جماعة بشرية من المهمشين "الأخدام" منذ القدم تكتشف معهم عالماً آخر عالماً عجيباً.. في تحليقهم العالي في سماء الصبر ومقاومة الواقع المرير.. انتقلوا من بلدانهم ومن مناطقهم الريفية نظراً لكون الطبقات السامية في البلاد طردتهم واتخذت معهم معاملة العبيد وأشد من ذلك.. طفح الكيل لديهم انتقلوا إلى أطراف المدينة كلاجئين من ظلم القبائل لهم.. كان تحولهم من الويل إلى سقر.. لم يجدوا سوى الصبر ملجأهم.. انتقلنا إلى هناك إلى أرض المعاناة؛ فوجدنا اليأس يكاد يقضي على ما تبقى من بارقة أمل في نفوس سكان "حي السلامي" في منطقة البعرارة محافظة تعز, حيث يعاني سكان هذه المنطقة من العديد من المشاكل، التي تنغص حياتهم، وتجعل أيامهم صعبة للغاية في ظل ظروف الحياة القاسية والتي تلازمهم تحديات خطيرة في نضالهم للبقاء. ونحن في هذا التقرير سوف نحرك أقلامنا لوصف معاناة "الاخدام" والتي تعتبر من أكثر الفئات المهمشة والتي اقتبست الحكومة من اسم التهميش مجالاً لإبعاد أنظارها عنهم بدلاً من تحسين مستواهم المعيشي ودوماً أو في الغالب ما تكون حياتهم بائسة وخدماتهم منقطعة وعلاوة على ذلك تجد الحكومة وأصحاب المصالح من القطاع الخاص والصفوة في المناطق الحضرية غالباً ما يحملون قدراً من العدائية والقسوة في تطبيق سياساتهم وسلوكياتهم ومعاملتهم إزاء تلك الفئات الضعيفة. ليست هي أقدار السماء من جعل وضعهم متدنياً إلى هذه الدرجة.. ولكن قد ربما وصفهم ب"الاخدام" ولون بشرتهم هي التي ظلمتهم إلى هذا الحد وهذه الصفة أو "التسمية" التي دفعت الجهات المعنية والسلطات المحلية بالتعنت المخزي لهذه الطبقة وممارسة سياسة التسلط. يعيش "الاخدام" في مناطق عشوائية معرضة للسيول وبيئة تحمل الأمراض والتلوث ولا توجد فيها الخدمات الرئيسية كشبكات المياه أو الصرف الصحي, كما أن مساكنهم غير صحية وضيقة وتتسرب إليها مياه الأمطار وحتى بعضها ليس فيه دورات مياه ويعيش بعضهم مع الأغنام والمواشي في نفس المنزل وتحيط بهم أكياس القمامة من كل جانب والمستنقعات الراكدة ... وأكثر ما يؤسف؛ الأمية التي تتخبط بين أسرهم وإليكم التقرير ورصد المعاناة: البطالة تخلق الحماقات أول ما وجدنا محلاً للشبس يعمل في طرف "حي السلامي" طرقنا باب المحل لنستفسر صاحبه عن الوضع الذي يعيشه وكيفية التعامل الذي يلقاها من هذه الفئة المهمشة, لكن جوابه أفاد بالمعاملة الطيبة ولكنه قال" هناك البعض من هؤلاء السكان تعاملهم غير أخلاقي فلا يستطيع الواحد أن يأمن على محله أو أن ينشغل في البيع والشراء وعدم التركيز عليهم من محاولة السرقة لكونهم يحترفون هذه المهنة لكنهم ليسوا الأغلبية إنما مجموعة بسيطة من الشباب والذين لم يحصلوا على فرص عمل, حيث ان البطالة هي التي تدفعهم لارتكاب مثل هكذا حماقات. ويردف بالقول " نحن نرثي لهذه الفئة التي همشتها الحكومة وأبعدت منظورها عنها حتى أنك لا تجد فيها ولو أبسط الخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء والمجاري, فالسكان دائماً ما يعانون من كثرة الأمراض الحادة في المنطقة نظراً لأنه لا يوجد لديهم مشروع صرف صحي ولا يتم رفع القمامة التي تكدست أمام أبواب منازلهم فهذا ظلم مقرف تقوم بارتكابه الجهات المعنية. ويردف بالحديث قائلاً" المأساة الكبيرة أن المنطقة بلا متنفس للأطفال مما يدفعهم للعب وسط هذا الحي الذي يمتلئ بالقمامة وبين مياه المجاري الطافحة التي تسبب لهم أمراض أو لعلهم ينقلون هذه الأمراض إلى بقية الأحياء المجاورة , وكذا عدم وجود مركز صحي ونطالب الحكومة والسلطة المحلية ومنظمات الدولية المانحة بمساعدة هذه المنطقة وإنقاذها مما هي عليه اليوم. قصة وراء كسرة خبز أوشكنا الدخول وسط الحي.. البيوت لا بأس بها مقارنة ببعض الفئة المهمشة في مناطق أخرى ومحافظات أخرى, لكن هذا الحي كانت معاناته مختلفة عن بقية الأحياء ابتداءً من ذلك الطفل الرضيع الذي في أحضان والدته يقتات كسرة خبز تبدو يابسة لم يتركنا فضول المشهد بالسير قبل أن نعرف قصة هذا الطفل.. بدأنا بالسلام ولا نعرف من أين نبدأ بالحديث لكن ما هو على أطراف اللسان أن عرفنا بأنفسنا.. وبعد