يقوم عبدالملك الحوثي بتوجيه أنصاره لتأميم كافة مساجد صعدة وإلحاقها بالحوزات العلمية في النجف وكربلاء وقم ومن ثم سيادة رؤية واحدة وتيار سياسي-ديني واحد يتمثل في المذهب الاثني عشري، وهذا أمر خطير جدا ينعكس سلبا على وحدة وأخوة أبناء صعدة الذين عاشوا عشرات السنين بعد ثورة سبتمبر في وئام وتسامح مذهبي مما كان له أكبر الأثر على استقرار معيشة سكان المحافظة وأمنهم، واستطاعوا بفضل الله ثم بفضل تكاتفهم ووحدتهم أن يغزوا كافة أسواق اليمن بمنتجاتهم الزراعية المختلفة خاصة الفواكه والخضروات وهي أجود الأنواع في اليمن. لقد انتهك مسلحو الحوثي حرمة بيوت الله وأرهبوا القائمين عليها والمصلين، ففي هذا الشهر فقط اقتحم الحوثة أكثر من ثلاثة مساجد في صعدة وسيطروا عليها بقوة السلاح وحرموا طلاب التحفيظ من مواصلة دراستهم في تلك الجوامع إضافة إلى حصارهم لمجمع دماج التعليمي "السلفي" وكذا إجبار المدارس على ترديد شعارهم في طابور الصباح ...الخ. تلك الاعمال تعد مؤشرا خطيرا على نية الحوزات الشيعية في قم على فرض الاثني عشرية على اليمنيين بقوة السلاح لأسباب طائفية، مستغلين ضعف الدولة وعدم قدرتها على بسط نفوذها وهيبتها في صعدة ومحافظات أخرى وتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة للجميع. إن مما يؤسف له أن حكومة إيران تسعى لمضاعفة معاناة اليمنيين وسفك دمائهم بالمال والسلاح الذي تقدمه للحوثيين، حيث انها تقدم المال بيد والسلاح باليد الأخرى وبذلك فإنها تمارس سياسة حليفها السابق القذافي الذي صرح بأنه على استعداد لتقديم ستين مليون قطعة سلاح ولغم لتخريب اليمن، أي بمعدل قطعتين إلى ثلاث قطع لكل مواطن يمني ينخرط في مشروعه في حينه، وقد نفذ كثير من هذه السياسة فعليا، لكن يبدو ان إيران مستعدة لتقديم أكثر من ذلك بكثير. وحاليا نرى أن إيران تتبع نفس السياسة بتعزيز أنصاره بمختلف أنواع الأسلحة وبالدعم المالي والدبلوماسي، والسفن التي تهرب السلاح الصغير والكبير لا تتوقف، والأموال التي تصل إلى اليمن عبر المطارات أو شركات الأموال مستمرة، وسفير الملالي في صنعاء لم يعد يكتفي بالتحركات السرية واستقبل الحوثة في بيته وفي السفارة، بل أصبح يزور الحوثيين سرا وعلنا في صعدة وفي صنعاء وآخرها قيامه بزيارة مقر أنصار الله "غرفة عمليات مليشيات الحوثي الحربية" في صنعاء، وليته زار مركز دماج ومخيمات النازحين من صعدة المتضررين من عنف الحوثيين ليطلع على حجم الخسائر والدمار الحاصل ببركة أموالهم وأسلحتهم التي يقدمونها لأبناء اليمن مستغلين ظروفهم المعيشية الصعبة التي يمرون بها وبواجهة محاربة أمريكا وبهدف احتلال الحرمين الشريفين باعتبارها أهداف القيادة الإيرانية المركزية منذ قيام الثورة الإيرانية في 1979، وهم بهذا يجعلوا غيرهم يأكل الثوم بدلا عنهم ولا يهمهم في سبيل تحقيق ذلك إذا خسروا حفنة دولارات لليمنيين المستعدين لنصرة مشروعهم التوسعي