ما هو رائع ان شعوبنا العربية بات اليوم تعيش اجماعا انسانيا وفلسفة ناضجة كونها أدركت حقيقة واقعها المعاش بعد ان خلعت عن جسدها ثياب الاستبداد المزمن وبدأت للتو السعي نحو غايتها ومستقبلها المأمول. ما حدث في مصر لا يبدو أنه عملا عفويا بل نستطيع الجزم بانه عملا مبيت تم التحضير له مسبقا, لم يكن المستهدف فيه الدكتور محمد مرسي بدرجة اساسية أو جماعة الاخوان المسلمين كما يعتقد البعض بقدر ما هو استهداف للامة العربية والاسلامية على حد سواء. على كل حال لم يعد الشعب العربي ذلك الشعب الذي عرفنها في الماضي ولا يمكن له ان يقبل العودة الى ما قبل ثورة الربيع مطلقا مهما كلفه الثمن واكبر دليل على ذلك ما يحدث في سوريا اليوم رغم التدخلات الخارجية والمؤامرات الدولية إلا ان الارادة الشعبية هي من ستنتصر في نهاية المطاف ولهذا اؤكد ان مشروع الربيع العربي مشروع جبار لا يمكن لأي قوة في العالم احباطه مهما كانت جاهزيتها وما يحدث اليوم لبعض الثورات هو في الواقع مخاض حقيقي يمهد لثورة قادمة خالية من العملاء والمرجفين وكفيلة باجتثاث كل المفسدين والمروجين للأفكار المستوردة ومسوقين الفوضى اولئك الذين لا يمتلكون الا مشروع واحد هو مشروع الانتهازية يعلقون عليه كل احلامهم الهابطة خفافيش الظلام وعباد الدينار والدرهم فاقدين الضمير من يمدون ايادي العون لأعداء الاسلام والمسلمين. لعلنا تابعنا ما حدث في مصر عن كثب بعد ان اتضحت الصورة تماما وادرك الجميع ان ما حصل كان ليس اقل من مجرد خيانة عظمى للثورة ولدماء الشهداء الابرار وبالتالي فالسكوت على مثل هذه الاعمال الانقلابية يعد سقوطا اخلاقيا قبل ان نعتبره سقوطا ديمقراطيا واعتداء مباشر على كل الثوابت الوطنية والسياسية والاجتماعية والانسانية ناهيك عن شرعنة الفوضى منعدمة المرجعية وفاقدة الشرعية والتي غالبا ما تجر الشعوب للحرب والاقتتال. أما بالنسبة لمن يبررون هذا الفعل الجبان ومن يتشفون به نكاية بالإخوان المسلمون لاشك انهم لا يقفون في المكان الصحيح وما يقومون به هو عملا غير صالح لكنهم لا يشعرون. عموما من الطبيعي جدا ان تكبح اي ثورة سواء في ايامها الاولى او في اي زمن كان من عمرها, وهذا احتمال وارد يجب ان يؤخذ بعيين الاعتبار ولكن ما هو مهم هو ان يظل الفكر الثوري حيا والارادة الثورية ثابتة كما هي على ارض الواقع وعلى هذا الاساس نستطيع القول انه من الممكن كبح ومحاصرة اي ثورة لكن من المستحيل إجهاضها. الجدير بالذكر هنا على الشعوب العربية التي شهدت ربيعا عربيا وحققت مكاسب ملموسة على أرض الواقع توخي الحذر ووضع آلية ناجحة لمحاصرة فيروس الفوضى المسبب لحمى الثورات المرتدة, فما اصاب ثورة مصر ربما قد يصيب بقية الثورات العربية, عادة ما تكون الانظمة الجديدة التي انتجتها الثورات حديثة التجربة وضعيفة الخبرة في التعاطي مع مجمل الاحداث والمتغيرات القائمة وبالتالي لاشك انها تكون مربكة حتى على مستوى تحركاتها السياسية في نطاقها العام غالبا ما يوصف بالمحدودية وهذه الظاهرة طبيعية قد تحدث لاي نظام كان حديث المنشأ في الوقت الذي عادةً ما تصاب كثير من الثورات في هذه المرحلة بالانتكاسات يكون سببها الرئيسي احيانا هم الثوار انفسهم او من يسمون انفسهم ثوارا بارتكاب حماقات لا تقل خطرا عن خرق سفينة تقيل وطن برمته مما يجعل الثورة محاصرة بين فكي كماشة الفوضى المصطنعة التي دائما يعمل على انتاجها فلول النظام من جهة ومن يسمون انفسهم ثوار من جهة اخرى في حالة عدم قدرتهم على تصدر المشهد ولهذا يعتقدون ان كل ما يدور حولهم خطا ينبغي تصحيحه وما يقومون به يعتبر امتداد للثورة دون علما ان من يحرك هذه الاحداث هي جماعات مغرضة وان من يقف اليوم الى جانبهم كانوا بالأمس من يوجهون الرصاص الى صدورهم لكنهم يتجاهلون هذا الواقع, الم يكن ارتكاب لمثل هذه الافعال المشينة غباء معقد قد سيطر بالفعل على عقول هؤلاء الجهلة وجعلهم يرتمون في احضان الفلول ليست هذه من المفارقات العجيبة حينما يدعي هؤلاء المتربصين بالثورة انهم ثوار وهم لا يمتون للثورة بصلة.