زيارة الأمير بندر بن سلطان إلى موسكو أخيرا أثارت اهتماما كبيرا في الأوساط السياسية في العالم، أولا أن هذه الزيارة هي الثانية خلال أربعة أشهر، وهذا العدد من الزيارات لمسؤولين على مستوى عالي إلى موسكو من المملكة العربية السعودية، تفسير أهميتها مختلف في الغرب وفي روسيا وفي دول عربية، نحن الآن نلاحظ التغيرات في مواقف المملكة العربية السعودية من قضايا عالمية عديدة، فالممكلة العربية السعودية تأخذ موقفا مستقلا والذي يتجاوب مع مصالح العرب ككل أكثر، ومع مصالح المملكة ومع مصالح الاستقرار مع المواضيع الدولية عامة. أولا يلاحظ أن زيارة بندر بن سلطان إلى موسكو ولقائه مرتين، مرة مع الرئيس فلاديمير بوتين ومرة ثانية مع سيرغي لافروف، دليل أنه هذه اللقاءات أصبحت تفصيلية بشكل أكبر، لأن اللقاء مع فلاديمير بوتين يعطي الطرق الأساسية والطرق الجوهرية لتطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين، ولكن عندما يجري الحديث مع لافروف هو دليل واضح أن هذا يدل على أن هناك حديث يجري اليوم عن اجتماع في جنيف2 واحتمال مشاركة المملكة العربية السعودية في عمل هذا المؤتمر وموقف المملكة من الأحداث الجارية في سوريا. لا شك أنه خلال ثلاث سنوات الأخيرة أن المواقف الروسية والسعودية كانت متناقضة، حيث أن روسيا كانت تأخذ الموقف الحيادي موجه لوضع حد للاشتباكات المسلحة، لأن المملكة السعودية مع بعض الدول الخليج الأخرى كانت تؤيد القوات المسلحة للمعارضة وهدفها السياسي كان إسقاط النظام وتنحية الرئيس السوري. اليوم الأجواء العالمية تتغير، وتتغير المواقف الأمريكية التي توافق على حضور السلطة السوري في عمل مؤتمر جنيف2، ونسبيا هذا يدل على أن أمركيا وافقت على الحوار ولكن أمركيا حتى اليوم لم توافق على مشاركة السلطة السورية في انتخابات عام 2014. ودور المملكة العربية السعودية لا شك أنه سيكون الدور الأساسي في المسألة السورية. والمسألة السورية ستتطور على طريق الحوار السياسي السوري السوري لحل الأزمة وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة ومتبينة للجميع أو أن تستمر الحرب في هذا البلد، حرب تدميرية تشارك فيها مجموعات مسلحة من أنحاء العالم كله والذي توحد منذ عدة أيام في جبهة إسلامية حيث أن حوالي 10 منظمات دخلت هذه الجبهة، ولقاء ممثلين من الولاياتالمتحدةالأمريكية أخيرا في اسطنبول مع قادة الجبهة الإسلامية دليل واضح أنه بشكل ما أمريكا ترعى النشاط العسكري لهذه الجبهة ضد السلطة السورية بغض النظر أنها رسميا تدين جبهة النصرة كتنظيم موالي للقاعدة والعدو الأساسي للولايات المتحدةالأمريكية. بغض النظر عن كل هذا فالمسؤولين الرسميين يلتقون في اسطنبول مع الجبهة الإسلامية. الدور السعودي في مستقبل الشرق الأوسط مهم جدا وخصوصا في سوريا، ونحن لا ننسى أن هناك توجه آخر، التوجه المستقل الذي يبين مواقف المملكة السعودية عندما عرضت على القيادة الانتقالية في مصر أن تعوض كل الأموال التي تخسرها مصر نتيجة الإصرار الأمريكي لعودة الاخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، كل هذه التحركات المتشكلة على الساحة السياسية في الشرق الأوسط تدل على نقطة مهمة جدا وهي أن المملكة العربية السعودية هي في طريق تحول سياسي واضح، وهذا التوجه يعتمد على القدرة العربية تدل على أن العالم العربي والعالم الإسلامي أمام إمكانية التحول إلى مركز القوة العالمية، والقوة الإقليمية، لأن دلائل التعاون المصري السعودي حيث مصر الدولة العربية الكبيرة وقريبا سيكون عدد سكانها 100 مليون نسمة والمملكة العربية السعودية التي تملك موادا اقتصادية ومالية ضخمة يمكن أن يعطي القدرة لهذا التحول. يجري الحديث كذلك عن إمكانية تصالح المملكة العربية السعودية ومصر مع ايران، وهذه التناقضات التاريخية بين الشيعة والسنة تتراجع إلى خلفية الوضع السياسي الحالي في الشرق الأوسط وفي المقدمة المصالح السياسية العاليا لايران ولدول الخليج وللدول العربية كلها. إشارة إلى هذا الاحتمال وارد، وزيارة وزير الخارجية الايرانية إلى الكويت ولقاءات على مستوى وزارة الخارجية بين الإمارات العربية المتحدةوايران تدل على أن دول الخليج في تحول كذلك. ولا شك أن زيارة بندر بن سلطان إلى موسكو تدل على أن الدول العربية تسعى لأن يكون موقف روسيا هو موقف مؤيد للأفكار العربية وبدون شك أنهم وجدوا هذا الدعم وتأكيدا على ذلك هي الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو إلى مصر. وبذلك إذا أردنا أن نأخذ الصورة الشرق أوسطية بكاملها نحن نجد أنه يجري هنا الحديث عن التقارب السياسي والمعنوي بين الدول العربية عامة وروسيا الفدرالية، لا شك أن هذا التقارب سيتجاوب مع مصالح الأمن الروسي والأمن القومي للدول العربية كلها، وهذا لا يعني أن هذه التحركات السياسية معادية لأي دولة أخرى أو لأي طرف ثالث. روسيا أعلنت من البداية أن أي عمل سياسي دبلوماسي روسي في منطقة الشرق الأوسط لا توجه الضرر إلى دول أخرى مثلا للولايات المتحدةالأمريكية. دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في الشرق الأوسط واضح تماما وهو دور مهم في المجال الاقتصادي وفي مجال الطاقة وفي المجال المالي ولذلك فإن الزيارات لمسؤولين السعوديين إلى موسكو هو تغيير الخارطة السياسية التي لا يعني أنها موجهة إلى أي أحد. وأنا أقرأ بتمعن كل التصريحات الرسمية من الوزارة الخارجية الروسية وللرئيس الروسي، وأنا أستنتج أن روسيا تؤيد توجه العالم العربي لتركيز قدرته الاقتصادية والاجتماعية لكي يضمنوا التطور الاقتصادي والاجتماعي لدول منطقة الشرق الأوسط.