أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    بينها مطار صنعاء .. اتفاقية لتفويج الحجاج اليمنيين عبر 5 مطارات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرافيتي اعتراض وتساؤل وتنافر وذهاب بالفكرة إلى الأقصى
نشر في أخبار اليوم يوم 09 - 02 - 2015

تتألف كلمة “غرافيتي” من عبارتين “التاغ” و”الغراف”. تعني الكلمة الأولى التوقيع المُشفّر لفنان الغرافيتي، الذي كتب رأيه أو احتجاجه على الجدار، وتعني عبارة “الغراف” الرسومات.
يعتمد فن الغرافيتي على منطق الكلام المكتوب. ويعتمد كذلك على رسومات ليست أقل عنفا أو احتجاجا من الكلمات. ينصهر الاثنان أحيانا ليشكلا بنياناً بصرياً استفزازياً (كما هو الحال في الأعمال الغرافيكية التي تتبع التوجه الغربي).
تاريخيا، نشأ هذا النوع من العمل الفني في ”مدينة الجداريات”، نيويورك وذلك في ستينيّات القرن الفائت قبل أن يتحول إلى ظاهرة فنية عالمية. غير أن أصوله تمتد في النظر كثيرا إلى فترة ما قبل التاريخ حين كان الإنسان الأول يعبّر عن مخاوفه وأفكاره على شكل كتابات غامضة ورسومات تتبع سياقاً عاطفيا منفعلا. نذكر من تلك الأماكن التاريخية مغارتي “لاسكو” و”تاميرا” كما عُثر لاحقا على بعض الرسومات والنقوش لشعوب بلاد ما بين النهرين، وشمال الجزيرة العربية، كما كان معروفا في الحضارة الفرعونية.
خرائط الغضب
انتشر هذا الفن خصوصاً في أحياء هارلم السوداء الأكثر حرمانا وارتبط بجيل المراهقين والشباب الذين لا تتعدى أعمارهم غالبا الخامسة والعشرين والذين تدفعهم رغبة عنيفة إلى تنفيذ كتابات مضادة للسلطة القائمة وإلى مخالفة السائد بشكل فاضح إن من حيث الألفاظ المشينة أو الرسومات الإباحية. يلعب عامل الرغبة في إثبات الوجود وتحقيق الاختلاف، عن طريق الإشهار البصري، دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة.
ينفذ هؤلاء الشباب، على اختلاف انتماءاتهم وأعراقهم، تلك الكتابات والرسومات، في الأماكن العامة وعلى الجدران الخاصة التي يمتلكها الآخرون أو الدولة. يقومون بذلك بسرعة كبيرة خوفاً من ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم من قبل السلطات التي تحظر تلك الممارسات المخلة بالقوانين والمتعدية على ممتلكات الآخرين.
تقنيا يعتمد هذا الفن بشكل أساسي على الرسم ببخاخات الأصباغ متعددة الألوان بخفّة على الجدران العامة في شوارع المدينة، خاصة تلك التي تقع في زواريب شعبية. كما يستخدم فنانو الغرافيتي أغطية كرتونية للتحكم في مساحة الرش، وأقلاما تنتهي بالإسفنج. غير أن هذا الفن/الظاهرة ما لبث أن امتد إلى الحدائق العامة ومحطات المترو والساحات العامة. إثر هذا الامتداد بدأ فن الغرافيتي يشكل أزمة حقوقية ومادية (قبل أن يتحول لاحقا إلى خطر داهم يهدد كيان السلطات وما تمثله كما بات الحال إبان الثورات العربية).
كلف فن الغرافيتي حتى يومنا هذا دولاً كثيرة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أموالاً طائلة لتنظيف الجدران والممتلكات الخاصة من”خربشات” الغرافيتيين. رصدت السعودية مبلغ عشرين مليون ريال سعودي لمعالجة الجدران ”المتسخة” وتصميم برنامج لاحتواء هذه الظاهرة المتفشية في مدينة جدّة، أما في مدينة برلين الألمانية فقدت عمدت السلطات المختصّة إلى تخصيص مبلغ مالي قدره 1200 يورو إلى كل شخص يدلي بمعلومات حول أي غرافيتيّ..
