مازال مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في مارس الماضي آخذاً طريقه في سبيل النجاح وإخراج البلد إلى باحات المستقبل المأمول. إن التفاؤل بتتويج الحوار بالنجاح نابع من عدة اعتبارات، ومستند على مؤشرات تجعل التفاؤل طاغياً على شوائب الخوف والقلق من احتمالات الفشل -لا سمح الله- التي تقويها المستجدات المصرية الأخيرة وعادة التأثر العربي عموماً، واليمني خصوصاً، بالأحداث الداخلية المصرية، نظراً للوضع المحوري لمصر في المنظومة العربية. منذ قيام ثورة سبتمبر قبل خمسين عاماً خاض اليمنيون العديد من المحطات الحوارية منها ما كان متصلاً بتجاوز خلافات إجرائية كالحوارات على قوانين وآليات إدارة الدولة، ومنها ما كان متعلقاً بتجاوز منعطفات خطيرة، ومشاكل سياسية توقفت عليها وعلى المعالجات بشأنها خارطة مستقبل اليمن. ومن تلك الحوارات الفارقة ما نجح، ومنها ما فشل والمهم من كلا الصنفين الناجح والفاشل، أن اليمنيين وهم يخوضون العملية الحوارية الجارية يمتلكون مخزوناً من التجارب الحوارية السياسية تمتد لأكثر من نصف قرن. لقد بدت الملامح الأولى لخبرة اليمنيين في حل خلافاتهم مع صياغة مهندس السياسة اليمنية د. عبدالكريم الإرياني لبنود تسوية سياسية عرفت فيما بعد بالمبادرة الخليجية، ومن ذات الخبرة حرص المتفقون على تلك البنود على إعطائها بعداً إقليمياً ودولياً يمنحها المزيد من المشروعية والقوة، فأرسلت إلى الرياض لتتبناها عبر مجلس التعاون الخليجي كمبادرة وآلية اعتمدها مجلس الأمن الدولي تالياً في قراره (2014) كمرجعية للعملية السياسية في اليمن للخروج من تداعيات أحداث 2011م. تأتي أهمية المبادرة وآلتيها من كونها مرجعية حوارية رسمت خارطة طريق يمنية جنبت البلد حرباً أهلية، كما حدث في ليبيا وسوريا، أو غموضاً في المشهد السياسي كما حصل في مصر، أو توترات سياسية بين الفينة والأخرى كما في تونس. وتأتي قوة المبادرة وآليتها من كونها محل توافق داخلي واسع من الأطراف السياسية الرئيسية، ومحل اتفاق إقليمي ودولي. ومثلما تشكل المبادرة وآليتها حصيلة إيجابية لتجارب اليمنيين الحوارية، فإن الحوار مكون جوهري من مكوناتها يتوقف عليه مصير المبادرة برمتها. وكخلاصة للتجارب الحوارية، فإن اليمنيين تمكنوا من إدخال المجتمع الدولي والإقليمي في إطار المساندة، ما يجعل التفاؤل بنجاح الحوار الجاري يرتكز على عوامل قوية، تجنبه الانتهاء إلى الفشل ومن ثم تفجر الوضع، كما حدث مع وثيقة العهد والاتفاق قبيل حرب صيف 1994م التي خرجت نتيجة لعملية حوارية بين اليمنيين لكنها افتقرت لغطاء إقليمي ودولي كالذي يتوافر للحوار الوطني المنبثق من المبادرة وآليتها. إن الخزينة الحوارية لليمنيين جعلتهم يدركون أهمية منح المبادرة وآليتها المشروعية الداخلية والدولية معاً ما يجعل الإيمان بنجاح الحوار هو الأساس والمنبع للتفاؤل. * صحيفة الناس