أن عرفوا بدأت تلك الأم "ك. ع. س" بسرد القصة والمعاناة قائلة" كنت متزوجة وقد خلفت خمسة أولاد وهذا محمد ولدي صغيرهم لكن الله شاء أن يصبح يتيماً ولم يقدر له أن يعرف والده الذي أصيب بحادث مروري وأشارت بأصبعها الي وسط الحي قائلة" وذاك المنزل حصلت عليه دية زوجي المتوفي لكنه غير مكتمل".. وأخرجت ورقة شهادة وفاة زوجها والتي اتخذتها وسيلة تستعطف بها قلوب الناس لتستطيع سد رمق الحياة لها ولأولادها.. متابعة في سرد المعاناة وقولها: عدم وجود مشروع مجاري وتكدس القمامة أمام منزلها, فالبعوض لا يتركها ترتاح حتى البعوض له نصيب من إقلاق حياتها. معاناة فتاة أخرى تبدو في ريعان شبابها "ب. ع. ح" من هذه الفئة المهمشة خرجت من باب المنزل لتدلي بمدى معاناتها وإلى أين أوصلت بها مجاديف الزمن بدأت بقولها " أنني مطلقة وأني في هذا العمر الصغير وهي ترثى لحالها وتتبع بالسبب قائلة" الظروف المادية هي التي خلقت الصراعات بيني وبين زوجي وعندي أطفال وأحاول جاهدة في إسعادهم بعد أن تركهم لي زوجي .. وتلحق بسرد الحياه القاسية التي يتجرها أبناء الحي باعتبارها واحدة منهم وذكرت المجاري والتعليم والمياه وما إلى غير ذلك". مشهد يثير الدهشة لم يكن الوقت كافياً لولا أننا استأجرنا دراجة نارية لتنقلنا إلى أزقة الحي وإلى المواطنين لمعرفة أراءهم ومدى الظلم الذي يخيم على رؤوسهم .. تابعنا السير على الأقدام لالتقاط الصور .. صادفنا مشهداً يثير الدهشة ويترك مجالاً واسعاً للحديث لمجرد وصف هذا المشهد فقط: مجموعة غفيرة من النساء بينهن رجل خمسيني العمر إضافة إلى الأطفال الصغار الذين يمرحون ويلعبون بجوار هذا البئر.. حينها كانت لنا في قراءة تعبيرات السعادة على وجوه الصغار مقارنة عميقة مع ملامح المعاناة التي ترتسم على وجوه الكبار.. كان لنا معهم حديث طويل لكن لا يوجد متسع لهذا الحديث لكونه غارقاً في الشكوى والعناء الذي يرافق حياتهم بل كل أيامهم.. هذا الجمع ليس من فئة "الأخدام" فقط بل هناك اختلاط القبائل معهم والذين تتساوى معاناتهم مع هذه الفئة.. عموماً التقطنا صورهم لم نتلقَ أي معارضة منهم أو الانزعاج من التصوير بل غمرتهم الفرحة عندما تحركت عدسة الكاميرا إليهم.. زعماً منهم أن الصحافة ستغير من حالهم وسيستفيقون على مشروع مياه وسط الحي ويزيحون من كاهلهم كل أتراح الحياة وغالباً ما يكون سكان العشوائيات واسعي الحيل بشكل مبهر فيسعون للتصدي لمثل تلك الظروف السلبية. الصورة أولى بالحديث وكان أخر جولتنا أن بحثنا عن عاقل الحارة مكتفيين برأيه.. فلا داعي لزيارة المجلس المحلي والجهات المعنية اذا كانت المعاناة واضحة على السطح والشكوى على اذانهم متكررة والمشهد ليس مخفياً.. بل أن الروائح تعطر الشارع الذي يمر على جوار الحي.. كان لنا لقاء أخير مع عاقل الحارة " قاسم غالب دبوان" الذي بدأ بحديثه عن مدينة الوفاء السكنية التي قام في بنائها البنك الدولي وتنفيذ مشروع التطوير البلدي وإشراف جمعية التكافل- حد قوله. وتابع" هذه المدينة الحكومة قامت في اختيار الأولوية من "الأخدام" من جميع المناطق والذين بلغت معاناتهم الذروة, أي الذين كانت منازلهم في أماكن تجمع السيول أو الذين ينامون في الشوارع مع عوائلهم.. إلخ.. لكن هذه المدينة ليست خالية من المعاناة لكن مشروع المياه لا يأتينا ومشروع المجاري مسدد حتى تطفح المجاري وسط المدينة والكهرباء يعلم بحالها الله".. وتابع عبر صحيفة "أخبار اليوم" قائلاً" نوجه حديثنا وشكوانا لكل المهتمين بحياة وحقوق الإنسان لدعم المشاريع الخدمية التي تخدم المواطن المسكين بدرجة أساسية لأنه لن يستطيع تحمل المزيد من المعاناة ب"وادي السلامي" في البعرارة والتي تواجه مشاكل متراكمة منها القصور الأمني الذي شجع على البناء العشوائي والتوسع العمراني غير المنظم حول المديرية لقرى وأحياء شعبية مترامية الأطراف ونأسف أن يظل واقع السكان بحي السلامي بحالة مزرية جداً". وأنهى حديثه بعبارة اختصر بها كل الحديث قائلاً " بالنسبة لهذه الطبقة المهمشة لا تحتاج إلى وصف معاناتها, فالمشهد والصور هي أولى بالحديث عن نفسها وما يظهر فيها".