بعد أن وصل إلى المنزل عائداً من المدرسة، وقد أعياه التعب وأخذ منه الإرهاق مأخذاً، يستعد "عمار" ذو ال"11" ربيعاً لتحمل عبء آخر ومهمة شاقة، لجلب المياه لمنزله وأسرته التي لم يصلها مشروع المياه منذ ما يزيد على العام ونصف. يخرج عمار كعادته وضمن برنامجه اليومي وهو يحمل دبب الماء في عربية (جاري)، ويقوم بانتظار دوره لكي يحصل على حصته من الماء في مسجد الحي الذي يقطن فيه وسط مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة. عتق القديمة المدينة الصغيرة، التي يعاني أبناؤها صعوبة في توفير مياه الغسل، وهي التي لا تبعد عن بحيرات جوفية سوى بضعة كيلو مترات، يتجرع العديد من أبنائها صعوبة إيجاد المياه وارتفاع أسعارها نتيجة كثرة الطلب عليها. يشكو سكان مدينة عتق الأصليين من توقف مشروع المياه منذ أكثر من عام ونصف، دون أن تقوم السلطة المحلية بالمحافظة بأي حلول لتجاوز هذه المشكلة وعودة المشروع للعمل. تعيش الكثير من الأسر ومنها أسرة (عمار) على استهلاك مياه المساجد بعد السماح من قبل المشرفين عليها بإمكانية قيام الأسر بأخذ حاجتها من مياه الغسل بشكل يومي، وذلك نتيجة توفر آبار لعدد من مساجد المدينة بشكل أهلي وخيري . جامع أبوبكر بن سالم نموذجاً مسجد الشيخ "أبوبكر بن سالم" وسط مدينة عتق أحد المساجد التي أتاحت للمواطنين بأخذ حاجتهم من المياه بشكل يومي، بحسب إمام المسجد الأستاذ/ محمد باعيون، الذي أكد أن المسجد لديه بئر وقف للمسجد تم حفرها على نفقة فاعلي الخير. باعيون- في حديثه ل"يمن شباب نت"- كشف عن استفادة أكثر من 75 أسرة تقوم بالتعبئة بشكل يومي من مشروع مياه المسجد، بعد توقف مشروع المياه العام وذلك نتيجة عدم تقديم السلطة أي حلول لإعادة ضخ المياه للخزان العام. وأشار إلى أن نسبة المياه التي يتم سحبها من البئر أصبحت لا تلبي حاجة المسجد ولا تسد حاجته نتيجة ازدياد سحب المواطنين من المشروع ونزوح البئر وقلة المياه فيها، بسبب السحب الكبير والمستمر مما جعلنا في إدارة المسجد- بالتعاون مع أهل الخير- نقوم بتوفير بوز (وايتات) ماء يتم شراؤها لتزويد خزانات المسجد بها. وأوضح باعيون، أن المشروع خيري ولم يتلق أي دعم من السلطات المحلية سواء في المديرية أو المحافظة أو التخفيف من الأعباء والتكاليف الكبيرة التي أصبح من الصعب توفيرها بعد تزايد عملية استنزاف المياه من قبل الأسر التي تستفيد من المشروع. توقف كل شيء مع الحرب أمين المجلس المحلي بمديرية عتق/ عادل الخليفي، قال "إن الأحداث الأخيرة أثرت على توجهات السلطة المحلية بالمديرية، بعد وضع خطة لحل مشكلة المياه في المديرية بشكل جزئي خلال العام 2014م من خلال مشاريع (بئر العوشة وبئر الجابية وبئر الصحيفة وبئر لجب وربط مناطق قرى آل سليمان بمشروع العوشة)، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وتوقف كل شيء مع الحرب". ويضيف الخليفي- في حديث ل"يمن شباب نت"- "دورنا في السلطة تحديد المكان الذي نريد التدخل فيه بحسب الاحتياج والكثافة السكانية ثم نقوم بالتواصل مع مياه الريف للنزول للموقع وعمل مسح ميداني لتحديد المكان المناسب للحفر. وأشار