عابث
ترد فئة من التربويين، والمرشدين الاجتماعيين العرب والأجانب عمل الغرافيتي إلى جملة من الأسباب أهمها عدم النضوج “فالشباب سينضجون يوما ما ويتوقفون عن الخربشة على الجدران” أو أن “دافع التخريب هو سبب ظهور الغرافيتي” أو حتى أن “الغرافيتي هو نتيجة سوء تربية من الصغر”.
ربما تحمل الأسباب المذكورة آنفا شيئا من الطرافة إذ أنها تهمل صوابية ما جاء على لسان أحد الغرافيتيين مجهولي الهوية حين قال “إن أردت أن تعرف ما يجري في مدينة من المدن، انظر إلى جدرانها”. الغرافيتي هو مرآة للأزمات التي تحدد أشكال الدول ومستقبلها وهو روح المدينة الهادر في أوصال الحياة اليومية وظل ساكنيها القانطين أو الثائرين، فمن دفعه “النضوج” إلى إغفال هذه الحقيقة دخل إلى متاهة المظاهر الرتيبة وتكللَ بعدميتها.
يعتبر العديد من الأخصائيين العرب أنه في ظل البطالة المستشرية فإن تقديم “بعض الوظائف البسيطة” لهؤلاء الشباب لن يُبقي لهم متسعاً من الوقت للكتابة على الجدران. ولا شك أن للبطالة والفقر والأزمات النفسية أدواراً لا يستهان بها في نشوء الغرافيتي ولكن أليست حيوية العمل الغرافيتيّ هي من “العوامل” الفاعلة التي أخرجت تلك الأزمات إلى العلن الفاضح وتطلبت بعدئذ إيجاد حل سريع لها؟ أليس مجرد اعتبار الغرافيتي “آفة”هو دليل ساطع على الدفاع عن النمطية في تعارض ساذج مع طبيعة الحياة المتحولة.
ضد الجداريات
لم ينشأ الغرافيتي يوما في بلد من البلدان ليكون “تجميلا” أو “تحسينا” لمظهر المدينة! الغرافيتي الشهير “جارود كنتز″ كان قد صرّح قائلاً: “بدلا من أن نهدم مبنى قديما لماذا لا نرسم عليه بالغرافيتي ونسمّيه “فنا؟” هذا الكلام كان اعتبر سخرية من اعتبار الغرافيتي “فناً تجميليا”.
فن الغرافيتي هو في جوهره اعتراض، تساؤل، وتنافر. إذا غابت عنه هذه العناصر أصبح فناً جداريا له أسبابه وأساليبه الخاصة كما له “تبريكاته” المؤسساتية الحكومية كانت أم المدنية .
فن الجداريات فن من نوع آخر له أصوله ودوافعه ومواطن تنفيذه ولا يجب خلطه “بالغرافيتي”، كما يحصل الآن خاصة في لبنان، حيث يقف الرسام، بعد أن أعدّ الجدار وطلاه بالمواد المطلوبة لتلقّي الألوان أمام العمل ويشتغل عليه ساعات طويلة برفقة مخطط ومساعدين وجمهور.
الغرافيتي “الأصيل” يشبه إلى حد كبير ما تركه الطلاب الفرنسيون على جدران باريس أثناء ثورة مايو 1968 وما رأيناه ونراه على جدران سوريا، ومصر وتونس، ولبنان أيضا وأن تميز هذا الأخير باختلاف نوعي مردّه مناخ الحرية الذي اعتاد عليه وإن كان قد أصبح اليوم مناخا صوريا.