على اعتبار انهم يمتلكون عائدات نفطية كبيرة تساعدهم في نشر أيديولوجيتهم التوسعية في الدول الأخرى خاصة الدول التي يوجد فيها طوائف شيعية. ومن ناحية أخرى لقد بدأ الحوثيون عملية تطهير واسع ضد فئات مختلفة فبدأوا بتطهير ديني وذلك بإجبار اليهود على مغادرة بيوتهم وممتلكاتهم في صعدة وأصبحوا نازحين في صنعاء، وهذا يعد اعتداء على الحريات الدينية. علاوة على ذلك قام الحوثيون بالتطهير العنصري حيث قاموا بعمليات مسلحة واسعة ضد بعض القبائل في صعدة وأجبروا كثيراً من مشائخها على مغادرة المحافظة واللجوء إلى أماكن أكثر أمنا في صنعاء ومناطق أخرى. وكذلك يمارسون أعمال عنف ضد أتباع المذاهب الأخرى وتطهيراً مذهبياً خاصة لفكر الإخوان والسلفيين وما سبق قوله من تأميم للمساجد وحرب مسلحة على مركز دماج لخير دليل على ذلك. ولم يتوقف الأمر عند ذلك حيث أنهم يقوموا بتطهير وظيفي ضد كل من له رأي مخالف لأطروحاتهم الحاقدة، وذلك بتأميم الوظائف في صعدة وجعلها حكرا على أتباعهم وهذا يناقض أقوالهم ودعايتهم المستمرة الموجهة ضد الأحزاب الأخرى بأنها تعطي الأولوية لأنصارها في التوظيف. ولهذا يساور أبناء المحافظات الأخرى القلق من تمدد الحوثيين وفرض إرادتهم على مناطق مختلفة في حجة والجوف وصنعاء وعمران وذلك باستقطابه الشباب العاطلين والتغرير بهم وحرمان الأطفال الذين يستقطبونهم من مواصلة دراستهم، وهذا انتهاك لحقوق الإنسان خاصة الحق في التعليم وإدخالهم في صراعات مسلحة لا ناقة لهم فيها ولا جمل وتقديمهم كوقود لنار أشعلها أناس من خارج الحدود. إضافة إلى ذلك تواردت الأنباء من صعدة أن الحوثيين يقومون بتطهير المحافظة من المجانين وانتهاك حريتهم وإنسانيتهم، حيث يقومون باعتقال المجانين وتعذيبهم وذلك بتهمة أنهم جواسيس لأمريكا وإسرائيل. وتجاه ما يحدث يبرز سؤال آخر هو متى يتعقل الحوثيون وتتوقف مراهقتهم السياسية والفكرية فيجادلوا الناس بالحسنى وليس بالقوة، أما ما نشاهده حاليا أنهم يعرضون أنفسهم ومجتمعهم إلى خسائر باهظة مادية وبشرية دون مبرر واقعي أو شرعي. وبالنسبة لشعارهم وصرختهم ضد أمريكا فيبدو أنهم يريدون تكرار تجربة الإمام يحيى في صراعه ضد الأتراك واستطاعته الوصول إلى السلطة بفضل الشعارات التي رفعها لنصرة المهب الزيدي.. لكن هذا لم يتحقق إلا بفضل الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا حينذاك وانسحابها من اليمن ومن ثم تقدم الإمام يحيى لملء الفراغ في السلطة. أما أمريكا فهي لا تزال تتزعم النظام الدولي وترسم السياسة الدولية بشكل منفرد أو بالشراكة مع الدول الحليفة لها وهيمنتها تزداد انتشارا وتمددا في كافة أنحاء العالم. ثم إن يمن الحاضر ليس يمن الأمس حيث توحدت البلاد وذابت المذهبية وتعايش الجميع ... إلا إذا استطاعت إيران إعادة تشطير اليمن ودعم فكرة إقامة دويلة شيعية اثني عشريه في شمال الشمال فهذا أمر آخر وفرضية ضعيفة. الأمر