ما تزال قضية تغييب القانون عن إطار حياتنا اليومية هي السائدة في جميع مشاكلنا المبعثرة في الوطن بجميع أحداثه سواء كانت بشقه السياسي أو الأمني أو حتى الإداري وبذلك نجد أن مبدأ تفعيل القانون كقيمة سيادية على الكل هو مطلب يفرض نفسه لإصلاح جميع مكامن الخلل ، فغياب القانون في تسيير الحياة وبث روح المساواة في الحقوق والواجبات يعد أهم عوامل الفوضى الحياتية الشاملة وبذلك لا خيار لدينا سوى تفعيل القانون وجعله ميزان عدل بين الناس. ومن هذا المنطلق والذي يهدف إلى استقامة الحياة من خلال العمل بنواميس القانون حتى لا تتحول الحياة إلى فوضى- فإن المسؤولية الملقاة على عاتق ذوي الشأن بتطبيق القانون في جوانب الحياة ومن لهم صلاحية تسيير حياة الناس وفق مقتضيات القانون وعدم الإخلال بقداسته ومضامينه السامية العادلة الوازعة في نفوس الناس بغية ملازمة الأمن والأمان في حياتهم اليومية على جميع الأصعدة سواء كانت تجارية أو أمنية اجتماعية أو سياسية وهنا نجد أن قضية تغيب القانون في إحقاق الحقوق وتأمين السكينة وتأمين المجتمع ، أمنه وممتلكاته وعرضه وحياته فإن مسألة أخرى نواجهها تفقد هذا القانون قداسته وشرعيته في نفوس المجتمع وتجعل من مؤسسات هذا القانون فاقدة الهيبة وذلك من خلال التعسف في تطبيق القانون والتعسف في استخدام السلطات تجاه المجتمع وأبنائه والذي يفرز - جراء الإمعان في سوء استخدام السلطات - ثقافة التفرقة في أوساط المجتمع إلى شرائح مواطنات متفاوتة .. كما أنه أيضاً يدفع نحو تعزيز ثقافة معادية لسلطة القانون - وليس القانون- بشكلها التعسفي في الممارسة للمسؤولين على تلك المؤسسات . ومن هذا المنطلق أيضاً منا وما زلنا نؤمن بأن غياب القانون كان وما زال سبباً في حالة الفوضى التي نعيشها بدءاً من تمرد صعدة إلى دعوات التآمر والإنفصال إلى تزايد حالات الاختطاف وقطع الطرق التي تكاد تكون شبه يومية وكذلك غياب القانون كان سبباً في تفشي الفساد ونهب المال العام والتهرب الضريبي والجمركي بصورة أصبحت غير مقبولة وتمثل مرحلة خطرة على الوطن. وأمام هذا كله نجد أن لا مناص غير التوجه بقرار سياسي ثابت نحو تحويل الحياة اليمنية إلى قانون يمشي عبر مؤسسات فعلية وفاعلة والتي كان منها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هذه الهيئة التي استبشرنا بها خيراً في تعزيز إرادة مكافحة الفساد بمضامينها الواسعة تجاه المجتمع ومؤسساتها الرسمية ومقتضيات وآليات القانون والدستور والذي لا يمكن الخروج عن نصوصه الشرعية لأي حرب سواء على الفساد أو على تمرد صعدة ودعاة الانفصال أو قطاع الطرق.. وعلى هؤلاء إذا لم نقم بالتعاطي معهم وفق نواميس هذا القانون بما يكفل حقوقهم وحقوق المجتمع عليهم فإننا نجد أن الصورة تتكرر لحالة الفوضى الخارجة عن القانون للمتمردين وقطاع الطرق وجموع المنغمسين في الفساد.. من خلال التساوي في تجاوز القانون السوي المنظم للحياة.. إلى قانون يحمل طابع التعسف القمعي الذي يشكل في معظم حالاته تجاوزاً لحقوق مواطني هذا المجتمع حتى ذلك القاتل أو قاطع الطريق يجب احترام حقوقه التي كفلها له الدستور والقانون والذي وفقه يجب أن يحاسبوا. إذاً هي مسألة في غاية الأهمية يجب علينا إدانتها بقوة كما أنها تمثل قضية خطيرة نتائجها كارثية على استقرار المجتمع وأمنه وهي التعسف في سلطة القانون لبعض مؤسسات الدولة والتي تعتبر بمنهجيتها التعسفية توأماً لغياب القانون وآلة إنتاج لفوضى وربما تكون أخطر من غياب القانون نفسه. بهذه الرؤية التقديرية نجد أنفسنا نختلف بقوة مع مسؤولي هيئة مكافحة الفساد التي بدأت تطغي عليها منهجية راسخة سياسة التعسف في استخدام سلطات القانون في محاربة الفساد.. هناك قاعدة شرعية تقول "إذا كان النهي عن المنكر سيؤدي إلى منكر أكبر منه فالأولى تركه" وهذه القاعدة الشرعية أجد أنها اليوم تنطبق على أداء الهيئة الوطنية للفساد.. وأنا اعتقد وهذا ما أرجو أن يكون أعضاء هذه الهيئة يعتقدونه أيضاً أن أهم منهجية لهذه الهيئة في أن تخلق لها جسور ثقة كبيرة وعميقة في أوساط المجتمع بجميع شرائحه السياسية والاجتماعية والثقافية..