ما يميز فن الغرافيتي اللبناني أنه أكثر تهكماً وفيه أجواء عبثية ما، كما أنه يتمتع ببرودة ذهنية راكمها عبر السنين.
ولعل عمل الفنان يزن حلواني الذي يحمل اسم “غداً يوم أفضل” هو الأكثر تعبيراً عن تلك الفكرة بالتحديد. رسم الفنان بورتريهاً ضخماً لعلي عبدالله، المتشّرد الذي قضى حتفه برداً في شتاء العام الفائت في شارع بيروتي، وأرفقها بجملة “غداً يوم أفضل” المأخوذة من أغنية لفرقة “مشروع ليلى” التي تعد بدورها “غرافيتا لبنانيا سمعيا”. خلد هذا الرسم ذكرى أحد أشهر المتشرّدين في بيروت. وليصير أكثر مصداقية من ناحية كونه عملا فنيا غرافيتيا رسم حلواني بعد أيام قليلة، وجه محمود درويش في المنطقة نفسها محتفلا بذكرى ميلاده. هكذا وضع “علي” البطل الشعبي المأساوي جنبا إلى جنب مع محمود درويش شاعر الأرض فبدا عمله حالة تعبيرية غرافيتية تعبر عن انصهار الجماعة بالفرد، المجهول بالمشهور، العابر بالخالد ليكونوا كلاً واحدا.
لصوصية هادفة
الغرافيتي هو فعل السارق والمسروق! كالنار يلسع ليصقل، مصيره أن ينطفئ متأثرا بالعوامل الطبيعية ومرور الفصول. وهو الفن الذي يتفاعل تحت “صبغات” غرافيتي آخر أراد بدوره “التعليم” وكثيرا ما أراد هذا الفن، بعد انطفاء حريق اللحظة الكاتبة، ذر الرماد في عيون المارين والرافضين لمساءلته: من أنت؟ ماذا تريد؟
لا يقتصر الغرافيتي على التعبير عن النقمة الشعبية أو الثورة على النظام بل نراه يشغل مساحات وجدرانا تنطق بالأزمات الشخصية أو السخرية على الذات وتفريغ الحمولة النفسية بشكل وقح أحيانا، وأحيانا بمنتهى الشعرية أو الطرافة المباشرة. الأعمال التي تقتصر على أقوال مكتوبة بعفوية تنتمي انتماء حقيقيا إلى الفن الغرافيتي أكثر من انتماء “اللوحات” المرسومة على الجدران بتأن وفن ّ(كمثل “جدارية” الفنان التشيلي “إنتي” في شارع الحمرا التي كتب عليها “غريبة نزلت إلى مدينة وغريبة حطت على أحد جدران أبنيتها”).غالبا ما يكون مصدر هذه الكتابات العفوية على الجدران هو الفئة المضطهدة ، أو الفقيرة، أو مجرد “بوهيمية”.
هي صورة عمّا يحدث في المدينة غير الازدهار والإعمار والتسوّق. نذكر من تلك “المكتوبات” سيلاً من الأمثال في شوارع بيروت، والأوتوسترادات التي توصل المناطق ببعضها البعض قلبا وقالبا: “مقهى الصرصار دلهون”، “الحياة جزرة كبيرة” ، “إنتي فيلتر حياتي”، “بغيبتك نزل الشتي”، “ليش ما في كهربا؟”، “أنا أحمد اذكروني ، وإن لم تذكروني فعلى…. ما تذكروني”، “شعبي نعسان”، “يا مُربعي الصادم”، “قلبي من الحامض لاوي، لا مين شاف ولا مين دري” الخ… الحقيقة أن هذا النوع من التعابير حين يتطور أو ترافقه صور يشكل ما يمكن تسميته بالغرافيتي اللبناني الذي تأثر بالأسلوب السائد في نيويورك الثمانينات، بينما استنبط فنانو الدول العربية الأخرى أسلوبهم من الخط العربي الطيّع الذي اعتبره الكثير من فناني الغرب خطاً فنياً بامتياز.
