة دينية عظيمة وحتى. العيد الماضي عيد الفطر كان السكان فيها يمارسون طقوسا عيدية جميلة انقرضت في الكثير من المناطق والمحافظات تقريبا. قرية عابسة اليوم لم أقرأ فرحة العيد في ملامح أبي وأمي وكبار السن في قريتي ولم أشاهد تلك الزحمة التي يشكلها الأطفال في أزقة القرية وعلى أبواب المنازل.. اليوم لم أر جماعات الشباب وهم يتنقلون من منزل إلى منزل لمعايدة العجزة والمرضى بفرحة تعبّر عنها ضحكاتهم المنطلقة من أفواههم بأصوات مسموعة. اليوم بدا لي عيد (عرقة) عيدا آخر ليس كالأعياد السابقة التي عشتها وعاشتها طيلة عمري, فالبؤس بدا لي بوضوح على محيا الآباء وبدا لي العبوس في جو القرية العام والخوف مقروء بوضوح في عيون الشباب ومن خلال نظرائهم التائهة في سماء المجهول. البؤس والعبوس وضعان خلفتهما الكارثة التي كادت تقضي على القرية وما حولها من القرى ومن فيها من بشر وشجر وحجر لولا لطف الله بهم وما نتج عنها من أضرار بالغة لحقت بالسكان فمن بينهم من تهدمت منازلهم وأصبحوا وما يزالون في العراء والبعض منهم وهؤلاء كثر.. التهمت السيول أراضيهم الزراعية وآخرين جُرفت قواربهم ومحركاتها ومعدات الاصطياد التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد. قرية بلا ماء. البؤس لوحة رسمتها على الوجوه نتائج كارثة السيول وأبرزها على الإطلاق توقف تدفق المياه الصالحة للشرب عن المناطق المتضررة بعد أن جرفت السيول مكونات مشروع الماء الذي يعتمد عليه أكثر من أربعة آلاف نسمة في تلك القرى القريبة جداً من شاطئ البحر, وما ترتب على ذلك من متاعب ومعاناة تكبدها السكان منذ ذلكم الحين حتى اللحظة وانتشار البعوض والحشرات الناقلة للأمراض الخطيرة والتي بدأت في الانتشار كالإسهالات والحميات. والخوف الذي قرأته في عيون الجميع تكوّن وولد بسبب معاودة السيول ووصولها للأماكن التي سبق وأن وصلها وألحق بها ما ألحق من أضرار ولو كان بنسب أقل وذلك بسبب بقاء وجود تلك القرى في فوهة الوادي الكبير وعدم تبني أي جهة رسمية أو إنسانية مشروع إنشاء حواجز ودفاعات لحماية تلك القرى من السيول. وبين حالتي البؤس والخوف يقف سخط المواطنين من تفاعل السلطات اليمنية مع ما تعرضوا له والمتمثل في التجاهل التام لهم ولمحنتهم ومعاناتهم المستمرة حتى اليوم وعدم قيامها بما يوحي باحترامها لآدميتهم وما يؤكد اعتبارهم مواطنين يمنيين ورعايا هي مسئولة عنهم وتقف أيضاً بسمة رضا خجولة عن الجهات التي تجاوبت مع استغاثاتهم وبادرت بتقديم المساعدات الإغاثية لهم وفي طليعتها بالطبع "المفوضية السامية للاجئين ومنظمة اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة المساعدة الإسلامية". خلاصة القول إن قرية "عرقة" وضواحيها وهي قرى المحيسير وحصون ال حسين وراعية والعرق ولحجن وتجمعات البدو الرحل على ضفتي وادي عرقه تعيش مأساة حقيقة تتطلب تفاعلا رسميا حقيقيا معها وسرعة في معالجة نتائج كارثة السيول التي حلت بها قبل زهاء شهرين من الآن. عدن الغد