الآخر أن الفكر العنصري الذي يتبناه الحوثيون حول أحقية "ال البيت" دون غيرهم في تولي المناصب العليا في الدولة في الجوانب المختلفة الأمنية والمالية والقضائية وأن هذا حق إلهي لهم (!!!) يأخذونه بالقوة وليس بقبول الناس ورضاهم عبر الانتخابات، على افتراض أنهم فعلا من آل البيت. ومن هنا فرغم مشاركتهم في الحكومة الحالية بصورة غير مباشرة ورغم مشاركتهم المباشرة في مؤتمر الحوار ومشاركتهم الغامضة في الثورة الشبابية ...فإنهم لم يقتنعوا بمخرجات الثورة وبإجماع الناس داخل اليمن وخارجه على حل سلمي معين يوقف تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية والمعيشية للمواطنين لأن النتيجة التي وصل إليها الشباب لم تصب بالكامل في صالحهم، ولأن المخرج الذي يحركهم لا يريد إسكات صوت الرصاص وسفك الدماء بين أبناء الشعب الواحد. من هنا تزداد مطالبتهم من جديد بإسقاط النظام بالكامل، وهذا أمر طبيعي يتفق مع أفكارهم العنصرية الضيقة التي لا يمكن أن تقبل بأي حل لا يوصلهم إلى سدة الحكم. أخيرا يلزم توجيه رسالتين –من باب الذكرى تنفع المؤمنين- الأولى للحوثيين؛ وهي أن الطائفية المسلحة لا تخدم أحدا، وأن الأسلوب السلمي هو أفضل وسيلة لإيجاد تواصل إيجابي وفعال. وللعلم إن هناك طوائف شيعيه كثيرة اتبعت وسائل سلمية تركز على التجارة وكسب العيش بطرق شريفة، كالبهرة والاغاخانيين وغيرهم، وبذلك استطاعوا أن يحافظوا على استقرارهم وعلاقتهم الحسنة مع الآخرين. وإذا كانوا يحبون آل البيت كما يدعون فليحقنوا دماء الناس كما فعل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكما فعل ابناؤه وأحفاده من بعده، ولقوا ربهم وسجلهم نظيف من الجرائم وقطع الطرق وتلغيم بيوت الأبرياء، وإذا كانوا فعلا يحبون المتشيعين لآل بيت بدر الدين الحوثي فلا أفضل من أن يقدموا لهؤلاء المال ويوجهونهم لفتح مشاريع صناعية وزراعية وتجارية وتشجيعهم على التعليم بدل شراء الأسلحة وإدخال البلد في سباق تسلح بين مختلف الأطراف المحلية دفاعا عن النفس. والرسالة الثانية للسفير الإيراني في صنعاء بأن اليمن لن تكون لبنان ولا سوريا ولا العراق وأن غالبية اليمنيين لا يرحبون بوجودهم الايديولوجي العنصري، ولذا فستخسرون كثيرا على المدى المتوسط والبعيد، فاليمن مقبرة الغزاة، وإن ربطكم للايديولجيا المتطرفة بالسياسة الخارجية سيجعلكم كمن يحرث في البحر لأن ذلك يكسبكم عداوة كثيرة داخل وخارج إيران. فالدول التي تريد كسب أصدقاء تركز على الأساليب التعاونية وتقوية جسور الصداقة والثقة مع الجميع دون استفزاز لمشاعر الآخرين وقناعاتهم، وها هي اليابان والصين خير مثال على ذلك. ختاما ينبغي الإشارة إلى أن الحوثة قد تحولوا بسرعة كبيرة وسلاسة عجيبة من أصحاب مظلومية إلى ظلمة ينشرون الرعب في كل مكان ويثيرون الأحقاد وينتهكون حرية العبادة "ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ....." .