قتال متقطع، وزخات من الرصاص لاتلبث أن تهدأ في ساعات الظهيرة. حتى تعاود أكثر هديراً وشراسة مع قدوم خيوط الليل الأولى.الذي تتحول معه ضفتي وادي «المديار» إلى متارس للموت ومواقع لقنص الأروح. على مدى سبع سنوات عجافٍ، في ظل صمت الجهات الأمنية والمعنية وعدم سعيها لحل النزاع المحتدم الذي بدء بين أسرتين ووصل حالياً إلى أربع أسر. ولاندري ماذا يخبيء المستقبل.تحقيق:نبيل الصعفاني[email protected]أنطلقت رحلة صناع السلام من العاصمة صنعاء صباح يوم الجمعة الفائت حيث كان عدد من ممثلي الصحف الأهلية والحزبية قد حزموا حقائب السفر متجهون صوب منطقة القفر بمحافظة إب التي تقع في أطرافها عملية إقتتال منذ سبع سنوات بين قبيلة الشيخ غيلان أحمد الزبدي من عزلة بني عُمر التابعة لمحافظة إب وبين قبيلة الشيخ الحفصي الواقعة في منطقة قرضان مغرب عنس محافظة ذمار في بادرة إعلامية إنسانية هدفها تسليط الضوء على عملية ثأر وإقتتال متبادلة بين أطراف نزاع طال أمده وغابت في حلقاته لغة الحوار والبحث عن تصالح يوقف تراشق الرصاص وقطرات الدماء التي خلفت حتى اليوم مابين خمسون قتيلاً ومئة جريح وعشرات اليتامى والأرامل إضافة إلى خسائر جعلت من طرفي النزاع يخسرون مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الواقعة في منطقة المواجهة بعد أن تركها الإقتتال الدائر عرضة لجرف السيول وعوامل الطبيعة التي حولتها إلى أرض قاحلة. إلا من طلقات الرصاص الفارغة التي تتناثر فوق ترابها لتزيدها تصحراً بعد أن كانت مصدراً للخصوبة وزراعة الحبوب وغيرها من الغلال النافعة والمساعدة على إستمرار الحياة في منطقة تعاني من شحة مصادر الدخل وإنعدام المشاريع الخدمية.علامات الإستنفار مستمرة نحن والزملاء الأعزاء الذين شاركوا في هذه القافلة المغامرة حيث تجشمنا معاً متاعب السفر وقطعت السيارة التي تقلنا منحدرات متنوعة هبوطاً وإرتفاعاً مروراً بعدد من القرى والعزل التي يصعب سردها لكثرة مسمياتها غير أننا وصلنا إلى قرية «شرعة» في الساعة الثانية ظهراً وكان في إستقبالنا هناك مجموعة من أبناء القرية الذين كانت تظهر عليهم علامات الإستعداد والتأهب من خلال مايحملونه من أسلحة تقليدية جعلتنا نشعر ونحن نتناول طعام الغداء أننا نعيش في أجواء هي خليط من الخوف وغياب مظاهر الأمن والإستقرار، لقد ظهر على جميع من جلسوا معنا عقب الغداء علامات الشكوى من غياب الدولة والحكومة وكانت شكاويهم ملخصة ومتشابهة وكلها تؤكد عمق المأساة التي حلت بهم. إذ أن معظم من كانوا يجلسون معنا وصلوا من قرية تقع تحت القرية التي نجلس فيها والتي تعد آمنة نسبياً مقارنة بقرى المواجهة اليومية التي تختلط فيها أصوات الرصاص مع بزوغ النهار وتشتد ضراوة مع حلول ساعات الليل حسب أقوال جميع من قابلناهم في هذه القرية التي لم نشاهد فيها من المشاريع سوى مدرسة أصبحت تعاني من تحطم النوافذ وغياب الصيانة الدورية حيث لاماء ولاكهرباء ولاوجود لأي مظهر قد يساعد الناس على إكتساب لقمة العيش بعيداً عن ويلات الإقتتال والثأر المدمر.تفاقم الوضع وإستمرار الرعب المتبادل عند سؤالنا لعدد من الأفراد المسلحين الذي جلسنا معهم أكدوا لنا أن أهالي قرضان وأسرة آل الحفصي هم من فجروا هذه الحرب على إثر الإعتداء بالقنابل على أسرة كانت من أطراف قبيلتهم محسوبة على الطرف الآخر حيث خلف هذا الهجوم ستة قتلى تبع ذلك مناوشات أدت إلى قتل الشيخ الزبدي ومرافقة ويقول أهالي عزلة بني عُمر أن ماحدث للشيخ الزبدي يعد عيباً في أعراف وتقاليد القبيلة لأن عملية قتله تمت غدراً وهو في الطريق ولم يكن يحمل السلاح أو في وضع قتالي يمكنه من الإشتباك مع الطرف المعتدي وهو الأمر الذي أشعل فتيل النزاع في ظل رفض بيت الحفصي الإعتراف بما فعلوه حسب تعبيرهم. وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع وإستمراره في التدهور إلى أن وصل إلى ماوصل إليه من تبادل للمواجهة والإقتتال بين الطرفين ومع غياب التدخل السريع للحكومة تزايد عدد القتلى وتضاعف عدد الجرحى واشتعلت الضغينة ولغة الرصاص وتفاقمت المعاناة وزادت الجروح عمقاً في قلوب من فقدوا أخاً أو أباً في هذا الصراع الدامي بين إخوة