الغرافيتي اللبناني
ما يميز فن الغرافيتي اللبناني أنه نما في جوّ من الحرية فخرج إلى العلن شخصياً ولاذعا لا يترك أحدا “من خيره أو شره” حتى ذاته. لا شك أن حيز التعبير عن الرأي هو على أفضله في لبنان على شرط أن لا تشمل حرية الرأي تلك “في رعايتها” ذمّ أو انتقاد الطبقة السياسية وإلا وقع المحظور. وفي ذلك سخرية كبرى: فها هي صيغة “الحرية التسامحية” الخبيثة تشمل فقط بحنانها تعرض فنان الغرافيتي لذاته بالقدح والذم وإلى مجتمعه المنخور بالفساد. أما أصل الفساد (الطبقة السياسية) فهو المنزه عن النزول للارتطام بالجدران على النحو الذي يستحقه. هو في عليائه يراقب ويبتسم…
نذكر من تلك الأعمال الغرافيتية هذه الأمثال: “لن يموت شعب لديه غرندايزر”، “بوس الواوا”، “خذّ” وهي كلمة بغنى عن التفسير و”طائر الفينيق” الذي صوّر على هيئة طبق من الفروج على صحن وبجانبه شوكة وسكين، “سكرة دايمة” بدلا عن صفرة دايمة. ونذكر أيضا العمل الغرافيتي الذي يحمل اسم “نحن معك” والقول مقرون بمطبوع لميكي ماوس في الإشارة إلى الفتوى التي أحلت دم هذا الفار.
الدفاع عن “ميكي موس” يذكرنا كثيرا بما صنعه الفنان الغرافيتي روبرت بانسكي في الفيديو الشهير الذي نشره على اليوتيوب سنة2013 والذي حاز على أكثر من خمسة ملايين مشاهدة أثناء فترة قصيرة. يظهر في الفيديو متطرفون إسلاميّون، في سوريا، يُحاولون إسقاط طائرة، وبعد أن نجحوا في ذلك يكتشف المشاهد أن الضحية هو الفيل الظريف “دمبو” الشخصية الكرتونية في فيلم ديزني.
بانسكي رسام إنكليزي ”غامض” يتفادى الإعلام والظهور وهو ملقب “بالشهير المجهول، ولعل ذلك ما يحفظ مكانته كرسام غرافيتي حقيقي في عيون الناس. مثير للإعجاب والانتقاد على السواء لحدة تعليقاته على الجدران وبلاغتها البصرية. وصلت أعمال هذا الفنان إلى الجدار الفاصل في فلسطين المحتلة حيث رسم طفلة فلسطينية تقوم بتفتيش جندي إسرائيلي بعملية معكوسة. كما رسم (تعاطفا مع الثورة السورية) بنتاً صغيرة في يدها بالون على شكل قلب أحمر.
فرقة “أشكمان” تعد أهم الفرق الغرافيتية اللبنانية وهي تتألف من الأخوين عمر ومحمد قباني. في إحدى المقابلات الصحفية قال عمر ”أرسم ضمن فريق “أشكمان” الذي يعتمد اللغة العربية، أما اسم الفريق فهو مستوحى من اللهجة العامية اللبنانية “أشكمان”، وهو تعريب لكلمة (echappement) الفرنسية أي عوادم السيارة، كما استوحينا أيضاً وظيفة “الأشكمان” وهي تنظيف السيارة من الأوساخ من الداخل إلى الخارج، فقررنا أن نقوم بالعملية ذاتها بالنسبة إلى المجتمع، ونخرج الأوساخ إلى الخارج، إلى العلن”.
محاولات الترويض
عمدت العديد من الدول إلى تحويل، الغرافيتيين الحقيقيين، خفافيش الليل الدامس الذين يتجوّلون تحت جنح الظلام كي يتركوا آثارهم على الجدران، إلى حمائم سلام في ضوء النهار.