الخليفي، إلى أن مدينة عتق يوجد لها مصدرين للماء الأول وهو الأساسي حقل الشبيكة والثاني حقل العوشة وهذين المصدرين تشرف عليهم المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي وهم يبذلون جهوداً في هذا الإطار. وأوضح الخليفي أن المدينة تعاني من شح المياه بسبب توسع المباني وكثافة السكان وفي المقابل لا يوجد توسع مقابل في مصادر المياه فلجأ الناس إلى شراء الماء عبر "الوايتات" أو من المساجد، وذكر أن دعمهم لمثل هذه المشاريع يكون محدوداً نتيجة شحة الإمكانيات ومحدودية الدعم المركزي وتوقف الموارد منذ اجتياح المليشيات للمدينة في آواخر مارس 2015. وشدد على المسؤولية المشتركة للحفاظ على المؤسسة العامة للمياه وكل الأصول التابعة لها من آبار وشبكات ومضخات. وأرجع الخليفي، أسباب التعثر إلى شحة الموارد والحرب الأخيرة والربط العشوائي من الشبكات الرئيسية داخل المدينة، وامتناع بعض المشتركين من تسديد ما عليهم من مستحقات مالية للمؤسسة. الكهرباء لم تتوفر "أحمد الكتلة" مدير المؤسسة العامة للمياه بالمحافظة، أكد أن مشروع مياه "العوشة" لم يتوقف إلا أن التيار الكهربائي لم يتوفر بالشكل المطلوب، حيث تعطى ما يقارب من 3 ساعات ولا يوجد هناك دعم من أجل تغطية هذا الانقطاع . ويضيف الكتلة- في حديثه ل"يمن شباب نت"- قمنا بالجلوس مع محافظ المحافظة/ أحمد لملس نحن والمجلس الأهلي بالمدينة وأصدر توجيهات للكهرباء وكميات من الديزل ولكن للأسف إلى الآن لم نحصل على شيء منها. وأشار إلى أن جميع سكان المدينة القديمة لم يقوموا بتسديد ما عليهم من مبالغ للمؤسسة حد تعبيره. رئيس المجلس الأهلي بمدينة عتق/ ناصر لعجل، يخالف قول مدير المؤسسة العامة للمياه، عن توفر المياه حيث يؤكد ل"يمن شباب نت" أن الماء غير متوفر وفي حال وجد فهو للتخدير فقط. وأضاف "أيقنت أن معاناتنا سوف تستمر طويلا ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل في كل مسؤول اختصاصه المياه. وقال "عند وصول محافظ المحافظة أحمد لملس، ألتقيت به وطرحت عليه معاناة المواطنين من انقطاع المياه وقد بذل حلول لحل المشكلة ولكن لم تكتمل ونحن منذ شهرين نحاول اللقاء به ولكن انصدمنا ببرنامج الزيارات والانشغالات والاجتماعات والسفر". معاناة المواطن وسياط بائعي الماء وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وانخفاض سعر العملة في السوق المحلية يوازيه ارتفاع العملات الأجنبية وتأخر المرتبات الشهرية، كل تلك العوامل انعكست سلباً على المواطن البسيط مع استغلال أصحاب "وايتات الماء" (البوز) فرصة انقطاع مشروع المياه. ومع غياب الرقابة أو المحاسبة من قبل الدولة، إلا أن هناك غياب للضمير الإنساني ما جعل أصحاب سيارات الماء يقومون باستغلال انقطاع المياه ورفع سعر "الوايت" الصغير ليصل من 7 إلى 9 آلاف ريال يمني. وفي ظل هذه المعوقات والصعوبات السابقة ولتخفيف معاناة المواطن الذي أصبح ضحية التراشقات الإعلامية، وتحميل كل جهة المسؤولية، يظل السؤال القائم متى يتم حل مشكلة المياه في مدينة عتق؟ ومن الجهات المستفيدة من توقف المشروع عن مدينة عتق القديمة؟.