في صباح السادس والعشرين من يونيو الفائت، كانت “دليلة” أحمد، على موعد مع القدر المشؤم الذي نجت منه لكنه أحال حياتها جحيم لا تطاق. “دليلة” التي كانت تخاف أن تسرق منها الحرب فلذة كبدها، أو احد أقربائها، لم تكن تعلم أنها ستسرق منها قطع من جسدها، وبكبسة زر. تعرضت “دليلة”، الفتاة الريفية، في عقدها الثاني لحادث انفجار لغم، زرعته مليشيات الحوثي في منطقة الشقب، قلب حياتها رأسا على عقب وحولها إلى جحيم حقيقي وحطم أحلامها البسيطة وأفقدها قدميها. وتبخرت الأحلام “دليلة”، البالغة 28 سنة من العمر، والنازحة من الحرب في المدينة إلى إحدى قرى منطقة الشقب صبر الموادم شمال مدينة تعز، تبعتها الحرب إلى هناك. وأثناء عودتها من زيارة والدتها وقضاء أيام صيامها الست من شوال هناك، لم تسلك سوا بضعه أمتار عن منزلها مشيا على الأقدام لتتفاجأ بانفجار مدوٍّ أفقدها وعيها. تسترسل قائلة "فقدت وعيي جراء الانفجار الكبير الذي أفزع سكان قريتي وعندما فتحت عينيَّ وجدت جسدي مشوها إذ بترت ساقيا وتغير مجرى حياتي…". وبتأثر كبير ونبرة حزن وحسرة واصلت "تبخرت أحلامي ودخلت في حالة نفسية حرجة وفقدت السيطرة على أعصابي. فقد أصبحت حياتي مزيجا من الحزن والأسى والحسرة بعد تعرضي لهذا الحادث المشؤوم…". وبصوت متقطع تخنقه غصة وجع عميق، ترافقه عبرات خطت على وجنتيها مشروع حزن مؤرق، تقول: “من سيكون لنا أنا وزوجي وأولادي الثلاثة، من سيعتني بنا، ما ذنبي وذنبهم… يالله لا تتركنا وكن معنا، وانتقم لنا ممن تسبب لنا بكل هذا الألم والمعاناة، وحدك أنت حسبنا ونعم الوكيل". مخزون ألم يحدق الجميع نحو “دليلية” زوجها أمها أولادها، أهلها وكل من كان يقف عند بوابة غرفة العمليات، وقلوبهم مخزن ألم، وعلى وجوههم ملامح وجع مستفز، وهي تخرج بلا قدمين، وبرهان قهر. لقد كان السادس والعشرين من يونيو الفائت، لدليلة هو يوم القدر المعتق بالمآسي الباساقات بطعم القهر، الذي أهدته مليشيا الخراب والدمار، التي قدمت من كهوف مران توزع الموت المغلف في ألغام الحقد ألا مبرر، لدليلة وغيرها من أبناء تعز. جردة جرائم “دليلة” إحدى ضحايا ألغام ميليشيا الحوثي في تعز، التي ظلت تصرخ طوال الوقت بالموت لأمريكا وإسرائيل، ولكنها تمارس القتل طوال الوقت ضد اليمنيين، وتزرعه في كل مكان، ففي تعز فقط حصدت ألغام مليشيات الحوثي 157 شخصاً بإعاقات دائمة. وجاء ذلك في تقرير قدمه “التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعنوان: “ضحايا الألغام في اليمن”. وأفاد التقرير، الذي يرصد ضحايا الألغام خلال الفترة ما بين يناير 2015م، حتى ديسمبر 2016م، أن الألغام تسببت أيضًا في إصابة 527 شخصًا بإعاقات دائمة. وحلّت العاصمة عدن على رأس قائمة المدن المتضررة من ألغام جماعة الحوثي حيث استشهد فيها 164 تليها محافظة تعز التي بلغ عدد شهدائها 157، ثم محافظة مأرب 132 شخصًا، فيما استشهد بقية الضحايا بمحافظات متفرقة. اليوم “دليلة” لم تكن الأولى ولا الأخيرة فإلى متى؟!.