الأمس وأعداء اليوم الذي تجمعهم القربى والنسب وتفرقهم الرصاص ورشقات المعدل وغير ذلك من أدوات الموت. أما الطرف الآخر في الإقتتال فهو الشيخ/عزيز غيلان الحفصي من أسرة بيت الحفصي التابعة لمنطقة قرضان مغرب عنس محافظة ذمار وقد فهمنا من أحد مشائخ المنطقة الذي التقينا بهم أن بيت الشيخ الزبدي قد قاموا بالإعتداء على مزعة بُن يملكها بيت الحفصي وقاموا بتكسيرها ليلاً ومن هنا بدأت المشكلة. بعد رفض بيت الزبدي المثول أمام الجهات المختصة والإعتراف بما فعلوه من غيار وتكسير وخراب في مزرعة وأملاك الشيخ/عزيز الحفصي وعندما تفاقمت القضية بين الطرفين بدأ القتال المتبادل. أما في مايخص مساعي الصلح فقد وجدنا إلى أن كلام طرفي النزاع يتطابق خاصة في مسألة الصلح الأخير الذي تم توقيعه من قبل القاضي حمود الهتار الذي كلفه رئيس الجمهورية للعمل على إجراء التصالح بين الطرفين.. يلي ذلك صلح موقع بين الطرفين ووقعه إلى جانبهم العميد علي محسن صالح الذي تم تدخله في القضية بتكليف من رئيس الجمهورية.. غير أن كل عقود الصلح السابقة واللاحقة حسب أقوالهم ماتلبث أن يجف حبرها حتى تخترق من هذا الطرف أو ذاك فبيت الزبدي من قبيلة بني عُمر محافظة إب يؤكدون أن جميع عقود الصلح تخترق من بيت الشيخ الحفصي قرضان محافظة ذمار وكذلك هو الكلام نفسه الذي أكده لنا الشيخ مسعد شداد الذي أكد أن بيت الزبدي ليس لديهم أي رغبة في الصلح وقد وصل بهم الأمر للإعتداء مؤخراً على أطقم الدولة فما بالكم بنا على حد تعبيره. ويقول الشيخ شداد أننا دائماً مستعدون للصلح وهم الذين يرفضون ويخترقون أي صلح نتوصل إليه أو نوقعه. ولأن مشكلة الإقتتال توسعت رقعتها فقد أشتعلت بين أسرتين جديدتين إلى جانب الأسرتين السابقة لاسيما بعد تفجر المواجهة بين أسرة آل شداد وأسرة بيت هاجرة حيث تحسب أسرة شداد على قبيلة الحفصي وتحسب قبيلة آل هاجرة على بيت الزبدي بني عُمر في الطرف الآخر من الصراع وقد يرجع تفجر الإقتتال الجديد إلى توسع المشكلة التي كلما تركت بدون حل سريع زاد إشتعالها وتضاعفت الأطراف المتضررة منها فبعد أن كان الصراع والمواجهة محصوراً على أسرة الشيخ الزبدي من بني عُمر وأسرة الشيخ الحفصي من قرضان مغرب عنس أصبحت اليوم بين أربع أسر ومن يدري ماذا يخبئ المستقبل فيما لو تم تجاهل مايدور في تلك القبيلتين الواقعتين في أطراف محافظتي إبوذمار. الأمر قد يكلف الكثيرمن الأرواح البريئة منها ماسقط ومنها ماسيسقط وكل هذا على مرأى ومسمع من الجهات المعنية في الدولة والحكومة الذي لايختلف أثنان على أنها غائبة في منطقة هي أقرب إليها من حبل الوريد. ومع ذلك لا أحد يكترث بما يجري رغم علم الجميع في قيادة الأجهزة الأمنية والعسكرية وحتى السياسية ومعها الأحزاب وكل من سبق له الإطلاع على هذه القضية التي تبدو غير عصية على الحل فيما لو توفرت النوايا الصادقة.خلاصة القضية والبحث عن الحل لقد تجنبت ذكر أسماء الأشخاص والمشائخ والأعيان الذي قابلناهم من الطرفين حرصاً على عدم زرع الحساسيات وزيادة الطين بلة. نظراً لأن مشكلة الإقتتال أصبحت تملك رصيداً لابأس به من الضغينة ولاتحتاج إلى من يعيد سرد مآسيها بعد أن أصبح عدد القتلى من الطرفين 50 شخصاً ومايربوا على 100 جريح إضافة إلى خسائر مادية ومعنوية. وعلى هذا الأساس فإننا نضع هذه القضية بين طرفي الخصومة أمام الجهات المعنية في محافظة ذمار ومحافظة إب ومعها قيادة وزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية وصولاً إلى القيادة العليا للعمل على معالجة القضية سواءً عن طريق الصلح أو الشرع والقانون.فشل جهود المصالحة بعد فشل جهود المصالحة التي عقدت سابقاً ولاحقاً والتي كان آخرها عقد الصلح الذي تم توقيعه من قبل العميد علي محسن والقاضي حمود الهتار وقبلها عقود صلح عقدت بحضور مشائخ وأعيان وتم خرقها قبل أن يجف حبرها ومن هذا المنطلق فإن جميع عقود الصلح أثبتت فشلها. الأمر الذي يستدعي تدخل الجهات المعنية سريعاً لوقف نزيف الدم الذي يهدر منذ سبع سنوات في ظل صمت الصامتين وتواطؤ المتواطئين وبعض الشخصيات النافذة التي قد تتدخل لدعم هذا الطرف أو ذاك.. والله من وراء القصد المصدر:الأضواءنت