وأن تحصن من متانة جسور تلك الثقة ومصداقية قيمها المعنوية والمنهجية.. أن تكون عيون المجتمع عيوناً رادعة لهذه الهيئة وإن إنجاز هكذا ثقة تحتاج إلى إعادة النظر وبصورة فورية وعاجلة لمنهجية السياسة المسيرة للهيئة المبنية على التسلط والتعسف في استخدام القانون من خلال انتهاك أهم مضامين الدستور لتأمين حياة المجتمع الذي تحمي حياته الخاصة وحقوقه الخاصة وملكيته الخاصة.. فليس مقبولاً أو قابلاً للنقاش فقط التعرض لمثل هذه الحقوق الدستورية تحت أي ذريعة كانت حتى لو كانت تمس الجانب الأمني فما بالك أن تكون الذريعة هي مكافحة الفساد. فإذا كانت القوانين النافذة في البلاد قد حفظت للقاتل حقوقه وحددت أطراً قانونية أخرى لمحاسبته وضمنت له حقوقاً كفيلة تمكنه من الدفاع عن نفسه بل إن القانون قد ذهب إلى أبعد من ذلك حين شدد على أهمية الالتزام بإجراءات محددة لضبط ذلك القاتل وإجراءات أخرى في التحقيق وأخرى في سير الإجراءات لتقديمه للمحاكمة..وأن أي إخلال بهذه النصوص الإجرائية والحقوقية في أي من مراحل تقديم المتهم للمحاكمة يبطل القضية برمتها ويعيدها إلى مرحلة الصفر. هذه هي السمة الأبرز في القانون اليمني وفق رؤية المشرع.. ومنها يجب أن نعيد للحياة نواميسها في منهجية القانون.. ومنها يجب أن نحارب المتمردين وقطاع الطرق ومنها نكافح الفساد المالي والإداري دون أن نسقط في حقل فساد أكثر خطورة من ذلك الفساد. قد نجد البعض لديه من الانفعالية في محاربة الفساد ما يمكن شكره عليها لكن التعسف بسلطة القانون لا يمكن أن يشكر عليها أحد.. ولا يمكن أن تكون منهجية سليمة وبداية حسنة لمحاربة الفساد فالاعتقال غير القانوني لن يعالج فساد نهب المال العام.. وانتهاك حقوق المواطنين أيا كانوا في نظر مكافحة الفساد لا يمكن أن يكون في نظر القانون سوى أنه فساد آخر يجرمه القانون.. إننا اليوم بقدر ما كنا نحمل مشاعل أمل في إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد- نجد أن هذا الأمر قد تدحرج إلى أدنى مستوياته.. وأن ملامح هذه الهيئة بدأت ترسم بخيالات تسلطية لن يقبلها المجتمع.. وستجد الهيئة نفسها أنه من خلال سوء استخدامها لسلطة القانون تضع نفسها في وصاف الفاسدين المعنية بملاحقتهم وفق أطر وإجراءات قانونية.. وأؤكد هنا بأن الكل يجب أن يمثل للقانون والقانون وحده وأن القانون هو وحده من يجب احترامه وقداسته.. والقانون وحده هو من يجب أن يكون الفاعل في إجراءات هيئة الفساد التي حدد لها حدوداً في تعاطيها مع جميع مؤسسات المجتمع.. وأن تلك السلطات لا يمكن أن تكون بسقف مفتوحة إطلاقاً.. بل مستحيل ومحال أن يكون سقُف سلطاتها مفتوحة وإلا فإنها ستقع في القاعدة الفقهية "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة" وإزاء ذلك كله نجد أن الهيئة قد تعاطت مع ملف الاتصالات وخاصة شركة باري قروب ورئيس مجلس إدارتها من خلال التعسف في استخدام السلطة وانتهاك حقوق وملكيات دستورية مقدسة لن يقبلها أحد باعتبارها حقوقاً يجب التمسك بها كونها تمس الحياة الخاصة لكل مواطن في المجتمع وأن انتهاك تلك الحقوق له قواعده القانونية التي كفلها القانون والدستور. ولذلك فإن تزايد الشواهد التي تتجه نحو استمرار هذه الهيئة المعنية بالفساد- الاستمرار في سوء استخدام السلطة والتعسف بالقانون وانتهاك الحقوق وهو ما يتم إجراءه بصورة غير مسبوقة مع شركة "باري قروب" وطبيعة عملها مع شركة تيليمن كان أبرزها الإقامة الإجبارية التي يتعرض لها مستثمر أجنبي، وإجراءات التحقيق التي تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ونقل صورة مشوهة عن واقعية التسهيلات التي تمنح للمستثمرين الأجانب، وللحديث بقية.