استطاعت بعض الدول “ترويض” فن الغرافيتي عبر سنّ القوانين التي تغّرم الغرافيتيين وصولا إلى زجهم في السجن. كما اعتمدت أساليب أكثر”لطفا” أو”خبثا” (لا فرق)، وذلك عبر تنظيم مهرجانات وتخصيص جوائز للفنانين بعد تخصيص أماكن محددة لهم لكي يرسموا عليها كل ما يريدون وضمن “اللياقة والحدود” التي تفترض ضمنا عدم التعرض للأنظمة السائدة والنافذين في المجتمع.
نعطي مثلا على ذلك ما حدث في مدينة فيلاديلفيا الأميركية سنة 1984 حين طلب عمدة المدينة من الفنانة التشكيلية جين غولدن إدارة شبكة لمكافحة أعمال الغرافيتي. استطاعت أن تبني برنامجا يحمل اسم “برنامج فن الجداريات” تعيد فيه تأهيل مجموعات الشبان العاطلين عن العمل.
قالت الفنانة تمّ “ترويض أفكارهم المتطرفة لصالح المجتمع وتنمية الحس الجمالي لديهم وهكذا تحول شغب الأمس إلى لوحات فنية عملاقة هي دعوة للتآخي والفرح والتغيير”. هناك تجارب عربية ضمن هذا الخط نذكر منها النشاط الذي حمل اسم “واو بلدك” لتمكين المرأة من خلال الغرافيتي وكان من ضمن اللوحات، أو الجداريات المعروضة لوحة للفنانة البحرينية مريم حاجي، التي أظهرت صراعا بين أسد وامرأة، في الإشارة إلى نضال المرأة ضد القوانين الاجتماعية السائدة.يذكر أنه اكتفي بإنجاز هذا “المعرض” في مكان شبه مغلق يشرف عليه هيئات الرقابة على المصنفات الفنية. جاء رسم الغرافيتي على جدران داخلية غير مرئية للمارة.
وبرّر مدير المدينة في أمانة عمّان الكبرى فوزي مسعد ذلك قوله آنذاك “لأننا قد لا نستطيع السيطرة على الأمور في الشارع” بغض النظر عن أهمية “تمكين المرأة في المجتمع” أو المستوى الفني للأعمال فإنها أبعد ما يكون عن فن الغرافيتي إلا من حيث اعتماد الجدار كالقماش المُعدّ للرسم.
أما التجربة اللبنانية في هذا المضمار فهي الأفصح إذا جاز التعبير إذ “انسلخ” جلد المدينة ليدخل إلى صالات العرض الكبرى ولكن بعد حصوله على “طعم” ضد الاعتراض على الأحزاب، السياسات، وأشخاص الدولة السابقين واللاحقين. نذكر من تلك المعارض، المعرض الذي أقيم في “مركز بيروت للفن” تحت عنوان “الجدار الأبيض”. احتضن هذا المعرض إلى جانب 19 فنانا لبنانيا فنانين من أميركا وأوروبا وجاءت الخلطة منمقة تحت رعاية رسمية رافقتها ندوات وورش عمل إلخ..
لبعض الأعمال قيمة فنية كبيرة ولكنها وعلى الرغم من اعتمادها على تقنية الغرافيتي ظلت أقرب إلى الجداريات المؤطرة التي تعرض في الصالات وتعلق في المنازل، وهي كسائر الأعمال الفنية تدخل المزادات العلنية وتباع بالملايين.
خارج الجدران البيضاء لمركز بيروت للفن، انطلق “الغرافيتيون” حينها ليرسموا على جدران المدينة بعد أن حصلوا على خرائط توزيعهم وحازوا على الموافقة على أعمالهم وعلى التراخيص من الدولة اللبنانية وبلدية بيروت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.